St-Takla.org  >   books  >   fr-angelos-almaqary  >   john-chrysostom-father-son-equality
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب مساواة الآب والابن في الجوهر: للقديس يوحنا ذهبي الفم - القمص أنجيلوس المقاري

7- العظة الثانية عشر: تبارك الله | معجزات للمسيح | كسر شريعة السبت | مميزات سماع كلمة الله معًا

 

محتويات: (إظهار/إخفاء)

مقدمة: تبارك الله!
بِرْكَة بيت حسدا
شفاء المفلوج (المشلول)
اعتراض اليهود: كَسْر شريعة السبت
مميزات سماع كلمة الله معًا

العظة الثانية عشر

 

مقدمة

تبارك الله!

في كل اجتماع أرى أن نتاج حقولنا قد نما، محاصيلنا مزّهرة تمامًا، بيدرنا قد امتلأ، حزمنا (جمع حزمة) تتضاعف. حتى لو حسبنا كم كانت الأيام قليلة منذ زرعنا هذه البذار، انظر كم غني هو المحصول الذي نبت بسبب طاعتكم. هذا يوضح أنه ليس قوة أي إنسان، بل نعمة الله هي التي تزرع وتعتني بهذه الكنيسة. لأن هذه هي طبيعة الزراعية الروحية. أنها لا تنتظر لوقت أو عدد أيام أو دورات شهور، أو مواسم مناسبة أو ملء سنوات. في يوم واحد يمكن لزارع هذه البذار الروحية أن يحصد محصوله. يمكنه أن يفعل هذا في وقت قصير، لأن ذلك الوقت كان كاملًا وكافيًا تمامًا لهذه المهمة(149).

لكن الذين يزرعون هذه الأرض التي نراها ونحسها ينبغي أن يعملوا باجتهاد عظيم ويلزم أن ينتظروا لفترة طويلة (حتى يروا الحصاد).

أولئك الفلاحون يلزمهم أن يضعوا المحراث على الثيران ليحرث ويعمل أخاديد عميقة ويلزمهم أن يزرعوا البذار بكثرة ثم يساووا سطح الأرض ويغطوا البذار التي زرعوها. بعد ذلك يلزمهم أن ينتظروا لسقوط الأمطار بالكميات المناسبة للبذار، وينبغي أن يعملوا بجد في مهام أخرى كثيرة وينتظروا لوقت طويل وأخيرًا بعد ذلك يدركوا نهاية كل ما تعبوا فيه.

هنا في الكنيسة يمكننا أن نزرع ونحصد صيفًا وشتاءً. ويحدث كثيرًا أن نزرع ونحصد في نفس اليوم خصوصًا عندما يحدث أن النفوس التي نزرعها تكون غنية وخصبة. وفي الواقع يمكننا أن الأمر هو هكذا في حالتكم ولهذا السبب نحن نسارع إليكم بكل تلهف. لماذا؟ لأن الفلاح يعمل باجتهاد ليعد للزراعة، ذلك الحقل الذي منه امتلأ بيدره.

لذلك حيث أنكم قد قدمتم لي مقابلًا مجزيًا بعد تعب قليل من جانبي، فأنا أتبنى مهمتي الزراعية وأعطيها كل انتباهي. أنني أتيت لأقدم لكم الخاتمة لما قلته من قبل. في ذلك الوقت أنا نسجت حديثي عن مجد ابن الله الوحيد الجنس من نصوص العهد القديم. الآن سأكمل عمل نفس الشيء وسآخذ بدايتي من نفس العهد.

في حديثي السابق ذكرت أن المسيح قال "لو كنتم تصدقون موسى لكنتم تصدقونني" (يو 5: 46). الآن أخبركم أن ما قاله موسى كان هذا: "يقيم لك الرب إلهك نبيًا من وسطك، من إخوتك مثلي له تسمعون" (تث 18: 15). إن المسيح أعاد اليهود إلى موسى، لكي عن طريق موسى يمكنه أن يجتذبهم إلى نفسه. بنفس الطريقة سلّم موسى تلاميذه إلى معلمه وأوصاهم أن يصدقوه في كل شيء.

لذلك لنصدق كل ما يفعله أو يقوله المسيح، في كل الأشياء الأخرى وأيضًا في تلك المعجزة التي سمعتموها في قراءة اليوم.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

بِرْكَة بيت حسدا

وماذا كانت تلك المعجزة؟

يقول الكتاب: "وبعد ذلك كان عيد لليهود، فصعد يسوع إلى أورشليم. وفي أورشليم عند باب الضأن بركة يقال لها بالعبرانية بيت حسدا لها خمسة أروقة" (يو 5: 1-2). بعد ذلك تقول رواية الإنجيل أنه عندما يصل ملاك في بعض الأحيان، اعتاد أن ينزل إلى البركة، وحضوره كان معروفًا عندما يتحرك الماء. وأول من ينزل البركة بعد تحريك الماء يًشفى من مرضه أيًا كان هذا المرض. "وفي هذه (الأروقة) كان مضطجعًا جمهور كثير من مرضى وعمي وعرج وعسم يتوقعون تحريك الماء" (يو 5: 3).

