THE LENTEN WORSHIP
من السمات المميزة للروحانية الأرثوذكسية والتي ترتبط بالصوم، الحزن المضيء تلك الحالة من تغيير العقل والقلب والسلوك والنفس، وتجديد الإنسان بكليته وصيرورته في جو ومناخ جديد ومتجدد، ويوصينا العظيم الأنبا أنطونيوس "ليست الفضائل خارجكم بل هي لكم وفيكم ولا تتطلب منك سوى الإرادة لان ملكوت الله داخلكم".
أن غاية الصوم الأربعيني ليست تتميم فروض شكلية إجبارية، ولكن الغرض أن تلين قلوبنا حتى تنفتح على حقائق الروح فنترك إرادتنا الحسية وتلتزم الهدوء بكل نوع، وذلك الجوع والعطش السري يكون هدفه الإتحاد بالله واختيار العطش والجوع لشركة معه ونوال غفران الخطايا وهو ما نعبر عنه في إبصالية الصوم ونقول [تعالوا لنصوم أصوامًا كاملة لان بالصلاة والصوم يغفر لنا الرب]، وهذا المناخ الأربعيني والجو الصيامي وتلك الحالة الفريدة من الفكر والعقل لا يمكن بلوغها إلا بالعبادة من خلال تلك الأطعمة الروحية المتنوعة التي نأكلها خلال هذا الموسم الليتورجي..
وإذا ما اعتبرت العبادة مجرد طقوس أو مراسيم غير مفهومة وترتيبات شكلية لابد من تتميمها وتكميلها، لن نجنى ثمارها، ولكن إذا ما فهمناها في جملتها وروحانيتها فإنها تكشف وتعلن روح الصوم وبركاته وتجعلنا نرى ونشعر ونختبر ذلك الحزن المضيء الذي هو موهبة الصوم ورسالته الحقيقية، التي هي التفتيش ومحاسبة النفس بلوغًا إلى السلوك بحسب الدعوة التي دعينا إليها.
من خلال الحزن العميق الذي يتخلل الخدمة كلها، فالخدمة أطول من المعتادة وأكثر رتابة [أي على وتيرة ونسق واحد] حيث لا حركة ولا ضجيج، فالنبوات والطلبات والمطانيات metanoia والألحان تتم في تناغم وتناوب، والجموع متوسلة منسكبة [إكلينومين تاغوناطو ~Klinwmen ta gonata].. ونسجد اثنتي عشر سجدة وعلى فترة يطول مداها نقف بخشوع لنستمتع بغنى الطقس الصيامي ذي الوتيرة الواحدة في حزن تام.. الذي لا هدف منه إلا عيش الحزن المضيء عندما نردد [أخطأت أخطأت يا ربي يسوع اغفر لي لأنه ليس عبد بلا خطية ولا سيد بلا غفران] بلحنها المؤثر الفعال الذي يخترق الآذان والقلوب والنفوس ليهزها ويحركها في طريق التوبة والفضيلة [ونحن أيضا فلنصم بطهارة وبر] من اجل صوم روحاني مبارك..
وهذه التوبة والجهادات بالجوع والعطش توصلنا إلى نوال رؤية القيامة التي هي فعل الحزن المضيء، وعندئذ نتلامس مع عالم آخر، عالم الفردوس والملكوت الذي في داخلنا.
