ج: اللاأدرية ليست مذهبًا حديثًا، إنما هي مذهب قديم ظهر سنة 340 ق.م. وكان من قادته المشهورين " سيشرون" و"أرسيزيلاس" و"كاردينا " وأصحاب هذا المذهب يقولون أننا لا نستطيع أن نجزم بأمر ما، وليس لنا رأي مُحدد في القضايا الإيمانية، ولا نجيب بالنفي ولا بالإيجاب، لأن حكم البشر يختلف من شخص إلى آخر، فما يراه أحد الأشخاص صوابًا يراه الآخر خطأً، والعكس صحيح، وستجد المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام المقالات والكتب الأخرى. بل أن الشخص الواحد قد يختلف حكمه في قضية معينة بحسب أحوال هذا الشخص ومزاجه، بل أن القوانين والشرائع نفسها متباينة، ولذلك يصعب الإجابة على أمر ما بنعم أو بلا، إنما الأفضل أن يقول الإنسان لا أدري. ويقول "سكريفن": "ومن الجائز أن اللاادري لم يصادف أبدًا في طول حياته وعرضها مُحاجة قوية تدافع عن الإيمان بالله، أو الإلحاد، قادرة على أن تحمله على الاقتناع بها... أما اللاادرية بمعنى الامتناع عن اتخاذ موقف فهي ببساطة دلائل على غياب النشاط الفكري أو غياب القدرة على ممارسة هذا النشاط، أو الإفتقار إلى الشجاعة الأدبية" (114).
وما أصعب الكلمات التي سجلها " و. و. ساندور " الذي آمن باللاادرية، حيث كتب يقول "دعني أقدم لكم إنسانًا يشعر بالوحشة والتعاسة أكثر من أي إنسان آخر في العالم... هو إنسان يقول "لا أدري " فهو لذلك بلا إله ويسمونه مُلحدًا... إنني لصاحب صلاحية خاصة في أن أُقدم لكم هذا الإنسان لأنني أنا هو. نعم، أنا نفس ذلك التعس " اللاأدري".. اللاأدريين انتشروا في كل مكان... وربما يدهشكم أن تعرفوا أن " اللاادري " يحسدكم على إيمانكم بالله وثقتكم بالحياة بعد الموت ويُغار من رجائكم المبارك بأن تلاقوا أحباءكم في الأبدية حيث لا وجع ولا موت، وتمنى (اللاادري) أن يعتنق إيمانكم لكي يتعزى به... وأما هو فليس له إلاَّ القبر وانحلال المادة الأولية... أتساءل: هل هذا العبث هو غاية الحياة البشرية وثمر مجهوداتها..؟! قد يتظاهر " اللاادري " بالشجاعة ويواجه الحياة بابتسام ولكنه ليس سعيدًا... وإذ يقف منزهلًا أمام سعة الكون وجلاله، وهو لا يعلم من أي أتى أو لماذا جاء، وينظر بهول إلى فسحة الفضاء وعدم محدودية الوقت، ويشعر بصغر نفسه وضعفها وقصر حياته. ألاَّ تظنون أنه مثلكم يريد أن يكون له إيمانًا يستند إليه ورجاءًا يقويه؟! أنه هو أيضًا يحمل صليبًا... فاللاادري... يتأثر تأثرًا عظيمًا من قوة إيمانكم إذ يشاهد كيف يتغير السكارى ويتجدَّد الإباحيون وقد رأى المرضى والشيوخ والمتروكين وهم يتعزون، وأعجبته أعمال هذا الإيمان الخيرية من إنشاء المدارس والمستشفيات والملاجئ... إن هذه الأرض في نظره ما هي إلاَّ رمث طافٍ في بحور الأبدية لا نور لها ولا أُفق، وفي قلبه وجع وهم لأجل الطافين عليها معه أن يحملهم التيار إلى حيث لا يدرون" (115).
