كيف مجّد الابن المتجسد أباه السماوي في تجسده وظهوره في العالم؟
عن هذا الأمر كتب القديس يوحنا في إنجيله عن الكلمة الذي صار جسدًا وحل بيننا "رأينا مجده مجدًا كما لوحيد من الآب مملوءًا نعمةً وحقًا.. ومن ملئه نحن جميعًا أخذنا ونعمة فوق نعمة. لأن الناموس بموسى أُعطى، أما النعمة والحق فبيسوع المسيح صارا" (يو1: 14، 16، 17).
إنها كلمات عجيبة قالها تلميذ الرب يوحنا الرسول: "رأينا مجده كما لوحيد من الآب" أي أن المجد الذي رآه التلاميذ هو ما يليق بابن الله الوحيد.
تُرى ما هو هذا المجد الذي عناه يوحنا، التلميذ الذي كان يسوع يحبه؟
هل يقصد رؤيته للسيد متجليًا على جبل طابور حينما صعد إلى الجبل ليصلي وأخذ معه بطرس ويعقوب ويوحنا "وتغيرت هيئته قدامهم، وأضاء وجهه كالشمس، وصارت ثيابه بيضاء كالنور" (مت17: 2). ذلك المنظر الذي قال عنه القديس بطرس الرسول: "كنا معاينين عظمته. لأنه أخذ من الله الآب كرامة ومجدًا، إذ أقبل عليه صوت كهذا من المجد الأسنى هذا هو ابني الحبيب الذي أنا سررت به. ونحن سمعنا هذا الصوت مقبلًا من السماء إذ كنا معه في الجبل المقدس" (2بط1: 16-18).
بلا شك أن هذه الرؤيا أو هذا المنظر قد ترك أثرًا عميقًا في أذهان الرسل الثلاث حينما أبصروا شعاعًا من مجد الابن الوحيد.
وقد كتب القديس بولس الرسول أن الله قد كلمنا في ابنه، وقال عن ابن الله أنه هو "بهاء مجده" (عب1: 3). باللغة الإنجليزية Brightness of His Glory (K.J.V.) أي "لمعان مجده"، بمعنى لمعان مجد الله الآب.
ولكن المسألة في الحقيقة لم تكن قاصرة على منظر التجلي البديع وذلك في ذهن القديس يوحنا الإنجيلي حينما كتب "ورأينا مجده مجدًا كما لوحيدٍ من الآب مملوءًا نعمةً وحقًا" (يو1: 14). لأنه من الواضح أنه قد ربط رؤيته لهذا المجد هو وغيره بما رأوه في المسيح من ملء النعمة والحق.
إن الشيطان يستطيع أن يغير شكله إلى شبه ملاك نور، ويمكنه أن يبهر الناس بمناظر وأفعال خارقة. ولهذا فإن السيد المسيح لم يظهر مجده فقط بمنظره النوراني على جبل التجلي.. بل ظهرت ملامح هذا المجد في كل جوانب سيرته وحياته.
وهنا نستطيع أن نميز بين المجد الزائف، والمجد الحقيقي، بين المجد الظاهري والمجد الأصيل.
كتب معلمنا بولس الرسول عن السيد المسيح "فإنه فيه يحل كل ملء اللاهوت جسديًا" (كو2: 9).
لقد اتحد أقنوم الكلمة (اللوغوس) بالطبيعة البشرية الكاملة التي أخذها من العذراء مريم منذ اللحظة الأولى للتجسد. وبهذا صارت الصفات الإلهية جميعها هي من خصائص الابن المتجسد الذي تجسد بطبيعة واحدة تجمع خصائص الطبيعتين، دون أن تتلاشى واحدة منها في الأخرى. ولكن أمكن أن نرى كل صفات اللاهوت في الابن المتجسد الواحد. لهذا قال السيد المسيح لتلاميذه: "الذي رآني فقد رأى الآب" (يو14: 9). وقال معلمنا بولس الرسول: "الله ظهر في الجسد" (1تى3: 16)، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. لأن المسيح هو "صورة الله" (كو1: 15). وهذا يشرح قول القديس يوحنا الإنجيلي: "رأينا مجده مجدًا كما لوحيدٍ من الآب مملوءًا نعمةً وحقًا".
