إن
سر الكهنوت هو الذي يصنع كل الأسرار وهو الذي يقدمها لنا
على يد
الكاهن. لذلك كلامنا عن هذا السر إنما هو عن
الكاهن نفسه الذي يحمل السر،
ويتضمن أمريْن؛ الأول: واجب
الكاهن نحو الهيكل والمذبح الذي هو المركز
الرئيسي لخدمته، والثاني: علاقة
الكاهن بشعبه،
ما له وما عليه. ولنبدأ بالأمر الأول:
إن
الكاهن يعي أن المذبح هو سر قوة
الكنيسة لأنه يرهب عدو
المسيح والمقاوم لله
إبليس وجنوده.كما يقول
داود
النبي: "هيأت قدامي مائدة (سر
الشكر) تجاه مُضايقيَّ (الشياطين)" (مز23: 5). لأن المذبح يحيي ويجدد عمل
الخلاص الذي صنعه
المسيح بذبيحة جسده لكل العالم. كما يدرك
الكاهن أن الهيكل بمذبحه ومقدساته المنظورة وغير
المنظورة مصدر الامتلاء الروحي والتوشح بقوة الله، ونبع لنوال الحكمة والفضيلة
ومواهب الروح القدس. والعصور الذهبية التي عاشتها
الكنيسة منتعشة كانت بسبب
التهابها روحيًا خدامًا وشعبًا، وكانت تتميز بالغيرة وحب الخدمة والعطاء والفرح
الروحي والتلامس مع قوة الله في وسط الضيقات والشدائد، ولسان الكل يتكلم بعظائم
الله. والسر وراء ذلك كان قدسية الهيكل التي كانت تُرفع القرابين اليومية على
مذبحه المقدس وروحانية
الصلاة وتأديتها بخشوع ورهبة أمام الله ثم مراعاة أوامر
الله ونواهيه الخاصة بقدسية الهيكل وإكمال طقسه الذي اهتم الله به جدًا في
العهد القديم.
كان للهيكل قديمًا قدسية فائقة لظهور مجد الله فيه بطريقة
متميزة تختلف عن أي مكان آخر. فالمسكن الثاني في خيمة الاجتماع كان يطلق عليه
قدس الأقداس، وكان يفصله حجاب عن المسكن الأول الذي يقال له القدس (خر26: 33).
وكان لا يدخله أحد قط حتى من الكهنة سوى رئيس الكهنة مرة واحدة في السنة كما
يذكر
معلمنا
بولس: "يدخُل الكهنة إلى المَسكَن الأول كل حين، صانعين الخدمة.
وأمَّا إلى الثاني فرئيس الكهنة فقط مرَّة في السنة، ليس بلا دم يُقدِّمُه عن
نفسه وعن جهالات الشعب" (عب9: 6، 7). بل إنه كان ممنوعًا على رئيس الكهنة
دخوله في أي وقت. كما أمر الرب
موسى: "وقال الرب
لموسى كلِّم هرون أخاك (وهو
رئيس الكهنة) أن لا يدخل كل وقت إلى القدس داخل الحجاب أمام الغطاء الذي على
التابوت لئلا يموت لأني في السحاب أتراءى على الغطاء" (لا16: 2).
وإن كان قد انشق حجاب الهيكل عندما أسلم
المسيح روحه على
الصليب إعلانًا لمصالحة الله مع الإنسان بموت
المسيح ورفع حاجز العداوة بينهما
وبدء عهد جديد، إلا أن هذا لا يعني أن هيكل العهد الجديد أقل رهبة وجلالًا
وقدسية عن الهيكل القديم. لأنه إن كان الله قد كان يتراءى في سحابة على الغطاء
قديمًا إلا أنه الآن يحل بروحه القدوس الناري على الذبيحة لتقديسها وعلى الشعب
كله لتطهيرهم. وإن كان ترائيه قديمًا كان بين كاروبيْن من ذهب على غطاء التابوت
إلا أنه اليوم قائم على المذبح يحيط به الشاروبيم والسيرافيم ذوو الطبائع
النارية النورانية. وإن كان ترائيه في الهيكل القديم ككلمة مسموعة
لموسى إلا
أنه اليوم يقدم لنا ذاته ككلمة متجسدة لكي يتحد به شعبه في حضور قديسيه الذين
نذكرهم في
القداس طالبين صلواتهم عنا. أما عن ملائكة الهيكل فيذكر البابا
أثناسيوس: أن للهيكل ملاكًا حارسًا لا يفارقه أبدًا يسمى "ملاك الهيكل" وهو غير
ملاك الذبيحة المنوط به الحضور إلى
الكنيسة عند تقريب ذبيحة
القداس الإلهي.
