St-Takla.org  >   books  >   anba-bishoy  >   anti-christian-questions
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب الرد على بعض الأسئلة التشكيكيَّة الموجهة ضد العقيدة المسيحية - الأنبا بيشوي

18- الله عادل، وتتطلب العدالة بأن لا أحد يجب أن يُعاقب بذنوب الآخرين، ولا أن يخلَص بعض الناس بمعاقبة أُناس آخرين. ألا يتناقض الإدعاء بأن الله ضحى بيسوع من أجل أن يُخلصنا لأنه عادل، ألا يتناقض هذا مع تعريف العدل؟

 

السؤال 18: الله عادل، وتتطلب العدالة بأن لا أحد يجب أن يُعاقب بذنوب الآخرين، ولا أن يخلَص بعض الناس بمعاقبة أُناس آخرين. ألا يتناقض الإدعاء بأن الله ضحى بيسوع من أجل أن يُخلصنا لأنه عادل، ألا يتناقض هذا مع تعريف العدل؟

 

شرح السؤال أولًا: إن السيد المسيح قد صُلِب لكي يوفى العدل الإلهي حقه، لأن البشرية أخطأت والإنسان أخطأ، فكان لابد من أن العدل الإلهي يقتضى تنفيذ حكم الموت في الإنسان، والموت يكون هلاك أبدى. فجاء المسيح وحمل خطايا البشرية وفداها ودفع الثمن على الصليب.

فالسائل يقول: إذا كان المسيح قد صُلب ليوفى العدل الإلهي حقه، (وهذه العبارة نقولها كلنا كمسيحيين فأين العدل في أن شخص برئ لم يُخطئ يموت عوضًا عن الخطاة؟ بمعنى هل من العدل أن شخص يُحكم عليه بالإعدام في المحكمة وهو برئ، بينما المُذنب الحقيقي القاتل يأخذ حُكم بالبراءة أو الإفراج؟

القضية التي يطرحها السائل هنا هي أنه يقول: إن كان شخص يُحاكم ويُتهم بجريمة قتل مثلًا ثم يأتي القاضي فيحكم على شخص آخر بريء ويتم إعدامه بدلًا من المجرم الحقيقي، فهل هذا يُعتبر تناقض مع تعريف العدل؟ كيف يكون هذا عدل أن البريء هو الذي يُقتل والمُذنب هو الذي يأخذ حكم بالبراءة؟

إننا نقدّم الرد هنا للشباب المسيحي غير المتُعمق الذي يسهل تشكيكه، أو الذي تكون حياته الروحية مهزوزة، أو الذي يبحث عن فلسفات عقلية، وقد يقف أمام مثل هذه القضية ويشعر أنها مسألة تستحق الاهتمام، أو يشعر أن العقيدة المسيحية غير مضبوطة، أو غير مبنية على أساس منطقي سليم فيتشكك وهنا تبدأ المشكلة. خاصةً إذا كانت هناك أشياء أخرى تدفعه للتحرر من الوصايا المسيحية. مثل أشياء تخص رغباته في الحياة، أو ميوله، أو عاطفته أو مصالحه المالية أو أي سبب آخر. أو يكون أساسًا شاعر بصعوبة في فهم العقيدة المسيحية، فعندما تأتيه شكوك مع شعوره بصعوبة فهم العقيدة المسيحية يُصبح مؤهلًا لتركها واعتناق أي عقيدة أخرى أيًا كانت.

 

للرد على هذا الإدعاء المطروح نقول: لكي يتوفر شرط العدل في أن يفدى البار الخاطئ المُذنب ويموت عوضًا عنه يجب أن يتوفر أربعة شروط أساسية:

1- أن يكون البريء قد ارتضى أن يفدى المخطئ ولم يجبر على ذلك.

2- لابد أن البريء الذي سوف يموت عوضًا عن المذنب أن يعود للحياة مرة أخرى وبحالة أفضل.

3- يجب أن يكرم البريء عوضًا عن الإهانات التي لحقت به عندما قبل الاتهام في صمت ولم يدافع عن نفسه.

St-Takla.org Image: The Sacrifice Lamb on the alter (in the Old Testament) is a symbol for the sacrifice of Jesus Christ on the Cross صورة في موقع الأنبا تكلا: خروف الذبيحة في العهد القديم يرمز إلى ذبيحة السيد المسيح على الصليب

St-Takla.org Image: The Sacrifice Lamb on the alter (in the Old Testament) is a symbol for the sacrifice of Jesus Christ on the Cross

صورة في موقع الأنبا تكلا: خروف الذبيحة في العهد القديم يرمز إلى ذبيحة السيد المسيح على الصليب

4- أن المجرم الذي يحمل عنه البريء عقابه لابد أن يتوب ويحيا حياة البر لكي يستفيد من عملية الفداء لكي يدخل الملكوت الأبدي وإلا كان خروجه إلى المجتمع (في المثل الخاص بالمحكمة الجنائية) ضررًا باستمراره في الإجرام.