وتلك الرتابة والإطالة في العبادة تجعلنا نتيقن أنه أمر نحتاج إليه إذ كانت رغبتنا فعلًا متمركزة في اختيار السر ومعايشة ذلك "الفعل غير الملحوظ فيا، وتأخذنا العبادة الليتورجية لكي نختبر ونعيش الفعل فتأتى لنا بالنماذج الحية التي عاشت فعل الصوم فأخذت البركات، فنقول في إبصالية الصوم [إيليا أغلق السماء بالصلاة والصوم فلم تمطر، ذبيحة إبراهيم قبلها السيد الإله بالصلاة والصوم وجعله رئيس آباء، ويعقوب من اجل نواياه الصادقة البريئة بالصوم والصلاة نال بركة أبيه، ولوط البار استحق أن يأتي إليه الملاكان وبالصلاة والصوم خلص من الشدة، وموسى أخذ اللوحين بالصلاة والصوم، ونوح أشار إليه الله بالفلك وبالصوم والصلاة خلص من الطوفان]، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. وهكذا تستحضر الكنيسة في عبادتها الصومية الثلاثة فتية، ويونان النبي، وصموئيل ماسح الملوك، ويوسف العفيف رئيس مصر، والاثني عشر تلميذ، وداود ذا القيثارة وصاحب النبوة وكل الأنفس التي أرضت الرب بأعمال الصوم والصلاة تكون معنا فنعيش شركة السمائيين والقديسين في العبادة الليتورجية، لنتعلم منهم ونسلك كما سلكوا حاذين حذوهم فنفوز بملكوت السموات، فالخلاص والتوبة ليسا احتقارًا للجسد أو إهمالًا له، بل إعادة الجسد إلى نوره الحقيقي كتعبير عن الروح وحياتها، كهيكل للنفس البشرية التي لا تثمن والنسك المسيحي هو حرب من أجل الجسد وليس ضده، لهذا السبب يتوب الإنسان بكليته، بالصلاة والعبادة والسجود..
ورويدًا رويدًا تنفتح مداركنا ونفهم أو بالحري نشعر أن ذاك الحزن هو بالحقيقة حزن مضيء، وان تحولًا سريًا على وشك الحدوث في داخلنا، ويبدو الأمر كما لو كنا قد بلغنا مكانًا اختفت فيه ضوضاء الحياة وضجيجها وجلية الشوارع التي غالبًا ما تملأ أيامنا وليالينا، نبلغ مكانًا لا تصير لهذه الأمور أيه سيادة علينا، وهنا تكمن أهمية الصوم لنا عندما نبلغ حالة ذهنية تملأ كياننا كله، حالة من الترقب والتوتر الحلو تصبح طبيعة ثانية، عندما يختفي القلق والتوتر العالمي بطريقة ما والى مكان ما، فنبدأ نشعر بأنفسنا أحرارًا وأكثر خفة وسعادة.
وهو ما نحس به ونردده في مرد الإنجيل أثناء الصوم الأربعيني [سلام الله الذي يفوق كل عقل يحل في قلوبكم بالمسيح يسوع ربنا].
ليست تلك السعادة السطحية المزعجة ذات الجلية التي تأتى وتنصرف مرات كثيرة، تلك السعادة الوقتية الزائلة الهشة سريعة الزوال، بعكس هذه السعادة العميقة التي مصدرها النفس البشرية التي تلامست مع الملكوت متوقعة انتظار ربنا يسوع المسيح [الباروسيا]، ذلك العالم المصنوع من النور والسلام والبهجة والثقة التي لا يعبر عنها وعجيبة حينئذ نفهم لماذا كانت الخدمات الليتورجية طويلة ورتيبة، أن طولها ورتابتها إنما بهدف عميق ألا وهو دخولنا إلى السكون والاعتكاف الباطني، لأنه من المستحيل أن نعبر حالتنا الراهنة العادية، حالة الفكر الذي صاغته الانشغالات والاندفاع والضوضاء وطياشة الفكر أي تلك الحالة الأخرى الجديدة، دون أن نستعيد في ذواتنا معيارًا جديدًا عن الاستقرار الداخلي، نستمده من عباداتنا، عندما نقر ونشهد في اسبسمس واطس الصوم المقدس [أنا اعرف انك صالح، رؤوف ورحيم، اذكرني برحمتك إلى الأبد. أطلب إليك يا ربي يسوع لا تبكتني بغضبك ولا برجزك تؤدب جهالتي] فتكون عبادتنا.