لأنه لا يمكن أن يبقى المذبح بغير ملاك في أي وقت ولو إلى لحظة يسيرة (قانون
7). ويُروي أنه أثناء
القداس شاهد أحد الأشخاص امرأة متشحة بلباس أبيض.
وفي نهاية
القداس عند صرف ملاك الذبيحة ورش الماء لمح الرجل تلك السيدة صاعدة
إلى العلو، فظن في نفسه أنه رأي السيدة العذراء. وبعد
القداس أقبل إليه البابا
كيرلس السادس وسألــه: "إنت شفت إيه النهارده؟" فأجاب: "شفت العذراء يا سيدنا"
فسأله البابا "وأين كانت تقف؟" فأشار إلى المكان. فابتسم البابا وقال له: "لا
يا ابني ليست العذراء.. إنه ملاك الذبيحة".
واجب الكاهن نحو الهيكل وقدسيته:
الهيكل قديمًا:
الهيكل بين الماضي والحاضر:
أمثلة لهيبة الهيكل يجب أن نتذكرها:
يجب أن نتذكر كيف لما نادى الله
موسى من وسط العليقة
"غطَّى
موسى وجهه لأنه خاف أن ينظر إلى الله". وأمره الله "لا تقترب إلى ههنا.
اخلع حذاءك من رجليك، لأن الموضع الذي أنت واقف عليه أرض مقدسة" (خر3: 5، 6).
ونتذكر أيضًا كيف أن أبانا يعقوب بعد أن رأى حلمًا وهو في طريقه إلى حاران، وإذا سلم منصوبة على الأرض ورأسها يمس السماء وهوذا ملائكة الله صاعدة ونازلة عليها، وهوذا الرب واقف عليها. فقال: أنا الرب إله إبراهيم وإله إسحق وها أنا معك. استيقظ يعقوب من نومه وقال: "حقًا إن الرب في هذا المكان وأنا لم أعلم، وخاف وقال: ما أرهب هذا المكان. ما هذا إلا بيت الله وهذا باب السماء" (تك 28: 17،16).
نعم إذا تذكرنا هذا فلا يصح أن نكون أقل من موسى ويعقوب عمالقة الإيمان مخافة من الله وشعورًا برهبة بيته. ويذكر أحد الآباء الكهنة أنه يوم رسامته كان يبكي بشدة ليس حزنًا على حياته العلمانية التي سوف يتركها وإنما لما هو مرسوم في ذهنه عن قدسية الهيكل وناريته وامتلائه بالملائكة وحلول الله فيه، ومن ثم عدم استحقاقه لأن تطأ قدمه أرضية الهيكل. ولا زال في يوم رسامته من كل عام يجتهد أن يسترجع انفعال بكائه الشديد في ذلك اليوم لكي يجدد مشاعر هيبته وإجلاله لقدسية الهيكل وكرامته. لذلك نحن في حاجة لأن نتذكر أقوال آبائنا القديسين الذين أنذرونا بوجوب الحرص على كرامة الهيكل وقدسيته، وتركوها لنا في كتب الكنيسة.
ـ
"لا يتكلم أحد مطلقًا في الهيكل خارجًا عما تدعو إليه الضرورة".ـ "الدخول إلى الهيكل ممنوع على العلمانيين وممنوع أيضًا على الإكليروس إلا في حالة دخولهم إلى الهيكل لتقديس الأسرار ورفع القرابين. فهذا هو السبب الوحيد الذي تجيزه القوانين الكنسية للإكليروس لكي يدخلوا إلى الهيكل. وعلى ذلك فلا يجوز للقسوس أن يدخلوا إليه ويجلسون فيه قبل دخول الأسقف بل يدخلون معه. أما الملك الأرثوذكسي الممسوح بالميرون المقدس فكان يُسمح له بدخول الهيكل ليضع قرابينه على المذبح".
