يقول الرب بفم إشعياء النبي "لأَنِّي هَئَنَذَا خَالِقٌ سَمَاوَاتٍ جَدِيدَةً وَأَرْضًا جَدِيدَةً فَلاَ تُذْكَرُ الأُولَى وَلاَ تَخْطُرُ عَلَى بَالٍ. بَلِ افْرَحُوا وَابْتَهِجُوا إلى الأَبَدِ فِي مَا أَنَا خَالِقٌ لأَنِّي هَئَنَذَا خَالِقٌ أُورُشَلِيمَ بَهْجَةً وَشَعْبَهَا فَرَحًا" (إش65: 17، 18)
لقد ختم إشعياء سفره النفيس، بنفس الأسلوب الذي ختم به يوحنا الرسول سفر الرؤيا الذي تضعه الكنيسة حسب التقليد في نهاية أسفار العهد الجديد. وكثيرون يلقبون إشعياء "بالنبي الإنجيلي" لكثرة ما في سفره من نبوات عن السيد المسيح وعن العهد الجديد.
يقول يوحنا الرسول في سفر الرؤيا: "ثمَّ رَأَيْتُ سَمَاءً جَدِيدَةً وَأَرْضًا جَدِيدَةً، لأَنَّ السَّمَاءَ الأُولَى وَالأَرْضَ الأُولَى مَضَتَا، وَالْبَحْرُ لاَ يُوجَدُ فِي مَا بَعْدُ. وَأَنَا يُوحَنَّا رَأَيْتُ الْمَدِينَةَ الْمُقَدَّسَةَ أُورُشَلِيمَ الْجَدِيدَةَ نَازِلَةً مِنَ السَّمَاءِ مِنْ عِنْدِ اللهِ مُهَيَّأَةً كَعَرُوسٍ مُزَيَّنَةٍ لِرَجُلِهَا... ثُمَّ جَاءَ إِلَيَّ وَاحِدٌ مِنَ السَّبْعَةِ الْمَلاَئِكَةِ الَّذِينَ مَعَهُمُ السَّبْعَةُ الْجَامَاتُ الْمَمْلُوَّةُ مِنَ السَّبْعِ الضَّرَبَاتِ الأَخِيرَةِ، وَتَكَلَّمَ مَعِي قَائِلًا: هَلُمَّ فَأُرِيَكَ الْعَرُوسَ امْرَأَةَ الْحَمَلِ. وَذَهَبَ بِي بِالرُّوحِ إلى جَبَلٍ عَظِيمٍ عَالٍ، وَأَرَانِي الْمَدِينَةَ الْعَظِيمَةَ أُورُشَلِيمَ الْمُقَدَّسَةَ نَازِلَةً مِنَ السَّمَاءِ مِنْ عِنْدِ اللهِ، لَهَا مَجْدُ اللهِ، وَلَمَعَانُهَا شِبْهُ أَكْرَمِ حَجَرٍ كَحَجَرِ يَشْبٍ بَلُّورِيٍّ... وَلَمْ أَرَ فِيهَا هَيْكَلًا، لأَنَّ الرَّبَّ اللهَ الْقَادِرَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ هُوَ وَالْحَمَلُ هَيْكَلُهَا. وَالْمَدِينَةُ لاَ تَحْتَاجُ إلى الشَّمْسِ وَلاَ إلى الْقَمَرِ لِيُضِيئَا فِيهَا، لأَنَّ مَجْدَ اللهِ قَدْ أَنَارَهَا، وَالْحَمَلُ سِرَاجُهَا. وَتَمْشِي شُعُوبُ الْمُخَلَّصِينَ بِنُورِهَا، وَمُلُوكُ الأَرْضِ يَجِيئُونَ بِمَجْدِهِمْ وَكَرَامَتِهِمْ إِلَيْهَا" (رؤ21: 1، 2 و9-11 و22-24).
وبمقارنة النصين أي ما ورد في سفر إشعياء وما ورد في سفر الرؤيا نجد تطابقًا عجيبًا. والكلام هو عن أورشليم السمائية عروس المسيح وكيف أنها مدينة سمائية وستكون بدلًا من الأرض الأولى والسماء أو السماوات الأولى.