إن السيد المسيح "مملوءًا نعمةً وحقًا"، وفيه "يحل كل ملء اللاهوت جسديًا".
رأى التلاميذ في السيد المسيح صلاح الله، وبره، وقداسته، وخيريته، وطول أناته، ورحمته، ومحبته، وقوته، وسعيه لخلاص الناس، وما فيه من حق وعدل وحزم ورفض للشر..
تلامسوا مع وداعته ورقته وصفحه وغفرانه العجيب إلى المنتهى للخطاة التائبين من كل قلوبهم.
وتلامسوا مع عنايته بالمرضى والمعذبين وسعيه لإراحتهم، وهو يتحنن على الجموع ويشفق ويمنح الراحة للمتعبين، ويشبع الجياع في الأماكن القفرة في البرية.
وتلامسوا مع طول أناته معهم واحتماله لضعفاتهم كمبتدئين حتى يأتي بهم إلى القوة. واحتماله لجهلهم حتى يأتي بهم إلى المعرفة الحقة.
تلامسوا مع محبته إلى المنتهى وهو يبذل نفسه عنهم ويحتمل الآلام الرهيبة ليخلصهم من الهلاك الأبدي، كانت الجلدات على ظهر السيد المسيح هي شفاء لأوجاع خطايانا وتلذذات الخطية التي أفسدت طبيعتنا البشرية.
وتلامسوا مع سمو تعاليمه، واستمعوا إلى كلمات النعمة الخارجة من شفتيه وتؤثر في السامعين بمنتهى القوة والعمق.. وكم كان يتكلم كمن له سلطان وليس كالكتبة.
تلامسوا مع الحق الذي فيه.. وهو الذي قال عن نفسه "أنا هو الطريق والحق والحياة". لم يظهر الحق ويعبّر عنه بصورة واضحة كما كان معلنًا في السيد المسيح. كان الحق الذي فيه أقوى من كل فعل أو كلام باطل للشيطان أو للناس الذين انساقوا وراء إبليس. ولهذا فقد شهد التلاميذ بقوة القيامة "حقًا قام" لأن القيامة كانت هي الحق الذي أشرق ليبدد كل مؤامرة الشيطان، وكل ظلم البشر الأشرار.
وتلامسوا مع الحق الذي فيه كرافض للشر والخطية في حياة ذوي القلوب المتقسية الرافضة للتوبة. الأمر الذي تنبأ عنه يوحنا المعمدان بقوله: "والآن قد وضعت الفأس على أصل الشجر. فكل شجرة لا تصنع ثمرًا جيدًا تقطع وتلقى في النار" (مت3: 10).
تلامسوا مع قداسة الله في شخص السيد المسيح.. الله القدوس الذي بلا خطية وحده.. وكان السيد المسيح هو الذي قال لليهود: "من منكم يبكتني على خطية" (يو8: 46). طهارة كاملة.. نقاوة كاملة.. سمو كامل.. صفاء عجيب.. بساطة متناهية.. قوة في رفض الشر والصمود في وجه الطغيان.. تحرر من الأهواء والنزعات..
إنها أنشودة عجيبة تلك الكلمات الخالدة "أنا مجدتك على الأرض".. لأن مجد الآب قد ظهر في ابنه الوحيد "ورأينا مجده مجدًا كما لوحيدٍ من الآب مملوءًا نعمةً وحقًا"..
وكان السيد المسيح في كل ذلك يسعى دائمًا لتمجيد أبيه السماوي وإظهار اسمه للناس. أي إظهار أنه "هو الآب"بالحقيقة. الآب الذي يتدفق الحب الأزلي بينه وبين الابن الوحيد.. الآب الذي هو أبو كل الأرواح وهو الأصل في كل شيء وله ينبغي التمجيد مع ابنه الوحيد والروح القدس الآن وكل أوان وإلى الأبد آمين.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/anba-bishoy/christ/land.html
تقصير الرابط:
tak.la/2y46x9r