فلماذا يختار المسيح أورشليم باستمرار ولماذا يعتاد على الذهاب إلى اليهود في الأعياد؟ لأن هذه كانت الأيام التي تجتمع فيها الجموع، والمسيح اعتاد أن يلاحظ عن كثب ذلك الموضع وذلك الوقت (وقت الأعياد والازدحام) لكي يأتي لمن كانوا مرضى. لأن المرضى لم يكونوا متلهفين على التحرر من أمراضهم مثل تلهف الطبيب على تحريرهم من أدوائهم وعللهم. لذلك عندما اجتمع جمع كبير والمحفل كان جاهزًا، حينئذ اعتاد هو المجئ في وسطهم ليبين الحقائق التي تجلب الخلاص لنفوسهم.

وهكذا كان هناك (عند البركة) جموع من المرضى مضطجعين هناك منتظرين تحريك الماء، ومن نزل أولًا بعد تحريك الماء كان يبرأ أما الثاني فلا. الدواء قد ًاستهلك وقوة شفاء تلك النعمة قد أُنفقت. لذلك بقيت المياه مهجورة كما لو أن شفاء المريض الذي نزل أولًا إلى البركة قد استنفذ كل قوتها للشفاء. وهذا أمر كان في حدود المعقول (أو المقبول) لأن النعمة جاءت من خلال عبد (هو الملاك). لكن هذا لم يكن الحال بعد مجئ السيد (الرب). لم يكن أول من ينزل إلى مياه المعمودية هو الوحيد الذي يًشفى: الأول، الثاني، الثالث... العاشر... العشرين... الكل كانوا يًشفون. حتى لو قلت عشرة آلاف، ثلاثة أو أربعة أضعاف هذا العدد، لو قلت عن أعداد بدون حصر، لو وضعت العالم كله في بركة المياه (التي للمعمودية) فلن تقل نعمتها وهي تطهر كل هؤلاء الناس. ذلك هو الفرق العظيم بين قوة العبد وسلطان السيد. العبد شفى شخصًا واحدًا، بينما السيد يشفي العالم كله. العبد شفى شخصًا واحدًا مرة في السنة، (لكن) لو أردت أن تعمد عشرة آلاف كل يوم سيعيدهم السيد كلهم أصحاء وسالمين.

العبد شفى بالنزول إلى البركة وتحريك الماء، أما السيد فلا يفعل هذا. يكفي فقط الدعاء باسمه على المياه وهكذا تمنحها سبب القوة الكافية للشفاء. العبد شفى نقائص وتشوهات الجسد، أما السيد فيشفي خبث النفس. هل ترون كيف يتضح وكيف يصير بكل طريقة أن هناك فرق عظيم ويفوق القياس بين العبد والسيد؟

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

St-Takla.org Image: The miracle of the loaves - from "Illustrations of the Life of Christ", "From Christ in Art"; & "The Gospel Life of Jesus", artwork by Alexandre Bida, publisher: Edward Eggleston, New York: Fords, Howard, & Hulbert, 1874. صورة في موقع الأنبا تكلا: معجزة إشباع الشعب - من كتب "حياة المسيح المصورة"، "من المسيح في الفن"، و"الحياة الإنجيلية ليسوع"، للفنان أليكساندر بيدا، إصدار إدوارد إجيلستون، نيويورك: فوردز، هاورد وهيلبيرت، 1874 م.

St-Takla.org Image: The miracle of the loaves - from "Illustrations of the Life of Christ", "From Christ in Art"; & "The Gospel Life of Jesus", artwork by Alexandre Bida, publisher: Edward Eggleston, New York: Fords, Howard, & Hulbert, 1874.

صورة في موقع الأنبا تكلا: معجزة إشباع الشعب - من كتب "حياة المسيح المصورة"، "من المسيح في الفن"، و"الحياة الإنجيلية ليسوع"، للفنان أليكساندر بيدا، إصدار إدوارد إجيلستون، نيويورك: فوردز، هاورد وهيلبيرت، 1874 م.

شفاء المفلوج (المشلول)

وهكذا كان هناك جمع من المرضى مضطجعين ينتظرون تحريك الماء. والموضع في الحقيقة كان مصحة روحية. يمكنك أن ترى في المصحة كثير من العميان، كثيرون مبتوري الرجل أو متوجعين من أي عضو آخر. إنهم مضطجعون هناك على مرأى من الكل أثناء انتظارهم للطبيب. كذلك أيضًا عن البركة يمكنك أن ترى كثيرين من المجتمعين هناك. "وكان هناك إنسان به مرض منذ ثمان وثلاثين سنة. هذا رآه يسوع مضطجعًا وعلم أن له زمانًا كثيرًا فقال له أتريد أن تبرأ. أجابه المريض يا سيد ليس لي إنسان يلقيني في البركة متى تحرك الماء. بل بينما أنا آتٍ ينزل قدامي آخر" (يو 5: 5-7).

لماذا عبر المسيح على كل الآخرين وجاء إلى هذا الإنسان؟ إنه تصرف هكذا لكي يظهر قوته ورأفته. إن عمله أظهر قوته لأن مرض هذا الإنسان كان قد صار بالفعل عديم الشفاء وضعفه وصل إلى درجة يصعب فيها معاونته. إنه أظهر رأفته لأنه في اهتمامه وعنايته رأى أن هذا الإنسان كان أكثر من كل الآخرين مستحقًا لرحمته وإحسانه.

