محتويات |
بدأ سفر إشعياء بالنص التالي "رُؤْيَا إشعياء بْنِ آمُوصَ الَّتِي رَآهَا عَلَى يَهُوذَا وَأُورُشَلِيمَ فِي أَيَّامِ عُزِّيَّا وَيُوثَامَ وَآحَازَ وَحَزَقِيَّا مُلُوكِ يَهُوذَا" (إش1: 1).
ثم جاء إلى رؤياه التي شاهد فيها السيد المسيح فقال: "فِي سَنَةِ وَفَاةِ عُزِّيَّا الْمَلِكِ رَأَيْتُ السَّيِّدَ جَالِسًا عَلَى كُرْسِيٍّ عَالٍ وَمُرْتَفِعٍ وَأَذْيَالُهُ تَمْلأُ الْهَيْكَلَ" (إش6: 1).
الذى رآه إشعياء النبي هو السيد المسيح قبل تجسده من العذراء مريم. رآه جالسًا على عرشه في الهيكل ويطير حوله السرافيم وهم يسبّحون تسبحة الثلاثة تقديسات، وشَعَر إشعياء بالخوف؛ لأنه إنسان خاطئ وعيناه قد أبصرتا الملك رب الجنود.
وقد وصف الموقف كما يلي:
"رَأَيْتُ السَّيِّدَ جَالِسًا عَلَى كُرْسِيٍّ عَالٍ وَمُرْتَفِعٍ وَأَذْيَالُهُ تَمْلأُ الْهَيْكَلَ. السَّرَافِيمُ وَاقِفُونَ فَوْقَهُ لِكُلِّ وَاحِدٍ سِتَّةُ أَجْنِحَةٍ. بِاثنيْنِ يُغَطِّي وَجْهَهُ وَبِاثنيْنِ يُغَطِّي رِجْلَيْهِ وَبَاثنيْنِ يَطِيرُ. وَهَذَا نَادَى ذَاكَ: قُدُّوسٌ قُدُّوسٌ قُدُّوسٌ رَبُّ الْجُنُودِ. مَجْدُهُ مِلْءُ كُلِّ الأَرْضِ. فَاهْتَزَّتْ أَسَاسَاتُ الْعَتَبِ مِنْ صَوْتِ الصَّارِخِ وَامْتَلأَ الْبَيْتُ دُخَانًا. فَقُلْتُ: وَيْلٌ لِي! إِنِّي هَلَكْتُ لأَنِّي إِنْسَانٌ نَجِسُ الشَّفَتَيْنِ وَأَنَا سَاكِنٌ بَيْنَ شَعْبٍ نَجِسِ الشَّفَتَيْنِ لأَنَّ عَيْنَيَّ قَدْ رَأَتَا الْمَلِكَ رَبَّ الْجُنُودِ. فَطَارَ إِلَيَّ وَاحِدٌ مِنَ السَّرَافِيمِ وَبِيَدِهِ جَمْرَةٌ قَدْ أَخَذَهَا بِمِلْقَطٍ مِنْ عَلَى الْمَذْبَحِ. وَمَسَّ بِهَا فَمِي وَقَالَ: إِنَّ هَذِهِ قَدْ مَسَّتْ شَفَتَيْكَ فَانْتُزِعَ إِثْمُكَ وَكُفِّرَ عَنْ خَطِيَّتِكَ" (إش6: 1-7).
ونلاحظ في هذا النص الملاحظات التالية:
1- إن السيد الجالس على الكرسي العالي يحمل لقب "الْمَلِكَ رَبَّ الْجُنُودِ" وهو من ألقاب الله الخاصة به وحده.
2- إن الذي رآه إشعياء ليس هو الآب السماوي لأن يوحنا الرسول الإنجيلي يقول: "اَللَّهُ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ قَطُّ. اَلإله الْوَحِيدُ الجنس الَّذِي هُوَ فِي حِضْنِ الآبِ هُوَ خَبَّرَ" (يو1: 18) والمقصود بقوله "الله" في هذا النص؛ هو الله الآب. بينما يقول إشعياء "لأَنَّ عَيْنَيَّ قَدْ رَأَتَا الْمَلِكَ رَبَّ الْجُنُودِ" فالذي رآه هو الابن بالتأكيد.
