قال السيد المسيح: "أنا قد جئت نورًا إلى العالم حتى كل من يؤمن بي لا يمكث في الظلمة" (يو12: 46) وقال أيضًا: "أنا هو نور العالم. من يتبعني فلا يمشي في الظلمة بل يكون له نور الحياة" (يو8: 12). استطاع السيد المسيح أن يغيِّر حياة الكثيرين ويجعلهم يتركون حياة الشر والخطية ويحوّلهم إلى قديسين. وهكذا تغيّرت صورة البشرية من صورة مهلهلة وممزقة وضائعة يسيطر عليها الموت، إلى صورة تنهض لكي تسترد كرامتها مرة أخرى. فيقول الكتاب "أما كل الذين قبلوه فأعطاهم سلطانًا أن يصيروا أولاد الله" (يو1: 12). مثلما قال إشعياء لأورشليم: "قومي استنيري لأنه قد جاء نورك ومجد الرب أشرق عليكِ" (إش60: 1). وقال ملاخي النبي: "ولكم أيها المتقون اسمي تشرق شمس البر والشفاء في أجنحتها" (مل4: 2). ما هي الشمس التي لها أجنحة شافية؟!
ربنا يسوع المسيح الذي كان معلقًا على الصليب وذراعاه ممدودتان كان هو شمس البر المجنحة لليمين ولليسار وهو ينادي قائلًا: "تعالوا إليَّ يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم" (مت11: 28). فقد كان -على الصليب- يمثل أحضان الله المفتوحة، كما يمثل النور الذي أشرق على عالم مظلم سيطرت عليه الخطية فجاء هو نورًا للعالم وأضاء للخطاة لكي يتوبوا ويبدأوا حياة جديدة مع الله.
كثير من الخطاة الذين كانت عليهم أرواح شريرة تحرروا من سلطان الشيطان على يدي السيد المسيح. فقد أخرج من مريم المجدلية مثلًا سبعة شياطين.. والمجنون الأعمى والأخرس أخرج منه ستة آلاف شيطان. لأن الشيطان قال: "اسمي لجئون لأننا كثيرون" (مر5: 9). ولجئون معناها كتيبة قوامها ستة آلاف جندي. ولذلك لما خرج هذا اللجئون من الإنسان ودخل في قطيع الخنازير الضخم، اندفع القطيع من الجرف إلى البحر. وكان نحو ألفين. فاختنق ومات (انظر مر5: 12، 13).
كان هذا لكي نعرف كيف كان للشيطان سلطان على الإنسان المسكين، ذلك الذي جاء السيد المسيح ليحرره. "وكانت شياطين أيضًا تخرج من كثيرين وهي تصرخ وتقول: أنت المسيح ابن الله" (لو4: 41) وكانت تصرخ أيضًا قائلة: "مالنا ولك يا يسوع ابن الله. أجئت إلى هنا قبل الوقت لتعذبنا" (مت8: 29). فكانت جحافل الظلمة تهرب من أمام وجهه. ولهذا قال لهم: "إن كنت لست أعمل أعمال أبي فلا تؤمنوا بي" (يو10: 37).
هو نور، وقد أشرق فعلًا فلا يستطيع أي شيطان أن يقف في طريقه.. وكان هذا النور يزحف وفي زحفه تهرب الظلمة وتنهزم أمامه. ففي كل مكان كان يذهب إليه السيد المسيح كانت مملكة الشيطان تهتز. ولذلك قال اليهود: "ما هو هذا التعليم الجديد لأنه بسلطان يأمر حتى الأرواح النجسة فتطيعه" (مر1: 27).
بهتت الجموع من إخراج الشياطين لأنه لم يقدر أي نبي قبل السيد المسيح أن يخرج شيطانًا من إنسان. لهذا قال السيد المسيح لليهود: "إن كنت أنا بروح الله أخرج الشياطين فقد أقبل عليكم ملكوت الله" (مت12: 28).