والمقصود طبعًا بالأرض الأولى والسماوات الأولى أي الأرض المادية والسماوات المادية مثل سماء الطيور وسماء السحب وسماء الكواكب والنجوم. وهذه كلها سوف تزول وتنحل وتتساقط كما شرح القديس بطرس الرسول في رسالته الثانية "سَيَأْتِي كَلِصٍّ فِي اللَّيْلِ، يَوْمُ الرَّبِّ، الَّذِي فِيهِ تَزُولُ السَّمَاوَاتُ بِضَجِيجٍ، وَتَنْحَلُّ الْعَنَاصِرُ مُحْتَرِقَةً، وَتَحْتَرِقُ الأَرْضُ وَالْمَصْنُوعَاتُ الَّتِي فِيهَا" (2بط 3: 10).
وقد تنبأ إشعياء عن أورشليم السمائية بعد أن تكلم عن السماوات الجديدة والأرض الجديدة بقوله: "هَئَنَذَا خَالِقٌ أُورُشَلِيمَ بَهْجَةً وَشَعْبَهَا فَرَحًا" (إش65: 18).
وبنفس المفهوم ورد في رؤيا يوحنا الرسول "هَا أَنَا أَصْنَعُ كُلَّ شَيْءٍ جَدِيدًا" (رؤ 21: 5).
إن الرؤية المسيانية للقديس إشعياء النبي قد وصلت ليس فقط إلى صلب السيد المسيح وقيامته المجيدة والخلاص بدمه الثمين، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. ولكنها وصلت إلى أعتاب الأبدية حينما تنبأ عن أورشليم السمائية وأفراح الأبدية في سماوات جديدة، وأرض جديدة إذ قال بفم الرب: "افْرَحُوا وَابْتَهِجُوا إلى الأَبَدِ فِي مَا أَنَا خَالِقٌ" (إش65: 18).
وأضاف إلى ذلك بفم الرب: "فَأَبْتَهِجُ بِأُورُشَلِيمَ وَأَفْرَحُ بِشَعْبِي وَلاَ يُسْمَعُ بَعْدُ فِيهَا صَوْتُ بُكَاءٍ وَلاَ صَوْتُ صُرَاخٍ" (إش65: 19).
وقال يوحنا الرسول في رؤياه: "وَسَمِعْتُ صَوْتًا عَظِيمًا مِنَ السَّمَاءِ قَائِلًا: هُوَذَا مَسْكَنُ اللهِ مَعَ النَّاسِ، وَهُوَ سَيَسْكُنُ مَعَهُمْ، وَهُمْ يَكُونُونَ لَهُ شَعْبًا. وَاللهُ نَفْسُهُ يَكُونُ مَعَهُمْ إِلَهًا لَهُمْ. وَسَيَمْسَحُ اللهُ كُلَّ دَمْعَةٍ مِنْ عُيُونِهِمْ، وَالْمَوْتُ لاَ يَكُونُ فِي مَا بَعْدُ، وَلاَ يَكُونُ حُزْنٌ وَلاَ صُرَاخٌ وَلاَ وَجَعٌ فِي مَا بَعْدُ، لأَنَّ الأُمُورَ الأُولَى قَدْ مَضَتْ" (رؤ21: 3، 4).
ونلاحظ التطابق بين ما ورد في نبوة إشعياء، وما ورد في رؤيا يوحنا الرسول الإنجيلي عن زوال البكاء والدموع والحزن والصراخ في أورشليم السمائية، وبدلًا من ذلك؛ الفرح الأبدى الذي أشار إليه القديس يوحنا بقوله: "هَلِّلُويَا! فَإِنَّهُ قَدْ مَلَكَ الرَّبُّ الإلَهُ الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ. لِنَفْرَحْ وَنَتَهَلَّلْ وَنُعْطِهِ الْمَجْدَ، لأَنَّ عُرْسَ الْحَمَلِ قَدْ جَاءَ" (رؤ19: 6، 7).
وبهذا نختم تأملاتنا عن "المسيح في سفر إشعياء".
وبالرغم من كثرة المقالات التي أوردناها تحت هذا العنوان إلا أن السفر ملئ بأضعاف ما تحدثنا عنه. ولكنها محاولة متواضعة للاقتراب من روائع هذا السفر النبوي النفيس. نفعنا الرب بصلوات القديس إشعياء النبي الإنجيلي. آمين.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/anba-bishoy/isaiah/jerusalem.html
تقصير الرابط:
tak.la/f9nk9qg