بالنسبة لأولئك الذين أُرسلوا ليكرزوا، توجد رهبة غير قليلة، وبأكثر تحديد، هناك تأديبات غير بسيطة عن التوانى في هذا المجال الكرازى، حيث يقول: "ملعون من يعمل عمل الرب برخاوة" (إر1:48). ويمكننا أن نتأكد من هذا بوضوح، إذا تذكرنا المبارك يونان بهيجان البحر عليه والحوت المفزع والمروع مقبلًا نحوه. لأننى أرى أنه توجد رهبة للخدمة الإلهية عند كل الرجال القديسين. فموسى -معلم الأقداس- عندما أمره الله أن يُخرج شعبه (من أرض مصر)، قاس قدر طبيعته البشرية بالنسبة إلى عظم هذه الخدمة الكرازية، فقال: "لست أنا صاحب كلام" (خر10:4)؛ وبنفس الطريقة نجد أن المبارك إرميا عندما أُرسِلَ (من قِبل الله) للنبوة، هتف قائلًا: "فقلت آه يا سيد الرب إنى لا أعرف أن أتكلم لأنى ولد" (إر1: 6)، [ويقصد هنا بهذا الكلام أن يكون الإنسان رجلًا في كل تصرفاته، وفي حياته الروحية وجهادة اليومي، ولا يتحجج أو يتراخي في العمل المُسند إليه]
فإن كان القديسون، الذين هم بالنسبة لنا، مثالٌ حسنٌ للتقوى، يقولون مثل هذه الأقوال، ومع ذلك فإن الطريق (أي طريق الكرازة الإلهية) الذي جعلهم يشعرون بالرهبة، لم يسبب لهم أي تردد ضئيل ولا أي مخاطرة (لإتمام هذا العمل الكرازى)؛ لأن الله يخجلنا ويدعونا أن نطرح الخوف، عندما يقول لموسى: "من صنع للإنسان فمًا أو من يصنع أخرسًا أو أصمًا أو بصيرًا أو أعمى؟ أما هو أنا الرب؟ فالآن اذهب وسوف أفتح فمك" (خر11:4-12). كما أنه يقول للطوباوى إرميا: "لا تقل إنى ولد لأنك إلى كل من أرسلك إليه تذهب وتتكلم بكل ما آمرك به" (إر7:1). فبناء على ذلك، هكذا أنا الضعيف، مثلما تتطلب منى وظيفة الكهنوت العظيمة أن أعظ، فإنى أجد خشية في كلمات الكتاب: "تكلم ولا تبقى صامتًا" (أع19:18)، وأجد نفسى مضطرًا لكتابة مثل هذه الأشياء. لأنه منذ أن ترك أبونا ثاوفيلس صاحب الذكرى العطرة والجدير بالثناء، أسقفنا الأخير، الحياة الأرضية حسب أحكام الله وصعد إلى المنزل السماوي (كيف حدث ذلك للمتصرف في كل المعرفة- إنى أشعر بالخشية عندما أكتب)، عندئذٍ أتت إلىَّ أنا الصغير خلافة الأسقفية. فعندما أسمعُ لبولس حينما يكتب: "فويل لى إن كنت لا أبشر" (1كو16:9)، [ولعل القديس كيرلس يقصد هنا بكلام المغبوط بولس الرسول بالويل له إن كان لا يبشر، لأن ضرورة التبشير والحفاظ علي الإيمان قد وضعت علية مثل باقي الآباء الرسل لرئاستة الأرضية للكنسية ]، فإنى آتى في خشية لأعظ، وأفتكر أن الكرازة تتجاوز قدرتى.