3- إن الذي رآه إشعياء هو واحد من الأقانيم الثلاثة لأن الملائكة (السرافيم) قد سبّحوا قائلين: "قُدُّوسٌ قُدُّوسٌ قُدُّوسٌ رَبُّ الْجُنُودِ. مَجْدُهُ مِلْءُ كُلِّ الأَرْضِ"، ويستحيل أن تُقال تسبحة الثلاثة تقديسات إلا للواحد من الثالوث القدوس.
4- إن الكرسي العالي في هذه الرؤيا لم يكن في السماء بل على الأرض. لأنه يقول عن السيد الجالس إن أذياله تملأ الهيكل، كما أن التسبيح قيل فيه فقط أن "مَجْدُهُ مِلْءُ كُلِّ الأَرْضِ"، ومعروف طبعًا أن مجد الرب يملأ السماء أيضًا، ولكن هذه الرؤيا كانت على الأرض. كما ذُكر اهتزاز أساسات العتب وامتلأ البيت دخانًا. وكل هذا يدل على أن الرؤيا كانت في هيكل الرب في أورشليم في ذلك الزمان. يُضاف إلى ذلك وجود المذبح وعليه الجمرات المتقدة؛ وهذا أيضًا كان في خدمة الهيكل بأورشليم.
5- إن تطهير فم النبي إشعياء بجمرة من على المذبح يرمز إلى سر الافخارستيا؛ حيث يؤخذ التناول من جسد الرب ودمه من على المذبح بواسطة الكاهن. ويُعطى خلاصًا وغفرانًا للخطايا وحياة أبدية لمن يتناول منه. وكل ذلك يجرى في الكنيسة الحاضرة هنا على الأرض كعربون للحياة الأبدية؛ وتكون الملائكة حاضرة حول المذبح في خدمة القداس الإلهي في الكنيسة التي هي بيت الله الحالي في الزمان الحاضر.
6- امتلأ البيت دخانًا، وهذا يرمز إلى البخور الذي يملأ الهيكل عند إصعاد القرابين في الكنيسة.
7- إن إشعياء النبي قد اعترف بخطاياه وخطايا شعبه قبل أن ينال التطهير والتكفير. وقد سمع السرافيم اعترافه، فلم يقدّم إشعياء هذا الاعتراف للسيد الرب وحده. لذلك قام الملاك الذي يرمز إلى خادم ذبيحة القداس الإلهي بأخذ الجمرة من على المذبح بملقط؛ ومس بها فمه. وهذا يرمز إلى خدمة الأسقف في الكنيسة (ملاك الكنيسة) بمساعدة القسوس في سر الافخارستيا.
وأكمل إشعياء النبي رؤياه فقال: "ثُمَّ سَمِعْتُ صَوْتَ السَّيِّدِ: مَنْ أُرْسِلُ وَمَنْ يَذْهَبُ مِنْ أَجْلِنَا؟ فَأَجَبْتُ: هاأنذا أَرْسِلْنِي" (إش6: 8).
شيء رائع أن يستمع إلى الدعوة ويستجيب لها بعد أن تطهّر من خطاياه بقوة المذبح. وها هو صوت الرب ينادى باستمرار "مَنْ أُرْسِلُ وَمَنْ يَذْهَبُ مِنْ أَجْلِنَا؟".. ألم يقل السيد المسيح إن "الْحَصَادُ كَثِيرٌ وَلَكِنَّ الْفَعَلَةَ قَلِيلُونَ. فَاطْلُبُوا مِنْ رَبِّ الْحَصَادِ أَنْ يُرْسِلَ فَعَلَةً إلى حَصَادِهِ" (مت9: 37، 38)؟
ليتنا نكون مستعدين للاستماع إلى صوت الرب ودعوته، ومستعدين أن نعمل معه في بناء الملكوت ونردد مع إشعياء إذ يدعونا عندما نكون مستعدين "هاأنذا أَرْسِلْنِي"..
كان تابوت العهد يوضع داخل قدس الأقداس في خيمة الاجتماع التي صنعها موسى النبي حسب أمر الرب، وأيضًا بعد ذلك في الهيكل الذي بناه سليمان الملك في أورشليم.
