St-Takla.org  >   books  >   fr-angelos-almaqary  >   john-chrysostom-paul-praise
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب تقريظ ومدح للقديس بولس الرسول: عن عظات للقديس يوحنا ذهبي الفم - القمص أنجيلوس المقاري

4- أنا الأسير في الرب

 

والنص الثاني من العظة الثامنة على شرح رسالة أفسس وهو على النحو التالي:

["أنا الأسير في الرب"

 يا لها من كرامة عظيمة، أعظم من كرامة الملوك أو السفراء أو أي إنسان آخر. ومن أجل هذا استخدم نفس اللقب عندما كتب إلى فليمون "إذ أنا إنسان هكذا نظير بولس الشيخ، والآن أسير يسوع المسيح" (فل9). فلا شيء أكثر مجدًا لأسير المسيح من تلك السلاسل التي رُبطت بها اليدان المباركتان. أن يكون أسيرًا من أجل المسيح، كان ذلك أمجد له من أن يكون رسولًا، أو معلّمًا أو كارزًا.

إن مَن يحب المسيح يمكنه أن يدرك ويعي ماذا أقول. ومن يلتهب قلبه بالولاء للرب وفي حالة نشوة روحية عالية يمكنه أن يعرف قوة هذه السلاسل. مثل هذا الإنسان يفضّل أن يكون أسيرًا من أجل المسيح عن أن تكون له السماء مسكنًا. كانت اليدان اللتان أراهما للمؤمنين أكثر مجدًا من أية حلي ذهبية، أو من أي تاج ملكي. إن أي إكليل للرأس مرصع بالجواهر ليس أكثر مجدًا من السلسلة الحديدية التي تكبل اليدين من أجل المسيح. فقد كان السجن (بالنسبة لبولس الرسول) أكثر مجدًا من القصور، بل أكثر مجدًا من السماء نفسها. وما سبب قولي أنه أكثر مجدًا من القصور؟ لأنه كان يوجد داخله سجينًا، من أجل المسيح مسجون.

إن كل مَن يحب المسيح يعرف شرف هذا اللقب ويدرك قيمته، ويعرف مقدار هذه البركة التي أُعطيت للبشرية، أن يكون المرء مقيدًا من أجل المسيح. إن السجن من أجله أكثر مجدًا من الجلوس عن يمينه (مت 20: 21)، بل أكثر مجدًا من الجلوس "على أثنى عشر كرسيًا" (مت 19: 28).

ولماذا أتحدث عن الأمجاد البشرية؟ إنني أخجل من مقارنة الأمجاد الأرضية والحلي الذهبية (الفانية) بهذه السلاسل. ولكن حتى لو امتنعنا عن التحدث عن تلك الأمجاد السماوية وحتى لو لم يكن التقيد بسلاسل مقترن بأي أجر على الإطلاق، فهذا التقيد في حد ذاته أجر عظيم، لأن احتمال هذه المتاعب من أجل المحبوب هو أجر وتعويض هائل. إن من يحبون -حتى وإن كانت تلك المحبة لبشر وليس لله- يعرفون كلامي، لطالما كانوا يتلذذون بالآلام من أجل من يحبون، أكثر مما يتلذذون بالأمجاد التي ينالونها منهم.

لكن معرفة هذه الأمور معرفة تامة فهذه قاصرة على الجماعة المقدسة، أعني الرسل وحدهم. (وتأكيدًا لهذا) أصغ إلى ما قاله الطوباوي لوقا "وأما هم فذهبوا فرحين من أمام المجمع لأنهم حُسبوا مستأهلين أن يهانوا من أجل اسمه" (أع 5: 41). قد يبدو جهالة في نظر الآخرين أن نُحسب مستأهلين للإهانة، وأن نفرح بالإهانة. أما في نظر من يدركون محبة المسيح، فإن هذا يُحسب أعظم بركة. لو خُيّرت أنا شخصيًا بين السماء وتلك السلسلة لفضّلت السلسلة. ولو خٌيّرت بين الجلوس في الأعالي مع الملائكة أو مع بولس في السجن، لفضّلت السجن. ولو خُيّرت بين التحول إلى واحد من تلك القوات السماوية، الواقفة حول العرش، أو إلى سجين كبولس، لفضّلت أن أكون سجينًا. ليس هناك شيء أكثر مجدًا من تلك السلسلة.

St-Takla.org Image: Paul, the Apostle in jail, prison. - Bible Clip Arts from NHP. صورة في موقع الأنبا تكلا: بولس الرسول في السجن - صور الإنجيل من إن إتش بي.