ـ "ليس أحد من الناس خدم المذبح بنجاسة ومات موتًا حسنًا. مخوف هو المذبح فهو محل الأفراح لمن تمسك بنواميسه. وهو هلاك لمن يتوانى".
ـ دخول الرجال والأولاد والبنات إلى الهيكل للتناول أو للاعتراف أو للصلاة أو لطلب أي شيء من الكاهن.
ـ قضاء بعض الشمامسة قداسهم كله وقوفًا وقعودًا في الهيكل وهم ليس عليهم نوبة الخدمة فيه.
ـ كلام الكهنة مع بعضهم أو مع الشمامسة أثناء القداس في أمور مختلفة تخص الكنيسة وأنشطتها أو احتياجاتها ومفروض أن الهيكل هو للصلاة فقط أي للكلام مع الله وحده.
ـ قضاء الكهنة بعد انتهاء القداس لبعض خدمات الشعب أو التفاهم معهم فيها داخل الهيكل. وهذه كلها يجب أن تؤدى خارج الهيكل.
ـ خلو الكهنة والشمامسة في بعض الأحيان من الشعور بالمخافة والرهبة عند دخولهم الهيكل بالرغم من ترديدهم "أسجد قدام هيكل قدسك بمخافتك" أي مفروض أن المخافة تملأ قلوبهم وهم بعد قدام الهيكل أي قبل أن يدخلوه ومفروض أن تُلازمهم كل وقت خدمتهم داخله.
ـ دخول الهيكل في غير أوقات القداسات أو العشيات سواء للصلاة أو لأخذ كتاب للصلاة أو غطاء القدم، ومفروض أن تكون كلها خارج الهيكل ولا يبقى في الهيكل إلا ما يخص الهيكل وحده ولا يستخدم خارجه.
وإن كان الشمامسة هم حُرَّاس الهيكل إلا أن الكاهن هو المسئول في الدرجة الأولى عن إبطال المستحدثات المستجدة على الهيكل واستعادة قدسيته حتى يتقبَّل الله عبادتنا برضا ويشرق بوجهه علينا ويرحمنا ويرفع الضيقات والشدائد عن شعبه. هذا هو الأمر الأول.
أما الأمر الثاني فهو علاقة الكاهن بشعبه، وهى علاقة أخذ وعطاء، يأخذون منه الأسرار والعطايا الروحية ويقدمون له واجبات البنوة. ونبدأ بما نأخذه من الكاهن.
وظيفة الكاهن الأولى هي الصلاة ورفع الذبيحة، لذلك أول ما آخذه منه هو الصلاة أمام مذبح الله من أجلي ومن أجل أي أمر يحتاج إلى تدخُّل الله. لأنه هكذا طلب بنو إسرائيل من صموئيل النبي الصلاة من أجلهم لكي ينقذهم من يد الفلسطينيين قائلين له: "لا تَكُفَّ عن الصراخ من أجلنا إلى الرب إلهنا فيُخلِّصنا من يد الفلسطينيين. فأخذ صموئيل حَملًا رضيعًا وأصعَده محرقة بتمامه للرب، وصَرَخ صموئيل إلى الرب من أجل إسرائيل، فاستجاب له الرب" (1صم7: 9،8) كذلك لما أخطأوا إلى الله بطلبهم ملكًا خافوا الرب وقالوا لصموئيل "صَلِّ عن عبيدك إلى الرب إلهك حتى لا نموت. فقال صموئيل للشعب... وأما أنا فحاشا لي أن أخطئ إلى الرب فأكُفَّ عن الصلاة من أجلكم" (1صم12: 23،19) وكذلك أيضًا لما أخطأ أليفاز التيماني وصاحباه في كلامهم على الله قال له الله: "اذهبوا إلى عبدي أيوب وأصعدوا محرقة لأجل أنفسكم، وعبدي أيوب يُصلِّي من أجلكم لأني أرفع وجهه لئلا أصنع معكم حسب حماقتكم" (أي42: 8). والمسيح له المجد طلب من الآب لأجل تلاميذه قائلًا: "من أجلهم أنا أسأل.. من أجل الذين أعطيتني" (يو17: 9). ومعلمنا بولس يخاطب أهل رومية قائلا:ً "الله شاهد لي.. كيف بلا انقطاع أذكُركُم" (رو1: 9).
