الفصل الخامس
سؤال: هل عصيان كل كلمة لله يستحق الغضب والموت حتى لو لم يرتبط التهديد بالعقاب لكل حالة عصيان للكلمة؟
1- إن مسألة معرفة ما إذا كان العصيان لأي كلمة لله تستحق الغضب والموت قد تم معالجتها باستفاضة في الخطاب الذي كتب عن الوفاق (بين الإخوة). أما اليوم فلكي نسترجع شهادة أو اثنين من بين شهادات كثيرة (بخصوص هذا الموضوع) فلنسمع يوحنا المعمدان الذي قال "الذي يؤمن بالابن له حياة أبدية والذي لا يؤمن بالابن (هذا التعبير غير المحدد يمكن أن يحوي كل شيء) لن يرى حياة بل يمكث عليه غضب الله" (يو 3: 36)، ولنسمع من ناحية أخرى الرب نفسه الذي نطق بهذا المبدأ "لا يزول حرف واحد أو نقطة واحدة من الناموس حتى يكون الكل" (مت 5: 18) وإن كان الأمر هكذا فيما يختص بالناموس فكم بالأولى جدًا يكون للإنجيل، كما أكدّ الرب نفسه هذا الأمر مرات عديدة.
![]() |
بالنسبة للجزء الثاني من السؤال والذي يقول "حتى لو لم يرتبط التهديد بالعقاب لكل حالة عصيان للكلمة، فإنني اعتبر أنه يكفي لنا نحن المؤمنون أن نسترجع ما علّمه الرب نفسه في النص التالي للتطويبات بقوله "كل من يغضب على أخيه باطلًا يكون مستوجب الحكم ومن قال لأخيه رقًا يكون مستوجب المجمع. ومن قال يا أحمق يكون مستوجب نار حهنم" (مت 5: 22) وتوجد كلمات كثيرة من هذا القبيل، إلا أن الرب يسوع ذكر البعض الآخر دون إضافة وعيد وتهديد، وعلى سبيل المثال "كل من ينظر إلى امرأة ليشتهيها فقد زنى بها في قلبه" (مت 5: 28)، وأيضًا قوله "وأما أنا فأقول لكم لا تحلفوا البتة" (مت 5: 34)، وبعد ذلك بقليل قال "ليكن كلامكم نعم، نعم لا، لا وما زاد على ذلك فهو من الشرير" (مت 5: 37). وقد عدد الرب خطايا كثيرة من هذا النوع دون أن يلحقها بعقوبة خاصة بها، لكنه أعلن عن فكره من جهة كل هذه الأمور بطريقة أكثر عمومية عندما أعلن في الأول "إن لم يزد برّكم على الكتبة والفريسيين لن تدخلوا ملكوت السموات" (مت 5: 20)، وفي نهاية حديثه أضاف قوله "وَكُلُّ مَنْ يَسْمَعُ أَقْوَالِي هَذِهِ وَلاَ يَعْمَلُ بِهَا يُشَبَّهُ بِرَجُلٍ جَاهِلٍ بَنَى بَيْتَهُ عَلَى الرَّمْلِ. فَنَزَلَ الْمَطَرُ وَجَاءَتِ الأَنْهَارُ وَهَبَّتِ الرِّيَاحُ وَصَدَمَتْ ذَلِكَ الْبَيْتَ فَسَقَطَ وَكَانَ سُقُوطُهُ عَظِيمًا!" (مت 7: 26-27).
