التحول هو تحت أعراض الخبز والخمر. بمعنى أن الخبز لا يتحول إلى لحم، والخمر الممزوج بالماء لا يتحول إلى هيموجلوبين وبلازما. الخبز يظل في جوهره خبزًا لكنه جوهريًا يتحد باللاهوت، وهو جسد الرب المصلوب والقائم من الأموات والصاعد إلى السماء والذي سيأتي في المجيء الثاني.
يقول الكتاب "وَفِيمَا هُمْ يَأْكُلُونَ أَخَذَ يَسُوعُ الْخُبْزَ وَبَارَكَ وَكَسَّرَ وَأَعْطَى التَّلاَمِيذَ وَقَالَ: خُذُوا كُلُوا. هَذَا هُوَ جَسَدِي" (مت26: 26). فهو عندما بارك وشكر تمت الاستحالة Transubstantiation أي التحول من خبز عادى إلى خبز متحد باللاهوت، وامتداد لذبيحة الصليب الذي هو جسد الرب المصلوب القائم من الأموات.
وبما أننا نُتهم أننا نسجد لخبز وخمر وأن هذه عبادة وثنية، فعلينا بالرجوع إلى ما قاله معلمنا بولس الرسول في مقارنته بين العبادة الوثنية وبين القداس الإلهي الذي فيه جسد الرب ودمه، ليتضح أن من يُهاجمنا في هذه القضية فإنه ضمنًا يهاجم فبولس الرسول الذي وضع هذه المقارنة.
يقول معلمنا بولس الرسول:
"لِذَلِكَ يَا أَحِبَّائِي اهْرُبُوا مِنْ عِبَادَةِ الأَوْثَانِ (من يهاجموننا يقولون أن القداس هو عبادة أوثان، فلنرى ما سيقوله معلمنا بولس الرسول هنا). أَقُولُ كَمَا لِلْحُكَمَاءِ: احْكُمُوا أَنْتُمْ فِي مَا أَقُولُ (ونحن هنا نطالب القارئ أيضًا أن يحكم). كَأْسُ الْبَرَكَةِ الَّتِي نُبَارِكُهَا أَلَيْسَتْ هِيَ شَرِكَةَ دَمِ الْمَسِيحِ؟ (هنا ويبدأ معلمنا بولس الرسول المقارنة بين العبادة الوثنية وبين الإفخارستيا بشجاعة نادرة بالروح القدس الذي أوحى إليه بكتابة هذه الكلمات) الْخُبْزُ الَّذِي نَكْسِرُهُ أَلَيْسَ هُوَ شَرِكَةَ جَسَدِ الْمَسِيحِ؟ فَإِنَّنَا نَحْنُ الْكَثِيرِينَ خُبْزٌ وَاحِدٌ جَسَدٌ وَاحِدٌ لأَنَّنَا جَمِيعَنَا نَشْتَرِكُ فِي الْخُبْزِ الْوَاحِدِ. انْظُرُوا إِسْرَائِيلَ حَسَبَ الْجَسَدِ. أَلَيْسَ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الذَّبَائِحَ هُمْ شُرَكَاءَ الْمَذْبَحِ؟ (هنا بدأ يربط بين كأس البركة وجسد الرب في القداس، بمفهوم آخر وهو إسرائيل والمذبح اليهودي وشركة المذبح، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. أي أنه يضع مسلك مسيحي ومسلك يهودي في تناظر مع بعضهما. وسوف نربط ذلك بإشعياء 19) فَمَاذَا أَقُولُ؟ أَإِنَّ الْوَثَنَ شَيْءٌ أَوْ إِنَّ مَا ذُبِحَ لِلْوَثَنِ شَيْءٌ؟ (هنا وحَّد بولس الرسول بين الذبيحة ومن تقدّم له. وهو هنا انتقل من الذبائح التي كان يقدمها اليهود وكانت مقبولة من الله لأن الله هو الذي أمر بها، إلى أن جاء السيد المسيح وقدّم الذبيحة الحقيقية الكاملة التي كانت ترمز إليها ذبائح العهد القديم، انتقل من ذبيحة العهد القديم إلى ذبائح الأوثان) بَلْ إِنَّ مَا يَذْبَحُهُ الأُمَمُ فَإِنَّمَا يَذْبَحُونَهُ لِلشَّيَاطِينِ لاَ لِلَّهِ. فَلَسْتُ أُرِيدُ أَنْ تَكُونُوا أَنْتُمْ شُرَكَاءَ الشَّيَاطِينِ (وهو هنا لا يريدهم أن يحضروا ذبائح الأوثان أو أن يشتركوا في أكل ذبيحة لوثن) لاَ تَقْدِرُونَ أَنْ تَشْرَبُوا كَأْسَ الرَّبِّ وَكَأْسَ شَيَاطِينَ (هنا هو وحّد بين الذبيحة ومن تقدم له الذبيحة ووضعها بالتناظر، وقال لهم إما أن تختاروا ذبيحة الرب أو تختاروا ذبيحة الشياطين. ولكن لا تأكلوا من هذه وتلك). لاَ تَقْدِرُونَ أَنْ تَشْتَرِكُوا فِي مَائِدَةِ الرَّبِّ وَفِي مَائِدَةِ شَيَاطِينَ أَمْ نُغِيرُ الرَّبَّ؟ أَلَعَلَّنَا أَقْوَى مِنْهُ؟" (1كو10: 14-22).