أما الأمر الثاني الذي آخذه من الكاهن فهو البركة، لأنه هكذا قال موسى لبني إسرائيل: "أَفْرَزَ الرب سبطَ لاوي ليحملوا تابوت عهد الرب، ولكي يقفوا أمام الرب ليخدموه ويباركوا باسمه إلى هذا اليوم" (تث10: 8). بل إن الله أعطاه نص البركة قائلًا: "كَلِّم هرون وبنيه قائلًا هكذا تباركون بني إسرائيل قائلين لهم يباركك الرب ويحرسك. يُضئ الرب بوجهه عليك ويرحمُك. يرفع الرب وجهه عليك ويمنحك سلامًا. فيجعلون اسمي على بني إسرائيل وأنا أباركهم" (عد6: 27،22).
واضح من أقوال الله أن الله هو الذي يبارك وهو الذي يمنح الاحتياجات المرفوعة عنها الصلاة، وقد يعطي الله البركة والاحتياجات من طالبهما من أجل إيمانه وليس من أجل الكاهن في ذاته لأنه مجرد وكيل فقط مؤتمن عليها.
أما الأمر الثالث الذي آخذه من الكاهن هو معرفة أحكام الله وشريعته لأنه هو المؤتمن عليها، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. حسب كلام الرب لملاخي النبي: "عهدي مع لاوي قال رب الجنود. شريعة الحق كانت في فيه. لأن شَفَتي الكاهن تحفظان معرفة، ومن فمه يطلبون الشريعة لأنه رسول رب الجُنود" (مل2: 7،6،4). وحسب كلامه لحزقيال النبي عن وظيفة رجال الكهنوت: "تُرون شعبي التمييز بين المُقدَّس والمُحلَّل، وتعلمونهم التمييز بين النَّجس والطاهر" (حز44: 23).
وحسب ما قال موسى لأسباط إسرائيل في بركته لهم: "لاوي... يُعَلِّمون يعقوب أحكامك، وإسرائيل ناموسك" (تث33: 10). وقد قال المسيح له المجد لمعلمنا بولس: "الأمم الذين أنا الآن أُرسلك إليهم، لتَفتَح عيونهم كي يَرجعوا من ظلمات إلى نور، ومن سلطان الشيطان إلى الله" (أع26: 18).
لذلك إذا غَمض عليَّ أمر في فهم كلمة الله فعليَّ أن أرجع إلى الكاهن لكي يوضحه لي. وإذا نصحني بكلمة الله فعليَّ أن أستجيب له كأنه بفم الله يتكلم.
أما الأمر الرابع الذي أتطلع إليه في الكاهن وانتظره منه فهو الأبوة الروحية التي من أجلها أدعوه دائمًا بعبارة "أبونا" لأنه ولدني روحيًا في الإيمان. كما خاطب معلمنا بولس أهل كورنثوس: "ليس لكي أُخَجِّلكم أكتب بهذا، بل كأولادي الأحباء أُنذرُكُم. لأني أنا ولدتُكُم في المسيح يسوع بالإنجيل" (1كو4: 15،14). وكما قال لأهل غلاطية: "يا أولادي الذين أتمخَّض بكم أيضًا إلى أن يتصوَّر المسيح فيكم" (غل4: 19). وكما كتب لفليمون من أجل عبده أنسيمس "أطلب إليك لأجل ابني أنسيمُس، الذي ولدتُه في قيودي" (فل10). ومعلمنا يوحنا يخاطب المؤمنين في رسالته: "يا أولادي أكتب إليكم هذا لكي لا تخطئوا" (1يو2: 1).
والأبوة الروحية في الكاهن تحمل ملء معاني الأبوة لأنها تتعدى وتعبر خدمة الروح إلى خدمة النفس والجسد والفكر والعقل وكل الكيان وتصل في مسئوليتها إلى حد بذل الذات كما علمنا المسيح له المجد "والراعي الصالح يَبذلُ نفسهُ عن الخراف" (يو10: 11). وكما عاناها بولس الرسول وعبَّر عنها في قوله: "مَنْ يضعُفُ وأنا لا أضعُفُ؟ مَنْ يَعثُرُ وأنا لا ألتهبُ؟" (2كو11: 29).
