نحن لا نطلب الغِنَى نحن فقط نطلب الستر، والستر بالمعنى المتعارف عليه بين العامة هو الكفاية وعدم الاحتياج والعوز، فغالبيتنا لا يعرف الثراء وبعضنا لا يقدر إلا أن يحلم به، ولكننا فقط نريد المال الذي يساعدنا في تلبية احتياجات أسرتنا.
فمن أين لنا بالمال الذي نشتري به الطعام والكساء والذي به نحصل علي العلاج والتعليم وبه يمكننا الاتصال والانتقال؟
لا سبيل لنا غير العمل.
وقد رأيت -خلال خدمتي- لبعض الفقراء أو قل لمدعي الفقر أنهم لا يحبون العمل، فإن جاء أحدهم يطلب منا مساعدته في نفقات المعيشة ووجدنا أنه يقوى على العمل وعرضنا عليه العمل فإنه يتعلل بالعديد من الأسباب الواهية التي تمنعه من العمل، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. فيقول أحدهم العمل شاق ويقول الآخر إنه في مكان بعيد وآخر يقول المرتب غير كافٍ وهكذا...
بينما معلمنا القديس بولس الرسول يقولها صراحة:
"فإننا أيضًا حين كنا عندكم أوصيناكم بهذا إنه أن كان احد لا يريد أن يشتغل فلا يأكل أيضًا" (2تس 3: 10).
فَمَنْ لا يريد العمل على الرغم من قدرته عليه فهو لا يستحق الطعام الذي يأكله، وهذا مبدأ إنجيلي ولا مجال للتعاطف مع من يرفضون العمل ويطلبون المساعدة.
ولكن لماذا نجد بعض الناس لا يحبون العمل ولا يهتمون به؟
للأسف إن تعاطف الناس مع مدعي الفقر جعلوهم لا يهتمون بالعمل ماداموا يحصلون علي ما يريدون من مال عن طريق "التسول"، والتسول وسيلة سهلة وغير مرهقة بها يحصلون على المال، ولا يبالي المتسول بكرامته أو بزجر بعض الناس له لأنه في النهاية يحصل على ما يريد.
ولمن يتسوَّلون ولمن يرفضون العمل نقول:
إن العمل قيمة في ذاته حتى أن الله لما وضع الإنسان في جنة عدن يقول الوحي: "وأخذ الرب الإله آدم ووضعه في جنة عدن ليعملها ويحفظها" (تك 2: 15).
فلم يكن آدم -في الجنة- يحتاج للعمل لأن كل شيء كان متاحًا له ولكن الله رأى أن العمل سيعطيه قيمة فأسند إليه الاهتمام بالجنة وبالعمل بها.
العمل وسيلتنا التي حددها لنا الله لكي نحصل على المال والذي يساعدنا بدوره لكي نشتري ما نحتاج إليه لنحيا حياة كريمة فيها الكفاف والرضا.
وعندما لا يكفينا دخلنا المالي نبحث عن عمل أفضل أو عن عمل إضافي، لا نفكر في التسول أو الاقتراض بل في العمل ثم العمل.
قد يرى البعض أن هناك ما يُعْرَف بالأعمال الدنيا (الحقيرة) فما هي؟
ولماذا سُميَت بهذا الاسم وهل هي حقًا أعمال حقيرة؟
أعتقد البعض أن هناك أعمالًا مُشَرِفة وأخرى حقيرة، وساد هذا الاعتقاد في شرقنا حتى صرنا ننظر لجامعي القمامة "الزبالين" - مثلا- نظرة دونية وكذلك لمن يكنسون الشوارع ولعمال المجاري ولغيرهم...
وفي نفس الوقت ننظر للأطباء والمهندسين والمدرسين والمحامين وغيرهم نظرة احترام وتقدير... لماذا؟
لأن مفاهيمنا عن العمل خاطئة، دعوني اسأل:
هل يمكننا تصور الحياة بدون الزبالين والكناسين وهؤلاء الناس الذين يعملون أعمالًا بسيطة؟
لا اعتقد إن الله في اليوم الأخير سيحاسبنا تبعًا لنوعية العمل الذي عملناه ولكنه سيحاسبنا على مدى أمانتنا في تأديتنا لأعمالنا.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-raphael-nasr/family-economics/work.html
تقصير الرابط:
tak.la/a7fwwc8