ليتنا لا نعبر بسهولة سواء على الموضع أو على الثمان وثلاثين سنة التي عاناها هذا الإنسان في قبضة المرض. ليت كل الناس يسمعون بحرص، كل الذين شاخوا في فقر لا ينتهي، كل الذين يعيشون بضعف مرضهم، كل الذين يعانون أزمات الأمور الدنيوية، كل الذين عاشوا مع العواصف الهائجة لمتاعب غير متوقعة. هذا المفلوج راقد أمامنا كميناء مفتوح للكل، كميناء آمن من البلايا البشرية. لا أحد أحمق جدًا، لا أحد في غاية البؤس والضيق، لو نظر إلى هذا الإنسان لن يحتمل بشهامة وعن طيب خاطر المصاعب التي تحل به أيًا كان نوعها. لو كان مريضًا لمدة عشرين عامًا أو عشرة أو فقط خمسة، أما كانت السنين كفيلة بتدمير قوة نفسه؟ لكن هذا الإنسان لم يغادر البركة بل بقى هناك لمدة ثمان وثلاثين سنة وبرهن على صبره العظيم. ربما تظن أن طول الزمن الذي أمضاه كان شيئًا يثير الإعجاب. لكن لو أنصت لما قاله، حينئذ على الأخص ستأتي إلى معرفة فضيلة ونظام كل طريقة حياته كلها وتعرف كل الصبر الذي به احتمل قدره.

وقف المسيح هناك وسأله: "أتريد أن تبرأ؟" (يو 5: 6). ومن لم يعرف أنه يريد أن يبرأ؟ فلماذا سأله المسيح؟ بالتأكيد لم يكن لأن المسيح يجهل كيف سيجيب هذا الإنسان. الذي يعرف الأفكار المخفية في أذهاننا بأكثر تأكيد عرف ما كان واضحًا وظاهرًا للكل.

فلماذا سأل هذا السؤال؟ إنه كان لنفس السؤال كما عندما قال -في وقت آخر- قال لقائد المئة: "أنا آتي وأشفيه" (مت 8: 7) لم يكن لأنه جهل بما كان مزمعًا أن يقوله قائد المئة، بل لأنه عرف هذا مقدمًا وفهمه بالضبط. بل هو أراد أيضًا أن يعطي قائد المئة سببًا وفرصة للكلام حتى يرى الكل روحه التقية التي كانت محتجبة في الظل ولكي يقول "يا سيد لست مستحقًا أن تدخل تحت سقفي" (مت 8: 8).

كذلك أيضًا في حالة هذا المشلول. علم المسيح ما كان مزمعًا هذا الإنسان أن يقوله، لكنه مع ذلك سأله؟إن كان يريد أن يُشفى. لم يسأله المسيح لأنه كان يجهل الإجابة، بل سأله لكي يعطي المشلول فرصة وسببًا ليخبر عن مأساته الشخصية بتعبيرات درامية، ولكي يعلّمنا درسًا في الصبر. لأنه لو شفى المسيح هذا الإنسان دون أن يسأله هذا السؤال، لكنا عانينا أعظم خسارة. لماذا؟ لأنه آنذاك ما كنا تعلّمنا من المفلوج هذا الدرس في الصبر وجَلَدْ نفسه (أي احتماله).

إن المسيح شفى وصحح العلّة التي كان يعاني منها هذا المفلوج في ذلك الوقت. بل كان أيضًا ينظر بعين الاعتبار إلى العلل الآتية في المستقبل للآخرين والتي كانت أيضًا تستحق اهتمامه. لذلك هو أظهر (كشف حقيقة) هذا الإنسان الذي سيعلّم كل المسكونة درسًا في الصبر والاحتمال. كيف فعل المسيح هذا؟ إنه فعل هذا بوضع المفلوج في وضع من عليه أن يجيب على السؤال: "أتريد أن تبرأ؟".

فبماذا أجاب المفلوج؟ إنه لم يأخذ السؤال بنية سيئة ولم يصر غاضبًا ولم يجب قائلًا: [ها أنت ترى أنني مشلول وتعلم كم من الزمن أنا مريض. فهل لا تزال تسألني إن كنت أريد أن أبرأ؟ هل أتيت لتخسر من بلتي وتستهزئ بمتاعب شخص آخر؟ ويمكنك أن تتأكد أن المرضى مكتئبون حتى لو كانوا قابعين في الفراش لمدة عام. لكن عندما يكون مرضك رفيقك الدائم لمدة ثمان وثلاثين سنة، كيف يمكن على الأرجح أن تقواك وضبط ذاتك لم ينقضيا ويفرغا على مدى هذا الوقت الطويل؟].

لكن هذا المفلوج لم يقل أو يفكر بشيء من هذا القبيل. وبتعقل عظيم صنع رده وقال: "يا سيد ليس لي إنسان يلقيني في البركة متى تحرك الماء" (يو 5: 7). انظر كم أن متاعب كثيرة اجتمعت لتحاصره. إنه كان مريضًا وفقيرًا وليس له أحد يقف بجانبه "بينما أنا آت ينزل قدامي آخر".

