* Demonstration X.- OF PASTORS
إنَّ الرعاة يحرسون القطيع ويطعمون الخراف طعام الحياة، وكل مَنْ هو يقظ ويعمل بجد من أجل خرافه، هو حريص على قطيعه وتلميذ للراعي الصالح الذي بذل نفسه فدية عن خرافه، وكل مَنْ لا يُرجع قطيعه بحرص واهتمام، يشبه الأجير الذي لا يهتم بالخراف.
فلتكونوا أنتم أيُّها الرعاة مثل هؤلاء الرعاة الأبرار الذين كانوا قديمًا، فيعقوب أطعم خراف لابان وحرسها وعمل بجد ساهرًا يقظًا فنال الجعالة، لأنَّ يعقوب قال للابان "اَلآنَ عِشْرِينَ سَنَةً أَنَا مَعَكَ. نِعَاجُكَ وَعِنَازُكَ لَمْ تُسْقِطْ، وَكِبَاشَ غَنَمِكَ لَمْ آكُلْ. فَرِيسَةً لَمْ أُحْضِرْ إِلَيْكَ. أَنَا كُنْتُ أَخْسَرُهَا. مِنْ يَدِي كُنْتَ تَطْلُبُهَا. مَسْرُوقَةَ النَّهَارِ أَوْ مَسْرُوقَةَ اللَّيْلِ. كُنْتُ فِي النَّهَارِ يَأْكُلُنِي الْحَرُّ وَفِي اللَّيْلِ الْجَلِيدُ، وَطَارَ نَوْمِي مِنْ عَيْنَيَّ" (تك 31: 38ـ40).
تأملوا أنتم أيُّها الرعاة هذا الراعي وانظروا كيف اهتم بقطيعه، فقد اعتاد أنْ يسهر في الليل ليحرسه وكان يقظًا، واعتاد أنْ يكدح وقت النهار ليطعمها.
وكما كان يعقوب راعيًا، كذلك كان يوسف وأخوته رعاة، وموسى كان راعيًا وداود أيضًا كان راعيًا، كما كان عاموس راعيًا فهؤلاء جميعهم كانوا رعاة أطعموا الخراف وقادوها حسنًا.
لماذا إذًا يا أحبائي أطعم هؤلاء الرعاة خرافهم أولًا ثم اُختيروا بعد ذلك ليكونوا رعاة للناس؟ لقد كان ذلك لكي يتعلموا كيف يهتم الراعي بخرافه ويسهر ويتعب من أجلها، وبعد أنْ تعلَّموا سلوك الرعاة، اُختيروا للخدمة الرعوية.
يعقوب أطعم خراف لابان وتعب وسهر وقادها حسنًا، ثم ذهب وأرشد وقاد أبنائه حسنًا وعلَّمهم مثالًا للعمل الرعوي.
يوسف اعتاد أنْ يرعى الخراف مع أخوته، وفي مصر صار قائدًا لشعب كبير، وأعادهم كراع صالح يُرجع قطيعه.
موسى أطعم خراف يثرو حماه، واُختير من رعاية الخراف إلى رعاية شعبه وكراع صالح قادهم، وحمل موسى عصاه على كتفيه وسار أمام شعبه الذي كان يقوده ويرعاه أربعين عامًا، وكان ساهرًا ومجتهدًا من أجل خرافه (فهو) راعى يقظ وصالح، وعندما أراد ربه أنْ يهلكهم بسبب خطاياهم لأنَّهم عبدوا البعل، صلى موسى وتضرع إلى ربه قائلًا "إِنْ غَفَرْتَ خَطِيَّتَهُمْ وَإِلاَّ فَامْحُنِي مِنْ كِتَابِكَ الَّذِي كَتَبْتَ" (خر 32:32).
إنَّ هذا هو الراعي العظيم الاجتهاد، فيُسلِّم نفسه لأجل قطيعه، إنَّه قائد عظيم جدًا، يبذل نفسه عن خرافه، إنَّه أب رحيم يطعم أبنائه ويربيهم.
