في مناجاته مع الآب قال السيد المسيح: "وكل ما هو لي فهو لك، وما هو لك فهو لي" (يو17: 10) وقال كذلك لتلاميذه: "كل ما للآب هو لي" (يو16: 15).
وقال القديس أثناسيوس الرسولي إن الابن له جميع صفات الآب ما عدا أن الآب هو آب والابن هو ابن.
وهذا بالطبع لأن الآب والابن والروح القدس لهم طبيعة إلهية واحدة وجوهر إلهي واحد. فكل صفات الجوهر الإلهي هي للآب كما هي للابن، وكذلك للروح القدس. أما الخواص الأقنومية أو الصفات الأقنومية فينفرد بها كل أقنوم على حدة.
فالآب: له الأبوة في الثالوث وهو الوالد للابن، والباثق للروح القدس.
والابن: له البنوة باعتباره الابن الوحيد للآب (انظر يو3: 16).
والروح القدس: له الانبثاق باعتباره روح الحق الذي من عند الآب ينبثق (انظر يو15: 26).
وكما أن صفات الجوهر الإلهي هي نفسها لكل الأقانيم كذلك كل القدرات والعطايا الإلهية هي صادرة عن الأقانيم الإلهية معًا.
فالقدرة على الخلق هي للآب والابن والروح القدس.
والمواهب الممنوحة للكنيسة هي من الآب بالابن في الروح القدس.
أي أن مواهب الروح القدس الممنوحة للكنيسة هي ممنوحة من الآب باستحقاقات دم الابن الوحيد والروح القدس هو الذي يمنحها للكنيسة بعمله فيها من خلال الأسرار والمواهب والعطايا الإلهية.
"وأما متى جاء ذاك روح الحق فهو يرشدكم إلى جميع الحق، لأنه لا يتكلم من نفسه بل كل ما يسمع يتكلم به. ويخبركم بأمور آتية. ذاك يمجدني لأنه يأخذ مما لي ويخبركم. كل ما للآب هو لي. لهذا قلت إنه يأخذ مما لي ويخبركم" (يو16: 13-15).
لقد ربط السيد المسيح بين عطايا الروح القدس، وبين عطاياه هو للكنيسة، معتبرًا إياها أيضًا أنها عطايا الآب. فقال إن الروح القدس "يأخذ مما لي". ثم قال: "كل ما للآب هو لي" ففي الحقيقة أن ما للروح القدس هو للابن، وما للابن هو للآب، وما هو للآب فهو للابن لأن الجوهر الإلهي للابن هو نفس الجوهر الإلهي الذي للآب وللروح القدس. ولا يوجد أقنوم منفصل عن الآخر في الجوهر.
وكذلك فالعمل الإلهي هو عمل واحد بالرغم من تمايز دور كل أقنوم في هذا العمل.
ففي الخلق كان الأقانيم يعملون معًا، وفي الخلاص كان الأقانيم يعملون معًا وما زالوا يعملون.. وهكذا.
في الخلاص أرسل الله ابنه ليتجسد بفعل الروح القدس، وعلى الصليب كان الله مصالحًا العالم لنفسه في المسيح "الذي بروح أزلي قدّم نفسه لله بلا عيب" (عب9: 14). لذلك فالابن الوحيد قد قدّم نفسه ذبيحة مقبولة أمام الله الآب بالروح القدس.
وبعدما أتم السيد المسيح الفداء، صعد إلى السماوات وجلس عن يمين الآب وباعتباره رئيس الكهنة الأعظم، أرسل الروح القدس الذي يعمل في الكنيسة ويوصل إليها كل بركات الفداء.
وكل ما يمنحه الروح القدس للكنيسة من مواهب هو من عطايا الآب السماوي بابنه الوحيد يسوع المسيح ربنا.
لهذا قال معلمنا يعقوب الرسول: "كل عطية صالحة، وكل موهبة تامة، هي من فوق نازلة من عند أبي الأنوار الذي ليس عنده تغيير ولا ظل دوران. شاء فولدنا بكلمة الحق لكي نكون باكورة من خلائقه" (يع1: 17، 18).
الآب هو الينبوع الذي منه الابن الوحيد بالولادة الأزلية قبل كل الدهور. ومنه أيضًا الروح القدس بالانبثاق الأزلي قبل كل الدهور.
الآب هو الحكيم الذي يلد الحكمة ويبثق روح الحكمة.
والآب هو الحقاني الذي يلد الحق (انظر يو14: 6) ويبثق روح الحق (انظر يو15: 26).
فالحكمة هو لقب أقنوم الابن المولود من الآب الحكيم. والحق هو لقب أقنوم الابن المولود من الآب الحقاني.
والكلمة أي (العقل منطوق به) هو لقب أقنوم الابن المولود من الآب العاقل.
والخواص الجوهرية جميعًا ومن أمثلتها الحكمة والحق والعقل.. يشترك فيها الأقانيم معًا فالحق مثلًا هو خاصية يشترك فيها الأقانيم جميعًا. فالآب هو حق من حيث الجوهر، والابن هو حق من حيث الجوهر، والروح القدس هو حق من حيث الجوهر.
أما من حيث الأقنوم فالآب هو الحقاني (أي ينبوع الحق)، والابن هو الحق المولود منه والروح القدس هو روح الحق المنبثق منه.
من يستطيع أن يفصل الحقاني عن الحق المولود منه؟!
ومن يستطيع أن يفصل الحكيم عن الحكمة؟.. إن الحكمة تصدر عن الحكيم تلقائيًا كإعلان طبيعي عن حقيقته غير المنظورة.
إننا نعرف الحكيم.. بالحكمة، ونعرف العاقل بالعقل المنطوق به، ونعرف الحقاني بالحق الصادر منه.. وهكذا.
