2) الأعمال الجدلية
The Controversial Treatises
1) علاج الهراطقة
2) ضد مرقيون
3) ضد هرموﭽينيس
4) ضد أتباع ﭭالنتينوس
5) عن المعمودية
6) ترياق العقرب
7) عن جسد المسيح
8) عن قيامة الجسد
9) ضد براكسيس
10) عن النفس
تتضح من هذا الكتاب معرفة ودراية ترتليان بالقانون الروماني أكثر مما في جميع أعماله الأخرى، وكان ترتليان يريد أن ينهي الجدل بين الكنيسة المستقيمة الإيمان وبين الهراطقة دفعة واحدة وذلك بأن يقدم في هذا العمل الحجج والبراهين المنطقية المنظمة التي تدحض سائر البدع دفعة واحدة.
يرى ترتليان أن موضوع الخلاف بين الكنيسة والهراطقة هو الكتاب المقدس، ولكن لا يحق للهراطقة أن يستخدموا الأسفار الإلهية في مناقشاتهم لأنها لا تخصهم(21)، ورغم أنهم يدّعون أنهم يقدمون الأسفار الإلهية، إلا أنهم يحذفون الأجزاء التي تدحض فكرهم منها، فيؤثرون على البعض ويضلون الضعيف ويرهقون الأقوياء(22)، لذلك نحن ندافع عن الإيمان ضدهم بنقطة هامة تفوق شتى النقط الأخرى وهي ألا نسمح لهم بأي مناقشة من الكتاب المقدس، وإذا كانوا يقدمون من الأسفار الإلهية ما يظنون أنه يؤيد انحرافاتهم، فلابد أولًا قبل أن يستخدموها أن نعرف لمنْ هذه الأسفار كي لا نسمح لأحد أن يستخدمها ما دامت لا تخصه.
فالهراطقة لا يستشهدون بالأسفار الإلهية بل يحرفونها ويغيرون معناها، وهناك خطر جسيم يحيق بأي إنسان ضعيف الإيمان يدخل في مناقشة من الكتاب المقدس مع هؤلاء الهراطقة، لأن الكتاب المقدس لا يخص إلا هؤلاء الذين لهم قانون الإيمان والسؤال هو:
"منْ أين، وعن طريق منْ، ومتى، ولمنْ، سُلم قانون الإيمان الذي به يصير الناس مسيحيين؟ لأنه حيثما كان قانون الإيمان المسيحي الحقيقي، فهناك سيكون بالمثل الكتاب المقدس الحقيقي وكل التقاليد المسيحية (23)".
وفي الفصل الحادي والعشرين من هذا الكتاب، يقدم ترتليان علاجين يحرمان كل الهراطقة والمبتدعين من الأسس التي انطلقوا منها:
العلاج الأول: المسيح أرسل الرسل مبشرين بالإنجيل، لذلك يجب ألا يُعتبر أحد مبشرًا بالإنجيل عدا هؤلاء الذين عينهم المسيح.
العلاج الثاني: الرسل أسسوا الكنائس، وفسروا لها الإنجيل، وقووها وثبتوها لتشرح الإنجيل للناس، لذلك ما أعلنه المسيح لهم لا يمكن لأحد أن يثبته أو يبرهنه عدا الكنائس التي أسسها الرسل أنفسهم.
وشرح ترتليان أن العقيدة الأرثوذكسية المستقيمة مؤسسة على تقليد الرسل "إن لنا شركة مع الكنائس الرسولية لأن عقيدتنا لا تختلف عنهم أبدًا، هذه هي شهادتنا للحق(24)".. وهذه الحقائق وما يترتب عليها تمثل دحضًا وتفنيدًا تامًا لسائر الهراطقة حتى انه يمكن القول انه ليست هناك ضرورة لأي اهتمام آخر بالجدالات معهم.