وموسى الراعي العظيم الحكيم، الذي عرف كيف يُرجع قطيعه (يخرجهم من مصر)، علَّم يشوع بن نون، وهو رجل مملوء بالروح، فقاد القطيع (بعده) بل (قاد) كل شعب إسرائيل، وأهلك ملوكًا وأخضع الأرض، وأعطاهم الأرض كمرعى، وقسَّم أماكن الراحة والحظائر لخرافه.
داود أيضًا أطعم خراف أبيه، وأُخذ من رعاية الخراف لرعاية شعبه "فَرَعَاهُمْ حَسَبَ كَمَالِ قَلْبِهِ وَبِمَهَارَةِ يَدَيْهِ هَدَاهُمْ" (مز 72:78) وعندما أحصى داود خرافه، حل الغضب عليها، وبدأت تهلك، فسلَّم داود نفسه بدلًا عن خرافه عندما صلى قائلًا "هَا أَنَا أَخْطَأْتُ وَأَنَا أَذْنَبْتُ، وَأَمَّا هَؤُلاَءِ الْخِرَافُ فَمَاذَا فَعَلُوا؟ فَلْتَكُنْ يَدُكَ عَلَيَّ وَعَلَى بَيْتِ أَبِي" (2صم 17:24).
كذلك أيضًا كل الرعاة المجتهدين اعتادوا أنْ يبذلوا أنفسهم عن خرافهم.
أمَّا هؤلاء الرعاة الذين لم يهتموا بالخراف، فقد كانوا أجراء اعتادوا أنْ يرعوا أنفسهم فقط، لذلك يخاطبهم النبي قائلًا "أَلاَ يَرْعَى الرُّعَاةُ الْغَنَمَ؟. تَأْكُلُونَ الشَّحْمَ وَتَلْبِسُونَ الصُّوفَ وَتَذْبَحُونَ السَّمِينَ وَلاَ تَرْعُونَ الْغَنَمَ. الْمَرِيضُ لَمْ تُقَوُّوهُ, وَالْمَجْرُوحُ لَمْ تَعْصِبُوهُ, وَالْمَكْسُورُ لَمْ تَجْبُرُوهُ, وَالْمَطْرُودُ لَمْ تَسْتَرِدُّوهُ, وَالضَّالُّ لَمْ تَطْلُبُوهُ, بَلْ بِشِدَّةٍ وَبِعُنْفٍ تَسَلَّطْتُمْ عَلَيْهِمْ... مَرَاعِيكُمْ تَدُوسُونَهَا بِأَرْجُلِكُمْ, وَأَنْ تَشْرَبُوا مِنَ الْمِيَاهِ الْعَمِيقَةِ, وَالْبَقِيَّةُ تُكَدِّرُونَهَا بِأَقْدَامِكُمْ؟. وَغَنَمِي تَرْعَى مِنْ دَوْسِ أَقْدَامِكُمْ, وَتَشْرَبُ مِنْ كَدَرِ أَرْجُلِكُمْ" (حز 34: 2ـ4، +18ـ19).
هؤلاء هم الطماعون والرعاة الأردياء والأجراء الذين لم يرعوا الخراف ولا قادوهم حسنًا ولا خلصوها من الذئاب، لكن عندما يأتي الراعي العظيم رئيس الرعاة سوف يدعو ويفتقد خرافه وسيعرف حال قطيعه، وسوف يُحضر هؤلاء الرعاة وسيطلب منهم حسابًا (عن خدمتهم) وسيدينهم عن أعمالهم، أمَّا هؤلاء الذين رعوا الخراف حسنًا فسوف يُفرِّحهم رئيس الرعاة وسيُورِّثهم الحياة والراحة.
