أبرز القديس بولس الرسول الفرق الشاسع بين كهنوت السيد المسيح والكهنوت اللاوي أي كهنوت رؤساء كهنة اليهود من نسل هارون.
فمن جهة أوضح أن ذبائح العهد القديم الحيوانية لا تستطيع أن تخلّص الإنسان من الهلاك الأبدي. أما ذبيحة السيد المسيح الذي بروح أزلي قدّم نفسه لله بلا عيب فهي القادرة أن تكفّر عن خطايا البشر.
ومن جهة أخرى أوضح أن كهنوت السيد المسيح هو بقسم من الآب وإلى الأبد. أما الكهنوت الهاروني فهو بدون قسم وليس إلى الأبد.
كما أوضح أن رؤساء الكهنة من نسل هارون كانوا "كثيرين من أجل منعهم بالموت عن البقاء" (عب7: 23)، أما السيد المسيح باعتباره رئيس الكهنة الأعظم فهو حي إلى الأبد ولا يحتاج إلى بديل ليحل محله.
وأوضح أيضًا أن رؤساء كهنة العهد القديم كانوا يقدّمون ذبائح أولًا عن أنفسهم ثم عن خطايا الشعب، أما السيد المسيح فلم يقدّم ذبيحة أولًا عن نفسه ثم ذبائح عن خطايا الشعب، بل قدّم نفسه مرة واحدة ليغفر خطايا شعبه. لأنه هو نفسه لم يكن محتاجًا إلى ذبيحة عن نفسه. ولذلك كتب القديس بولس الرسول يقول في رسالته إلى العبرانيين عن السيد المسيح: "الذي ليس له اضطرار كل يوم مثل رؤساء الكهنة أن يقدم ذبائح أولًا عن خطايا نفسه ثم عن خطايا الشعب، لأنه فعل هذا مرة واحدة، إذ قدّم نفسه" (عب7: 27). واستطرد قائلًا: "فإن الناموس يقيم أناسًا بهم ضعف رؤساء كهنة. وأما كلمة القسم التي بعد الناموس فتقيم ابنًا مكملًا إلى الأبد" (عب7: 28).
إذن لم يكن السيد المسيح محتاجًا أن يقدم ذبيحة عن نفسه لأنه هو "قدوس القدوسين" (دا 9: 24) الذي بلا خطية وحده. فهو بالطبع لم يرث خطية آدم، ولم يكن لديه أي ميل للخطية، ولم تكن إمكانية الخطية مفتوحة بالنسبة له على الإطلاق. بل بارك طبيعتنا فيه حينما أخذ ناسوتًا بشريًا من العذراء القديسة مريم بفعل الروح القدس وجعله واحدًا مع لاهوته منذ اللحظة الأولى للتجسد الإلهي. وقال لها الملاك: "الروح القدس يحل عليك وقوة العلي تظللك، فلذلك أيضًا القدوس المولود منك يدعى ابن الله" (لو1: 35).
لقد شابهنا السيد المسيح في كل شيء ما خلا الخطية وحدها. وكانت طاعته الكاملة للآب في الجانب الإيجابي أي في أنه حمل خطايا غيره ودفع ثمن عقوبتها وهو بريء "لأنه فيما هو قد تألم مجربًا يقدر أن يعين المجربين" (عب2: 18). لهذا قال معلمنا بولس الرسول: "فإن الناموس يقيم أُناسًا بهم ضعف رؤساء كهنة. وأما كلمة القسم التي بعد الناموس فتُقيم ابنًا مكملًا إلى الأبد" (عب7: 28).
أي أن رؤساء كهنة العهد القديم في الكهنوت الهاروني كان بهم ضعف بسبب وراثتهم الخطية الأصلية من أبوينا الأولين آدم وحواء. ولذلك كان على رئيس الكهنة الهاروني "أن يقدّم ذبائح أولًا عن خطايا نفسه ثم عن خطايا الشعب" (عب7: 27). أما السيد المسيح فلأنه كان خاليًا تمامًا من ضعفات الخطية فلم يقدم ذبائح عن نفسه أولًا ثم عن خطايا الشعب، بل قدّم نفسه ذبيحة واحدة كاملة عن خطايا الشعب تكفي للتكفير عن خطايا العالم كله لكل من يؤمن وينال العماد المقدس، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. لهذا قال عن السيد المسيح: "لأنه فعل هذا مرة واحدة. إذ قدّم نفسه" (عب7: 27).
إن هذه المنظومة الجميلة المتناظرة التي قدّمها بولس الرسول صارت كما يلي:
* المسيح ليس فيه ضعف وقدّم نفسه مرة واحدة، أما رؤساء كهنة اليهود فبهم ضعف فيقدمون ذبائح عديدة.
* المسيح "حي" (عب7: 25) لذلك فهو رئيس الكهنة الأعظم الدائم إلى الأبد، أما رؤساء كهنة اليهود "قد صاروا كهنة كثيرين من أجل منعهم بالموت عن البقاء" (عب7: 23).
* المسيح أخذ كهنوته بقسم على رتبة ملكي صادق، أما رؤساء كهنة اليهود فبدون قسم على رتبة هارون.
* المسيح قدّم ذبيحة كاملة "بروح أزلي قدّم نفسه لله بلا عيب" (عب9: 14)، أما رؤساء كهنة اليهود فكانوا يقدمون قرابين وذبائح حيوانية "لا يمكن من جهة الضمير أن تكمل الذي يخدم" (عب9:9).
* المسيح دخل إلى الأقداس السماوية، أما رؤساء كهنة اليهود فكانوا يخدمون شبه السماويات في الخيمة أو في هيكل سليمان.
لهذا قال: "فلو كان بالكهنوت اللاوي كمال -إذ الشعب أخذ الناموس عليه- ماذا كانت الحاجة بعد إلى أن يقوم كاهن آخر على رتبة ملكي صادق، ولا يقال على رتبة هارون" (عب7: 11). هذا هو كهنوت السيد المسيح، كهنوت العهد الجديد الذي يخدم ذبيحة الإفخارستيا بالخبز والخمر على طقس ملكي صادق؛ الذي قدّم خبزًا وخمرًا في زمانه كما قدّم السيد المسيح جسده ودمه لتلاميذه في ليلة آلامه وقال لهم: "هذا هو جسدي.. هذا هو دمي الذي للعهد الجديد الذي يسفك من أجل كثيرين" (مر14: 22، 24)، "اصنعوا هذا لذكري" (1كو11: 24، لو22: 19). وبهذا الكهنوت في سر القربان المقدس يكون السيد المسيح هو رئيس الكهنة الأعظم، أما الكهنة في رتبهم المتنوعة فهم خدام سر الافخارستيا. وعمومًا هم وكلاء أسرار الله. فالسيد المسيح هو رأس الكنيسة الجامعة، أما الآباء البطاركة فهم رؤساء الكنائس المحلية حسب كراسيهم الرسولية.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/anba-bishoy/christ/does.html
تقصير الرابط:
tak.la/d23xkp8