St-Takla.org Image: Paul, the Apostle in jail, prison. - Bible Clip Arts from NHP.

صورة في موقع الأنبا تكلا: بولس الرسول في السجن - صور الإنجيل من إن إتش بي.

ليتني أوجد في هذه اللحظة في نفس مكانها(116) لأنظر وأبدي إعجابي بأولئك الأشخاص من أجل محبتهم للمسيح. ليتني أستطيع النظر إلى تلك السلاسل التي يرهبها الشياطين ويرتعبون منها، بينما الملائكة يمجدونها. ليس هناك أشرف وأنبل من احتمالك الشر من أجل المسيح. اعتقد بأن الرسول بولس لم يسعد عندما "أُختطف إلى الفردوس" (2كو 12: 4) بقدر ما سعد عندما زُجَّ به في السجن. أرجح بأنه لم يسعد عندما سمع كلمات لا يُنطق بها، بقدر ما سعد عندما أُوثقت يداه. اعتقد بأنه لم يفرح عندما "أُختطف إلى السماء الثالثة" (2كو 12: 2) بقدر ما فرح بتلك السلاسل. ولكي تدرك أن هذه أعظم من تلك، انظر كيف أدرك هو نفسه هذا، لأنه لا يقول "أنا الذي سمعت هذه الكلمات التي لا يُنطق بها أطلب إليكم... " بل قال "أنا الأسير في الرب". ونحن لا نندهش من هذا، حتى وإن كان لا يذكر هذا في كل رسائله، لأنه لم يكن في السجن دومًا، بل في أوقات معينة (محددة).

إنني أحسب أن احتمال الآلام من أجل المسيح أفضل من قبول المجد من يدي المسيح. هذا مجد فائق، هذا مجد يفوق كل مجد. وإن كان ذاك الذي أخذ صورة عبد، وأخلى ذاته من مجده (في 2: 7)، لم يعتبر أنه كان في حالة أكثر مجدًا مما كان عندما صُلب، فلماذا لا احتمل أنا كل شيء؟! استمع إلى كلماته "أيها الآب مجدني" (يو 17: 1). ما هذا الذي تقوله؟ أنت تؤخذ إلى الصليب لتُصلب مع اللصوص وسارقي القبور، أنت تحتمل موت اللعنة، وسوف يُبصق عليك وتُلطم، وتدعو كل هذا مجدًا؟

(يجيب الرب) نعم، فإنني احتمل كل هذا من أجل أحبائي واعتبره مجدًا.

وإن كان ذاك الذي أحب البؤساء والمرذولين قد حسب هذا مجدًا، وإن كان يرى أن مجده لا أن يكون في عرشه أو في مجد أبيه، بل في الهوان؛ وإن كان قد فضّل هذا على ذاك، فالأحرى بي أن أحسب كل هذا مجدًا.

آه! ما أمجد هذه السلسلة. آه، ما أمجد هاتين اليدين اللتين زينتهما هذه السلسلة. لما أقام بولس ذلك الأعرج في لسترا وشفاه لم تكن يداه مجيدتين بقدر ما كانتا عندما أُوثقتا بالسلسلة. لو كنت عائشًا في تلك الأيام لقبّلتهما ووضعتهما في حدقة عيني، ولما كنت أكفّ عن تقبيل هاتين اليدين اللتين حُسبتا مستحقتين أن توثقا من أجل ربي.

هل تندهش من بولس عندما نشبت الأفعى في يده دون أن تضره (أع 28: 3-5)؟ لا تتعجب من هذا. فهذه الأفعى احترمت السلسلة، بل لقد وقرّها البحر كله، لأنه كان موثقًا بالسلسلة أيضًا عندما نجى بعد تحطم السفينة(117). لو كان قد عُرضت عليّ في تلك اللحظة القوة لإقامة الموتى، لفضّلت عليها تلك السلسلة. لو لم تكن لدي هموم واهتمامات تختص بخدمتي في الكنيسة، ولو كان جسدي قويًا ومتشددًا، لما ترددت في القيام برحلة طويلة لكي أرى فقط تلك السلاسل، وذاك السجن الذي سُجن فيه بولس.