وهذا ما أكده القديس العظيم الأنبا أنطونيوس "إن الروح القدس يجعل عمل التوبة حلوًا وشيقًا ويأخذنا التي التحول الكامل نحو الله ويصير لنا ملجأ وقوة ويطفئ عنا كل الشرور المتحركة فكل تغير إنما يبدأ من الداخل من الحياة الباطنية لان كل مجد ابنه الملك من داخل.
والآباء الروحانيون الذين صاغوا المنهج الكنسي الليتورجي في الصوم والذين شكلوا أيضًا البنية العامة للعبادات في الصوم الكبير، من قراءات والحان ومدائح وميامر ونبوات وطقس صيامي ومطانيات وطلبات وقداسات متأخرة، أضفوا على ليتورجية الصوم جمالًا خاصًا يليق به، هؤلاء جميعًا كانوا يفهمون ضعف النفس البشرية، فجعلونا نقول في الصوم [بصوتي صرخت إليك يا إلهي فمن أجل الصوم أعطني خلاصًا. أعن ضعفي أيها المخلص. ومن أجل الصوم اغسل أقذارنا]، أن هؤلاء، الآباء الذين وضعوا العبادات والألحان الليتورجية كانوا يعرفون حقًا فن التوبة، وكل عام خلال الصوم الأربعيني يجعلون هذا الفن في متناول كل فرد له أذنان للسمع وعينان للنظر، عندما نطلب ونلح ونترجى ونئن قائلين [أخطأت يا يسوع ربي أخطأت يا يسوع إلهي يا ملكي لا تحسب على الخطايا التي صنعتها]، وكل العبادات أثناء الصوم تحض على التوبة وترسم الطريق لها، لنتطلع إلى فرح القيامة والدخول في مجد الملكوت، هذا هو فكر الكنيسة، لأن جوهر الصوم أن نتذوق العبادات والألحان بوزنها الصيامي لنستنير ونبلغ بإيماننا درجة الكمال، عندئذ نفهم ما هو تعليم كنيستنا الصحيح.
واللاهوت الأرثوذكسي القبطي يؤكد على اقتران الجهاد بالفرح، فرح الملكوت (الاستعداد)، فرح الغلبة (التجربة)، فرح التوبة (الابن الضال)، فرح الكرازة والخدمة (السامرية)، فرح الغفران والشفاء (المفلوج)، فرح الاستنارة ونذر المعمودية (التناصير)، فرح ملكوت المسيح الآتي (الشعانين)، ومن خلال الحزن المضيء يشعر كل أرثوذكسي بالعبادة التي تحث على التوبة وحمل الصليب والجهاد والسلوك بلا عثرة ورفض المشورة الشريرة، عندما يدخل إلى البيعة في أثناء الصوم الكبير، يدرك بسرعة ما يدور، حتى ولو كانت معرفته محدودة، مصدر سلامنا وسكون أنفسنا وراحتها.
أن أولئك الذين يعتقدون أن العبادة الليتورجية هي مجرد "فروض"، وأولئك الذين يلحون في اختصار عدد مرات الذهاب إلى الكنيسة واختصار زمن الصلوات ووقتها، لا يمكنهم أبدًا أن يستوعِبوا طبيعة ودسم وغنى وعمق وضياء العبادة التي تأخذنا إلى سر الحضور الإلهي.
عندما نقول في أرباع ناقوس الصوم [ربنا يسوع المسيح صام عنا أربعين يومًا God's Presence وأربعين ليلة حتى خلصنا من خطايانا، أبانا الذي في السموات ليتقدس اسمك ليأت لأن لك المجد إلى الأبد آمين].