هذه العبارات تبين أنه في فكر بولس الرسول مائدة الإفخارستيا هي مذبح لأنه وضع ثلاثة أمور:
أولًا: شركة جسد ودم المسيح، ثانيًا: ذبائح اليهود فقال: "أَلَيْسَ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الذَّبَائِحَ هُمْ شُرَكَاءَ الْمَذْبَحِ؟"، ثالثًا: ذكر المذبح الوثني، وأخيرًا قال لهم اختاروا أنتم ماذا تأكلون هل من مائدة الرب أم مائدة شياطين؟
السيد المسيح قال: "خُذُوا كُلُوا. هَذَا هُوَ جَسَدِي"، وكلام معلمنا بولس الرسول يؤكد أن الذي قاله السيد المسيح لم يكن كلامًا رمزيًا.
في الأصحاح الحادي عشر من الرسالة إلى أهل كورنثوس يقول معلمنا بولس الرسول: "فَإِنَّكُمْ كُلَّمَا أَكَلْتُمْ هَذَا الْخُبْزَ وَشَرِبْتُمْ هَذِهِ الْكَأْسَ تُخْبِرُونَ بِمَوْتِ الرَّبِّ إِلَى أَنْ يَجِيءَ" (1كو11: 26)، فالمسألة ليست أن الرب صنع هذا الأمر في ليلة آلامه لذكرى.
يقول معلمنا بولس الرسول: "لأَنَّنِي تَسَلَّمْتُ مِنَ الرَّبِّ مَا سَلَّمْتُكُمْ أَيْضًا إِنَّ الرَّبَّ يَسُوعَ فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي أُسْلِمَ فِيهَا أَخَذَ خُبْزًا. وَشَكَرَ فَكَسَّرَ وَقَالَ: خُذُوا كُلُوا هَذَا هُوَ جَسَدِي الْمَكْسُورُ لأَجْلِكُمُ. اصْنَعُوا هَذَا لِذِكْرِي كَذَلِكَ الْكَأْسَ أَيْضًا بَعْدَمَا تَعَشَّوْا قَائِلًا: هَذِهِ الْكَأْسُ هِيَ الْعَهْدُ الْجَدِيدُ بِدَمِي اصْنَعُوا هَذَا كُلَّمَا شَرِبْتُمْ لِذِكْرِي فَإِنَّكُمْ كُلَّمَا أَكَلْتُمْ هَذَا الْخُبْزَ وَشَرِبْتُمْ هَذِهِ الْكَأْسَ تُخْبِرُونَ بِمَوْتِ الرَّبِّ إِلَى أَنْ يَجِيءَ. إِذًا أَيُّ مَنْ أَكَلَ هَذَا الْخُبْزَ أَوْ شَرِبَ كَأْسَ الرَّبِّ بِدُونِ اسْتِحْقَاقٍ يَكُونُ مُجْرِمًا فِي جَسَدِ الرَّبِّ وَدَمِهِ" (1كو11: 23-27).