 

الشرط الأول لإيفاء العدل: أن يكون البار البريء قد ارتضى هذا الأمر، ولم يُجبر عليه، ويرى فيما يفعله عملًا خيّرًا يؤدى إلى نتائج خيّرة، ليس فيها إضرار بل إنقاذ وحياة لمن تاب توبة حقيقية لا رجعة فيها. فإذا كان هذا البار سوف يموت بدلًا من أي مجرم لكي يواصل هذا المجرم إجرامه تسقط القضية.

إن الذين يقبلون الخلاص والحياة الأبدية بموت المسيح هم الذين يؤمنون ويتوبون توبة حقيقية قبل ما يُفتح باب الملكوت. فقبل ما يصلوا إلى الملكوت لابد أن يكونوا قد وصلوا إلى حالة التوبة النهائية التي لا رجعة فيها. لكن إنسان يدخل الملكوت وهو مازال متذبذب ما بين التوبة والجريمة، وبعد أن يدخل الملكوت يمكنه أن يخطئ ثانية، هنا تكون قضية مرفوضة. إذا كان المجرم الذي سيُحكم عليه بالإعدام فعلًا بالتأكيد لن يعود إلى الجريمة مرة أخرى يكون هذا هو الشرط الأول.

فلنتكلم من منظور محكمة عادية وليس عن الهلاك الأبدي، محكمة في بورسعيد مثلًا أو دمياط؛ قاضى ستوضع أمامه قضية مثل هذه: بريء يموت نيابة عن مخطئ. فالشرط الأول هو أن يكون البريء راضى ومتبرع.

 

الشرطان الثاني والثالث لإيفاء العدل: أن يكون البريء الذي سوف يُحكم عليه بالإعدام سيعود إلى الحياة مرة أخرى، وبحالة أفضل كثيرًا من الحالة التي دخل بها إلى الموت، بحيث يُكافأ على التضحية التي قام بها. وأن تُرد إليه كرامته واعتباره وتظهر براءته أمام الجميع، بشهود موثوق فيهم وبأدلة ساطعة. وألا يفسد جسده بعد تنفيذ الحكم بالإعدام. بحيث يفترض أن تكون المدة التي يقضيها في حالة الموت مدة قصيرة جدًا، ولكنها تكفى لإثبات أن الإعدام قد تم فعلًا وليس تمثيلًا (تمثيلية).

بمعنى أنه يشترط عندما أكون قاضيًا وأمامي قضية بار يريد أن يفدى مذنب، أن يكون هذا الفادي سوف يعود إلى الحياة ثانيةً بسرعة وفي حالة أفضل من الحالة التي أُعدم فيها. كما تشترط أن يُرد له اعتباره وكرامته وتظهر براءته، ويُكافأ أيضًا عن التضحية التي قام بها.

مثال توضيحي: إن كانت هناك الأم تدخل إلى حجرة العمليات لتتبرع بإحدى كليتيها لأبنتها، فيعطوها مُخدر (بنج)، ويفتحوا بطنها، وبذلك تكون قد واجهت ما يُشبه الموت، لأنها غير ضامنة أنها سوف تخرج مرة أخرى إلى الحياة، ثم يأخذوا الكلى ويعطوها لابنتها لكي تحيا. وبعدما تخرج هذه الأم وتفيق من البنج يهنئونها، وتكتب عنها الصحف، وتكرم فتُختار كأم مثالية مثلًا، لأنها ضحت من أجل ابنتها. إذن هذه الأم تأخذ كرامة ومجد بعد أن تقوم بمثل هذه التضحية. أما تطبيقًا للحالة التي نحن بصدها فإن الأم لابد أن تنال كرامة تزيد على ذلك في أنها مثلًا تخرج من حجرة العمليات بثلاثة كُلى وليس اثنتان. فالفادي لابد أن يخرج بحالة أفضل من التي كان عليها قبل الموت و"لاَ رَأَى جَسَدُهُ فَسَادًا" (أع2: 31)، وكأنه شخص غاب عن الوعي لفترة ثم خرج معافى. ثم يُعوض عن كل ما جرى له: إذا كانت إهانات فيكون المُقابل أمجاد بما لا يُقاس، وإذا كانت تُهم ونُشِرت تُهمته في ثلاث جرائد مثلًا يُعوّض بأن تُنشر براءته في سبعين جريدة.