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
2- وفي نصوص كثيرة أخرى ذكر خطايا عديدة لكنه امتنع عن إضافة العقوبة المستحقة لكل منها (على حده) معتبرًا أن ما ذكره بطريقة عمومية من جهة كل الخطايا فيه الكفاية. لكن حيث أن الضعفاء جدًا في حاجة إلى المساعدة فلنذكر أيضًا كلمات الرسول إذ هو نفسه قال ذات مرة مقتديًا بالرب "إن كان أحد مدعو أخًا زانيًا أو طماعًا أو عابد وثن أو شتّامًا أو سكيرًا أو خاطفًا أن لا تخالطوا ولا تؤاكلوا مثل هذا": (1كو 5: 11)، وفي مرة غيرها قال "لا تكذبوا بعضكم على بعض" (كو 3: 9)، وفي مرة أخرى قال "ليُرفع من بينكم كل مرارة وسخط وغضب وصياح وتجديف مع كل خبث" (أف 4: 31)، وكثيرًا ما قال مثل هذا الكلام دون أن يقرنه بوعيد. ولكنه في مرات أخرى وبفكر أكثر شمولية أضاف أيضًا العقوبة، فهكذا قال "لاَ تَضِلُّوا! لاَ زُنَاةٌ وَلاَ عَبَدَةُ أَوْثَانٍ وَلاَ فَاسِقُونَ وَلاَ مَأْبُونُونَ وَلاَ مُضَاجِعُو ذُكُورٍ. وَلاَ سَارِقُونَ وَلاَ طَمَّاعُونَ وَلاَ سِكِّيرُونَ وَلاَ شَتَّامُونَ وَلاَ خَاطِفُونَ يَرِثُونَ مَلَكُوتَ اللهِ" (1كو 6: 9-10)، وكتب الرسول باستفاضة أكثر في نص آخر قائلًا "وَكَمَا لَمْ يَسْتَحْسِنُوا أَنْ يُبْقُوا اللهَ فِي مَعْرِفَتِهِمْ أَسْلَمَهُمُ اللهُ إِلَى ذِهْنٍ مَرْفُوضٍ لِيَفْعَلُوا مَا لاَ يَلِيقُ. مَمْلُوئِينَ مِنْ كُلِّ إِثْمٍ وَزِنًا وَشَرٍّ وَطَمَعٍ وَخُبْثٍ مَشْحُونِينَ حَسَدًا وَقَتْلًا وَخِصَامًا وَمَكْرًا وَسُوءًا. نَمَّامِينَ مُفْتَرِينَ مُبْغِضِينَ لِلَّهِ ثَالِبِينَ مُتَعَظِّمِينَ مُدَّعِينَ مُبْتَدِعِينَ شُرُورًا غَيْرَ طَائِعِينَ لِلْوَالِدَيْنِ. بِلاَ فَهْمٍ وَلاَ عَهْدٍ وَلاَ حُنُوٍّ وَلاَ رِضىً وَلاَ رَحْمَةٍ. الَّذِينَ إِذْ عَرَفُوا حُكْمَ اللهِ أَنَّ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ مِثْلَ هَذِهِ يَسْتَوْجِبُونَ الْمَوْتَ لاَ يَفْعَلُونَهَا فَقَطْ بَلْ أَيْضًا يُسَرُّونَ بِالَّذِينَ يَعْمَلُونَ! لِذَلِكَ أَنْتَ بِلاَ عُذْرٍ أَيُّهَا الإِنْسَانُ كُلُّ مَنْ يَدِينُ. لأَنَّكَ فِي مَا تَدِينُ غَيْرَكَ تَحْكُمُ عَلَى نَفْسِكَ. لأَنَّكَ أَنْتَ الَّذِي تَدِينُ تَفْعَلُ تِلْكَ الأُمُورَ بِعَيْنِهَا!" (رو 1: 28-2: 1)، وفي نصوص كثيرة أخرى تكلم الرسول بطريقة مشابهة.
هذه الكلمات تُظهر أنه حتى ولو نظرنا الأمور بصورة تفضيلية ولم نر أبدًا التهديد بالعقوبة مرتبط بكل نوع من أنواع التعدي فيلزم أن نقرّ عن حتمية أن من ينتهك ولو مجرد وصية واحدة سيخضع للحكم الصادر بصيغة عامة إذ أن ربنا أعلن "من رذلني ولم يقبل كلامي فله من يدينه. الكلام الذي تكلمت به هو يدينه في اليوم الأخير" (يو 12: 48)، وهذا رأي مخيف جدًا، ويوحنا المعمدان أعظم مواليد النساء، من جانبه قد أعطى في صيغة مبدأ هذه الشهادة "الذي لا يؤمن بالابن لن يرى حياة بل يمكث عليه غضب الله" (يو 3: 36). هذا الرأي أمر مألوف في الكتاب المقدس حتى في العهد القديم، فموسى مع كونه -كاتب الجزء الأكبر من الناموس- فإنه لم يُضف وعيدًا ضد المتعدي للوصية أو المهمل (لها)، إلا أن هناك لعنة عامة في مقدمة إعلانه وهي عقوبة مرعبة جدًا، إذ يقول ملعون من لا يقيم كلمات هذا الناموس ليعمل بها" (تث 27: 26)، وفي موضع آخر يؤكد الكتاب "ملعون من يعمل عمل الرب برخاوة" (إر 48: 10). إن كان ملعونًا كل من عمل هذا العمل برخاوة فماذا يستحق إذًا من لا يعمل؟
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-angelos-almaqary/basil-baptism/punishment.html
تقصير الرابط:
tak.la/j8q6jtn