وهنا نلمس حضور المسيح في وسطنا، وأنه معنا ونحن فيه خلال صومه الأربعيني، وتستهدف العبادة الكنسية من ذلك أن تأخذنا في بطء وتهيئة وهدوء بالغ رويدًا رويدًا للتمتع بالحضور الإلهي بشكل طبيعي وسوى بالرغم من طبيعتنا الساقطة، وعندما نجد أنفسنا في حضرته الإلهية أثناء العبادة تنتهز الكنسية هذه الفرصة لتتضرع إليه في مرد الابركسيس `Pra[ic وتقول له [اذكرني يا رب، اذكرني يا إلهي، اذكرني يا ملكي، إذا جئت في ملكوتك].
وهنا نختبر ذلك التحرر السري أكثر خفة وسلامًا، ويصبح لرتابة وحزن الخدمة التعبدية مغزى فيشرق فينا جمال جواني يشبه الشمس المبكرة التي وهي بعد Transfigured جديد، حيث تتغير هيئتنا.
معتمه في قلب الوادي، تبدأ في إنارة قمة الجبل، هذا النور وذاك الفرح السري يبزغان من أعماق التسبيح والتهليل المتعمق.. وهو ما نقوله في تسبحة ذكصولوجية الصوم [أسبح مراحمك يا ربي إلى الأبد ومن جيل إلى جيل بفمي اخبر بحقك]، فما قد بدل للعيان رتيبًا يستعلن الآن سلامًا، وما كان يبدو طويلًا وكأنه حزن قد اختبرته النفس الآن في أولى حركاتها فاستكشفت عمقه المفقود وهذا ما تصرخ به في تسابيح الصوم في كل صباح أثناء دورة الحمل [فأدخل إلى مذبح الله تجاه وجه الله الذي يفرح شبابي اعترف لك بالقيثارة يا الله الهى اذكر يا رب داود وكل دعته الليلويا].
لقد ارتبط الصوم في العهد القديم بفكرة الحزن والنحيب، ولكن حزننا هذا حزن مضيء حزن برجاء وحنين للفردوس، منطلق ومرتقب للقيامة.
الحزن المضيء حزن منفاي، حزن ما ضاع من عمري، تعبر عنه الليتورجيا في قطع توزيع أيام الصوم [أطلب إليك يا ربي يسوع لا تبكتني بغضبك ولا برجزك تؤدب جهالتي، يا محب البشر سيدي يسوع أسالك لا تطرحني على يسارك مع الجداء الخطاة ولا تقل لي أيضًا إني ما أعرفك اذهب عنى أيها المعد للنار الأبدية.. لأني أعلم بالحقيقة أني خاطئ وأعمالي الرديئة كلها ظاهرة أمامك، أعطني يا رب توبة لكي أتوب قبل أن يسد الموت فمي في أبواب الجحيم وأعطني جوابًا على كل ما فعلته، القاضي العادل يسوع الذي يدينني رؤوف هو مخلصي يتراءف على شعبه كصالح ومحب للبشر، ارحمنا كعظيم رحمتك].
وهنا نتلاقى مع ضياء وجود الله في حياتنا بغفرانه وبهجته، ذاك الاشتياق، الذي تتم استعادته، وسلام ذلك البيت الذي كان مفقودًا، قد صار شعبًا وحزنًا مضيئًا وغنى ورحمة ومصالحة وتقديس من خلال مناخ عبادة الصوم.. التي فيها نعيش قانون توبة جماعي، كما رسمته ليتورجيا الكنيسة التي تشتمل على التسبيح المقترن بالبهجة والفرح الروحي والانسكاب، والقطع التي يغلب عليها الطابع التفسيري والتعليمي لتحث العابدين على النسك والصلوات والمصالحة والمحبة والاتضاع والطهارة والانسحاق والرحمة [تمسكوا بالصوم والصلاة معًا وقوموها بالطهارة التي للقديسين وأحبوا النشاط والبتولية] {إبصالية آدام على تذاكية الأحد}.. وكلها معاني ليتورجية تلف الكنيسة بروح الجهاد القانوني المستقيم الذي يسرى في كنيستنا التي لإخلاص لأحد خارجها.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-athnasius-fahmy/lent/worship.html
تقصير الرابط:
tak.la/58tqamy