إن خيبة الأمل هذه لهي مثيرة للشفقة أكثر من كل ظروفه الأخرى. فهي بحد ذاتها كفيلة باستمالة وتحريك القلب الحجري. أستطيع أن أتخيل رؤيتي للرجل كل سنة يزحف ويأتي إلى حافة البركة، أستطيع أن أتخيله كل سنة متعلقًا بنفس بصيص الأمل أن رجاءه يتكلل بنهاية سعيدة. وما هو أسوأ أنه احتمل هذا ليس لسنة أو اثنتين أو عشرة بل لثمان وثلاثين سنة. إنه أظهر كل جهد ممكن لكنه أخفق في الوصول إلى المكافأة. وأيضًا الصعوبة الأكثر هي حقيقة أنه يرى آخرين (ممن جاءوا بعده بكثير) يُشفوا من أمراضهم. لأنكم بالتأكيد تعلمون أننا نتلقى الإحساس بمتاعبنا ذاتها عندما نرى أن الذين سقطوا في نفس الأمراض الصعبة إنما قد تحرروا منها.

لهذا السبب يشعر أي فقير بفقره بالأكثر عندما يرى (أمامه) من هو غني. المريض يشعر بألم أكثر عندما يرى كثيرين ممن كانوا مرضى قد تخلصوا من أمراضهم بينما هو ليس له رجاء في مثل هذه النهاية السعيدة. وهذا ما حدث للمفلوج في ذلك الوقت. حقًا إنه كان يكافح ضد المرض والفقر وبقاءه وحيدًا لوقت طويل جدًا. حقًا أنه رأى آخرين شفوا من أمراضهم بينما هو لا يزال يحاول، لكن لم تكن له أية قوة لإدراك النجاح. حقًا هو لم يكن له أيضًا أي توقع في أنه يتخلص من مرضه. مع هذا لم يغادر البركة ويمضي، بل كل سنة كان يسارع إلى المياه على قدر ما يسمح به مرضه.

أما نحن فبعد أن نصلي مرة من أجل صنيع أو آخر ولا نحصل عليه نصير منزعجين ونسقط في حزن عميق ونصير غير مبالين تمامًا، وننسحب من (مخدع) الصلاة ونضع نهاية لكل جهد مبذول. هل يمكننا أن نمتدح المفلوج بقدر ما يستحق؟ هل ندين أنفسنا بما فيه الكفاية لإهمالنا؟ أي دفاع أو عفو نستحقه عندما نرخي جهودنا ونخور سريعًا بينما وقف هو بثبات وصبر لمدة ثمان وثلاثين سنة؟

فماذا فعل المسيح؟ عندما أظهر المفلوج أنه جدير بالشفاء، عن صواب ذهب إليه المسيح قبل الآخرين وقال له: "قم. احمل سريرك وامش" (يو 5: 8). هل ترون كيف أن الثمان والثلاثين سنة لم تضره، لأنه احتمل كل شيء بصبر؟ إن روحه صارت أكثر تقوى وتهذيبًا في هذا الزمن الطويل. إنها قد اُختبرت ببليته كما في أتون، ولذلك نال الشفاء بمجد أعظم. لأنه لم يكن ملاك بل رب الملائكة هو الذي شفاه.

لماذا أمره المسيح أن يحمل سريره؟

على الأخص لهذا السبب الذي كان أول وأهم مقصد له. إنه تصرف هكذا لكي يحرر اليهود مستقبلًا من ملاحظة الناموس (حرفيًا). عندما تشرق الشمس لا يكون هناك أي احتياج للجلوس بجانب المصباح. وعندما تم إظهار الحقيقي لم يعد لليهود أن يتعلقوا بالمثال. أيضًا حتى لو أن المسيح كسر شريعة السبت، فهو كسرها بعمل معجزة عظيمة جدًا في ذلك اليوم. لماذا فعل هذا؟ هو تصرف هكذا لكي القيمة الفائقة للمعجزة التي صنعها، تدهش الذين عاينوها وتقوض ملاحظة الراحة في السبت وتدريجيًا تنهي عليه.

السبب الثاني كان إغلاق أفواههم الوقحة. إن الأحكام التي كانوا يصنعونها بشأن معجزاته كانت في غاية الخبث. إنهم كانوا يحاولون بنميمتهم (بقدحهم في شخصه) أن يحجبوا مجد ما كان يفعله. لهذا السبب هو أمر المفلوج أن يعمل عرضًا علنيًا بحمله سريره، كما لو كان يعرض تذكارًا لهزيمة مرضه ليمنع اليهود عن قول ما قالوه في حالة المولود أعمى. وما الذي قالوه عنه؟ "هذا هو الرجل وآخرون قالوا لا بل يشبهه" (انظر يو 9: 8-9). ليمنعهم من التعبير بأيًّ من هذه الشكوك في شخصية المفلوج أمره أن يحمل سريره، والسرير المرفوع كان جحدًا لوقاحتهم واتهامًا لسلوكهم المشين.

يمكنني أيضًا أن أعطي سببًا ثالثًا، سببًا لا يقل في قوته عن السببين الآخرين. أمر المسيح المفلوج أن يحمل سريره لكي تعلموا أن المعجزة بأكملها لم تكن مهارة بشرية هي التي صنعتها بل قوة إلهية. بهذه الطريقة قدم المسيح أقوى وأعظم دليل على أن المفلوج قد استعاد صحته تمامًا وبالحق. إنه تصرف هكذا حتى لا يقول واحد من هؤلاء المجدفين أن المسيح كان يتصرف مجاملة للمسيح وادّعى الشفاء، ولجميل أو معروف للمسيح ادّعى أنه يسير بدون معونة.