وفي حالة عمل الفداء الذي قام به السيد المسيح فقد انطبقت هذه الشروط. فالسيد المسيح "وَضَعَ نَفْسَهُ وَأَطَاعَ حَتَّى الْمَوْتَ مَوْتَ الصَّلِيبِ" (فى2: 8)، "لِذَلِكَ رَفَّعَهُ اللهُ أَيْضًا، وَأَعْطَاهُ اسْمًا فَوْقَ كُلِّ اسْمٍ. لِكَيْ تَجْثُوَ بِاسْمِ يَسُوعَ كُلُّ رُكْبَةٍ مِمَّنْ فِي السَّمَاءِ وَمَنْ عَلَى الأَرْضِ وَمَنْ تَحْتَ الأَرْضِ، وَيَعْتَرِفَ كُلُّ لِسَانٍ أَنَّ يَسُوعَ الْمَسِيحَ هُوَ رَبٌّ لِمَجْدِ اللهِ الآبِ" (فى2: 9-11). وستظل الملائكة من الآن وإلى أبد الدهور تقول: "مُسْتَحِقٌّ هُوَ الْحَمَلُ الْمَذْبُوحُ أَنْ يَأْخُذَ الْقُدْرَةَ وَالْغِنَى وَالْحِكْمَةَ وَالْقُوَّةَ وَالْكَرَامَةَ وَالْمَجْدَ وَالْبَرَكَةَ" (رؤ5: 12). ويقولون له أيضًا "لأَنَّكَ ذُبِحْتَ وَاشْتَرَيْتَنَا لِلَّهِ بِدَمِكَ مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ وَلِسَانٍ وَشَعْبٍ وَأُمَّةٍ" (رؤ5: 9).

التسبيح والتمجيد الذي أخذه السيد المسيح ويستمر يأخذه إلى أبد الدهور بسبب واقعة الصلب لا يمكن للعقل أن يصفه ولا يستوعب مداه. فكمية الاستهزاء التي نالها في المحاكمة والجلد تعتبر لا شيء أمام المجد الذي أخذه إنسانيًا. إن مجده الإلهي هو قبل كل الدهور، لكن الذي يُمجَّد الآن هو المسيح بجسده الذي صُلِب به وآثار المسامير والحربة ظاهرين فيه. هو يُسبَح إلى دهر الدهور لأن هذه الجراحات ستكون موضوع تسبيح الملائكة والقديسين إلى ما لانهاية. كما يقول بولس الرسول: "أَنَّ آلاَمَ الزَّمَانِ الْحَاضِرِ لاَ تُقَاسُ بِالْمَجْدِ الْعَتِيدِ أَنْ يُسْتَعْلَنَ فِينَا" (رو8: 18).

هناك في أمريكا الآن أُناس يدفعون مائة مليون دولار لكي يضعوا لهم أجسادهم خمسون سنة في ثلاجة حفظ الأعضاء، على أمل أن يتقدم الطب وفي يوم من الأيام ويستطيع الأطباء إعادته مرة أخرى إلى الحياة. فإذا جئنا لأحد الأشخاص الذين يدفعون مثل هذه المبالغ لهذا الغرض وعرضنا عليه هذا العرض: أن يموت عصر يوم الجمعة ليقوم فجر الأحد، على أن يأخذ بعد ذلك جسد لا يموت على الإطلاق إلى أبد الدهور، ولا يتأثر بالموت، ولا يتألم فيما بعد، وإن لم يصدق نُقدم له شخص المسيح ونقول له أنه سيقوم هو أولًا بهذه التجربة، وسوف ترى بنفسك ثم يرى فعلًا بعينيه. هنا يقول أنا أُعطيك كل أموالى وتعطيني الجسد الذي لا يموت.

 

الشرط الرابع لإيفاء العدل: هو أن المجرم يكون تائب ولن يرجع للإجرام مرة أخرى، أما إذا عاد إلى الإجرام فإن البريء الذي فداه يكون بذلك قد وضع في وضع المخل بالعدالة، إذ أنه أنقذ إنسان من حُكم الإعدام لكي يخرج ليقتل أُناس آخرين.

