![]() |
والنص الثالث نجده في العظة الرابعة على (في 1: 23-24): [ماذا تقول أيها الطوباوي؟ عندما أنت موشك أن تنتقل من الأرض إلى السماء وتكون مع المسيح، ألا تعلم ماذا تختار؟
لا فهذا أبعد ما يكون عن روح بولس، لأنه لو قُدّم مثل هذا العرض لأي شخص بضمانات أكيدة، أفلا ينتهز في الحال هذه الفرصة ويُمسك بها؟ نعم، إذ كما أنه ليس بمقدورنا "أن ننطلق ونكون مع المسيح"، كذلك ليس بإمكاننا أن نبقى هنا حتى لو كان بإمكاننا أن ننطلق ونكون مع المسيح. لكن كلاهما كانا في مقدور بولس وروحه. إنه كان مقتنعًا (بهذا الاختيار) بمنتهى الثقة.
ماذا (تقول يا بولس)؟ هل أنت موشك أن تكون مع المسيح؟ وهل تقول "ماذا اختار، لست أدري؟". وليس هذا فقط، بل هل تختار الإقامة هنا "أن أبقى في الجسد"؟ ما هذا يا ترى؟ ألم تعش حياة طافحة بالمرارة في "أسهار، غرق السفينة ثلاث مرات، في جوع وعطش، في برد وعري، في هموم وقلق؟ "مع الضعيف تضعف وتلتهب لمن يعثر" (2كو 11: 27-29)، "في صبر كثير، في شدائد، في ضرورات، في ضيقات. في ضربات، في سجون، في اضطرابات، في أتعاب، في أسهار، في أصوام، في طهارة" (2كو 6: 5-6)، "خمس مرات قبلت أربعين جلدة إلا واحدة، ثلاث مرات ضُربت بالعصي. مرة رُجمت. ليلًا ونهارًا قضيت في العمق. بأخطار سيول. بأخطار لصوص، بأخطار في المدينة، بأخطار في البرية، بأخطار من إخوة كذبة" (2كو 11: 24-26).
عندما ارتد كل أهل غلاطية إلى مراعاة الناموس، ألم تصح بصوت عالٍ قائلًا "أيها الذين تتبررون بالناموس سقطتم من النعمة" (غل 5: 4)، كم كان حزنك عظيمًا آنذاك، أفلا تزال ترغب هذه الحياة الفانية؟ لو لم يكن قد أصابك شيء من كل هذا بل قد نجحت وكان النجاح حليفك وكنت بدون خوف وممتلئ بهجة، ألا ينبغي لك مع ذلك أن تسارع إلى ميناء ما خوفًا من مستقبل غير مؤكد؟
إذ أخبرني أي تاجر تكون سفينته مملوءة بثروة لا حصر لها -عندما يمكنه أن يسارع إلى الميناء ويكون في راحة- يفضّل أن يبقى في (عرض) البحر؟ أي مصارع عندما يمكنه أن يُتوج يفضّل أن يستمر في منازلة خصمه؟ أي ملاكم عندما يمكنه أن يلبس إكليله يفضّل أن يدخل الحلبة من جديد ويعرض رأسه للجروح؟
أي قائد عندما يمكنه أن يتخلص من الحرب بتقرير حسن وانتصارات (رائعة) ويمكنه أن ينعش نفسه مع الملك في قصره، لا يزال مع هذا يفضّل التعب والوقوف في صفوف قتال المعركة؟ فكيف يا من تعيش حياة طافحة بالمرارة لا تزال ترغب أن تبقى هنا؟ ألم تقل أنا مرتعب "حتى بعدما كرزت للآخرين لا أصير أنا نفسي مرفوضًا" (1كو 9: 27).
حتى لو كان الحاضر مملوء بخيرات لا حصر لها ينبغي لك أن تشتهي انطلاقك، إن لم يكن لسبب آخر، لكن لهذا السبب بالذات الذي هو رغبتك الشديدة للقاء المسيح حبيب نفسك.
يا لروح بولس هذه! لا شيء كان أبدًا مثلها ولن يكون أبدًا!
أنت تخاف المستقبل (1كو 9: 27)، ومحاط بأشياء كثيرة مميتة، أفلا تريد أن تكون مع المسيح؟
فيجيب: لا، وهذا لأجل المسيح، حتى أرد له بحب أكثر أولئك الذين جعلتهم عبيده، ولكي أجعل الحقل الذي زرعته يأتي بثمر كثير (1كو 3: 9). ألم تسمعوني عندما أعلنت إنني "غير طالب ما يوافق نفسي" (1كو 10: 33)، بل طالب ما يوافق (يفيد) قريبي؟ ألم تسمعوا هذه الكلمات "كنت أود لو أكون أنا نفسي محرومًا من المسيح" (رو 9: 3) لكي يأتي كثيرون إليه؟ أنا الذي اخترت ذاك القدر (النصيب)، ألن أختار بالأولى هذا، ألن أضر نفسي بمسرة بهذا التأخير والتأجيل حتى يخلصوا؟]
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-angelos-almaqary/john-chrysostom-paul-praise/with-christ.html
تقصير الرابط:
tak.la/wxd64td