ومن الأمور اللافتة للنظر أن الملائكة الذين ذكرهم إشعياء في رؤياه؛ قد ورد عنهم عبارة "وَهَذَا نَادَى ذَاكَ"، مما لا يخفى على القارئ أنه يتكلم عن ملاكين يتبادلان تسبحة الثلاثة التقديسات.
في قبر السيد المسيح، بعد قيامته المجيدة من الأموات، أبصرت مريم المجدلية "ملاَكَيْنِ بِثِيَابٍ بِيضٍ جَالِسَيْنِ وَاحِدًا عِنْدَ الرَّأْسِ وَالآخَرَ عِنْدَ الرِّجْلَيْنِ" (يو20: 12). وأيضًا قبل ذلك النسوة اللواتي أتين إلى القبر بعد قيامة الرب ووجدن الحجر مدحرجًا عن القبر "فَدَخَلْنَ وَلَمْ يَجِدْنَ جَسَدَ الرَّبِّ يَسُوعَ. وَفِيمَا هُنَّ مُحْتَارَاتٌ فِي ذَلِكَ إِذَا رَجُلاَنِ وَقَفَا بِهِنَّ بِثِيَابٍ بَرَّاقَةٍ. وَإِذْ كُنَّ خَائِفَاتٍ وَمُنَكِّسَاتٍ وُجُوهَهُنَّ إلى الأَرْضِ قَالاَ لَهُنَّ: لِمَاذَا تَطْلُبْنَ الْحَيَّ بَيْنَ الأَمْوَاتِ؟ لَيْسَ هُوَ هَهُنَا لَكِنَّهُ قَامَ!" (لو24: 3-6)، وكان المنظر الذي رأته النسوة هو منظر ملاكين.
مسألة وجود ملاكين عند أو في قبر السيد المسيح، ووجود ملاكين في رؤيا إشعياء النبي ليست مصادفة لأن الرب أمر موسى أن يضع ملاكين على غطاء تابوت الشهادة (أي تابوت العهد) في قدس الأقداس، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. وقد ورد ذلك في وصف الرب لموسى كيف يعمل ذلك في سفر الخروج:
"وَتَصْنَعُ غِطَاءً مِنْ ذَهَبٍ نَقِيٍّ طُولُهُ ذِرَاعَانِ وَنِصْفٌ وَعَرْضُهُ ذِرَاعُ وَنِصْفٌ. وَتَصْنَعُ كَرُوبَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ. صَنْعَةَ خِرَاطَةٍ تَصْنَعُهُمَا عَلَى طَرَفَيِ الْغِطَاءِ. فَاصْنَعْ كَرُوبًا وَاحِدًا عَلَى الطَّرَفِ مِنْ هُنَا وَكَرُوبًا آخَرَ عَلَى الطَّرَفِ مِنْ هُنَاكَ. مِنَ الْغِطَاءِ تَصْنَعُونَ الْكَرُوبَيْنِ عَلَى طَرَفَيْهِ. وَيَكُونُ الْكَرُوبَانِ بَاسِطَيْنِ أَجْنِحَتَهُمَا إلى فَوْقُ مُظَلِّلَيْنِ بِأَجْنِحَتِهِمَا عَلَى الْغِطَاءِ وَوَجْهَاهُمَا كُلُّ وَاحِدٍ إلى الآخَرِ. نَحْوَ الْغِطَاءِ يَكُونُ وَجْهَا الْكَرُوبَيْنِ. وَتَجْعَلُ الْغِطَاءَ عَلَى التَّابُوتِ مِنْ فَوْقُ. وَفِي التَّابُوتِ تَضَعُ الشَّهَادَةَ الَّتِي أُعْطِيكَ. وَأَنَا أَجْتَمِعُ بِكَ هُنَاكَ وَأَتَكَلَّمُ مَعَكَ مِنْ عَلَى الْغِطَاءِ مِنْ بَيْنِ الْكَرُوبَيْنِ اللَّذَيْنِ عَلَى تَابُوتِ الشَّهَادَةِ بِكُلِّ مَا أُوصِيكَ بِهِ إلى بَنِي إِسْرَائِيلَ" (خر25: 17-22).
إذن فتابوت العهد يشير إلى العرش الإلهي الذي تحيط به مظلة الكاروبيم.