لذلك إذا افتقدتُ رعاية الوالدين الجسديين يومًا أستطيع أن أقول مع داود النبي: "إنَّ أبي وأمي قد تركاني والرب يَضُمُّني" (مز27: 10). وضم الرب لي ليس فقط في حضنه الحاني عندما أغلق بابي وأنفرد به، بل وأيضًا في حضن الأبوة الروحية الكهنوتية الحانية الراعية التي أوكل لها مسئولية رعايتي، وبالطبع ليس المقصود الحضن الجسدي وإنما حضن الاهتمام والخدمة العملية روحيًا وماديًا... إلخ.
الأمر الخامس الذي أحتاج إليه من الكاهن هو طلب الصفح والمغفرة عن خطاياي. فمنذ العهد القديم وكانت الشريعة تقضي بأن يعترف الإنسان بخطاياه أمام الكاهن لكي ينال الصفح عنها كما قال الرب لموسى "إن أخطأ أحدٌ.. بعملهِ واحدةً من مناهي الربِّ.. يضع يدهُ على رأس ذبيحةِ الخطية، ويذبحُ ذبيحة الخطية.. ويوقدُ الكاهن على المذبح رائحة سرور للرب ويُكفِّرُ عنه الكاهنُ فيصفحُ عنهُ" (لا4: 27-31). وكما اعترف داود بخطيته أمام ناثان النبي وقال له: "قد أخطأتُ إلى الربِّ. فقال ناثان لداودَ: الربُّ أيضًا قد نقل عنك خطيتك. لا تموت" (2صم12: 13). كذلك أعطى السيد المسيح سلطان المغفرة لتلاميذه قائلًا لهم: "اقبلوا الروح القدس. مَنْ غفرتُم خطاياهُ تُغفرُ لهُ. ومَنْ أمسكتُم خطاياهُ أُمسِكت" (يو20: 23،22).
لذلك من أراد أن يهرب من حكم الموت الأبدي فليهرع سريعًا نحو أب اعترافه لكي يعترف بكل ما يقلقه من خطايا ومعاصي وينال الحل عنها فيغتسل منها. ويقول مع داود النبي "تغسلني فأبيض أكثر من الثلج" وبعدها يقول بفرح "تسمعني سرورًا وفرحًا فتبتهج عظامي المتواضعة" (مز51: 8،7).
قبوله وطاعته - سد احتياجاته - الصلاة من أجله - عدم إدانته
ــ قبوله وطاعته:
إذا افتقدني الكاهن لكي يسأل عني ويطمئن عليَّ ويدعوني إلى بيت الله، أو نصحني وأرشدني لتصحيح خطأ معين، فلا يصح أن أهرب منه أو أنكر وجودي أو أرفض وصية الله على لسانه. لأن المسيح له المجد أوضح لرسله أن من يقبلهم يقبل الله نفسه "من يقبلكم يقبلني، ومن يقبلني يقبل الذي أرسلني" (مت10: 40). ومعلمنا بولس أوصى بطاعته بقوله: "أطيعوا مُرشديكم واخضعوا، لأنهم يسهرون لأجل نفوسكم كأنهم سوف يعطون حسابًا، لكي يفعلوا ذلك بفرح، لا آنيِّن، لأن هذا غير نافع لكم" (عب13: 17). ويشكر الله من أجل طاعة أهل رومية فقال لهم: "شكرًا لله أنكم كنتم عبيدًا للخطية ولكنكم أطعتم من القلب صورة التعليم التي تسلمتموها" (رو6: 17). أما من لا يطيع فأوصى بمقاطعته بقوله "إن كان أحدٌ لا يطيع كلامنا بالرسالة، فَسِمُوا هذا ولا تخالطوه لكي يخجل" (2تس3: 14). لذلك عليَّ أن أقبل تعليم الكاهن كتعليم رسولي آبائي حفظه بالتقليد عن الآباء الرسل القديسين. ومن ثم لا يصح أن أعطى أذني لصوت آخر غريب كما أوصى السيد المسيح "الخراف تتبعه لأنها تعرف صوته. وأما الغريب فلا تتبعه بل تهرب منه، لأنها لا تعرفُ صوت الغرباء" (يو10: 5،4).