"الرَّاعِي الصَّالِحُ يَبْذِلُ نَفْسَهُ عَنِ الْخِرَافِ" (يو 11:10) وأيضًا يقول "لِي خِرَافٌ أُخَرُ لَيْسَتْ مِنْ هذِهِ الْحَظِيرَةِ، يَنْبَغِي أَنْ آتِيَ بِتِلْكَ أَيْضًا فَتَسْمَعُ صَوْتِي، وَتَكُونُ رَعِيَّةٌ وَاحِدَةٌ وَرَاعٍ وَاحِدٌ. لِهذَا يُحِبُّنِي الآبُ، لأَنِّي أَضَعُ نَفْسِي لآخُذَهَا أَيْضًا" (يو 17،16:10)، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. وأيضًا يقول "أَنَا هُوَ الْبَابُ. إِنْ دَخَلَ بِي أَحَدٌ فَيَخْلُصُ وَيَدْخُلُ وَيَخْرُجُ وَيَجِدُ مَرْعًى" (يو 9:10).
فكونوا أنتم أيها الرعاة مثل هذا الراعي المجتهد، رئيس القطيع كله، الذي اهتم جدًا بقطيعه واقترب من البعيدين وأعاد الضالين وزار المريض وقوى الضعيف وربط الكسير وحرس السمين، وبذل نفسه من أجل خرافه، لقد اختار وعلَّم قادة عظماء واستودع الخراف في أيديهم وأعطاهم سلطانًا على قطيعه كله لأنَّه قال لسمعان صفا "ارْعَ خِرَافِي... ارْعَ غَنَمِي" (يو 16،15:21) وهكذا رعى سمعان الخراف وأكمل أيامه وسلَّم القطيع كله إليكم وتنيح، فلترعونها أنتم أيضًا وتقودونها حسنًا، لأنَّ الراعي الذي يهتم بخرافه لا يرتبك بأي أمر آخر، فلا يزرع كرمًا ولا يغرس حدائق ولا يسقط في متاعب هذا العالم.
فلم نر أبدًا راعيًا يترك خرافه في البرية ويشتغل بالتجارة، ولا راعيًا يترك قطيعه يضل ويعمل فلاحًا، لكن إذا ترك قطيعه وفعل هذه الأمور، إنَّما يكون بذلك يُسلِّم قطيعه للذئاب.
وتذكروا يا أحبائي أنني أكتب إليكم عن آبائنا في القديم، كيف أنَّهم تعلَّموا أولًا أساليب رعاية الخراف واجتازوا تجارب لمعرفة مدى اهتمامهم وحرصهم (على القطيع) وبعد ذلك اُختيروا لعمل القادة، كي يتعلموا ويتأملوا كم يعتني الراعي بقطيعه، ولكي كما اعتادوا أنْ يقودوا الخراف باهتمام وعناية ورعاية، كذلك أيضًا يصيرون كاملين في عمل القيادة هذا.
وهكذا اُختير يوسف من (رعاية) الخراف ليقود المصريين في زمان الضيق (المجاعة) واُختير موسى من (رعاية) الخراف ليقود شعبه ويرعاهم، وأُخذ داود من رعاية الخراف ليصبح ملكًا على إسرائيل، وأخذ الرب عاموس من رعاية الغنم وجعله نبيًا وسط شعبه، وأيضًا أليشع أُخذ من تحت النير ليصير نبيًا في إسرائيل.
موسى لم يرجع لخرافه، ولم يترك القطيع الذي أُوكل إليه (بني إسرائيل)، وداود لم يرجع لخراف أبيه، لكنه قاد شعبه بكمال قلبه، وعاموس لم يرجع ليرعى خرافه أو ليجمع (ثمار) الأشجار، بل قادهم (أي الشعب) وتمم عمل النبوة، وأليشع لم يرجع لنيره، لكن خدم إيليا وشغل مكانه (بعد اختطافه)، وذاك الذي كان بالنسبة له راعيًا (أي جيحزي مع أليشع) إذ أحب التجارة والكروم وغروس الزيتون والفلاحة، لم يرد أنْ يصير تلميذه، و(لذلك) لم يستودع القطيع في يديه.
إني أرجوكم وألتمس منكم أيُّها الرعاة ألاَّ تستودعوا القطيع في أيدي قادة حمقى وأغبياء ولا في أيدي مَنْ لهم شهوة ومحبة للقنية.