ومع هذا يقول ترتليان انه مستعد لأن يترك الطرف الآخر في المجادلة، أي الهراطقة، يعبرون عن فكرهم (25)، وهكذا يجيب على اعتراضاتهم وهي:
الاعتراض الأول: أن الرسل لم يسلموا وديعة الحق بأمانة، إذ كانت هناك بعض أمور يجهلونها، أو أنهم لم يسلموا كل ما كانوا يعرفونه للجميع(26).
الاعتراض الثاني: أن الكنائس لم تكن أمينة في تسليم وديعة الإيمان(27).
ويجيب ترتليان على هذه الاعتراضات المنحرفة بتساؤله عما إذا كان من المفترض أن نؤمن أن الاستعلان يجب أن ينتظر أحد الهراطقة ليعلنه، وأنه في فترة الانتظار هذه كان الإنجيل فاسدًا!! يستطرد المؤلف قائلًا أنه في سائر الأحوال يجب أن الصواب يسبق الخطأ، لذا الوجود المسبق المبكر لعقيدة الكنيسة المستقيمة هو علامة نقاوتها(28)، أي أنها موجودة قبل تعاليم الهراطقة، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. وفي مثل الزوان والحنطة الذي علمه لنا المخلص، وُضعت البذرة الصالحة أي الحنطة أولًا ثم بعد ذلك الزوان، وهذا يعني أن ما سُلم أولًا هو من الرب وهو حق، بينما ما هو غريب وكاذب قد جاء وظهر فيما بعد.
وبحسب ترتليان، يقف مبدأ أسبقية الحق principalitas veritatis ومبدأ تأخر الكذب والضلال (زمنيًا)، في وجه كل الهراطقة(29)، والكنيسة لم تقبل قط أي تحريف للأسفار الإلهية، بينما حرفها الهراطقة كما يريدون(30)، وهناك فرق طفيف بين الانحراف عن حقائق الإيمان المستقيم وبين الوثنية، فكلاهما مدمر ومهلك، كلاهما من الشيطان(31)، وسلوك الهراطقة سلوك رديء لأنهم فقدوا كل مخافة لله(32).
وفي خاتمة الكتاب(33)، يقول المؤلف أن هذا الكتاب هو مقدمة عامة ضد الهراطقة سيتبعها كتب أخرى في المستقبل القريب تفند أفكار الهراطقة وتجيب على إدعاءاتهم.
يُعد هذا العمل من أكثر أعمال ترتليان اكتمالًا وأكثرها قيمة وبسبب الأفكار الرئيسية المتضمنة فيه، حفظ ونال الإعجاب، وقد كُتب نحو عام 200م قبل أن ينحرف ترتليان نفسه ويسقط في البدعة المونتانية.
وفي نهاية العمل(34) ملحق يتضمن قائمة باثنين وثلاثين هرطقة، وأغلب الظن أنه مجرد تلخيص لكتاب هيبوليتس "ضد كل الهرطقات Syntagma".
هذا الكتاب هو أطول أعمال ترتليان، وهو أحد الكتب التي وعد بكتابتها ضد الهراطقة في نهاية كتابه "علاج الهراطقة"، ولهذا العمل أهمية كبيرة إذ يمثل مصدرًا أساسيًا لمعرفتنا ببدعة مرقيون(35)، وهو يتكون من خمسة كتب:
الكتاب الأول: يفند الثنائية التي علم بها مرقيون بين إله العهد القديم وإله العهد الجديد، ويبرهن على أن مفهوم الألوهية نفسه لا يتفق مع مثل هذه الثنائية، فالله لا يمكن أن يكون إلهًا إذا لم يكن واحدًا، لأنه إذا كان سيدًا عظيمًا لابد أن يكون فريدًا ليس له نظير ولا يكف عن أن يكون سيدًا عظيمًا(36).
الكتاب الثاني: يثبت أن خالق العالم هو نفسه الإله الصالح.