ويكاد الإنسان اللاادري أن يكون قد فقد حريته، أما الإنسان المؤمن فأنه يعيش في ملء الحرية الحقيقية، وفيما يلي بعض فقرات مما قاله " الأب خوان إرياس " عن الحرية، حيث يقول:
" أنا حر عندما أحب ما أعمل وعندما لا أعمل إلاَّ ما أحب.
أنا حر عندما أؤمن بإله خلق كل شيء بحرية.
أنا حر عندما أقبل حرية الآخرين.
أنا حر عندما تكون حريتي أثمن من المال.
أنا حر عندما لا يكون الموت في نظري سوى عبور إلى ملء الحياة وتمامها.
أنا حر عندما أنجح في أن أكون إنسانًا .
أنا حر عندما أتوصل إلى اكتشاف ما يكمن من صلاح في كل مخلوق.
أنا حر عندما أؤمن أن لا شيء مستحيل.
أنا حر عندما أذعن في حياتي لسلطان الضمير.
أنا حر إن كانت حريتي لا تُقدَّر بثمن.
أنا حر إن كانت شريعتي الوحيدة هي المحبة.
أنا حر إن كنت أبذل ذاتي في سبيل الآخرين دون أن يكون الشرط امتلاكهم.
أنا حر إذا كان صوتي يساهم في تحديد مجرى التاريخ.
أنا حر إن كنت لا أنفك أقول " لا " في وجه الطغيان، حتى لو اضطررت إلى المجاهرة بذلك أمام الدبابات.
أنا حر إن كنت لا أنفك أرفع صوتي في غياهب السجن وأطالب بحقي في الحرية.
أنا حر إن كنت أدافع باقتناع وبتحشم الأخطار عن حرية الآخرين.
أنا حر إن كنت أؤمن بأن إلهي أعظم من خطيئتي.
أنا حر إن كنت أؤمن وطيد الإيمان بأن إنسانًا مثلي عاش ومازال بعد موته يحيا إلى الأبد.
أنا حر إذا ما صفعوني لأني قلت بأن الحرية هي الله. وأن الله يدين كل من يدوس حرية إنسان واحد أو يسئ إليها.
أنا حر لما أخاطب الله بدالة بدون تكلف.
أنا حر إذا ما استطعت إبراز انتصاراتي واكتشافاتي ومواهبي وأفكاري، دون أن يحكم عليَّ أحد.
أنا حر ساعة أستطيع حب ما ملكت يديَّ الآن من الحياة. دون أن أهتم للغد.
أنا حر إذا أحببتُ فاكتشفت أن الحب، الذي هو أساس كياننا، ليس إلاَّ ذاك الخالق الذي لا ينفك يحيى ويجدد ما يخلق فينا من سعادة.
أنا حر إن كان الحب وحده قادرًا على تقييدي.
أنا حر إن كنت أستطيع أن أقول " لا " حتى في وجه الله.
أنا حر إن كنت أفضّل بذل حياتي في سبيل إنسان، على بذلها في سبيل فكرة.
أنا حر إن كنت أؤمن بإله لن يندم قط لأنه خلقني حرًا.
أنا حر إن كنت أقدم على الاختيار أيًا كان. لا بدافع المتعة بل لأجد فيه ما يجعل مني إنسانًا.
أنا حر إن كنت لا أيأس من قدرتي على العطاء ولو بشكل محدود.
لذا فعندما أشعر من نفسي بأني حر، أشعر بأني أشبه شيء بالله، فأستطيع المساهمة معه في الخلق والعطاء أو بعبارة أخرى في المحبة، أشعر بأنني إنسان مسؤول.
أشعر بأن يحق لي أن أُدعى باسم خاص بي، يتلفَّظ به الله مرة واحدة فيضفي عليه صفة الخلود والأبدية.
أشعر بأني في صميم حياتي مَلِكُ الخليقة" (116).
_____
(114) د. رمسيس عوض - مُلحدون محدثون ومعاصرون ص 94
(115) أريل البردويل - صوت من الأنقاض ص 74، 75
(116) ترجمة الأب كميل حشيمة اليسوعي ص 21 - 27
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/atheism/happiness.html
تقصير الرابط:
tak.la/t7svr44