إن آثار معجزاته عديدة فعلًا في كل أنحاء العالم، لكنها ليست غالية مثل سمات الرب يسوع التي حملها في جسده (غلا 6: 17). ولست أتلذذ بقراءة أخبار معجزاته في الكتاب المقدس أو عن أخذ عصائب ومناديل من على جسده لوضعها على المرضى لكي يبرأوا، مثلما أتلذذ بالقراءة عن تحمله للنكبات وجلده وجره على الأرض. عجيبة جدًا هذه الأشياء، لكنها ليست عجيبة مثل تلك "فوضعوا عليه ضربات كثيرة وألقوه في السجن" (أع 16: 23).

وأيضًا عندما سُجن بولس وسيلا "كانا يصليان ويسبحان الله" (أع 16: 25). واسمع أيضًا أنهم "رجموا بولس وجروه، ظانين أنه قد مات" (أع 14: 19). أتريد أن تدرك عظمة السلسلة الحديدية من أجل المسيح، إذ رُبطت حول جسد خادمه الأمين؟ اسمع ما قاله المسيح نفسه "طوبى لكم" (مت 5: 11). لماذا الطوبى؟ هل لأنكم أقمتم الموتى؟ كلا. إذًا لماذا؟ هل لأنكم شفيتم العميان؟ كلا وألف كلا... ولماذا إذًا؟ لأنه أعطى الغبطة للمطرودين والمهانين لأجله قائلًا "طوبى لكم إذا عيّروكم وطردوكم، وقالوا عليكم كل كلمة شريرة من أجلي كاذبين" (مت 5: 11).

وإن كان مجرد كلام الناس عن غيرهم رديًا يُكسب المؤمنين بركة كهذه، فما الذي يكسبونه عندما يعاملونهم معاملة رديّة؟ استمع إلى ما قاله هذا الطوباوي نفسه في مكان آخر "وأخيرًا وضع لي إكليل البر" (2تي 4: 8). ومع ذلك فالسلسلة أكثر مجدًا من هذا الإكليل (وكما لو كان لسان حاله يقول): "وقد جعلني الرب مستحقًا لهذه السلسلة، وأنا لا أبالي بالإكليل. إن كنت أحتمل الآلام من أجل المسيح فيكفيني هذا مكافأة. ليته يعينني على أن أقول بأنني -أكمل نقائص شدائد المسيح (كو 1: 24)- فلست أطلب شيئًا أكثر".

وقد حُسب بطرس أيضًا مستحقًا لهذه السلسلة؛ لأننا نقرأ أنه رُبط بسلسلتين، وسُلّم للعسكر ونام (أع 12: 6). لكنه فرح وبقي صامدًا على مبدئه الصحيح ونام نومًا عميقًا، الأمر الذي لم يكن ممكنًا أن يحدث لو كان منزعجًا ومضطربًا. وإذ كان نائمًا بين اثنين من العسكر، جاءه ملاك وضرب جنبه وأيقظه.

والآن، هل يسألني أي واحد: أيهما تفضّل؟ أتفضّل أن تكون الملاك الذي ضرب بطرس أم بطرس الذي نجا؟ إنني أفضّل أن أكون بطرس الذي من أجله جاء الملاك نفسه. إنني أفضّل أن أتمتع بتلك السلسلة. وقد تسألني كيف صلّى إذ أُنقذ من شرور كثيرة؟ لا تتعجب، فقد صلى لأنه خاف أن يموت، وكان خائفًا من الموت، إذ كان يتمنى أن يستمر على قيد الحياة لكي يواجه شدائد أخرى.(118) ولذا اسمع ما قاله أيضًا المغبوط بولس الرسول نفسه "لي اشتهاء أن أنطلق وأكون مع المسيح، ذاك أفضل جدًا. ولكن أن أبقى في الجسد ألزم من أجلكم" (في 1: 23-24). وقد حسب هذا هبة حيث قال "لأنه قد وُهب لكم لأجل المسيح لا أن تؤمنوا به فقط، بل أيضًا أن تتألموا لأجله" (في 1: 29).

لقد حسب الآلام هبة أعظم، لأن الله يهبها بنعمته المجانية. هي هبة فعلًا، هبة سامية جدًا، أسمى من جعل الشمس والقمر يتوقفان عن حركتهما، أسمى من نوال القوة التي تزحزح العالم، أسمى من أخذ سلطان على الشياطين أو إخراجها. لا تحزن الشياطين من إخراجنا لها بالإيمان بقدر ما تحزن عندما ترانا نتألم من أجل المسيح ونُسجن. لأن هذه تزيدنا جرأة.