ولكن الأمر اللافت للنظر هو أنه في رؤيا إشعياء وفي وصف تابوت الشهادة (تابوت العهد) قد قيل إن الملاكين كانا فوق العرش أو فوق غطاء التابوت.
ما معنى أن يظلل الملائكة فوق العرش الإلهي "مُظَلِّلَيْنِ بِأَجْنِحَتِهِمَا" (خر25: 20)؟ وقد وردت هذه العبارة أيضًا في سفر حزقيال إذ يقول الرب لزُهرة بنت الصبح "أَنْتَ الْكَرُوبُ الْمُنْبَسِطُ الْمُظَلِّلُ وَأَقَمْتُكَ" (حز28: 14، انظر إش14: 12).
هل يحتاج الرب إلى مظلّة. وما فائدتها..؟! إن المظلة تحمى من المطر أو من الشمس. ولكن الرب لا يحتاج لمثل هذه الأمور.
وقد قال معلمنا بطرس الرسول للسيد المسيح على جبل التجلي: "يَا مُعَلِّمُ جَيِّدٌ أَنْ نَكُونَ هَهُنَا. فَلْنَصْنَعْ ثَلاَثَ مَظَالَّ: لَكَ وَاحِدَةً وَلِمُوسَى وَاحِدَةً وَلإِيلِيَّا وَاحِدَةً. وَهُوَ لاَ يَعْلَمُ مَا يَقُولُ. وَفِيمَا هُوَ يَقُولُ ذَلِكَ كَانَتْ سَحَابَةٌ فَظَلَّلَتْهُمْ. فَخَافُوا عِنْدَمَا دَخَلُوا فِي السَّحَابَةِ. وَصَارَ صَوْتٌ مِنَ السَّحَابَةِ قَائِلًا: هَذَا هُوَ ابني الْحَبِيبُ. لَهُ اسمعُوا" (لو9: 33-35). فماذا كان يقصد بطرس الرسول بعمل المظال..؟!
إن ما يمكننا أن نفهمه عن مظلة الكاروبيم فوق العرش الإلهي هو أنها لا تحمى العرش إطلاقًا، بل تعكس المجد والبهاء الصادر عن الله لتنبهر به الخليقة المتطلّعة نحو العرش. مثلما تحاط المصابيح والكشافات المتقدة بالنور بمظال تعكس ضوءها. لهذا قيل عن حادثة التجلي "إِذَا سَحَابَةٌ نَيِّرَةٌ ظَلَّلَتْهُمْ" (مت17: 5).
ألم يقل السيد المسيح عن نفسه إنه هو "نُورُ الْعَالَمِ" (يو8: 12، 9: 5)، ثم عاد يقول: "أَنْتُمْ نُورُ الْعَالَمِ" (مت5: 14). وقيل عن السيد المسيح "كَانَ النُّورُ الْحَقِيقِيُّ الَّذِي يُنِيرُ كُلَّ إِنْسَانٍ آتِيًا إلى الْعَالَمِ" (يو1: 9). فالسيد المسيح هو النور الحقيقي، أما القديسون فيعكسون هذا النور لأنهم ليسوا هم مصدره، كما شرح ذلك قداسة البابا شنودة الثالث - أطال الرب حياة قداسته.
فوجود الملائكة فوق العرش لا تعنى أنها تعلو في المقام عنه، بدليل أن كل واحد منهم (كما وُرِدَ في سفر إشعياء النبي الإصحاح السادس) بجناحين يغطى وجهه، وباثنين يغطى رجليه، وباثنين يطير. فهو يغطّى وجهه من بهاء عظمة مجد الرب التي لا تحتمل التحديق فيها، ويغطى رجليه بمعنى الخجل والاحترام، ويطير باثنين ليكون قادرًا على تنفيذ مشيئة الرب في الحال، ويشبه في ذلك السيد المسيح معلقًا وهو فاتح ذراعيه على الصليب طاعةً لأبيه السماوي.
بالرغم من أن رؤيا إشعياء النبي قد وردت في الإصحاح السادس؛ إلا أنها تشير إلى بداية خدمة إشعياء النبي؛ وبدء دعوة الرب له. لأن السيد قال على مسمع منه: "مَنْ أُرْسِلُ وَمَنْ يَذْهَبُ مِنْ أَجْلِنَا؟" (إش6: 8)، فردّ إشعياء وقال: "هاأنذا أَرْسِلْنِي" (إش6: 8). وبالطبع فإن الدعوة تسبق الإرسالية.