وفي حالة الفداء الذي قدمه السيد المسيح نحن نعلم أنه لن يدخل الأبدية سوى القديسين "الْقَدَاسَةَ الَّتِي بِدُونِهَا لَنْ يَرَى أَحَدٌ الرَّبَّ" (عب12: 14). فيشترط أن يخلُص الخاطئ، لأن المسيح فداه لكي ينال الحياة الأبدية. وطبعًا لن يُخطئ أحد ثانيةً في الأبدية. إذن من الذين يدخلون الأبدية؟ يدخلها العذارى الحكيمات الذين يقول عنهم الكتاب "الْمُسْتَعِدَّاتُ دَخَلْنَ مَعَهُ إِلَى الْعُرْسِ" (مت 25: 10). إننا لا نتكلم عن وضع يخلُص فيه الإنسان ثم في الأبدية يعيث فسادًا مرة أخرى.

 

St-Takla.org Image: Macedonius I of Constantinople the heretic, was a Greek bishop of Constantinople (4th century) - from "History of the Church and Heretics" book, Volume I, by Gottfried Arnold, Romeyn de Hooghe, Sebastiaan Petzold, 1701. صورة في موقع الأنبا تكلا: مقدونيوس الأول أسقف القسطنطينية المهرطق (القرن الرابع الميلادي) - من صور كتاب "تاريخ الكنيسة والهراطقة"، ج1، تأليف: جوتفرايد أرنولد، رومين دي هوغ، سيباستيان بيتزولد، إصدار 1701 م.

St-Takla.org Image: Macedonius I of Constantinople the heretic, was a Greek bishop of Constantinople (4th century) - from "History of the Church and Heretics" book, Volume I, by Gottfried Arnold, Romeyn de Hooghe, Sebastiaan Petzold, 1701.

صورة في موقع الأنبا تكلا: مقدونيوس الأول أسقف القسطنطينية المهرطق (القرن الرابع الميلادي) - من صور كتاب "تاريخ الكنيسة والهراطقة"، ج1، تأليف: جوتفرايد أرنولد، رومين دي هوغ، سيباستيان بيتزولد، إصدار 1701 م.

إذن يجب أن يكون المتطوع للفداء متقدمًا طواعيةً. وأن لا يضيع عمره هباء، وإلا يكون قد انتهي أمره. لكن الشرط هو أنه قبل ما ينتشر خبر موته يكون قد عاد ثانيةً للحياة، على أن تكون هناك مدة كافية بين الموت والقيامة لإثبات أنها لم تكن تمثيلية. فالشخص مات فعلًا، والإعدام تم فعلًا. وحيث أن جسد الفادي لن يُعاين فساد إذًا لابد أن تكون المدة كافية بعد الموت، والحربة أثرها موجود كدليل أنه قد تصفى دمه. وإن دم السيد المسيح قد أُهرق لآخر قطرة فلا يمكن لأحد أن يحيا بعدما يفقد كل قطرة من دمه. فكمية الدم التي فقدها السيد المسيح لأن صدره كله كان مملوءًا دمًا، وحينما طعن خرج دم وماء لذلك نقول "حبيبي أَبْيَضُ وَأَحْمَرُ" (نش5: 10) لأن الهيموجلوبين عندما ينزل إلى أسفل تصعد البلازما لأعلى القفص الصدري (كما في أكياس الدم في بنك الدم نجد الكيس ثلثه أحمر والثلثين أبيض فلابد من رجه بشدة قبل الاستعمال لكي يمكن استخدامه في نقل الدم).

نعود إلى القضية الأصلية أن الفادي يجب أن يكون راضيًا ومتطوعًا، ثانيًا أن تُرد له كرامته ويعود للحياة بجسد أفضل من الجسد الأول. وهذا ما حدث للسيد المسيح فعلًا، فقد قام بجسد ممجد غير قابل للموت وهو جسد القيامة. هنا نحن نتكلم عن السيد المسيح بحسب إنسانيته أما بحسب لاهوته فهو لا يموت ولا يتألم وليس له جسد. ولذلك نقول {يا من ذاق الموت بالجسد وقت الساعة التاسعة فقد ذاق الموت بالجسد حبًا فينا.

هنا نضيف أننا لا يُمكن أن نغفل في هذه القضية أنها قضية حب غير موصوف هي التي رتبت كل هذا الخلاص، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. وأن الخلاص ليس فقط إيفاء للعدل الإلهي حقه، لكنه إظهار لحب الله.