الكتاب الثالث: يتناول خريستولوجيا مرقيون، وإذ كان يعلم بأن المسيح الذي تنبأ عنه الأنبياء في العهد القديم لم يأت بعد، لذلك يوضح ترتليان أن المسيح الذي جاء هنا على الأرض ليس إلا المخلص الذي تنبأ عنه الأنبياء.
الكتابين الرابع والخامس: يقدم فيهما ترتليان تعليقًا نقديًا على نسخة العهد الجديد التي يستشهد بها مرقيون، مثبتًا أنه ليس هناك أي تناقض بين العهد الجديد والعهد القديم.
والشكل الحالي الذي وصلنا به العمل يمثل الإصدار الثالث منه، إذ أن النسخة الأولى منه كتبها ترتليان في عجالة، لذلك كانت سطحية، أما الثانية فقد سرقها منه أحد معارفه وانحرف إلى المرقونية، ويذكر ترتليان أنه أدخل إضافات في هذه النسخة التي وصلتنا، ويعتقد Quispel أن هذه الإضافات هي الكتابين الرابع والخامس.
لم يكن ترتليان أول من كتب ضد الرسام والغنوصى هرموڇينيس القرطاڇى، إذ قد سبقه إلى ذلك يوسابيوس القيصري أبو التاريخ الكنسي في كتابه "التاريخ الكنسي"، وثيؤفيلوس الأنطاكي في كتابه (ضد هرطقة هرموﭽينيس Against the heresy of hermogenes)، ورغم أن هذا الكتاب الأخير قد فُقد إلا أنه أغلب الظن كان معروفًا لترتليان واستعان به.
ظن هرموﭽينيس الهرطوقي أن المادة أزلية وأنها معادلة لله، وهكذا يكون هناك إلهين، وبحسب ترتليان إستقى هرموﭽينيس عقيدته هذه من الفلسفة الوثنية ومن الرواقيين الذي علموه أن يضع المادة في نفس المكانة مع الرب كما لو كانت سرمدية، غير مولودة وغير مخلوقة، بلا بداية ولا نهاية.
يفند ترتليان هذه البدعة في 45 فصلًا مقدمًا دفاعًا بارعًا عن التعليم المسيحي عن الخلق، ويشرح أن مفهوم الإله نفسه لا يسمح بسرمدية المادة، وبعد فحص دقيق لتفسير هرموﭽينيس للكتاب المقدس يحلل ترتليان التناقضات الموجودة في أفكاره عن جوهر المادة السرمدية وصفاتها الإلهية.
وإذ تشير الكلمات الأولى في الكتاب إلى "علاج الهرطقات" إذًا لابد أنه كُتب بعد عام 200م، وفي كتابه "عن النفس" يذكر ترتليان مرات عدة أنه وضع عملًا أخر ضد هرموﭽينيس عن أصل النفس، لكنه فُقد.
فى هذا العمل كتب ترتليان تعليقًا لاذعًا على أفكار الجماعة الغنوصية، ويعتمد كثيرًا في مضمونه وترتيبه على الكتاب الأول من "ضد الهرطقات" للقديس إيريناؤس، ولكنه يقتبس بعض الشيء أيضًا من القديس يوستين الشهيد وميليتيادس.
لهذا العمل أهميته الفائقة في تاريخ الليتورﭽيا وسرى المعمودية والميرون، فهو ليس فقط أول كتاب يتناول هذا الموضوع، بل هو أيضًا الكتاب الوحيد في فترة ما قبل مجمع نيقية الذي يتناول أي سر من الأسرار، ويُمكن أن يُصنف ضمن أدب ضد الهرطقات إذ كتب ضد سيدة من قرطاﭺ تُدعى كوينتلا Quintilla، أضلت عددًا كبيرًا بعقيدتها المسمومة، جاعلة هدفها الأول هو مهاجمة المعمودية المقدسة، فرد عليها ترتليان في هذا العمل الصغير ذي العشرين فصلًا، ويتحدث فيه كما لو كان يعلم الموعوظين.