ولكن لماذا اختار الرب إشعياء بالذات ليظهر له في الهيكل، ويرسل واحدًا من السرافيم لتطهيره، ثم يدعوه ويرسله، ويسكب عليه هذا الفيض العجيب من النبوات عن السيد المسيح؛ حتى دُعي إشعياء النبي "النبي الإنجيلي" ودُعي سفر إشعياء "الإنجيل الخامس" لكثرة ما ورد فيه من نبوات عن المسيح الرب؟!!
نلاحظ أن إشعياء كان من العابدين بعمق وملازمًا للعبادة؛ لأن الرؤيا التي ظهرت له كانت في الهيكل بأورشليم كما شرحنا سابقًا..
وبالإضافة إلى ذلك كانت مخافة الرب واضحة في كلامه عندما قال: "وَيْلٌ لِي! إِنِّي هَلَكْتُ لأَنِّي إِنْسَانٌ نَجِسُ الشَّفَتَيْنِ وَأَنَا سَاكِنٌ بَيْنَ شَعْبٍ نَجِسِ الشَّفَتَيْنِ لأَنَّ عَيْنَيَّ قَدْ رَأَتَا الْمَلِكَ رَبَّ الْجُنُودِ" (إش6: 5).
كان إشعياء إنسانًا متواضعًا معترفًا بخطاياه. ولكن الشيء العجيب أنه قد حمل هموم شعبه عند رؤيته للرب؛ فاعترف بخطاياه وخطاياهم معًا.
كان إشعياء مثقلًا بهموم شعب إسرائيل.. مثقلًا برؤيته لخطاياهم، وحيرته في أمر خلاصهم.. وحيرته في كيفية تحقيق وعد الرب بالخلاص لمثل هذه البشرية التي الجميع فيها قد "زَاغُوا وَفَسَدُوا مَعًا. لَيْسَ مَنْ يَعْمَلُ صَلاَحًا لَيْسَ وَلاَ وَاحِدٌ" (رو3: 12).
لقد تمرر إشعياء بسبب خطايا شعبه وصلّى كثيرًا إلى الرب مُذكّرًا إياه بمواعيده للآباء إبراهيم وإسحق ويعقوب، ومن قبلهم وبعدهم كثيرون من الذين انتظروا خلاص الرب شاعرين بحاجتهم إلى الخلاص.
كان إشعياء يتطلع نحو مجد الله، ويتوعّد شوقًا أن يصير مجد الرب رايةً للشعوب.. وانطلق ببصره النبوي خارج إطار الأمة اليهودية ومملكة إسرائيل إلى كل شعوب الأرض مثل ما ورد في الآيات التالية:
"وَيَكُونُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ أَنَّ أَصْلَ يَسَّى الْقَائِمَ رَايَةً لِلشُّعُوبِ إِيَّاهُ تَطْلُبُ الأُمَمُ وَيَكُونُ مَحَلُّهُ مَجْدًا" (إش11: 10).
"اِلْتَفِتُوا إِلَيَّ وَاخْلُصُوا يَا جَمِيعَ أَقَاصِي الأَرْضِ لأَنِّي أَنَا اللَّهُ وَلَيْسَ آخَرَ" (إش45: 22).