لهذا السبب أمره المسيح أن يحمل سريره على كتفيه. وهو ما كان يستطيع أن يفعل هذا لو لم تكن أطرافه ومفاصله قد تشددت. بالإضافة إلى كل هذا هو أيضًا أظهر أنه إن أعطى المسيح أمرًا فكل شيء يتم في لحظة، إذ تحرر من مرضه واستعاد الصحة.

حتى لو حرر الطبيب مرضاه من المرض، فإنه لا يمكنه استعادة صحتهم في لحظة واحدة. بل يحتاجون إلى فترة طويلة (من النقاهة) حتى يشفوا وتتلاشى تدريجيًا آثار المرض وتترك الجسد. لكن المسيح لا يشفي بهذه الطريقة إذ في لحظة واحدة يشفى المريض ويستعيد الصحة تمامًا. ولا توجد هناك فترة (فاصلة) بين الشفاء واستعادة الصحة. إن كلمة المسيح أتمت كل هذا. لكن كلماته لم تكن مجرد كلمات إنسان، بل هي كلمات الله والتي عنها قال النبي: "أعمال كلامه عظيمة" [(يؤ 2: 11) حسب الترجمة السبعينية]. لأنه إن كانت كلمات الله صنعت الإنسان من لا شيء، فكم بالأولى ستشفيه أيضًا وتستعيد له الصحة، مع أنه صار في منتهى الضعف بسبب المرض.

عند هذه النقطة يسرني أن أسأل الفضوليين الذين يسألون عن جوهر الله. كيف استعادت أطراف المفلوج طبيعتها، كيف تشددت عظامه؟ كيف صارت عضلاته قوية بعد أن يبست تمامًا؟ كيف أن أوتاره التي ارتخت تمامًا صارت مشدودة وتشددت؟ لكنهم لن يستطيعوا أن يخبروني كيف. لذلك لا تتعجب فقط لما حدث ولا تتساءل عن الطريقة التي بها حدث.

← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

اعتراض اليهود: كَسْر شريعة السبت

عندما فعل المفلوج كما أُمر وحمل سريره رآه اليهود وقالوا له: "إنه سبت. لا يحل لك أن تحمل سريرك" (يو 5: 10). كان عليهم أن يعبدوا من صنع الأعجوبة، كان عليهم أن يندهشوا للمعجزة التي أجراها، لكنهم ظلوا يتكلمون عن السبت. لماذا؟ لأنهم بكل حق كانوا "يصفون عن البعوضة ويبلعون الجمل" (مت 23: 24).

فبماذا أجاب الذي شُفي؟ "أجابهم إن الذي أبرأني هو قال لي احمل سريرك وأمش" (يو 5: 11). هل ترون تأدب الرجل وعرفانه (بالجميل)؟ إنه اعترف مَنْ كان الطبيب، وقال أن معطي الناموس(150) الذي أمره كان جديرًا بثقته. تمامًا مثلما فعل الأعمى منذ ولادته. فبماذا حاججهم الأعمى؟ إنهم قالوا له: "هذا الإنسان ليس من الله لأنه لا يحفظ السبت" (يو 9: 16). وماذا قال هو؟ "نعلم أن الله لا يسمع للخطاة. لكن هذا الإنسان فتح عيني" (يو 9: 31-30). لهذا فإن حجته تمشي على نحو مثل هذا: "لو تعدى الناموس فقد أخطأ. ولو كان أخطأ ما كانت له مثل هذه القوة. حيث هناك خطية لا يمكن أن تكون قوة، لكنه أظهر قوته. لذلك هو لم يتعدى الناموس ولم يخطئ".

إن المفلوج حاجج بنفس الطريقة عندما قال "الذي أبرأني". فهذا ما كان يشير إليه: "لو أن الذي برهن قوته هذه، هو إنسان، لما كان مجبرًا على الإجابة عن تهم كسر الشريعة".

وماذا قال له اليهود: "من هو الإنسان الذي قال لك: احمل سريرك وأمش؟" (يو 5: 12). انظر كيف أنهم عادمي التمييز والإحساس! انظر كيف أن أرواحهم تضخمت بالكبرياء!

إن عيون الجسورين لا ترى شيئًا تامًا وصحيحًا. وكنتيجة يمكنهم فقط أن يجدوا حجة للملاججة. وهذا كان الحال مع الذين استجوبوا المشلول. عندما شُفي المشلول وأقرّ أن المسيح شفاه وأمره أن يحمل سريره، أخفقوا في أن يروا هذا الشيء وتحدثوا عن الآخر (كسر السبت). إنهم أغمضوا عيونهم عن المعجزة، لكن اشتكوا على كسر السبت. إنهم لم يقولوا: أين الذي أبرأك؟ فإنهم صمتوا عن الشفاء، لكن قالوا: "من هو الإنسان الذي قال لك احمل سريرك وأمش؟". لكن كيف يمكن للذي شُفي أن يجيب عليهم؟ لأنه كما يقول الإنجيلي: "وأما الذي شُفي فلم يكن يعلم من هو، لأن يسوع كان قد اعتزل إذ كان في الموضع جمع" (يو 5: 13). وهذا التصرف يقدم أقوى دفاع للإنسان وأعظم دليل على اهتمام المسيح به.

