محتويات: (إظهار/إخفاء) |
-1-
صمت المسيح يعلمنا حكمة الدفاع عن مسيحيتنا -2- المهاجمة الدائمة للمسيحية -3- لا شيء يقدر أن يفصلنا عن محبة المسيح 1 -4- لا شيء يقدر أن يفصلنا عن محبة المسيح 2 -5- كلسس لا يعتمد على مذهب فلسفي قويم -6- خطة الرد على كلسس |
عندما شهد شاهدًا الزور على مخلصنا وربنا يسوع المسيح لزم الصمت (مت 26: 59-63، مر14: 55-61) وعندما اتهم باطلًا " لم يجب بشيء " (مت27: 12-14، مر15: 3-5، لو23: 9). لقد كان مقتنعًا بأن كل حياته وأعماله بين اليهود أفضل من أي كلام لدحض شهادة الزور، وأسمى من أي كلام يقوله للرد على الاتهامات.
ولست أدري يا أمبروسيوس(1) المحب لله، لماذا تريدني أن أكتب للرد على اتهامات كلسس الباطلة، التي وردت في كتابه ضد المسيحيين وضد إيمان الكنائس. كأنه لا يوجد في مجرد الحقائق تفنيد أفضل من رد مكتوب، وكأن التعليم لا يقدم ردًا أفضل من أية كتابة، فهو في غنى عن البيانات الكاذبة، ولا يترك أي مجال لتصديق الاتهامات.
أما بخصوص صمت ربنا عندما قدمت ضده الشهادة الزور فيكفي في الوقت الحاضر أن نقتبس كلمات متى الإنجيلي، لأن شهادة مرقس لا تختلف عنها. وهاك كلمات متى:
"ولما طلب رئيس الكهنة والمجمع شهادة زور على يسوع لكي يقتلوه فلم يجدوا، مع أنه تقدم شهود زور كثيرون. وأخيرًا جاء شاهدا زور وقالا: هذا الإنسان قال إني أقدر أن أنقض هيكل الله وفي ثلاثة أيام أبنيه. فقام رئيس الكهنة وقال له: أما تجيب بشيء عما يشهد به هذان عليك؟ وأما يسوع فلزم الصمت" (مت26: 59-63).
وأما أنه " لم يجب بشيء " عندما اتهم باطلا فإليك ما قيل:
" فوقف يسوع أمام الوالي وسأله الوالي قائلًا: أأنت ملك اليهود؟ فقال له يسوع: أنت تقول. وعندما اتهمه رؤساء الكهنة والشيوخ لم يجب بشيء. فقال له بيلاطس: أما تسمع كم يشهدون عليك؟ فلم يجبه ولا عن كلمة واحدة حتى تعجب الوالي جدًا (مت27: 11-14).
كان مما يدعو فعلًا لتعجب البشر، حتى من ذوي الذكاء العادي، أن يتهم شخص ويهاجم بشهادة زور، وهو قادر عن الدفاع عن نفسه، ويبين أنه بريء من كل التهم المنسوبة إليه، ويعدد أعماله الحميدة، ومعجزاته التي صنعها بقوته الإلهية، فيقدم للقاضي فرصة لإصدار حكم كريم عنه، ومع ذلك لم يفعل يسوع هذا، بل استنكف اتخاذ إجراء كهذا، وبنبل طبيعته ازدرى بمتهميه.
أما أن القاضي كان يمكنه -بدون أي تردد- أن يطلق سراحه لو كان قد قدم دفاعه، فهذا واضح مما روى عنه عند ما قال "مَن تريدون أن أطلق لكم باراباس أم يسوع الذي يدعى المسيح" (مت27: 17)، ومما أضافه الإنجيل " لأنه علم أنهم أسلموه حسدًا" (مت27: 18)، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. وعلى أي حال فإن يسوع يهاجمه شهود الزور في كل الأوقات. وطالما كان الشر باقيًا في العالم فهو معرض للاتهامات بصفة دائمة. ومع ذلك فإنه لا يزال صامتًا أمام هذه، دون أن يقدم إجابة مسموعة، بل يضع دفاعه في حياة تلاميذه الحقيقيين، وهذه الحياة تعتبر شهادة سامية جدًا، وتسمو على كل شهادة زور، وتفند وتهدم كل الهجمات وكل التهم التي لا أساس لها.
