سؤال 17: إذا أراد الله أن يُنقذنا، هل ما كان يستطيع ذلك بدون التضحية بيسوع؟
الإجابة: إن مرسل السؤال وغيره يقولون أن الله قادر على كل شيء وأن الله غفور رحيم فما الذي يمنعه أن يغفر حينما يطلب الإنسان الغفران وهو على كل شيء قدير؟ وبهذا يستغربون من فكرة التجسد الإلهي، ومن فكرة الفداء، والبعض منهم يقولون إن الله مُنزه عن التجسد ومنزه عن الظهور، ولا يليق به أن يحتمل الآلام أو الإهانات، فهو المتعالي والمُبجل والذي له كل التعظيم.
ونُجيب على هذا الأمر فنقول: أن الله غير منزه عن الظهور بدليل أنه ظهر لموسى النبي في جبل سيناء؛ وهذا الأمر لا يمكن أن يُنكره مرسل السؤال. هناك نصوص واضحة في التوراة وفي العهد الجديد تؤكد هذه الواقعة أن الله ظهر لموسى في العليقة المشتعلة بالنار وقال له: أنا هو الله، أنا إله إبراهيم (انظر تك26: 24). إذًا الله غير منزه عن الظهور فلماذا يقول أنه منزه عن التجسد؟ وإذا كان الله على كل شيء قدير، فلماذا يُقال أنه لا يقدر أن يتجسد؟
إن الله لا يقدر أن يُخطئ لأن الخطيئة ضد طبيعته، كما أنها ليست من أعمال المجد بل من أعمال الضعف والهوان. فالله منزه عن الخطأ ولكنه ليس منزهًا عن التجسد، كما أنه ليس منزهًا عن الظهور. أليس التجسد هو نوعٌ من الظهور الذي يتلامس مع واقع الإنسان بصورة أقوى من الظهور الوقتي؟ ومع ذلك فلنبحث في صميم السؤال وهو لماذا لا يغفر الله بدون فدية وكفارة؟
أولًا: لو غفر الله بدون كفارة يكون الشر والخير متساوين عنده. ولماذا لا يغفر القاضي للقاتل في المحكمة إذا طلب الغفران؟ هل القاضي البشرى أكثر حرصًا على العدالة وعلى القيم وحفظها وحراستها من الله نفسه؟! حاشا.
ثانيًا: هل يصلح أن يستمر الله في الغفران للخطاة حتى يدخلوا الحياة الأبدية، وتستمر الخطية هناك؟ أم أن الإنسان يحتاج ليس إلى الغفران فقط بل إلى الشفاء أيضًا. ومن منا يذهب إلى الطبيب ويقول له سامحني يا دكتور؟ أليس من الأحرى أن يقول له: اشفني يا دكتور؟ ما قيمة الغفران بغير الشفاء؟ هل هي تخليص حساب لكي يبدأ فتح حساب جديد من المديونية؟!
ثالثًا: كيف يُدرك الإنسان قيمة الغفران وبشاعة الخطية إن لم تكن هناك كفارة واضحة، بحيث يكون الغفران غفرانًا ثمينًا، غفرانًا مدفوع الثمن. كما يقول معلمنا بولس الرسول: "لأَنَّكُمْ قَدِ اشْتُرِيتُمْ بِثَمَنٍ. فَمَجِّدُوا اللهَ فِي أَجْسَادِكُمْ وَفِي أَرْوَاحِكُمُ الَّتِي هِيَ لِلَّهِ" (1كو6: 20).
إن المسيحية تُقدم الشفاء للإنسان من الخطية بالإيمان والمعمودية، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. وتُقدم له معونة إلهية بسُكنى الروح القدس في داخله، حتى أنه يسعى في طريق التوبة باستمرار، ويصل إلى حياة القداسة والثبات في المسيح، وتُغذيه من شجرة الحياة في سر التناول المقدس حتى يثبت في المسيح ويصل إلى القداسة التي بدونها لن يرى أحد الرب. هذا هو معنى الشفاء المُصاحب للغفران، فليست التوبة فقط هي مجرد الاعتراف، والندم على الخطية، ولكن التوبة الحقيقية هي الشفاء من الخطية، والامتناع عنها، وكراهيتها، ومحبة البر. هل يمكن لمن يُحب الخطية أن يُعاين الله؟ هذا هو السؤال... وأي إهانة هذه التي نلحقها بالله حينما نقول أنه يغفر بدون كفارة. هل يوجد أب له شرف وله كرامة يقبل أن يغفر لابنته انحرافها وسوء سلوكها في كل يوم دون أن يغسل شرفه؟ وإن كان الحل هو أن يقتلها ليغسل شرفه فهل يصلح أن يكون أبًا دون أن يفعل شيء من أجل شفائها؟ لا الغفران وحده يؤهله لمكانته ولا الانتقام وحده يؤهله لهذه المكانة. ولكنه إذا مات فداءًا عنها يكون قد استوفى شروط الأبوة والشرف والكرامة في آنٍ واحد.