عندما وقف المسيح بجانبه، لم يحييه المفلوج سابقًا كما فعل قائد المئة ولا قال له: قل كلمة فيبرأ غلامي" (مت 8: 8). عندما تسمع هذا لا تتهم المفلوج الذي شُفي بنقص الإيمان لكونه أخفق في التعرف على المسيح. إنه ولا حتى كان يعرف من هو المسيح. وكيف يمكنه أن يعرفه إن كان لم يره أبدًا؟ لهذا السبب قال: "ليس لي إنسان يلقيني في البركة". لو أنه عرف المسيح ما كان أبدًا ذكر البركة أو النزول إلى الماء، ولكان توقع (أو انتظر) أن يشفى بنفس الطريقة التي شُفي بها. لكنه ظن أن المسيح كان واحدًا من الجمع، مجرد إنسان، ولهذا السبب ذكر الآخرين الذين نزلوا قبله وشفوا.

وهذا دليل على عناية المسيح واهتمامه أنه غادر الذي شفاه، إنما لم يكشف له عن شخصيته. وقد أخفى شخصيته لكي يمنع اليهود من الشك أن المفلوج كان شاهدًا مزيفًا. لأن اليهود كانوا سيظنون أن المفلوج قال هذا لأن المسيح كان حاضرًا ويحثه على هذه الشهادة. لكن حقيقة أن المسيح لم يكن هناك وأن الرجل لم يعرفه أزالت فرصة التشكك هذه. لأن الإنجيلي قال: "أما الذي شُفي فلم يكن يعلم من هو" (يو 5: 13).

لهذا السبب أرسل المسيح المفلوج بمفرده، لكي إن أراد اليهود، يأخذوه جانبًا ويتحققوا مما قد حدث ويكون لهم دليل كافي على الحدث فيضعوا نهاية لجنونهم غير اللائق. لهذا السبب لم يقل المسيح شيئًا عن نفسه، بل زوّد اليهود بدليل (ألوهيته) بأعماله ذاتها. وهذه الأعمال تكلمت بوضوح أكثر بكل طريقة وبأصوات أوضح من صوت البوق.

لأنه بهذه الطريقة كان كل شيء قد أُزيل بالشهادة التي قد أعطاها المشلول: "الذي أبرأني هو قال لي احمل سريرك وأمش" (يو 5: 11).

إن المشلول صار مبشرًا ومعلمًا لغير المؤمنين هؤلاء، طبيبًا ونذيرًا ليخزيهم ويدينهم. إنه كان طبيبًا ليس بكلماته فقط بل بأفعاله. إنه لم يُشف بما قاله ولكن بما فعل. فماذا فعل؟ إنه حمل معه أوضح دليل لا يُنازع، بجسده الذي شُفي أقام صدق الشهادة التي أعطاها.

"بعد ذلك وجده يسوع في الهيكل وقال له: ها أنت قد برئت فلا تخطئ أيضًا لئلا يكون لك أشر" (يو 5: 14).

هل ترون حكمة الطبيب؟ هل ترون اهتمامه؟ ليس فقط هو حرر الإنسان من علّته في ذلك الوقت، بل أمنّه ضد المرض في المستقبل. وهذا كان وقتًا مناسبًا جدًا لعمل هذا. عندما كان هذا الإنسان راقدًا طريح الفراش، لم يقل له المسيح شيئًا مثل هذا. إنه لم يذّكره آنذاك بخطاياه، لأن نفوس من هم مرضى تكون متضايقة وإلى حد ما مكتئبة. لذلك هو أولًا طرد المرض واستعاد له الصحة. بعد ذلك عقب أن برهن عمليًا على قوته واهتمامه به أعطاه هذا النصح الذي في أوانه. لماذا؟ لأن المسيح قد أظهر منذ قليل بذات الأشياء التي صنعها أنه الآن جدير بأن يتم الإيمان به.

لماذا مضى الرجل الذي شُفي وأخبر اليهود عنه؟ إنه تصرف هكذا، لأنه أرادهم أن يشاركوه في التعليم الصادق للمسيح. لكن هذا كان السبب كما قال الإنجيلي أنهم أبغضوا المسيح واضطهدوه. انتبهوا هنا لي بشدة. لأن هنا صُلب الصراع كله. "لهذا كان اليهود يطردون يسوع ويطلبون أن يقتلوه لأنه عمل هذا في سبت" (يو 5: 16).

لذلك تعالوا نرى كيف دافع المسيح عن نفسه. لأن الطريقة التي بها يقدم قضيته تُظهر لنا إن كان هو إنسان حر أم عبد، إن كان هو الذي يخدم أم الذي يأمر.

ما صنعه يبدو أنه أعظم وأخطر انتهاك للناموس. في الحقيقة كان هناك زمنٌ فيه الإنسان الذي جمع حطبًا يوم السبت رُجم إلى الموت، لأنه حمل حطب يوم السبت (انظر عد 15: 32-36). إن المسيح اُتهم بهذه الخطية الخطيرة لأنه انتهك السبت. لذلك تعالوا نرى هل هو سأل للعفو كما يفعل العبد ومن هو خاضع للأوامر، أم هل يظهر هو نفسه كإنسان له قوة وسلطان، كسيد يسود على الناموس والذي هو نفسه أعطى التوصيات؟ فكيف يصنع دفاعه؟

إنه قال (كرد دفاعي): "أبي يعمل حتى الآن وأنا اعمل" (يو 5: 17).