ولهذا فإنني أتجاسر على القول بأن هذا "البحث" الذي تطلب مني أن أكتبه سوف يضعف -لحد ما- ذلك الدفاع عن المسيحية الذي يعتمد على الحقائق، وتلك القوة التي ليسوع الواضحة للذين لم يحرموا حرمانًا كاملًا من قوة الإدراك. ورغم ذلك، فلكي يبدو بأننا ممتنعون عن القيام بالمهمة التي طلبتموها منا فقد حاولنا، على قد طاقتنا، أن نرد على كل أقوال كلسس بما يبدو لدينا مناسبًا لتنفيذها، مع أن حججه ليست قادرة على زعزعة إيمان أي مؤمن حقيقي. وحاشا أن يوجد أي واحد يتزعزع في قصده بحجج كلسس، أو مَن يماثله، بعد أن صار شريكًا في محبة الله التي أظهرت في المسيح يسوع. لأن بولس عندما أراد أن يعدد الأسباب التي لا تحصى والتي تفصل الناس عادة عن محبة المسيح، وعن محبي الله التي في المسيح يسوع، والتي كانت تسمو عليها كلها المحبة التي في نفسه، لم يقدم حجة ضد العوامل التي تفصل.
لاحظ ما قاله أولًا:
"مَن سيفصلنا عن محبة المسيح. أشدة أم ضيق أم اضطهاد أم جوع أم عرى أم خطر أم سيف. كما هو مكتوب إننا من أجلك نُمات كل النهار. قد حُبسنا مثل غنم للذبح ولكننا في هذه جميعها أعظم من متنصرين بالذي أحبنا " (رو8: 35-37).
وثانيًا، عندما أراد أن يضع سلسلة أخرى من الأسباب التي تؤدي عادة إلى أن، تفصل غير الثابتين في تدينهم، قال:
" فإني متيقن أنه لا موت ولا حياة ولا ملائكة ولا رؤساء ولا قوات ولا أمور حاضرة ولا مستقبلة ولا علو ولا عمق ولا خليقة أخرى تقدر أن تفصلنا عن محبة الله التي في المسيح يسوع ربنا" (رو8: 38و39).
حقًا إنه يليق بنا أن نحس بالفخر لأن الضيقات، أو الأسباب الأخرى التي عددها بولس، لا تفصلنا عن المسيح. وقد أحس بهذا الإحساس بولس والرسل الآخرون ومن كان يمثلهم، لأنهم كانوا أسمى جدًا من مثل تلك المعوقات وذلك عندما قالوا " ولكننا في هذه جميعها أعظم من منتصرين بالذي أحبنا " وهذا تعبير أٌقوى مما لو كان قد قال إنهم مجرد " منتصرين ".
وإن كان قد لاق بالرسل أن يحسوا بالفخر لأنهم لم يفصلوا عن محبة الله التي في المسيح يسوع ربنا فإنهم قد أحسوا به، لأنه لا موت ولا حياة ولا ملائكة ولا رؤساء ولا أمور مستقبلة قدرت أن تفصلهم عن محبة الله التي في المسيح يسوع ربنا. ولذلك فإنني لا أهنئ ذلك المؤمن بالمسيح الذي يمكن أن يتزعزع إيمانه بواسطة كلسس – الذي لم يعد يشترك مع البشر في الحياة إذ قد رحل منذ زمن طويل – أو بواسطة أية حجج قد تبدو معقولة. لأنني لست أدري في أية مرتبة أضع ذلك الذي يحتاج إلى حجج مكتوبة في كتب للرد على تهم كلسس ضد المسيحيين، لكي تمنعه من أن يتزعزع إيمانه، وتؤيد فيه.
لكن نظرًا لأنه بين الكثيرين الذين يعتبرون مؤمنين قد يوجد البعض ممن يتزعزع إيمانهم ويهدم بسبب كتابات كلسس، لكنهم قد يحفظ إيمانهم لدى الاطلاع على رد عنها يكفي لتفنيد أقواله وإيضاح الحق، رأيناه مناسبًا أن نخضع لوصيتكم، ونعد ردًا على الرسالة التي أرسلتموها إلينا والتي أعتقد بأنه لا يوجد أي واحد – مهما كان قليل الدراية بالفلسفة – يوافق على تسميتها " بحث صادق " كما لقبها كلسس.