إن من له الإيمان القلبي يكون مستعدًا لأن تُقطع رقبته ولا يترك إيمانه لكننا نخاطب هنا الشاب المهزوز المستعد أن يتشكك بمثل هذه الأفكار. ولمثل هذه النوعية من الممكن إحضار فلاسفة لتشكيكه، كما حدث مع الشهيد مار جرجس عندما أحضروا له فلاسفة وثنيين يونانيين على درجة عالية من الفلسفة. وفي ذلك قال القديس بولس الرسول: "لِكَيْ لاَ يَكُونَ إِيمَانُكُمْ بِحِكْمَةِ النَّاسِ بَلْ بِقُوَّةِ اللهِ" (1كو2: 5) وقال: "لأَنَّ حِكْمَةَ هَذَا الْعَالَمِ هِيَ جَهَالَةٌ عِنْدَ اللهِ لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: الآخِذُ الْحُكَمَاءَ بِمَكْرِهِمْ" (1كو3: 19) وقال أيضًا: "لأَنَّ جَهَالَةَ اللهِ أَحْكَمُ مِنَ النَّاسِ" (1كو1: 25)، لكن هل عند الله جهالة؟ حاشا! لكن معنى القول أن الذي يُحب الله وليست لديه فلسفات هو أكثر حكمة من أعظم حكماء هذا الدهر. وبدون أن يعرف الدخول في مناقشات ومجادلات فإن إحساسه بمحبة السيد المسيح يجعله يقول أنا غير قادر على مجادلة هؤلاء الفلاسفة وحواراتهم لكن يكفيني الخلاص الذي خلصني به السيد المسيح ويكفيني حبه.

مكتوب في سفر الرؤيا في الختم الثالث عن الفرس الأسود الذي يناظره الحيوان شبه الإنسان: "وَلَمَّا فَتَحَ الْخَتْمَ الثَّالِثَ، سَمِعْتُ الْحَيَوَانَ الثَّالِثَ قَائِلًا: هَلُمَّ وَانْظُرْ! فَنَظَرْتُ وَإِذَا فَرَسٌ أَسْوَدُ، وَالْجَالِسُ عَلَيْهِ مَعَهُ مِيزَانٌ فِي يَدِهِ. وَسَمِعْتُ صَوْتًا فِي وَسَطِ الأَرْبَعَةِ الْحَيَوَانَاتِ قَائِلًا: ثُمْنِيَّةُ قَمْحٍ بِدِينَارٍ، وَثَلاَثُ ثَمَانِيِّ شَعِيرٍ بِدِينَارٍ. وَأَمَّا الزَّيْتُ وَالْخَمْرُ فَلاَ تَضُرَّهُمَا" (رؤ6: 5، 6). كل من القمح والشعير سوف يكون غاليًا جدًا، أما الزيت والخمر فلا تضرهما. والراكب على الفرس الأسود يمسك ميزان بيده لكي يزن كلمة الله. بمعنى أن الأشخاص الذين يقبلون الإيمان بالعقل والفكر فقط سيكون الإيمان غالى جدًا وصعب بالنسبة لهم.

الفرس أسود وهذا يُشير إلى ظُلمة العقل، وشبه إنسان الحيوان الثالث في منظومة الأختام الموجودة في سفر الرؤيا يُشير إلى الهرطقات. أما الزيت والخمر فلا تضرهما، لأن الخمر يرمز إلى محبة الله، والزيت يرمز إلى عمل الروح القدس. لذلك الذين يحيون مملوئين من الروح القدس ويشربون محبة ربنا لا يهمهم أريوس أو نسطور أو أبوليناريوس أو سابيليوس أو مقدونيوس كل هؤلاء أضاعتهم فلسفاتهم. أما المؤمن الممتلئ من النعمة والذي يتمتع بمحبة ربنا فلا تستطيع فلسفات الهراطقة أن تُشككه. الإنسان المُمتلئ من الروح القدس غير محتاج للدراسة لكي يؤمن.

القديسين أثناسيوس وكيرلس عمود الدين وغريغوريوس الناطق بالإلهيات والآباء كلهم لما كتبوا ضد الهراطقة كانوا يُريدون إقناع الشعب بفساد الهرطقة وبصحة العقيدة الأرثوذكسية. لكنهم شخصيًا كانوا متمتعين بحلاوة العشرة مع ربنا في بساطة الإيمان، فنحن نرى القداس الغريغوري وجماله، وأيضًا الباسيلي. هل يمّل أحد من القداس؟ إن أي ترنيمة جديدة تتعلمها وترنمها لفترة ثم تملها، لكننا لم ولن نسمع أبدًا أن أحدًا يشعر بالملل من القداس، لأن القداس ينقلنا إلى شركة روحية مع السيد المسيح فنعيش الصليب والقيامة والصعود والمجيء الثاني أثناء القداس. وهذا هو عمل الروح القدس في الكنيسة.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/anba-bishoy/anti-christian-questions/justice.html

تقصير الرابط:
tak.la/6ajdjfm