إن العهد الجديد ارتبط بالكأس وليس بذبيحة الجلجثة فقط. فدمه المسفوك يكون حاضرًا في الكنيسة في الإفخارستيا.
لماذا يكون من يأكل هذا الخبز ويشرب هذه الكأس بدون استحقاق مجرمًا في جسد الرب ودمه إلا إذا كان هذا جسد حقيقي ودم حقيقي؟!
نحن نقول في القداس الإلهي: "هذا هو دمى الذي للعهد الجديد" وهذا صحيح وقد قاله السيد المسيح نفسه. إلا أن كل من معلمنا بولس الرسول ولوقا الإنجيلي قد ركّزا على هذه العبارة بأكثر وضوح فقالا: "هَذِهِ الْكَأْسُ هِيَ الْعَهْدُ الْجَدِيدُ بِدَمِي" (1كو11: 25). الكأس هي العهد الجديد بدمه.. فإذا كانت الإفخارستيا مجرد رمز كما يدّعى البعض، فهل يكون العهد الجديد أيضًا رمزًا؟!!
أين العهد الجديد في كنيسة لا يوجد بها دم المسيح داخل الكأس؟!!
إن لم يكن دم المسيح في كأس الإفخارستيا فأين ستجده؟!! إن السيد المسيح وهب حياته لأجلنا على الصليب وأعطاها لنا لكي نحيا بها، وقال: "مَنْ يَأْكُلْنِي فَهُوَ يَحْيَا بِي" (يو6: 57)، وقال: "أَنَا هُوَ الْخُبْزُ الْحَيُّ الَّذِي نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ. إِنْ أَكَلَ أَحَدٌ مِنْ هَذَا الْخُبْزِ يَحْيَا إِلَى الأَبَدِ. وَالْخُبْزُ الَّذِي أَنَا أُعْطِي هُوَ جَسَدِي الَّذِي أَبْذِلُهُ مِنْ أَجْلِ حَيَاةِ الْعَالَمِ" (يو6: 51).
إن السيد المسيح قد أعطانا حياته. فكيف تصل لنا حياته هذه، إذا لم يكن دم المسيح تحت أعراض الخمر هو دم حقيقي؟!
الآن سوف نربط هذا الكلام بما جاء في سفر إشعياء في الأصحاح التاسع عشر: "فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ يَكُونُ مَذْبَحٌ لِلرَّبِّ فِي وَسَطِ أَرْضِ مِصْرَ وَعَمُودٌ لِلرَّبِّ عِنْدَ تُخُمِهَا" (إش19: 19). أين ذلك المذبح إن لم يكن هو مذبح الإفخارستيا؟
وإن لم يكن هناك مذبح في الكنيسة، فما هو المذبح الذي تكلم عنه إشعياء؟ هل هو مذبح الأوثان؟! بالطبع لا.. لأنه قال: "مَذْبَحٌ لِلرَّبِّ". فهل هو مذبح اليهود؟! قطعًا لا.. لأن اليهود ليس لهم مذبح إلا في أورشليم فقط، لأن الرب قال: "قَدِ اخْتَرْتُ وَقَدَّسْتُ هَذَا الْبَيْتَ لِيَكُونَ اسْمِي فِيهِ إِلَى الأَبَدِ" (2اخ7: 16)،
بعد أن اختار موقعه حيث بيدر أرنان اليبوسي، ومنعهم من تقديم ذبائح خارج هذا الإطار، وإلى يومنا هذا.
معلمنا بولس الرسول في رسالة العبرانيين يقول: "لَنَا مَذْبَحٌ لاَ سُلْطَانَ للَّذِينَ يَخْدِمُونَ الْمَسْكَنَ أَنْ يَأْكُلُوا مِنْهُ" (عب13: 10). أي ليس لليهود سلطان أن يأكلوا منه، فما هو هذا المذبح إلا مذبح العهد الجديد؟!
ثم يكمل إشعياء النبي فيقول: "فَيُعْرَفُ الرَّبُّ فِي مِصْرَ وَيَعْرِفُ الْمِصْريُّونَ الرَّبَّ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَيُقَدِّمُونَ ذَبِيحَةً وَتَقْدِمَةً وَيَنْذُرُونَ لِلرَّبِّ نَذْرًا وَيُوفُونَ بِهِ" (إش19: 21). يعرف الرب في مصر ويعرف المصريون الرب هي رد على من يدعون أننا نعبد أوثان.. أم أن إشعياء النبي كان مخطئًا حينما تنبأ بذلك؟!!