وإذ لاحظ بولس أنه توجد في الفلسفة اليونانية أمور يجب عدم الاستخفاف بها، شبه معقولة في عيون الكثيرين، لكنها تمثل الباطل كأمه حق. فقد قال عن هذه الأمور:
" احترسوا لئلا يسبيكم أحد بالفلسفة وبغرور باطل حسب تقليد الناس حسب أركان العالم وليس حسب المسيح " (كو2: 8) وإذ رأى أنه يوجد شيء من العظمة في كلام حكمة العالم قال إن كلام الفلاسفة هو "حسب أركان(2) العالم ". وتلك الكلمات التي كانت تتضمن بعض عناصر الخداع دعاها الرسول "غرورًا باطلًا" ربما لتمييزها عن الغرور غير الباطل. والنبي إرميا، إذ لاحظ هذا، تجاسر على أن يقول لله "يا رب قد خادعتني فانخدعت. أنت أقوى مني فغلبت" (إر20: 7)(3).
أما في لغة كلسس فيبدو لي أنه لا يوجد خداع على الإطلاق، حتى ولا خداع باطل، ذلك الخداع الذي يوجد في لغة الذين أسسوا المذاهب الفلسفية، والذين أعطوا مواهب غير عادية لمثل تلك المساعي. وكما أنه لا يوجد من يقول إن أية غلطة عادية في النظريات الهندسية قصد بها أن تخدع، أو اقترحت من أجل التدريب في هذه الأمور، هكذا لابد أن يكون لتلك الآراء التي قيل عنها بأنها "غرور باطل"، "تقليد الناس"، "حسب أركان العالم"، ما يماثلها في آراء مؤسسي المذاهب الفلسفية، إن صح تطبيق تلك المسميات عليهم.
وقد قررت وضع هذه المقدمة في البداية بعد أن كتبت الرد عن كل شيء حتى وصلت إلى النقطة التي وضع فيها كلسس هجومه على يسوع في فم اليهودي، وهذا فعلته لكي يبدأ قارئ ردي على كلسس، ويرى أن هذا المؤلف لم يوضع من أجل الكاملين في الإيمان، بل من أجل عديمي الخبرة بالإيمان المسيحي، أو من أجل " الضعفاء في الإيمان كما يسميهم الرسول، ومن هو ضعيف في الإيمان فاقبلوه " (رو14: 1).
ويجب أن تكون هذه المقدمة مبررة لي للبدء في ردي على كلسس عن إحدى النواحي، والانتقال منها إلى ناحية أخرى. فقد كان قصدي الأول هو توضيح اعتراضاته الرئيسية، ثم الردود عنها بإيجاز، ثم وضع مؤلف منسق عن البحث كله.
لكن حدث بعد ذلك أن الظروف أوحت إليّ بأن أكون مقتصدًا في وقتي. وإذ أكتفي بما سبق أن ذكرته في المقدمة، أتقدم في الجزء التالي لمواجهة تهم كلسس على قدر استطاعتي.
لذلك أطلب الصفح عما تجدونه في الأجزاء التي تلي المقدمة إلى بداية الكتاب. وإن لم تتأثروا بالحجج القوية التالية، فإنني أطلب الصفح أيضًا عنها، ثم أحيلكم – إن رغبتم في رد أقوى عن اعتراضات كلسس – على من هم أكثر حكمة مني، القادرين بالكلام والمؤلفات على هدم الاتهامات التي يوجهها إلينا. والشخص الأفضل هو الذي إذا ما التقى بكتاب كلسس لا يحتاج إلى أي رد عنه مطلقًا، بل يحتقر كل ما تضمنه، لأنها محتقرة، وبحق، من كل مؤمن بالمسيح، وذلك بالروح الذي فيه.
_____
(1) ذكر يوسايبوس في كتابه " تاريخ الكنيسة " (6: 18) أن أمبروسيوس هذا هجر هرطقة فالنتينوس إلى إيمان الكنيسة، وذلك بجهود أوريجانوس.
(2) " أصل" أو "مبدأ" أو "أساس " حسب الترجمة الانجليزية.
(3) انظر هامش ترجمة بيروت.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-morcos-dawoud/against-celsus/introduction.html
تقصير الرابط:
tak.la/k7m5qwq