من أهم اعتراضات كوينتلا على المياه تساؤلها كيف يمكن لغسل الجسد بالماء أن يُطهر ويُنقى النفس ويهب خلاصًا من الموت الأبدي، لذلك بدأ ترتليان الفصل الأول بعبارة فرح وتعجب:
"يا لى السر المفرح الذي لمائنا الذي تُغسل فيه خطايا ظلمتنا الأولى ونصير أحرارًا للحياة الأبدية".
ويختم الفصل بقوله:
"نحن السمك الصغير نتبع مثال سمكتنا (أخثوس ΣYΘХІ) يسوع المسيح، ونُولد في الماء ولا نخلص إلا بالحياة فيه (أي في الماء)".
ثم يشرح ترتليان أن استخدام الله لوسائل وأشياء من الحياة اليومية في تتميم خلاصنا يجب ألا يكون حجر عثرة للذهن الجسداني، فهو يختار المزدرى وغير الموجود لخدمة أهدافه، والماء عنصر نافع وواهب للحياة، وقد قدسه الخالق منذ بداية العالم واختاره ليكون إناء لقوته، وهنا نعرف من حديث ترتليان أن طقس تقديس جرن المعمودية كان يتمم في كنيسة أفريقيا.
ومنذ أن رفٌ روح الله على المياه عند الخالق، صارت المياه رمزًا للتطهير والتنقية، وسكنى للفعالية الفائقة، وليس الغسيل الجسدي هو الذي يهب النعمة بل الفعل المُقدَس باستخدام الصيغة الثالوثية، وبعد المعمودية يأتي سر المسحة المقدسة.
ويرى ترتليان في عبور البحر الأحمر وخروج الماء من الصخرة، وأيضًا معمودية يوحنا الصابغ، رموزًا للمعمودية المسيحية، وأجاب المؤلف أيضًا على الاعتراض القائل أنه ما دام المسيح لم يخدم هذا الطقس بنفسه، إذًا هو طقس غير ضروري للخلاص.
ويؤكد ترتليان أن هناك ميلاد واحد فقط أي الذي في الكنيسة، وهو هنا يقرر عدم قانونية معمودية الهراطقة دون أن يخوض في التفاصيل لأنه قد تناول هذا الموضوع قبلًا باللغة اليونانية كما يذكر.
وهناك استثناء واحد فقط من ضرورة المعمودية بالماء وهو الاستشهاد، الذي يسميه ترتليان "معمودية ثانية" "معمودية الدم The Baptism of Blood"، وهكذا يتحدث عن معموديتين أرسلهما لنا المسيح من جنبه المجروح، كى هؤلاء الذين يؤمنون به يغتسلون بالماء، وهؤلاء الذين اغتسلوا بالماء يحملون أيضًا علامة الدم.
وينبه ترتليان إلى أن هذا السر لابد أن يعطى بتعقل وبلا تعجل فلابد أن يختبر إيمان الشخص جيدًا قبل أن يعطى هذه النعمة العظيمة، أما عن زمان تتميم المعمودية، فيذكر ترتليان أن القيامة والعنصرة هما التوقيتان الليتورﭽيان لها، لكن أيضًا كل وقت مناسب ومقبول، فقد يكون هناك اختلاف في ترتيب طقس الاحتفال (بين المعمودية يوم عيد القيامة وبين المعمودية في أي يوم آخر) لكن النعمة واحدة، ثم يتناول المؤلف في الفصل الأخير كيفية الاستعداد لنوال سر المعمودية.
ويخلو هذا العمل من أي أثر للمونتانية، ويظهر توقيرًا كبيرًا للرتب الكنسية، وقد كُتب ما بين 198- 200م.