وقد تاب كثير من الخطاة على يدي السيد المسيح مثل: المرأة الخاطئة التي غسلت رجليه بدموعها ومسحتهما بشعر رأسها (انظر لو7: 36-50)، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. وزكا العشار الظالم المحب للمال (انظر لو19: 1-10). ولاوي الذي كان جالسًا عند مكان الجباية "فقال له اتبعني" (مر2: 14) فقام وتبعه تاركًا كل شيء. والمرأة الزانية التي "أُمسكت وهي تزني في ذات الفعل.. فقال لها يسوع ولا أنا أدينك اذهبي ولا تخطئي أيضًا" (يو8: 4، 11).
إن ما حدث كان عبارة عن حالة زحف عجيب جدًا..!! حياة تسري على وجه الكرة الأرضية مثل نور الصباح إذا أشرقت الشمس، أو مثل النار إذا اشتعلت في حقل تبن فلا يستطيع أحد أن يطفئها. ولذلك شعر الشيطان إن مملكته أصبحت في خطر.. فلم يكن أمامه إلا حل واحد فقط وهو أن يتآمر على قتل السيد المسيح.
لم يستطع الشيطان أن يقف صامتًا وهو يرى حصونه المنيعة تدك الواحدة تلو الأخرى. فقد كانت حصونه تنهار وتتساقط، وصورته هو وجنوده الشياطين تهتز في نظر الجميع، لأنه عجز عن الدفاع عن مملكته. فلم يجد أمامه وقتئذ، إلا حلًا واحدًا وهو أن يتآمر على قتل السيد المسيح.. وبالرغم من خوفه هو شخصيًا من قتل السيد المسيح لأن النبوات قد أشارت إلى أنه بقتل السيد المسيح يتم الخلاص والفداء إلا أنه لم يجد أمامه حلًا آخر.
كان الشيطان كمن هو قائم بين نارين: نار النبوات التي تقول "الرب وضع عليه إثم جميعنا" (إش53: 6) و"جعل نفسه ذبيحة إثم" (إش53: 10) و"مجروح لأجل معاصينا" (إش53: 5)، ونار الهزيمة التي كان ينهزم بها أمام السيد المسيح.
أما السيد المسيح فقد كان يخفي ألوهيته في بعض المواقف، ويظهر شيئًا من الضعف البشري لكي يجعل الشيطان يفقد حذره. فكان يتعب من المشي مثلًا، أو يجوع ويعطش. فحينما كان الشيطان يرى منه ذلك كان يطمئن ويظن أن في إمكانه التخلّص من السيد المسيح. وإذ رآه يبكي عند قبر لعازر تشجّع أن يكمل المؤامرة التي بدأها.
لماذا يحب الشرير أن يغامر في مؤامراته؟.. يغامر الشرير لأن قوة الحقد التي في داخله أقوى من قوة الحذر المحيطة به. فهو يشعر أنه يخاطر، لكنه لا يستطيع ألا يدخل في المخاطرة. لأن الغيظ والحقد والكراهية تعمي بصره عن أن يحذر فيما هو مزمع أن يفعله..!!
وهذا ما حدث فعلًا: فقد هيّج الشيطان اليهود وكثير من الأشرار. ووضع في قلب يهوذا الإسخريوطي أن يسلِّم سيده وتمم المؤامرة وتم الصلب، حيث تم الفداء. فعلى الصليب سحق السيد المسيح كل مملكة الشيطان، وهزمه في عقر داره. وهناك في الجحيم حطّم المتاريس وأطلق المسبيين وأصعدهم إلى السماء الثالثة أو الفردوس. ثم عاد من الفردوس ليقوم من الأموات في اليوم الثالث وظهر لتلاميذه مؤكدًا أن قوة الحياة التي فيه هي أقوى من الموت الذي لنا. وقال لتلاميذه إنه سوف يمضي لكي يعد لهم ملكوتًا أبديًا سوف يستعلن في مجيئه الثاني، حينما يأتي ليدين العالم كله.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/anba-bishoy/christ/sun.html
تقصير الرابط:
tak.la/szhv657