مثال توضيحي: لنفترض أن هناك بنت تخطئ مع شباب، فنصحها والدها لكن النصح لم يأت معها بنتيجة. فإن ذبحها تموت بخطيتها، وإن اكتفى بالنصح وتركها تمارس الخطية أمام الكل، سيقول عنه الناس أنه عديم الشرف والكرامة، وإذا طردها سوف تزيد في خطاياها، فبدلًا من أن تخطئ في بيت واحد سوف تخطئ في كل البيوت. وهي ابنته ومنسوبه له فماذا يعمل؟ هذا الأب لم يفكر أن يذبحها ولا أن يسكت. ولم يفكر أن يعاتبها فتقول سامحني فيسامحها، لأنه لا يحتمل مضايقتها لأنها مدللة عنده. في كل هذه الحالات هو لا يصلح كأب. كما أنه إن ذبحها سوف يكون موقفًا قاسيًا، وهو بهذه الطريقة لم يعطها فرصة للتوبة أو الإصلاح. فما كان من هذا الأب إلا أنه دخل وراءها إلى الشباب الذين تذهب إليهم. وطبعًا لأنهم متوحشين فبمجرد دخوله ذبحوه أمامها. فتكون النتيجة إنها تكرههم ولا تستطيع رؤيتهم رغم أنها كانت من قبل تحبهم. وبعد أن كانت تذهب إليهم بنفسها فلن تقدر مجرد أن تمر من الشارع الذين يقطنون فيه. هو في هذه الحالة يكون قد غسل شرفه بدمه وليس بدمها هي. وهي تابت وهو فداها. لكن هذه القصة بها مشكلة صغيرة وهي أنها سوف تظل طوال حياتها تلوم نفسها أنها لم تسمع كلام والدها، وتشعر أنها أجرمت في حقه ولم تقدّر حبه، وتعيش في تعب طوال حياتها. لكن في أحد الأيام وجدت الباب يطرق وعندما فتحت وجدت والدها أمامها. فقال لها لقد عدت إلى الحياة لكي أعطيكِ فرصة حتى تقولي لي "سامحني يا أبى، أنا أخطأت في حقك". أتيت لكي أقبلك قبلة المصالحة.
يقول معلمنا بولس الرسول عن السيد المسيح أنه " الَّذِي أُسْلِمَ مِنْ أَجْلِ خَطَايَانَا وَأُقِيمَ لأَجْلِ تَبْرِيرِنَا" (رو4: 25). أي أنه بسبب خطايانا هو دفع الثمن على الصليب، و"أُقِيمَ" حتى لا تظل أيدينا بها دماء كمجرمين في حق أبونا الذي أحبنا ومات لأجلنا. فلكي نستطيع أن نقّبله قبلة المصالحة ونطلب منه أن يسامحنا ونشعر أن الآب سامحنا. لأنه لولا سامحنا لولا أقامه من الموت. لأن أكثر شيء يتمناه القاتل النادم على خطيته هي أن يقوم المقتول.
يا من تساءلت ما الذي أدخلك في هذه المواضيع، ومع ذلك طالما واحد يسأل يجب علينا أن نجاوبه كقول الكتاب: "مُسْتَعِدِّينَ دَائِمًا لِمُجَاوَبَةِ كُلِّ مَنْ يَسْأَلُكُمْ عَنْ سَبَبِ الرَّجَاءِ الَّذِي فِيكُمْ بِوَدَاعَةٍ وَخَوْفٍ" (1بط3: 15).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/anba-bishoy/anti-christian-questions/why.html
تقصير الرابط:
tak.la/z5xg68v