أيُّها الرعاة تلاميذ راعينا الأعظم، لا تكونوا مثل الأُجراء، لأنَّهم لا يهتمون بالخراف، بل تمثلوا براعينا الحلو الذي لم تكن حياته أغلى عنده من خرافه، ربوا الصغار وعلموا العذارى وأحبوا الحملان ودعوهم يتربون ويكبرون في أحضانكم، كي عندما تأتون إلى رئيس الرعاة، تقدمون له كل خرافكم بالكمال، فيهبكم ما وعد به "حَيْثُ أَكُونُ أَنَا تَكُونُونَ أَنْتُمْ أَيْضًا" (يو 3:14).
لقد أدخلني الوكيل إلى كنز الملك وأراني هناك أشياء ثمينة كثيرة، وعندما رأيتها أُسر ذهني بالكنز العظيم، وعندما نظرت إليه بهر عيني وأسر أفكاري وجعل خواطري تجول في نواحٍ عدة.
مَنْ ينل منه يغتني ويُغنِى (آخرين) وهو مفتوح ومتاح لكل مَنْ يطلبه، ورغم أنَّ كثيرين يأخذون منه إلاَّ أنَّه لا ينقص، وعندما يَعطون من ذلك الذي نالوه يتضاعف نصيبهم جدًا، وهؤلاء الذين يأخذون مجانًا فليُعطوا مجانًا كما أخذوا لأنَّ (هذا الكنز) لا يمكن أنْ يُباع بثمن إذ ليس هناك ما يساويه.
وهذا الكنز لا ينتهي ولا يفسد، وكل مَنْ ينالونه لا يشبعون ولا يكتفون، يشربون ويظلون عطشى، يأكلون ويظلون جوعي، وكل مَنْ هو غير عطشان لا يجد احتياج للشرب، وكل مَنْ هو غير جائع لا يجد شيئًا يأكله، والجوع إليه يُشبع كثيرين، ومن العطش إليه تفيض ينابيع مياه، لأنَّ الإنسان الذي يقترب من مخافة الله هو مثل الإنسان الذي في عطشه يقترب من ينبوع الماء ويشرب ويرتوي والينبوع لا ينضب على الإطلاق، والأرض التي تحتاج أنْ تُروى، ترتوي من الينبوع لكن مياهه لا تجف، وبعدما ترتوي الأرض، تعود فتحتاج أنْ تُروى ثانية (ومع ذلك) لا يَقِلّ فيضه، كذلك هي معرفة الله.
رغم أنَّه يجب أنْ ينالها كل أحد إلاَّ أنَّها لن تنقص ولا يمكن أنْ يحصرها أو يحدها أبناء الجسد، فمَنْ يأخذ منها لا يمكنه أنْ يأخذها كلها، وعندما يُعطِى لا ينقص (منه) شيء، فعندما تشعل شمعة من لهب النار، رغم أنَّك تشعل شموع كثيرة منها إلاَّ أنَّ اللهب لا ينقص في شيء عندما تأخذ منه، ولا الشمعة تنتهي أو تنطفئ عندما تشعل كثيرين، ولا يستطيع إنسان واحد أنْ يأخذ كل كنز الملك، وعندما يشرب إنسان عطشان من النبع، لا تفرغ مياهه، وعندما يقف إنسان على جبل عال، لا تدرك عيناه (بالتساوي) الأماكن القريبة والبعيدة، وأيضًا عندما يقف ويحصى نجوم السماء، لا يستطيع أنْ يبلغ إلى قوات السماء، كذلك عندما يقترب إنسان من مخافة الله، لا يستطيع أنْ ينالها كلها، وعندما ينال الكثير ممَّا هو ثمين، لا يبدو أنَّه نقص (أي الكنز الثمين) وعندما يعطى (الإنسان) ممَّا ناله لا يُنقص ولا يفرغ.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-athnasius-fahmy/st-afrahat/pastors.html
تقصير الرابط:
tak.la/ksp8ah3