"ترياق العقرب" هو عنوان كتاب صغير يتكون من 15 فصلًا يتضمن دفاعًا عن الاستشهاد ضد الغنوصيين الذين يقارنهم ترتليان بالعقارب، فهم يعترضون على تقديم الحياة ذبيحة لله، ويقولون أن هذا أمر غير ضروري ولا يطلبه الله، لذلك يشرح المؤلف أن الاستشهاد يصير واجبًا وضرورة موضوعة على كل إنسان مسيحى حينما لا يكون هناك طريقة أخرى للامتناع عن الاشتراك في العبادة الوثنية، بل وحتى في العهد القديم كان الموت أفضل من ترك الإيمان، فالاستشهاد هو ميلاد جديد يهب النفس حياة أبدية، وقد كُتب هذا العمل غالبًا أثناء اضطهاد سكابيولا.
يرتبط كتاب "عن جسد المسيح" بكتاب "عن قيامة الأجساد" ارتباطًا شديدًا، إذ يمثلان معًا بحثًا قوى الحجة عن قيامة الجسد ذلك أن الهراطقة بدلًا من أن يؤمنوا بهذه الحقيقة، أنكروا حقيقة جسد السيد المسيح وهكذا جددوا أخطاء الظهوريين (أصحاب الهرطقة الدوسيتية Docetic) الذين يقولون أن جسد المسيح كان مجرد ظهور وليس حقيقة.
في الفصل الأول يوضح ترتليان الهدف من الكتابة وهو معرفة جوهر جسد ربنا وحقيقته وصفاته وكيف يوجد ومن أين أخذه، ويجيب في هذا الكتاب على هذه الأسئلة كلها، ويثبت أن المسيح وُلد حقًا وأن ميلاده كان ممكنًا ولائقًا، وأنه عش ومات حقًا بجسد بشرى حقيقي، وهكذا يدحض أفكار مرقيون الدوسيتية.
كما شرح أن طبيعة مخلصنا لم يأخذها من الملائكة رغم أنه سُمى ملاك الرب، ولا من النجوم كما قال البعض، ولا من جوهر روحي كما ظن ﭭالينتينوس، لكنه شابهنا تمامًا في كل شيء ما خلا الخطية وحدها، وأيضًا لم يكن من زرع بشر، فجسد آدم الأول وجسد آدم الثاني لم يكونا من زرع بشر.
ويشير المؤلف إلى انحراف الغنوصيين الذين يقولون أن المسيح لم يأخذ أي شيء من العذراء وأنه وُلد "عن طريق through" أو "في in" وليس "من from" العذراء مريم، ودفاعًا عن أمومة العذراء الحقيقية والبشرية للمسيح، يندفع ترتليان وينحرف هو نفسه وينكر دوام بتولية العذراء.
فى نهاية هذا العمل يذكر ترتليان أنه سيتناول موضوع قيامة الجسد في بحث أخر، وقد كتب هذين العملين ما بين 210: 212م.
تربط مقدمة "عن قيامة الجسد" بين كل الذين ينكرون قيامة الأجساد من الوثنيين والصدوقيين والهراطقة، وتثبت عدم اتفاق تعاليمهم وعدم صحتها، والعقل الصائب يشهد لذلك لأن الجسد مخلوق بيد الله ومُفتدى من قِبل المسيح، ولابد أن يُدان مع النفس في اليوم الأخير.
ثم يفند ترتليان الاعتراضات التي توجه لهذه العقيدة، ولكنه يتخذ من هذا كله أساسًا للشرح الذي سيقدمه، ثم يتناول المبحث الأساسي في الكتاب وهو قيامة الجسد بحسب العهد القديم والجديد، وقبل دراسة النصوص الكتابية يتحدث ترتليان عن الفهم الصحيح للغة الرمزية التي في الأسفار المقدسة، وفي القسم الأخير من الكتاب يتحدث عن حالة الجسد بعد القيامة، وتتضح في هذا العمل توجهات ترتليان وميوله للمونتانية.