أي أن الرب هو حكيم وحكمته في حضنه منذ الأزل، وبالحكمة صنع الرب كل الموجودات كقول المزمور "بكلمة الرب صُنِعَت السماوات، وبنسمة فيه كل جنودها" (مز33: 6).
أي أن الرب قد خلق السماوات وملائكتها بكلمته وبروحه القدوس.
ما أجمل كلام السيد المسيح حينما قال: "كل ما للآب هو لي"حقًا إن الثالوث القدوس هو الله الواحد في الجوهر المثلث الأقانيم.
مجد الآب وملكيته وملكوته جميعًا للابن أيضًا.
من عبارة "كل ما هو لي فهو لك" (يو17: 10) نفهم أيضًا أن كل مجد الآب هو للابن أيضًا، وكل ملكية الآب وملكوته تخص الابن أيضًا.
قال السيد المسيح عن مجيئه الثاني للدينونة واستعلان ملكوت الله: "ومتى جاء ابن الإنسان في مجده وجميع الملائكة القديسين معه، فحينئذ يجلس على كرسي مجده. ويجتمع أمامه جميع الشعوب فيميز بعضهم من بعض كما يميّز الراعي الخراف من الجداء. فيقيم الخراف عن يمينه والجداء عن اليسار. ثم يقول الملك للذين عن يمينه تعالوا يا مباركي أبي رثوا الملكوت المعد لكم منذ تأسيس العالم" (مت25: 31-34).
وكما قال السيد المسيح إن ابن الإنسان سوف يأتي "في مجده" قال أيضًا: "فإن ابن الإنسان سوف يأتي في مجد أبيه مع ملائكته وحينئذ يجازي كل واحد حسب عمله" (مت16: 27).
وبهذا لم يفرق السيد المسيح بين "مجده"و"مجد أبيه"في حديثه عن مجيئه الثاني للدينونة. لأن مجد السيد المسيح باعتبار أنه هو ابن الله هو نفس مجد الآب بلا أدنى فرق في المجد. فالأقانيم الثلاثة متساوية في المجد الإلهي.
وحينما قال السيد المسيح في مناجاته قبل الصلب: "والآن مجّدني أنت أيها الآب عند ذاتك بالمجد الذي كان لي عندك قبل كون العالم" (يو17: 5)، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. كان يقصد أن مجده الأزلي هو نفسه مجد الآب الأزلي قبل خلق العالم، وذلك بالرغم من أن السيد المسيح قد أخفى الكثير من مجده في حال ظهوره في الجسد حينما أخلى نفسه آخذًا صورة عبد. كذلك نادى السيد المسيح الآب قبيل الصلب قائلًا: "أيها الآب مجّد اسمك. فجاء صوت من السماء مجدّت وأمجّد أيضًا" (يو12: 28).
وحينما خرج يهوذا الإسخريوطي بعد عشاء الفصح اليهودي ليذهب إلى رؤساء الكهنة ويصير دليلًا للذين قبضوا على السيد المسيح، قال السيد المسيح: "الآن تمجَّد ابن الإنسان وتمجَّد الله فيه. إن كان الله قد تمجَّد فيه فإن الله سيُمجِّده في ذاته ويمجِّده سريعًا" (يو13: 31، 32).
وفي مناجاته مع الآب بعد تلك الأحداث مباشرة، رفع عينيه نحو السماء وقال: "أيها الآب.. مجّد ابنك ليمجدك ابنك أيضًا" (يو17: 1).
إن مجد الآب هو نفسه مجد الابن لأنه له نفس الجوهر الواحد مع الآب.
ولُقِّب السيد المسيح بأنه هو "بهاء مجده" (عب1: 3). فإن كان الابن هو بهاء مجد الآب فكيف نفصل بين مجد الابن ومجد الآب.
إن مجد الآب يظهر جليًا للخليقة بواسطة الابن الوحيد، ولهذا نقول في القداس الغريغوري (الذي أظهر لنا نور الآب).
وبالإضافة إلى ذلك قيل عن الابن إنه "رب لمجد الله الآب" (فى2: 11).
بمعنى أن الابن هو رب أي سيد للخليقة التي تحيا في مجد الله، وتعكس هذا المجد، فيتمجد الله فيها وبواسطتها.
ونحن كثيرًا ما نلّقب السيد المسيح بعبارة "رب المجد" التي قالها عنه معلمنا بولس الرسول في (1كو2: 8).
لشدة محبة الآب للابن، فإنه يلقب ملكوته بملكوت الابن "ملكوت ابن محبته" (كو1: 13).
وكما أن الآب له لقب "ملك الملوك ورب الأرباب.. الذي لم يره أحد من الناس ولا يقدر أن يراه" (1تى6: 15، 16). هكذا أيضًا فإن الابن له نفس اللقب وقد رآه يوحنا الإنجيلي في رؤياه "متسربلٌ بثوبٍ مغموسٍ بدمٍ، ويدعى اسمه كلمة الله.. وله على ثوبه وعلى فخذه اسم مكتوب ملك الملوك ورب الأرباب" (رؤ19: 13، 16).
ولذلك ففي يوم الدينونة قيل عن الابن إنه سوف "يجلس على كرسي مجده" (مت25: 31). وأن لقبه هو "الملك" (مت25: 34).
إن ملكوت الآب هو نفسه ملكوت الابن.. وكل هذا يتحقق فينا بعمل الروح القدس الذي يجعل ملكوت الله داخلنا (انظر لو17: 21) بسكناه فينا، ويقودنا في طريق الملكوت حتى نصير ملكًا لله، ويملك على حياتنا إلى الأبد بنعمته.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/anba-bishoy/christ/mine.html
تقصير الرابط:
tak.la/92g6dq6