ليست السلاسل التي نحتملها من أجل المسيح أمرًا نبيلًا لكونها تعدنا للملكوت، بل نبلها يرجع لكوننا نحتملها من أجل السيد المسيح. وإنني لا أرحب بها لكونها تقودنا إلى السماء، بل لأننا نحتملها من أجل رب السماء. كم للمرء أن يفتخر جدًا كونه يعلم أنه أُوثق من أجل المسيح. يا لها من سعادة جزيلة وشرف رفيع، وامتياز مجيد، إنني أتمنى أن أطوَّق نفسي بهذه السلسلة، ولو أن هذا صعب تحقيقه عمليًا.

عندما كان بولس مربوطًا بسلسلة، قيل إنه "تزعزعت أساسات السجن وانفكت قيود الجميع" (أع 16: 26). ألست ترى إذًا أنه كانت في القيود طبيعة تذيب القيود نفسها؟ فكما أن موت الرب أمات الموت نفسه، هكذا استطاعت قيود بولس أن تحل قيود المسجونين، وتزعزع أساسات السجن، وتفتح الأبواب. ليس هذا هو التأثير الطبيعي للقيود، بل هو العكس. فهي تحفظ المقيد وتمنعه من الهرب، لا أن تفتح له الأبواب. ليست هذه هي طبيعة القيود بصفة عامة، بل هذه هي طبيعة القيود التي يتم احتمالها من أجل المسيح. فإننا نقرأ أن حافظ السجن "خرّ لبولس وسيلا وهو مرتعد" (أع 16: 29).

كذلك ليست طبيعة القيود بصفة عامة أن تجعل من يربط غيره يخر ساجدًا أمام الشخص الذي قام بتقييده، بل على العكس إنها تجعل المقيد يخر ساجدًا أمام من يقيده. فهنا نجد الحر الطليق يخر ساجدًا عند قدمي الشخص المُقيَّد. كما نجد أن من يقيد غيره يلتمس من المُقيَّد أن يحله من قيود الخوف.

قل لي أيها السجان، ألم تكن أنت الذي قيدته؟ ألم تكن أنت الذي ألقيته في السجن الداخلي؟ (أع 16: 24). ألم تكن أنت الذي ضبطت رجليه في المقطرة؟ فلماذا ترتعد؟ لماذا تضطرب؟ لماذا تبكي؟ لماذا تستل سيفك لتقتل نفسك؟

فأجاب: إنني لم أُقيّد قط شخصًا كهذا. لم أكن أدري أن المسجونين من أجل المسيح لهم قوة مقتدرة كهذه.

ماذا تقول؟ لقد نالوا قوة تفتح السماء، أفلا يستطيعون أن يفتحوا سجنًا؟ لقد حرروا من قيدتهم الأرواح الشريرة، فهل تقف في وجوههم قطعة من حديد؟ أنت لا تعرف من هؤلاء الناس (حق قدرهم) ولذلك غُفرت لك خطاياك.

← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

هذا السجين هو بولس الرسول الذي توقره كل الملائكة. هو بولس الذي كانت مناديله ومآزره تشفي الأمراض وتخرج الأرواح الشريرة (أع 19: 12). ومن المؤكد إن السلاسل التي من الشيطان شديدة الصلابة، بل أشد صلابة من الحديد، لأن سلاسل الشيطان تقيد النفس، أما السلاسل الأخرى فتقيد الجسد وحسب. ولذلك فإن الشخص الذي حرر النفوس، ألا تتوفر لديه القوة ليحرر جسده؟ والذي استطاع أن يحطم سلاسل الأرواح الشريرة، هل يعجز عن أن يحطم السلاسل الحديدية؟ والذي حرر أولئك المقيدين بملابسه ومناديله، وخلصهم من قبضة الشياطين، هل يعجز عن فك نفسه بنفسه؟

لأجل هذا هو حرر المقيدين بعد أن كان هو أولًا مقيدًا، لكي تدرك (أيها السامع) أن خدام المسيح لديهم قوة أعظم من قوة الأحرار (الذين بلا قيود). لو أن واحدًا من الأحرار فعل هذا، لما اُعتبر عمله غريبًا. إذًا فلم تكن السلسلة علامة على الضعف، بل بالحري كانت أعظم قوة. وهكذا ظهرت قوة القديس بكيفية بارزة، ورغم أنه كان مقيدًا، صار أعظم قوة من الأحرار، ولم يحرر نفسه فقط، بل حرر أيضًا من كانوا مقيدين.