كان إشعياء قلبًا يشتعل بالحب نحو الله ونحو البشرية جمعاء. لذلك فعندما أوحى إليه الروح القدس بنبواته الرائعة "وَيَخْرُجُ قَضِيبٌ مِنْ جِذْعِ يَسَّى وَيَنْبُتُ غُصْنٌ مِنْ أُصُولِهِ. وَيَحِلُّ عَلَيْهِ رُوحُ الرَّبِّ رُوحُ الْحِكْمَةِ وَالْفَهْمِ رُوحُ الْمَشُورَةِ وَالْقُوَّةِ رُوحُ الْمَعْرِفَةِ وَمَخَافَةِ الرَّبِّ. وَلَذَّتُهُ تَكُونُ فِي مَخَافَةِ الرَّبِّ فَلاَ يَقْضِي بِحَسَبِ نَظَرِ عَيْنَيْهِ وَلاَ يَحْكُمُ بِحَسَبِ سَمْعِ أُذُنَيْهِ. بَلْ يَقْضِي بِالْعَدْلِ لِلْمَسَاكِينِ وَيَحْكُمُ بِالإِنْصَافِ لِبَائِسِي الأَرْضِ وَيَضْرِبُ الأَرْضَ بِقَضِيبِ فَمِهِ وَيُمِيتُ الْمُنَافِقَ بِنَفْخَةِ شَفَتَيْهِ. وَيَكُونُ الْبِرُّ مِنْطَقَةَ مَتْنَيْهِ وَالأَمَانَةُ مِنْطَقَةَ حَقَوَيْهِ" (إش11: 1-5). وأيضًا "وَتَقُولُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ: أَحْمَدُكَ يَا رَبُّ لأَنَّهُ إِذْ غَضِبْتَ عَلَيَّ ارْتَدَّ غَضَبُكَ فَتُعَزِّينِي. هُوَذَا اللَّهُ خَلاَصِي فَأَطْمَئِنُّ وَلاَ أَرْتَعِبُ لأَنَّ يَاهَ يَهْوَهَ قُوَّتِي وَتَرْنِيمَتِي وَقَدْ صَارَ لِي خَلاَصًا. فَتَسْتَقُونَ مِيَاهًا بِفَرَحٍ مِنْ يَنَابِيعِ الْخَلاَصِ. وَتَقُولُونَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ: احْمَدُوا الرَّبَّ. ادْعُوا بِاسمهِ. عَرِّفُوا بَيْنَ الشُّعُوبِ بِأَفْعَالِهِ. ذَكِّرُوا بِأَنَّ اسمهُ قَدْ تَعَالَى. رَنِّمُوا لِلرَّبِّ لأَنَّهُ قَدْ صَنَعَ مُفْتَخَرًا. لِيَكُنْ هَذَا مَعْرُوفًا فِي كُلِّ الأَرْضِ. صَوِّتِي وَاهْتِفِي يَا سَاكِنَةَ صِهْيَوْنَ لأَنَّ قُدُّوسَ إِسْرَائِيلَ عَظِيمٌ فِي وَسَطِكِ" (إش12: 1-6).
فقد شملت نبواته هذه جميع الأمم بصورة لم يتقبلها الشعب اليهودي بسهولة حتى في بدايات الكنيسة في العهد الجديد. وهو الأمر الذي عمل فيه الروح القدس حتى أوضح لكنيسة الرسل مقاصد الرب بصورة متدرجة حتى وصلت لكمالها.
واختص إشعياء في نبوته؛ مصر وشعبها بنبوات رائعة مثل قوله: "في ذَلِكَ الْيَوْمِ يَكُونُ مَذْبَحٌ لِلرَّبِّ فِي وَسَطِ أَرْضِ مِصْرَ وَعَمُودٌ لِلرَّبِّ عِنْدَ تُخُمِهَا" (إش19: 19)، وقوله "بِهَا يُبَارِكُ رَبُّ الْجُنُودِ قَائِلًا: مُبَارَكٌ شَعْبِي مِصْرُ" (إش19: 25).
كان إشعياء شاعرًا وكانت حياته أنشودة حب؛ لذلك ظهر له الرب في رؤيا مع السرافيم أي المتقدين بالنار-نار الحب الإلهي. فالكاروب؛ معناه: "الممتلئ أعينًا" أي الممتلئ معرفة. والسرافيم ومفردها "ساراف"؛ معناه: "المتقد بالنار" أي بالحب.
حقًا ينطبق على إشعياء النبي شعر قداسة البابا عن المتنيح الأرشيذياكون حبيب جرجس:
هذه تقواك: إيمانٌ فحبٌ هذه دنياك: أشواكٌ وصلبٌ
أنت، من أنت؟ رسولٌ ههنا؟ أنت أبهى من رسول، أنت قلبٌ
أنت قلبٌ واسعٌ في حِضْنهِ عاش جيلٌ كاملٌ أو عاش شعبٌ
أنت نبعٌ من حنانٍ دافقٍ أنت عطفٌ، أنت رفقٌ، أنت حبٌ
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/anba-bishoy/isaiah/son.html
تقصير الرابط:
tak.la/2xbjjvy