ـ سد احتياجاته: من يدخل الكهنوت ينقطع عن أعمال العالم ويتفرَّغ لخدمة الله، ولا يَعُد له مورد لمعيشته ولمن يعولهم سوى عطايا من يخدمهم. وقد نظم الله هذا الأمر منذ تأسيس الكهنوت في إسرائيل وتخصيص سبط لاوي لخدمته. فقال لموسى: "وأما بنو لاوي، فقد أعطيتهم كل عُشر في إسرائيل ميراثًا عِوض خدمتهم التي يخدمونها، خدمة خيمة الاجتماع" (عد18: 21). وفي العهد الجديد قال السيد المسيح لتلاميذه: "أيُّ بيت دخلتموه فقولوا أولًا سلام.. وأقيموا في ذلك البيت آكلين وشاربين مما عندهم، لأن الفاعل مستحق أجرته" (لو10: 7،5). ويوصي معلمنا بولس أهل تسالونيكي بأسلوب في غاية الرقة أن يقوموا بواجبهم نحو من يخدمونهم في الرب بقوله: "نسألكم أيها الإخوة أن تَعرفوا الذين يَتعبون بينكُم ويُدبِّرونكُم في الرب وينذرونكم، وأن تعتبروهم كثيرًا جدًا في المحبة من أجل عملِهم" (1تس5: 12، 13). ويعتبره أمرًا منطقيًا أن من يقوم بعملٍ ما يقتات من تعب عمله. فيقول لأهل كورنثوس: "ألستم تعلمون أن الذين يعملون في الأشياء المقدسة، من الهيكل يأكلون؟ الذين يلازمون المذبح يشاركون المذبح؟ هكذا أيضًا أمر الرب أن الذين ينادون بالإنجيل من الإنجيل يعيشون" (1كو9: 13، 14). ويوضح ضآلة عطاياهم الزائلة للجسد مقابل ما يُقدم لهم من عطايا الروح للخلود فيقول لهم أيضًا: "إن كنا نحن قد زرعنا لكم الروحيات، أفعظيم إن حصدنا منكم الجسديات؟" (1كو9: 11).
ومع كل هذه الاعتبارات لواجب سد احتياجات العاملين في خدمة الرب. إلا أن المسيح له المجد وعد بالبركة والمكافأة السماوية لكل من يُقدِّم لهم واجبًا مهما كان بسيطًا. فقال لتلاميذه: "مَنْ يقبل نبيًا بِاسم نبيٍّ فأجر نبيٍّ يأخذُ، ومَنْ يقبل بارًا بِاسم بارٍّ فأجر بارٍّ يأخذُ، ومَنْ سقى أحد هؤلاء الصغار كأس ماءٍ باردٍ فقط باسم تلميذٍ، فالحق أقول لكم إنه لا يُضيعُ أجرهُ" (مت10: 42،41).
ـ الصلاة من أجله: إن البشارة بالإنجيل لا تثمر في حياة السامعين إلا بعمل الله فيها كما يقول معلمنا بولس: "ليس الغارسُ شيئًا ولا الساقي. بل الله الذي يُنْمِي" (1كو3: 7). والبشارة بالإنجيل من ثمارها هداية الناس إلى معرفة الله وإبطال عبادة الأوثان التي هي من عمل الشيطان. لذلك كانت مقاومة الشيطان للكارزين ليست بقليلة. ولذلك لابد من مساندة الله لهم. ووسيلة الحصول على هذه المساندة هي الصلاة. كما كان موسى يُصلِّى رافعًا يديه مُتضرعًا إلى الله من أجل نصرة يشوع على عماليق رمز الشيطان. وهكذا درجت الكنيسة على رفع الصلوات أثناء قراءة الرسائل والإنجيل لكي تثمر كلمة الله في السامعين وكذلك تصلي لكي يعطي الله كلمة للمبشرين بعظم قوة.