يقول إشعياء النبي: "َيَعْرِفُ الْمِصْريُّونَ الرَّبَّ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَيُقَدِّمُونَ ذَبِيحَةً وَتَقْدِمَةً وَيَنْذُرُونَ لِلرَّبِّ نَذْرًا وَيُوفُونَ بِهِ" هل كل المصريين يقدمون ذبيحة واحدة فقط؟!! كيف؟ كيف يقدم كل المصريون ذبيحة واحدة؟!!
لا يمكن أن تكون ذبيحة واحدة إلا ذبيحة الصليب. وهذا يرد على من يدّعون أن الإفخارستيا هي تكرار للصلب. إن ذبيحة الإفخارستيا هي امتداد للصلب، وهي فوق الزمن بدليل أن السيد المسيح قبل أن يسفك دمه على الصليب ببضعة ساعات وبعد خروج يهوذا قال: "الآنَ تَمَجَّدَ ابْنُ الإِنْسَانِ وَتَمَجَّدَ اللَّهُ فِيهِ" (يو13: 31). ثم بارك الكأس وقدّم لتلاميذه وقال: "هَذَا هُوَ دَمِي الَّذِي لِلْعَهْدِ الْجَدِيدِ الَّذِي يُسْفَكُ مِنْ أَجْلِ كَثِيرِينَ" (مر14: 24). فالإفخارستيا هي فوق الزمن، لذلك نقول في القداس الإلهي {نصنع ذكرى آلامه المقدسة، وقيامته من الأموات، وصعوده إلى السموات، وجلوسه عن يمين الآب، ومجيئه الثاني} إذن الذبيحة التي ذكرها إشعياء النبي هي ذبيحة الإفخارستيا. والإفخارستيا والصليب هما ذبيحة واحدة في كل الكنائس المتحدة الإيمان.
نحن لا نسجد للخبز والخمر لكننا نسجد لجسد الرب ودمه، بعد حلول الروح القدس وتحول الخبز والخمر، إلى جسد ودم حقيقى للسيد المسيح متحدًا باللاهوت. لكن بدون أن يتحول الخبز إلى لحم، ولا الخمر إلى بلازما وهيموجلوبين. إن الخبز الذي كان السيد المسيح يأكله، كان جسده ينمو به ووزنه يزيد. هكذا التجسد الإلهي واتحاد اللاهوت بالناسوت لا يتكرر، إن التجسد سر "وَبِالإِجْمَاعِ عَظِيمٌ هُوَ سِرُّ التَّقْوَى: اللهُ ظَهَرَ فِي الْجَسَدِ" (1تى3: 16). كما أن الفحمة في الشورية إذ تكن متقدة بالنار، فإن وضعنا فحم آخر مطفأ معها يلتقط النار من الفحمة المتقدة، هكذا أيضًا كل ما أضيف إلى جسد يسوع في نموه. فلا نحتاج إلى تكرار التجسد الإلهي، بل ما يحدث هو امتداد.
وكما نقبل فكرة امتداد التجسد الإلهي، نقبل فكرة امتداد ذبيحة الصليب. فالخبز يصبح جسد يسوع الذي نمى. وكما سجد له المولود أعمى، بكل ما أضيف إلى وزنه بعد الحبل به في بطن العذراء، هكذا أيضًا بقدرة إلهية فائقة يحوّل الروح القدس الخبز إلى جسد السيد المسيح المتحد باللاهوت عبر آلاف السنين. لأن ذبيحة الإفخارستيا كما ذكرنا هي فوق الزمن، لأنها سر إلهي.
إذن السجود هو لجسد حقيقي للسيد المسيح، كما سجد له المولود أعمى بالضبط. من أقوال القديس أثناسيوس: ليس للسيد المسيح طبيعتان، إحداهما مسجود لها والأخرى غير مسجود لها، بل نحن نسجد للمسيح بسجدة واحدة باعتبار أنه هو الله الكلمة المتجسد.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/anba-bishoy/idols/creed.html
تقصير الرابط:
tak.la/sg4dp96