وقف الأب الكاهن ليعظ في القداس وكان موضوع عظته عن قول معلمنا القديس يعقوب الرسول:
"هلم الآن أيها الأغنياء ابكوا مولولين على شقاوتكم القادمة" (يع 5: 1).
وبينما يعظ أبونا وقد أخذته الحماسة بدأ يتكلم كلامًا صعبًا عن الأغنياء فإذ بأحدهم يقوم من مقعده ليخرج من الكنيسة، تُرى من هو هذا؟
إنه أحد الأغنياء وقد أتى للكنيسة من سفر بعيد ليتبرع ببعض ماله للكنيسة فلما سمع الكلام القاسي عن الأغنياء وعن نهايتهم السيئة فضَّل أن يعود لبيته محتفظًا بماله.
"الأغنياء أشرار" هذه هي فكرة غالبيتنا عن الأغنياء، ولم نعد نفرق بين فكر الكتاب المقدس عن "المال" وعن "محبة المال" أو "الاتكال عليه".
ولو تأملنا شخصيات الكتاب لوجدنا عدد لا بأس به من الأغنياء الأتقياء مثل أبونا إبراهيم أب الآباء الذي اغتنى ببركة الرب له كقول عبد إبراهيم عنه:
"والرب قد بارك مولاي جدا فصار عظيما وأعطاه غنمًا وبقرًا وفضة وذهبًا وعبيدًا وإماءً وجمالًا وحميرًا" (تك 24: 35).
وكما إن الفقر قد يكون عقوبة في بعض الأحيان فإن الغنى أيضًا قد يكون بركة من الرب.
أيوب البار الذي وصفه الوحي الإلهي بأنه "كاملًا" ثم لما عدّدَ سفر أيوب أملاكه قال عنه "كان هذا الرجل أعظم كل بني المشرق" لغناه الجزيل الذي باركه به الرب.
كذلك داود الملك وابنه سليمان الملك الذي قال له الرب:
"وقد أعطيتك أيضًا ما لم تسأله غنى وكرامة حتى أنه لا يكون رجل مثلك في الملوك كل أيامك" (1مل13: 3).
وكثيرون غيرهم في العهد القديم.
وأما في العهد الجديد فعندنا زكا ذلك الغني الشرير الذي صار بارًا لقبوله دعوة سيدنا المسيح له ونال الخلاص هو وبيته (لو 19: 2).
أيضًا الشاب الذي جاء إلى يسوع وسجد له وسأله عمن سيرث الملكوت (الشاب الغني) ترى ماذا كان موقف سيدنا المسيح منه؟
"فنظر إليه يسوع وأحبه وقال له يعوزك شيء واحد اذهب بع كل ما لك وأعط الفقراء..." (مر21: 10).
ولماذا أحبه الرب؟
لأنه لم يجد الكفاية والسعادة في المال فجاء للمسيح يطلب الأبدية السعيدة.
وأما عن أعظم أغنياء العهد الجديد علي الإطلاق فهو "يوسف الرامي" الذي يحكي لنا معلمنا القديس متى الرسول عن دوره في إكرام وتكفين ودفن جسد سيدنا المسيح له المجد بقوله:
"ولما كان المساء جاء رجل غني من الرامة اسمه يوسف وكان هو أيضًا تلميذا ليسوع.فهذا تقدم إلى بيلاطس وطلب جسد يسوع فأمر بيلاطس حينئذ أن يعطى الجسد. فاخذ يوسف الجسد ولفه بكتان نقي.ووضعه في قبره الجديد الذي كان قد نحته في الصخرة ثم دحرج حجرا كبيرا على باب القبر ومضى" (مت57: 27-60).
ماذا لو أن القديس يوسف الرامي لم يكن غنيًا أو كان مجرد إنسان عادي؟
لم يكن ليعمل هذا العمل العظيم الذي عمله في دفن سيدنا المسيح له المجد.
ويزخر أيضًا تاريخ الكنيسة بأغنياء أتقياء مثل إبراهيم الجوهري الذي قال عنه الأنبا يوساب الشهير بابن الأبحّ أسقف جرجا وأخميم:
"أنه كان من أكابر أهل زمانه وكان محبًا لله يوزع كل ما يقتنيه على الفقراء والمساكين، مهتمًا بعمارة الكنائس. وكان محبًا لكافة الطوائف. يُسالم الكل ويحب الجميع ويقضي حوائج الكافة ولا يميز واحدًا عن الآخر في قضاء الحق".
والنهاية فالأغنياء مثل الفقراء فيهم القديسين وفيهم الأشرار، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. فليس من العَدْل أن نصف فئة من الناس بصفة معينة، وليس من الحكمة أن نلجأ إلي التعميم في وصف جماعة من الناس.
"أوص الأغنياء في الدهر الحاضر أن لا يستكبروا ولا يلقوا رجاءهم على غير يقينية الغنى بل على الله الحي الذي يمنحنا كل شيء بغنى للتمتع. وأن يصنعوا صلاحا وأن يكونوا أغنياء في أعمال صالحة وأن يكونوا أسخياء في العطاء كرماء في التوزيع. مدخرين لأنفسهم أساسًا حسنًا للمستقبل لكي يمسكوا بالحياة الأبدية" (1تي17: 6-19).
|
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-raphael-nasr/family-economics/are-rich-bad.html
تقصير الرابط:
tak.la/a3qtqda