ولهذا لا نستغرب أن يطلب بولس الرسول من المؤمنين الصلاة من أجله للكرازة بالإنجيل قائلًا: "مُصلِّين بكلِّ صلاةٍ وطلبةٍ.. لأجل جميع القديسين، ولأجلي، لكي يُعْطَى لي كلامٌ عند افتتاح فمي، لأُعْلِمَ جهارًا بسرِّ الإنجيل، الذي لأجله أنا سفيرٌ في سلاسل، لكي أُجاهِرَ فيه كما يجبُ أن أتكلَّم" (أف6: 18-20). ويَعْتبر صلاتهم عاملًا مُساعدًا له في خدمته فيقول لهم: "وأنتم أيضًا مُساعدون بالصلاة لأجلنا، لكي يُؤدَّي شُكرٌ لأجلِنا.. على ما وُهبَ لنا بواسطةِ كثيرين" (2كو1: 11). ويَطْلُب منهم الجهاد في الصلاة لكي ينقذه الله من المقاومين ويكون هناك قبول لخدمته فيقول: "أطلب إليكم أيها الإخوةُ.. أن تُجاهِدوا معي في الصلوات مِنْ أجلي إلى الله، لكي أُنقذَ مِنَ الذين هُم غيرُ مؤمنينَ في اليهودية، ولكي تكون خدمتي لأجل أُورُشليم مقبولةً عند القديسين" (رو15: 31،30).
ـ عدم إدانته: هناك حادثتان تظهران غضب الله في انتقامه من الذين يتقولون على كهنته. الأولى عندما تكلمت مريم وهرون على موسى بسبب المرأة الكوشية التي اتخذها زوجة. وقالا: "هل كلَّم الربُّ موسى وحده. ألم يكلمنا نحن أيضًا. فقال الرب لهما لماذا لا تخشيان أن تتكلما على عبدي موسى، وحمى غضب الرب عليهما وإذا مريم برصاء كالثلج. وحُجزت خارج المحلة سبعة أيام حتى أُرجعت" (عد12). والحادثة الثانية عندما أخذ قورح وداثان وأبيرام يقاومون موسى مع أناس من بني إسرائيل. فكلم الرب موسى قائلًا: "كَلِّم الجماعة قائلًا اطلعوا من حوالي مسكن قورح وداثان وأبيرام. فطلعوا. وانشقت الأرض التي تحت قورح وجماعته وفتحت فاها وابتلعتهم وبيوتهم. فبادوا من بين الجماعة. وخرجت نار من عند الرب وأكلت المئتين والخمسين رجلًا الذين كانوا معهم" (عد16).
إذًا فليأخذ الحذر من هذه الخطية سواء العاملون في الكنيسة من أعضاء اللجان والشمامسة والخدام والخادمات الذين لا يوجد أكثر منهم انغماسًا في إدانة الكهنة. أو المؤمنون بالاسم، الجهلة بإيمانهم، الذين يتوارثون الكلام السيئ عن حالات فردية أو أحداث نادرة عن الكهنة يرددونها حجة لبعدهم عن الله وعن بيته.
ولكن ماذا لو أن كاهنًا له مخالفات أو تجاوزات معثرة أو معطلة للخدمة أو يُنْظَر إليها على أنها كذلك؟
يُواجَهُ الكاهن أولًا بمحبة ليس من شباب الخدام الحديثي السن ولكن عن طريق أراخنة الكنيسة. وإذا لم يقبل فهناك قنوات مشروعة نظمتها الكنيسة لمراجعة مثل هذا الكاهن. أما النميمة والإدانة فلا تُصلح الكاهن بل إنها تبلبل أفكار الشعب وتعثر الكثيرين. وويل لذلك الإنسان الذي به تأتي العثرة (مت18: 7).
من جهة أخرى مهما تباسط الكاهن في معاملته فيجب أن تبقى هناك مسافة بينه وبين من يتعامل معه حفظًا لهيبة الكهنوت وقدسيته، ولا يصح الخروج عن الحدود في الحديث معه حتى لو كان حديث فكاهة أو مرح.
من جهة ثالثة يخرج الكاهن من بيته لخدمة شعبه ويعود لبيته للراحة ولتأدية واجباته الروحية نحو نفسه ورعاية أسرته، فوقته داخل بيته هو حق أسرته وحق نفسه عليه. ويجب عدم التعدي على حقه هذا خصوصًا أنه موضوع دائمًا تحت الاستدعاء لكل الظروف الطارئة من وفيات وخلافه. فما تبقى من وقت له في بيته قليل في كل الأحوال.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-salaib-hakim/church-connection/sacrament-priesthood.html
تقصير الرابط:
tak.la/5zh5cka