وماذا كانت فائدة الأسوار؟ وماذا كان نفع الزج به في السجن الداخلي إن كان قد فتح باب السجن الخارجي أيضًا (فيما بعد)؟ ولماذا تم هذا ليلًا، ولماذا كان مقترنًا بزلزلة؟

اصطبر قليلًا، واسمح لي بأن أغض النظر عن كلمات الرسول، وأبسط لك أعماله، وأتأمل في سلاسله. اسمح لي بفرصة أطول لزيادة التأمل فيها. لقد تشبثت بتلك السلسلة، ولن يفصلني أحد عنها. إنني في هذه اللحظة مقيد بمحبتي بقوة أكثر مما كان هو مضبوطًا في المقطرة. لا يقدر أحد أن يحطم هذه السلسلة، لأنها مصنوعة من محبة المسيح. ليست لدى الملائكة ولا ملكوت السماوات قوة لفكها. فلنستمع إلى كلمات الرسول "لا ملائكة ولا رؤساء ولا قوات ولا أمور حاضرة ولا مستقبلة ولا علو ولا عمق، تقدر أن تفصلنا عن محبة الله التي في المسيح يسوع ربنا" (رو 8: 38-39).

ولماذا حدث هذا في منتصف الليل؟ ولماذا اقترن بزلزلة؟ اسمع وتعجب من ترتيب العناية الإلهية. لقد "انفكت قيود الجميع... وانفتحت في الحال الأبواب كلها". وحدث كل هذا من أجل حافظ السجن فقط، لا بقصد التفاخر، بل بقصد خلاصه. لأنه واضح من كلام بولس أن المسجونين لم يدركوا أن قيودهم قد انفكت، فقد قال "لا تفعل بنفسك شيئًا رديًا، لأن جميعنا ههنا" (أع 16: 28). ولو كانوا قد رأوا الأبواب مفتوحة وأدركوا أنهم قد تحرروا من قيودهم لما كانوا بقوا في السجن لحظة واحدة. فالذين تعودوا اقتحام الأسوار وتسلق المتاريس وتذليل كل أنواع الصعوبات وهم أحرار، لم يكن ممكنًا لهم أن يتحملوا البقاء داخل السجن لحظة واحدة بعد فك القيود من أيديهم وفتح الأبواب، لاسيما أن حافظ السجن كان نائمًا. لكن كانت قيود النوم لهم عوض القيود الحديدية.

هكذا تم الأمر دون أن يحدث، بسبب المعجزة، أي أذى للسجان الذي كان ينبغي أن يخلص. وعلاوة على ذلك فإن المسجونين قُيَّدوا من جديد في الليل لا في النهار، ولذلك تم التقييد بكل حرص إذ كانوا نائمين، بينما لو كانوا قُيدوا بالنهار، لكانوا قد تهيجوا كثيرًا وقاوموا (وكان من الصعب فرض النظام والأمن في السجن).

وأيضًا، لماذا تزعزعت أساسات السجن؟ لإيقاظ السجان، فيرى ما حدث، لأنه كان هو الوحيد المستحق للخلاص. ورجائي لك أن تتأمل في عظمة نعمة المسيح. ففي وسط الحديث عن سلاسل بولس ذُكرت أيضًا نعمة الله. نعم فالسلاسل نفسها هي هبة الله ونعمة منه.]

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(116) يُقال إن السلاسل لا تزال موجودة.

(117) ما من شك ليس هناك أمر عسير على الله، لكن من (أع 27: 42-44) يمكن القول أنه تم فك سلاسل الأسرى حتى يتمكنوا من السباحة والنجاة من الغرق... ولكن حالة الهيام التي تستولي على ذهبي الفم في هذه الأعداد جعلته يتكلم هكذا.

(118) لم أجد هناك ما يؤيد ما جاء هنا عن بطرس الرسول، إذ لم يرد كلام عن بطرس أو حتى بولس الرسول أن أحدهما صلّى لكي ينجيه الله من الموت. ومن ناحية أخرى فإن نوم بطرس العميق في السجن وتسبيح بولس فيه مع سيلا يؤكد أن كليهما ما كان يخاف من الموت. ولكن هذا لا يمنع أنه ربما يكون القديس يوحنا ذهبي الفم قد استند في كلامه هذا إلى تقليد متواتر عن هروبه من السجن في روما ومقابلة الرب يسوع له ورجوعه ليموت شهيدًا...


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/fr-angelos-almaqary/john-chrysostom-paul-praise/prisoner-in-the-lord.html

تقصير الرابط:
tak.la/wqy869j