أخر كتاب في قائمة أعمال ترتليان الجدلية هو "ضد براكسيس" الذي كتبه نحو عام 213م، وكان في ذلك الوقت قد انحرف إلى المونتانية.
كان براكسيس من أتباع بدعة الموداليزم Modalism أو مؤلمي الآب Patripassion الذين يقولون أن الله أقنوم واحد فقط وليس ثلاثة أقانيم، فالآب هو الابن، وبالنسبة لهذا المبتدع "الآب نفسه حل في العذراء، ووُلد هو نفسه منها، وتألم هو نفسه، وهو عينه كان يسوع المسيح"!!
حينما انتشرت هذه البدعة في قرطاچ، كتب ترتليان هذا العمل الذي يمثل أهم إسهامه في شرح عقيدة الثالوث في فترة ما قبل مجمع نيقية، وجاءت كلمات الكتاب واضحة دقيقة ومحددة، وأسلوبه قوى وبارع، وقد استخدم مجمع نيقية فيما بعد عددًا ليس بقليل من صيغ هذا الكتاب، وكان له تأثير كبير على اللاهوتيين اللاحقين، فهيبوليتس وديونيسيوس السكندري وآخرون، مدينون لهذا العمل، كما اقتبس أغسطينوس في كتابه الضخم "الثالوث" التشبيه بين الثالوث القدوس وبين عمليات النفس البشرية، والموجود في الفصل الخامس من كتاب ترتليان.
بعد المقدمة التي تناول فيها براكسيس وتعليمه، يتحدث المؤلف عن عقيدة الثالوث وعمل التدبير الإلهي (الإيكونوميا) ثم يتحدث عن ميلاد الابن الذي يدعى أيضًا الكلمة وحكمة الله، ويثبت باستشهادات كتابية حقيقة وجود ثلاثة أقانيم، ويقدم شهادة إنجيل يوحنا ليدحض تفسير براكسيس المنحرف لبعض النصوص الكتابية، وأخيرًا يتحدث عن الروح القدس كأقنوم متمايز عن الآب والابن، ولكن هذا كله مجرد إطار للكتاب، أما في الفصول الواحدة والثلاثين فيشرح ترتليان باستفاضة عقيدة الثالوث.
وأوضح أن العلاقة بين الآب والابن لا تتعارض مع وحدانية الله لأنهما لا يختلفان عن بعضهما بالانفصال بل بالتمايز، وكان العلامة ترتليان أول كاتب لاتيني يستخدم كلمة "ثالوث Trinitas" ولكن للأسف في دفاعه عن تمايز الأقانيم سقط في انحرافات بدعة التدرجية في الثالوث Subordinationis.
فيما عدا كتابه "ضد مرقيون" يعتبر كتابه عن النفس أطول أعماله، وهو يُصنف ضمن أدب ضد الهرطقات لأن المؤلف يوضح في بداية الفصل السادس أن الأخطاء المعاصرة له هي التي جعلته يكتب هذا العمل، وكان ترتليان يعتبره تكملة لعمل سابق له "عن أصل النفس De censu animae" يدافع فيه عن الأصل الإلهي للنفس ضد هرموﭽينيس، ويذكر الكاتب أنه بعد أن رد على هرموﭽينيس فيما يتعلق بموضوع أصل النفس، يريد الآن أن يلتفت للسؤال الأخر والذي لكى يناقشه لابد أن يتسلح ضد الفلسفة، ويقول أن مناقشة موضوع النفس لا تحق للمفكرين الوثنيين الذين يمزجون الأفكار الصحيحة مع الأفكار الخاطئة وهم لذلك "آباء الهراطقة".. وقد كتبه في الغالب نحو 210: 213م.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-athnasius-fahmy/tertelian/treatises.html
تقصير الرابط:
tak.la/p6gf8hp