لذلك فكما أن احتفالنا المقدس يسطع بشدة ويدعونا للعفة، لذلك أضطر أن أقول لأولئك الذين ما يزالون ملتصقين بالشر " نقوا أيديكم أيها الخطاة وطهروا قلوبكم يا ذوى الرأيين" (يع8:4)؛ وأقول أيضًا لأولئك الذين يهربون من عار الخطية البغيض ويسلكون في طريق الحياة المقدس، أن يستمعوا إلى النبي وهو يبشرهم قائلًا: "استنيرى استنيرى يا أورشليم لأن مجدك أتى ومجد الرب حلّ عليك" (إش1:60). لأن كل البشر الساكنين تحت الشمس صاروا، كما هو مكتوب " نصيبًا لبنات آوى" (مز10:63ب)، وانقسموا إلى أنواع وأشكال متعددة من فعل الشر، وهُزموا بظلمة الجهل، وأيضًا سقطوا في عمق أعماق الخطية. لذلك نجد أن المرنم داود اضطر أن يتضرع إلى الله الكلمة لكي يأتى إلينا من السماء قائلًا: "يا راعى إسرائيل إصغِ يا قائد يوسف كالضأن يا جالسًا على الكاروبيم أشرق، قدام إفرايم وبنيامين ومنسى أيقظ جبروتك وهلم لخلاصنا" (مز2:80-3). [وهذة الآية تعبر عن شوق البشرية كلها في إنتظار مجيئ المخلص وتجسدة إذ تتطلع إلية وتقول "يا راعي إسرائيل إشرق علينا بنور لاهوتك العلي ومد يدك لخلاصنا، فنحن في إنتظار مجيئك إلينا]، وعندما أدرك (المرنم) أن مجيء كلمة الله سيحدث في الوقت المناسب، حيث كنا ساقطين ومنطرحين، صرخ أيضًا: "لماذا أيها الرب تقف بعيدًا؟ هل نسيتنا في الوقت المناسب وفي ألمنا" (مز22:90). فالمخلص قبل التجسد، لم يكن بعد قد أخذ شبهنا، ووُجد بعيدًا عنا،، لأن المسافات كانت كبيرة بين الطبيعة البشرية وطبيعة كلمة الله؛ ويقول احد رجالنا القديسين: "أنا تراب ورماد" (تك 27:18)؛[هذا التراب والرماد كان هو أبونا إبراهيم ابو الأباء الذي دخل في حوارًا طويلًا مع الله متشفعًا في سدوم المدينة الصاعدة بشرورها إلي السماء وسمع الله لكل طلباته وفي كل مرة يقول من أجل إبراهيم، ومع ذلك لم ينتفخ بل ازداد إتضاعًا عارفًا مقدار نفسة أنه تراب ورماد]، ويقول النبي إشعياء عن وجود الابن الوحيد الجنس: "من يصف طريقة ميلاده" "من الضغطة ومن الدينونة اخذ وفي جيله من كان يظن انه قطع من ارض الاحياء انه ضرب من اجل ذنب شعبي". (إش8:53). فعندما كنا نعانى ألامًا كثيرة، فإن المخلص أضاء علينا في الوقت المناسب، مولودًا من امرأة حسب الجسد، ليخلص الإنسان مولود المرأة، ويحرره من رباطات الموت، ولكي يعلّمه أن يقول بفرح: "أين غلبتك يا موت، أين شوكتك يا هاوية" (هو14:13؛ 1كو54:15-55). فالمخلص لم يمنحنا فقط عطية القيامة، ولكنه كَسَرَ شوكة الجحيم، التي هي الخطية التي أصابتنا، حيث يقول: "ها أنا أعطيكم سلطانًا أن تدوسوا الحيات والعقارب وكل قوة العدو ولا يضركم شيء" (لو19:10؛ انظر مز13:91). هذا العمل الذي تحقق بتجسد مخلصنا يفوق أي شيء آخر، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. لذلك استوطنت القداسة في كل الأرض، كما أن الظلام الذي يحجب الحقيقة قد أُبطل، وتنبأ عن هذا أيضًا المرنم وقال بقوة روح الله: "يُشرق في أيامه الصديق وكثرة السلام إلى أن يضمحل القمر" (مز7:72)؛ وكما يقول بولس: "لأنه إن كنا ونحن أعداء قد صولحنا مع الله بموت ابنه" (رو10:5أ)، وسيشرق علينا ملء السلام. لذلك عندما يحدث ذلك، فلابد أن يضمحل القمر تمامًا، الذي هو الشيطان رئيس الليل والظلام، حيث يسمى هنا مجازيًا "بالقمر".
