مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب الإنسان الروحي - البابا شنوده الثالث📖

4- العمق في الصلاة

 

ص 27 الباب الثالث: الإنسان الروحي: من صفاته العمق:

 

ص 28 العمق في الصلاة:

لقد تأثرت جدًا من المزمور الذي تضرع فيه داود النبي (مز 130) والذي نبدأ به صلاة النوم، ونقول في أوله:

من الأعماق صرخت إليك يا رب. يا رب استمع صوتي.

من الأعماق صرخت: من عمق القلب والعاطفة. من عمق الاستغاثة، مثلما نقول في المزمور الكبير "مَن عمق قلبي طلبتك" (مز 119). من عمق الإيمان والثقة بأنك ستستجيب. نعم من الأعماق صرخت: من عمق تعبي واحتياجي، من عمق ضعفي وعجزي وعدم قدرتي... من عمق الهاوية التي أنا فيها...

إنها صلاة عميقة، كصلاة يونان وهو في بطن الحوت.

نعم، من الأعماق صرخت إليك، لأنه لا يوجد غيرك مخلص ومنقذ... تمامًا كصلاة الشعب مثلًا، قبل نقل الجبل المقطم... صلاة يتوقف عليها مستقبل الكنيسة كلها...

St-Takla.org Image: Daniel in the lion's den - by Gustave Doré. صورة في موقع الأنبا تكلا: دانيال النبي في جب الأسود، رسم الفنان جوستاف دوريه.

أو لعلها كصلاة في قلب دانيال، وهم يلقونه في جب الأسود... أو صلاة في قلب الثلاثة فتية، وهم يلقونهم في أتون النار... من عمق القلب. من عمق الاحتياج... مثل صوت غريق، وهو ينادي قارب النجاة... ليسرع في الوصول قبل أن يغرق...

كصلاة إيليا، وهو يطلب نزول الماء على محرقته (1مل 18)... أو صلاة الشعب وهو يطوف حول أسوار أريحا (يش 6).

ليس المهم طول الصلاة، أو انتقاء ألفاظها، إنما عمق المشاعر فيها...

صلاة الفريسي كانت أطول من صلاة العشار. ولكن العشار "نزل إلى بيته مبررًا دون ذاك" (لو 18: 14)، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. لماذا؟ لأنها كانت صلاة من العمق: من عمق الاتضاع ص 29 والانسحاق، والشعور بالندم والخِزي... وقف من بعيد، ولم يجرؤ أن يرفع نظره إلى فوق... وكانت ألفاظه القليلة كافيه. لأن الرب نظر إلى أعماقه...

ومثل صلاة العشار، كانت صلاة اللص اليمين.

صلاة قصيرة، ولكنها عميقة. صلاة إنسان في ساعاته الأخيرة، وهو على حافة الموت. ومن أعماقه يتطلع إلى أبديته كيف يكون، فيطلب من الرب أن يذكره. يقول ذلك وهو في عمق الانسحاق، وقد قال لزميله من قبل "أما نحن فبعدل لأننا ننال استحقاق ما فعلنا" (لو 23: 41)... حقًا إنها صلاة مصيرية، لذلك قيلت بعمق... واستُجيبَت.

جملة واحدة يقولها إنسان بعمق "يا رب ارحم" مثلًا. فيتقدم واحد من الأربعة والعشرين قسيسًا، فيأخذ هذه الصلاة في مجمرته الذهبية، ويصعد بها إلى عرش الله كرائحة بخور مع صلوات القديسين (رؤ 5: 8). وإنسان آخر يقول هذه الصلاة عشرات المرات، ولا تصل واحدة منها، كأنه لم يكن يصلي!!

كيف نميز إذن الصلاة التي بعمق؟

إنها صلاة فيها شعور صلة بالله. صلاة بعاطفة، بفهم، بتأمل، بتركيز... بحرارة، بشعور، بحب... صلاة باتضاع بانسحاق... بإيمان، بثقة، برجاء. صلاة بروح وليست مجرد ألفاظ... ليس المهم فيها مقياس الطول، بل مقياس العمق. لأن الكتبة والفريسيين أمثالهم، كانوا لعلة يطيلون صلواتهم!! (مت 23: 14).

إن بولس كان يحب أن يقول خمس كلمات بفهم، أكثر من عشرة آلاف كلمة بلا معنى (1كو 14)... هكذا ينبغي أن نكون في صلواتنا، ونحرص أن تخرج من أعماقنا... وإن اجتمع الطول مع العمق، يكون أفضل جدًا.

أهمية العمق

الإنسان الروحي كتب البابا شنوده الثالث

الإنسان الروحي يجعل الله الأول في كل اهتماماته

---