الفصل الثاني: 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6
دحض بعض الآراء الخاطئة عن عملية الخِلْقَة:
(1) مذهب الأبيكوريين، وهو القائل بأن الخلق مصادفة، لكن تعدد الأجسام والأجزاء يستلزم وجود قوة خالقة.
(2) مذهب الأفلاطونيين، وهو القائل بوجود المادة من قبل، وهذا يُخْضِع الله للحدود البشرية، ويجعله لا خالقًا بل صانعًا ميكانيكيًا.
(3) مذهب اللاأدريين أو الأغنسطيين، وهو القائل بوجود خالق آخر وهذا يشجبه الكتاب المقدس.
1- لقد نَحَا الكثيرون مناحي مختلفة في صَدَد صُنع الكون وَخَلْق جميع الأشياء، ووضع كلٍ منهم المبدأ الذي يتفق وأهواءه. فالبعض تَوَهَّم أن كل الأشياء وُجِدَت من تِلقاء ذاتها وبمجرد الصدفة، كالأبيكوريين(5) Epicureans مثلًا، الذين يدعون بغرورهم أن لا وجود لتلك العناية التي تهيمن على الكل، وهم في ذلك يناقضون الحق الواضح والاختبار الملموس.
2- فلو صَحَّ زعمهم بأن كل شيء وُجِدَ من نفسه، خلوًا من أيَّة غاية، لنتج من هذا أن جميع الأشياء لا بُد أن تكون قد خُلقت بطريقة واحدة في حال واحدة - متشابهة وغير متميزة عن بعضها. وبالتالي كان يجب، من جهة اتحاد الجسم، أن يكون الكل شَمْسًا أو قمرًا. وفي حالة الإنسان كان يجب أن يكون الكل عينًا أو يدًا أو رِجلًا. الحال غير هذا، بل العكس أننا نرى تمييزًا في الخليقة. فنرى الشمس والقمر والأرض، وفي الأجساد البشرية نرى الرِّجل واليد والرأس. فهذا التمييز يدل على أنها لم تبرز إلى الوجود من نفسها، بل يدل على أنه قد تقدمتها عِلَّة، ومن هذه العِلَّة نستطيع أن ندرك الله كخالق وباعث للكل.
3- والبعض الآخر -وضمنهم “أفلاطون”(6) Plato الذي ذَاعَت شُهرته بين اليونانيين- يزعمون بأن الله صنع العالم من مادة موجودة من قبل لا بداية لوجودها(7)، لأنه لم يكن ممكنًا لله(8) أن يصنع شيئًا ما لم تكن المادة موجودة فِعلًا، كالنجار مثلًا الذي لا يستطيع أن يصنع شيئًا ما لم تكن مادة الخشب متوفرة بين يديه.
4- على أنهم بقولهم هذا لا يدركون أنهم ينسبون الضَّعف لله. لأنه لو لم يكن هو باعِث المادة، بل يصنع الأشياء من المادة الموجودة من قبل، فهذا معناه أنه ضعيف، لأنه إذ ذاك لا يستطيع إيجاد شيء بدون توفر المادة لديه. كما انه لا شك يُعتبر ضَعْفًا من النجار أن لا يستطيع صُنع أي شيء يحتاجه دون توفر الخشب لديه. لأنه يترتب على هذا الزعم أنه لو لم تكن المادة قد توفرت لدى الله لَمَا كان قد صَنَع شيئًا. وكيف يسوغ لنا في هذه الحالة أن ندعوه خالِقًا وبَارِئًا إن كان يدين بقدرته على الخلق لمصدر آخر، أي المادة؟ فلو كان الأمر كذلك لكان الله حسب رأيهم صانِعًا ميكانيكيًا، ليس خالقًا من العدم، ما دام يصنع الأشياء من المادة المتوفرة لديه دون أن يكون هو الباعِث للمادة، لأنه لا يمكن بأي حال أن يُدعى خالقًا ما لم يكن هو الخالِق للمادة التي منها صُنعت جميع المخلوقات بدورها.
5- وأما المبتدعون فيتوهمون لأنفسهم خالِقًا آخر لكل الأشياء، غير أبو ربنا يسوع المسيح، وهم بذلك يبرهنون على منتهى العَمَى. لا يرون حتى نفس الألفاظ التي يستعملونها.
6- لأنه إن كان الرب قد قال لليهود “أما قرأتم أن الذي خلقه من البدء خلقهما ذكرًا وأنثى، وقال من أجل هذا يترك الرجل أباه وأمه يلتصق بامرأته ويكون الاثنان جسدًا واحدًا”، ثم قال أيضًا مُشيرًا إلى الخالِق “فالذي جمعه الله لا يفرقه إنسان”(9)، فكيف يسوغ لأولئك القوم أن يدعوا بأن عملية الخلق لا تُنسب إلى الآب؟ أو -حسب تعبير “يوحنا” الذي يتحدث عن جميع الكائنات بلا استثناء- “أن كل شيء به كان وبغيره لم يكن شيء مما كان”(10)، فكيف يمكن أن يكون الخالِق شخصية أخرى غير الآب؟
← انظر كتب أخرى للمترجم هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
_____
(5) هم أتباع “ابسيكروس” الفيلسوف الوثني الذي ولد سنة 341 ومات سنة 270 ق.م.
(6) أحد فلاسفة اليونان أيضًا عاش من سنة 427 إلى سنة 347 ق.م.
(7) أو غير مخلوقة كبعض الترجمات.
(8) حسب ادعائهم.
(9) (متى 19: 4-6).
(10) (يوحنا 1: 3).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-morcos-dawoud/incarnation-of-the-word/wrong.html
تقصير الرابط:
tak.la/nyg95ky