لذلك فإن الأشعة تبرق علينا بقدر كبير وبقوة عظيمة ويسطع علينا نور عيدنا الإلهي. كذلك فإن هذا الإحتفال اللامع يجذبنا ويحثنا بأن نهجر الأعمال المخزية وبصوت قوى يرشدنا قائلًا: "اغتسلوا تنقوا إعزلوا شر أفعالكم" (إش16:1).[ قصد القديس كيرلس هنا بعزل شر الأفعال هو الإبتعاد عن الممارسات الجسدية الخاطئة وبالأخص في الإحتفال بالأعياد، لذلك أكد علي ذلك مرة أخري هنا]، فعندما يكون كاتب الأمثال حكيمًا ويقول في سفر الجامعة: "لكل شيء زمان ولكل أمر وقت" (جا1:3)، فكيف لا نعترف بحق أن هذا الوقت (زمن العيد) يتعارض مع كل أفعال الشر، ومن ثم يدعو لمعرفة الناموس الإلهي وتوقيره، وأنه يحث الذين أطاعوه (أي الناموس) ويعطيهم الثقة في أنهم سوف ينالون المصير الحسن للمراحم الإلهية؟ لذلك نجد أن البعض في هذه (ἀγωνοθετεῖν) الحياة الحاضرة يناضلون رياضيًا ويشترون هذا اللقب (المجاهد/ المناضل) ببذل كثير من المال، حيث يُنظم جهد المنافسة (المباريات) على الشباب، وبالرغم من أنهم يكرمون المنتصر بجوائز قيّمة، إلاّ أن السرور الذي يُعطى لهم يكون ضئيلًا، بالإضافة إلى أن هذا السرور يكون فقط في هذه الحياة. وعلى النقيض من ذلك، فالله الذي يختبر الأبرار، هو نفسه يهب الأتقياء " ما لم تر عين ولم تسمع به أذن ولم يخطر على بال إنسان" (1كو9:2).
فكما أن صفات هؤلاء الأشخاص (الأبرار) تظهر من إنجازاتهم حيث إنهم تفوقوا على الطبيعة، لذلك بالتالي فإن طريقة مكافأتهم تتخطى بالتأكيد حدود مقدرة الإنسان، لكي ينالها بالطريقة التي تحدث بها، وسوف يجدون كل المجد الملائم لأفعالهم وسوف تعانقهم محبة الله اللانهائية، وسوف يمرحون في بركات فائقة للطبيعة.
هيا بنا ندعو محبى العبادة لجهاد (أسبوع) الآلام السنوى، وكما يقول النبي: "اضربوا بالبوق في صهيون قدسوا صومًا، نادوا باعتكاف" (يؤ15:2). لنصِح عاليًا وبصوتٍ مدوٍ محركين بوق الكنيسة المقدس ومعلنين قدوم عيدنا المقدس ببشارة واضحة وعلنية، وكما يقول الله الفائق الحكمة لموسى معلّم الأقداس: "اصنع لك بوقين من الفضة. مسحولين تعملهما فيكونان لك لمناداة الجماعة ولإرتحال المحلات" (عد1:10)، ومجهزين حسنًا لقوة الكلمات. فهو يأمر بأن يكون هناك بوقين، وذلك لأن رسالة الكنيسة تكون مضاعفة، فالواحد (أي البوق) ما يزال يدعو المتجاهلين لإستقامة التعاليم العقائدية الإلهية، والآخر يحثنا أن لا نتدنس بالأعمال الباطلة. كما أنه يأمر أن تكون الأبواق من الفضة، وذلك لأن الكلام (التعليم) يجب أن يكون واضحًا غير مشوه ويبتعد عن الخطأ في العقيدة.
لذلك، فلنجعل حديثنا ينطلق من هذه البداية، ويدعو (الإنسان) البعيد إلى بيت الشريعة (الكنيسة) لكي يتغير تجاه إرادة معطى الشريعة المنفصل عن كل خطية، مُقدِّسًا الصوم ومُناديًا بالإعتكاف، كما يقول النبي (راجع يوئيل15:2). كيف يمكننا أن نحقق فعل مثل هذه الأشياء؟ كيف يمكننا أن نتمم الوصية الإلهية بالإبتعاد عن الشر وتجنب الارتباط بأولئك المخزيين تمامًا، ونكون متلهفين لأي شيء يمكن أن يُقدِّس الصائمين؟ بهذه الطريقة فإن الذين يريدون أن يحتفلوا بالعيد كما ينبغى سوف يُكرّمون إلهنا الصالح.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-botros-elbaramosy/ebooks/cyril-paschal-messages/first-2.html
تقصير الرابط:
tak.la/6z252yd