الفصل السابع والعشرون: 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7
وإذ وصلنا إلى هذه النتيجة الحاسمة وهي دحض العبادة الوثنية الشعبية، نتقدم الآن إلى النوع الأرقى أي عبادة الطبيعة. كيف تشهد الطبيعة لله باعتماد كل أجزائها بعضها على بعض، الأمر الذي يمنعنا من أن نعتقد في أي واحد منها انه هو الإله العلي. توضيح هذا أخيرًا.
1- ولكن لعل أولئك الذين تخطوا حدود هذه الأشياء، والذين يقفون منزعجين أمام الخليقة، يتشكرون في التبرؤ مما صار دحضه وشجبه على كل الوجوه، إذ قد اخجلوا بالكشف عن هذه الرذائل، ولكنهم في نفس الوقت يظنون أنهم على أساس متين في اعتقادهم الذي لا يُناقش، أي في عبادة الكون وأجزاء الكون.
2- لأنهم قد يفتخرون أنهم يعبدون لا مجرد أخشاب وحجارة وأشكال البشر والطيور والزحافات والبهائم غير العاقلة، بل الشمس والقمر وكل الكون السماوي، والأرض أيضًا، وكل دائرة المياه. وقد يقولون انه لا يستطيع أحد أن يبين بأي حال أن هذه ليست ذات طبيعة إلهية طالما كان واضحًا للجميع انه لا ينقصها الحياة أو العقل، بل تفوق حتى طبيعة البشر، لأن الواحد يسكن السماء، والآخر يسكن الأرض.
3- إذًا فخليق بنا أن نتأمل في هذه النقط أيضًا، ونفحصها، لأن بحثنا هنا أيضًا سوف يبين أن براهيننا ضدها حقيقية. ولكن قبل البدء بأدلتنا أو النظر فيها يكفي القول أن الخليقة ترفع صوتها ضدهم مشيرة إلى الله كخالقها وبارئها، الذي يسيطر على الخليقة وكل الأشياء، والذي هو أب ربنا يسوع المسيح، الذي يتحول عنه الفلاسفة المدعون ليعبدوا ويؤلهوا الخليقة التي أبدعها، والتي هي نفسها مع ذلك تعبد الرب الذي ينكرونه هم بسببها، وتعترف به.
4- لأنه إذا كان الناس يقفون هكذا منذهلين أمام أجزاء الخليقة، متوهمين أنها آلهة، فانه يمكن توبيخهم باعتماد هذه الأجزاء بعضها على بعض، وأنها فضلًا عن هذا تظهر أبا الكلمة (الذي هو رب وصانع هذه الأجزاء أيضًا) وتشهد له بناموس طاعتها له الذي لا ينقض، كما يقول الناموس الإلهي أيضًا (السموات تحدث بمجد الله والفلك يخبر بعمل يديه ((78)".
5- على أن البرهان على كل هذا ليس غامضًا، بل واضح كل الوضوح للذين لم تنطمس بصيرتهم انطماسًا تامًا. لأنه إذا أخذ المرء أجزاء الخليقة منفصلة، وتأمل في كل منها على حدة، كالشمس مثلًا على حدة، والقمر على حدة، وأيضًا الأرض والهواء، والحرارة والبرودة، وعناصر الرطوبة والجفاف، وفصلها عن ارتباطها المتبادل، فانه يجد حتمًا انه لا يمكن أن يكون أحدها كافيًا لنفسه، بل كل منها في حاجة لمساعدة الآخر، وأنها تحتفظ بكيانها بمساعداتها المتبادلة. فالشمس تسير في كل دائرة السماء ولن تتعدى فلكها، والقمر وسائر النجوم تشهد للمساعدة التي تستمدها من الشمس. وظاهر أن الأرض أيضًا لا تعطي محصولها بدون الأمطار، وهذه بدورها لا تهطل على الأرض بدون مساعدة السحب، والسحب لا يمكن أن تظهر من تلقاء ذاتها وتوجد بدون الهواء، والهواء يسخنه الهواء الأعلى(79)، ولكنه يستضيء لامعًا بواسطة الشمس لا من تلقاء ذاته.
6- والآبار أيضًا والأنهار لا يمكن أن يكون لها وجود بدون الأرض. ولكن الأرض لا ترتكز على نفسها، بل هي قائمة على دائرة المياه، وهذه أيضًا محفوظة في مكانها لارتباطها ارتباطًا وثيقًا بمركز الكون. والبحار والمحيطات العظمى التي تتدفق خارجًا حول كل الأرض تحركها الرياح وتحملها حيثما تدفعها قوة الريح. والرياح بدورها لا تنبعث من تلقاء ذاتها، بل وفق من كتبوا في هذا الموضوع، أي تتولد في الهواء من الحرارة المحرقة ودرجة حرارة الهواء العلوي الأكثر ارتفاعًا من الهواء السفلي والذي يهب في كل اتجاه مندفعًا نحو الأخير(80).
7- أما عن العناصر الأربعة التي تتكون من طبيعة الأجساد أي الحرارة والبرودة، والجفاف والرطوبة، فمن ذا الذي اختل توازنه العقلي فلا يعرف أن هذه الأشياء كائنة فعلًا مرتبطة ببعضها، ولكنها إذا فصلت عن بعضها وأخذ كل منها على حدة فإنها تميل إلى أن تلاشي حتى بعضها بعضًا وفق القوة الأعظم في العنصر الأوفر. لأن الحرارة تلاشيها البرودة أن كانت هذه الأخيرة بكمية أغزر، والبرودة أيضًا تعدمها قوة الحرارة، والشيء الجاف بتشبع بالرطوبة، والرطب يجففه الجاف.
← انظر كتب أخرى للمترجم هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
_____
(78) (مز 19: 1).
(79) وفي بعض النسخ “يسخنه الجو”.
(80) أي نحو الهواء السفلي.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-morcos-dawoud/against-the-heathens/refutation.html
تقصير الرابط:
tak.la/3f8vsbt