هل رأيتم سلطانه؟ لكن لو كان هو أدنى وأقل من الآب فما قاله ليس دفاعًا، بل إنه اتهام أعظم وتهمة أكثر خطورة. لنفترض أن إنسانًا يصنع شيئًا يعمله فقط من هو أعلى منه (مقامًا)، ولنفترض أنه أُمسك واُتهم. ولنفترض أنه يقول: إنني عملته لأن واحد أعلى مني صنعه. ليس فقط يخفق هذا النوع من الدفاع في أن يحرره من التهم، بل يجعله بالأولى واقعًا تحت ملامة أعظم واتهام أكثر خطورة. لأنه علامة على الكبرياء والغطرسة أن تحاول في أشياء تفوق مركز الإنسان وجدارته الحقيقية.

لذلك لو كان المسيح أيضًا أقل من الآب، فما قاله لم يكن دفاعًا بل هو بالأولى سببًا لتهمة أخطر. لكن لأن المسيح كان معادلًا للآب، لذلك لم يشكل هذا الكلام أي أساس لتهمة على الإطلاق. وإن شئت سأوضح ما أقوله بمثال. فقط الملك أو الإمبراطور مُتاح له أن يلبس الثوب الأرجواني وتاج على رأسه. غير مسموح لأي شخص آخر أن يفعل هذا. لنفترض أن واحدًا من الجمهور تم رؤيته متزينًا بهذه الأشياء وسُحب بعد ذلك إلى المحكمة، ولنفترض أنه يقول: "إنني ألبس هذه الآن، لأن هذا هو ما يلبسه الإمبراطور". هذا النوع من الدفاع لا يُطلق سراحه بل يجعله واقعًا تحت عقوبة أكثر خطورة. لكن لو أن هذا الإنسان هو نفسه إمبراطور، أو له نفس الكرامة سيشعر بمنتهى الثقة في القول أنه فقط يفعل ما يفعله الإمبراطور. كما أن لهما نفس السمو والرفعة، كذلك أيضًا من الطبيعي أن يكون لهما نفس القوة. لذلك إن رأينا شخصًا ما يعرض هذه الحجة دفاعًا عن نفسه، ينبغي أن يكون بكل طريقة إنسانًا له نفس الكرامة مثل قوة الذي قدمه دفاعًا عن نفسه.

لذلك عندما استخدم المسيح هذه الحجة ليبرر لليهود ما صنعه أعطاهم دليلًا دامغًا أن له نفس كرامة الآب. إن أردت لنقارن مثال لكلمات المسيح وللعمل الذي عمله. وهكذا لنجعل استخدامه القوة لينتهك (يكسر) السبت يكون مثل ارتداء الرداء الأرجواني والتاج مثل أن يدعو الجناة المدانين يمضون (بمقتضى عفو ملكي). إن الإمبراطور هو الوحيد المُتاح له أن يعمل هذه الأشياء وغير مسموح لأحد من رعاياه أن يعملها. لكن لو تم رؤية أحد يعملها، ويعملها عن صواب وحق، فهو أيضًا ينبغي أن يكون إمبراطورًا. كذلك أيضًا نحن نرى هنا المسيح يصنع هذه الأشياء بسلطان. فإن أُتهم وقدم أبيه كدفاع له عندما يقول: "أبي يعمل حتى الآن وأنا أعمل" (يو 5: 17)، يلزم تمامًا أن المسيح مساو للآب الذي أيضًا يعمل بسلطان.

لو لم يكن المسيح مساو للآب ما كان استخدم هذا النوع من الحجج للدفاع عن نفسه. لكي تفهموا بوضوح أكثر ما أقوله، تذكروا أنه مرة كسر التلاميذ السبت بقطف سنابل القمح وأكلها. في حالة المفلوج، المسيح أيضًا كسر السبت. اليهود اتهموا التلاميذ واتهموا المسيح. لنرى كيف دافع عن التلاميذ وكيف دافع عن نفسه، ومن الفرق بين الاثنين يمكن أن تفهموا السمو والكرامة لحجته في دفاعه عن نفسه.

فأية حجة قدمها في دفاعه عمل فعله تلاميذه؟ "أما قرأتم ما فعله داود حين جاع؟" (مت 12: 3). عندما يترافع دفاعًا عمن هم عبيد، فإنه يستشهد بداود رفيقهم في العبودية، لكن عندما يدافع عن نفسه، يستند إلى أبيه كحجة فيقول: "أبي يعمل حتى الآن وأنا أعمل" (يو 5: 17).

أي نوع من العمل هو الذي يشير إليه؟ ربما يقول شخص ما: "فرغ الله في اليوم السابع من عمله الذي عمل" (تك 2: 2). لذلك العمل الذي يشير إليه المسيح هو عناية الله اليومية بكل الخليقة. لأن الله ليس فقط خلق الخليقة بل هو يحفظ ما خلقه. سواء تتكلمون عن الملائكة، رؤساء الملائكة، القوات السماوية أو ببساطة كل خليقة مما يُرى وما لا يُرى، الكل يستمتع بعنايته. ولو حُرموا من هذه العناية لهلكوا وفنوا وتلاشوا.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

مميزات سماع كلمة الله معًا

احتفظوا بهذه في أذهانكم واحفظوه بكل عناية ممكنة. اجعلوا طريقة حياتكم كرداء منسوج من السلوك الأخلاقي الحميد والعقيدة الصحيحة. هذا كان نصحي لكم منذ فترة قريبة، وهو نصحي لكم اليوم ولن أكف عن نصحكم بهذا. لا شيء يساهم في طريقة حياة تقية وأخلاقية كما يفعل الوقت الذي تقضونه في الكنيسة. إن الأرض الجرداء التي ليس لها أحد يرويها ستمتلئ حالًا بالأشواك والحسك. لكن الأرض التي تتمتع بتعب وكد الفلاح ستنتج حصادًا وفيرًا. نفس الأمر يحدث مع النفس. النفس التي تستمتع بالارتواء الآتي من كلام الله ستنتج بفيض وتزدهر وتعج بثمار الروح. لكن عندما تصير النفس جافة وتُترك بغير اعتناء، تصير مهجورة ويصير عنبها بريًا ويتحول إلى خشب وتنتج فيضًا من الأشواك. وهذه الأشواك لها نفس الصفات الطبيعية للخطية. لأنه حيث توجد الأشواك، هناك ستجد الثعابين والحيات والعقارب وكل قوة الشيطان.

إن لم تصدق ما أقوله، هلم الآن ولنقارن نفوسنا بتلك التي تُركت بدون رعاية، حينئذ سنرى كم عظيم هو الفرق، بل لنفحص أي نوع من النفوس نحن عندما نستمتع بتعاليم الله، وأي نوع من النفوس نكون عندما يحدث أننا نُحرم من هذه المعونة لفترة طويلة. عندما يكون لنا مثل هذا المصدر العظيم للمنفعة، ينبغي ألا نضيعه. إن الوقت الذي نقضيه هنا في الكنيسة هو الأساس لكل بركة.

عندما يرجع الإنسان من الكنيسة تراه زوجته كزوج (هادئ ولطيف)، وعندما ترجع الزوجة من الكنيسة يراها زوجها كزوجة محبوبة بالأكثر. لأنه ليس الجمال الطبيعي هو الذي يجعل الزوجة محبوبة بالأكثر، بل فضيلة نفسها هي التي تجعلها محبوبة. كل أدوات الزينة والملابس الغالية الثمن لا يمكنها أن تفعل هذا، بل العفة والصلاح والفضيلة والمخافة الشديدة لله يمكن أن تفوز به وتحفظ زوجها لها. إن الجمال الروحي لا يمكن أن يُصنع بالتمام إلا في هذا الحصن الإلهي والعجيب للكنيسة. هنا الرسل والأنبياء ينظفوا ويجمّلوا الوجه وينزعوا آثار الشيخوخة التي تتركها الخطية ويعيدون زهرة الشباب (الروحي) ويقوموا بالتخلص لحسابنا من أي غضن أو دنس في نفوسنا (انظر أف 5: 27). لذلك ليتنا نشتاق كلنا رجالًا ونساءً أن نزرع هذا الجمال في نفوسنا.

إن المرض يُذبل الجمال الجسدي وطول السنين تلاشيه والشيخوخة تجعله يجف والموت يأتي ليضيع ما تبقى منه. لكن جمال النفس لا يمكن أن يذبل مع الوقت أو المرض أو الشيخوخة أو الموت أو أي شيء آخر من هذا القبيل. إنه يبقى دائمًا مزدهرًا. لكن كثيرًا ما أن الجمال الجسدي يثير شهوة من ينظرون إليه. عندما يكون الجمال هو جمال النفس، فإنه يجتذب الله لحبه. إنه كما قال النبي عندما كان يوجه كلامه إلى الكنيسة: "اسمعي يا ابنتي وانظري وأميلي أذنك وانسي شعبك وبيت أبيك، فإن الملك قد اشتهى حسنك" (مز 45: 11-12).

لذلك لننمِ أيها الأحباء هذا الحب كل يوم وهكذا نصير أعزاء عند الله. لنمسح كل دنس بقراءة الأسفار وبالصلاة والصدقة بالسلام والوفاق مع بعضنا البعض. لنعمل هذا حتى ما يأتي الملك لحب الجمال (الروحي) في نفوسنا ويعتبرنا جديرين بملكوت السموات.

ليت كل هذا يحدث لكي نقتني كلنا هذا بنعمة ورأفة ربنا يسوع المسيح الذي له المجد مع الآب والروح القدس الآن وإلى أبد الآبدين آمين.

تم الانتهاء من الترجمة عشية الخميس 27 أكتوبر 1994م الموافق نياحة البابا ديسقوروس بطل الأرثوذكسية.

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(149) زراعة البذار الروحي لا يتوقف على موسم أو طقس، إذ أن الله هو الذي يعطي النمو.

(150) لم يكن الرجل يعرف الذي شفاه أصلًا فمن باب أولى لا يعرف أنه معطي الناموس.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/fr-angelos-almaqary/john-chrysostom-father-son-equality/miracles-of-christ.html

تقصير الرابط:
tak.la/s8345j4