السؤال رقم 26: المسيحيون يقولون بأن "الباراكليت" تعنى الروح القدس (يوحنا14: 26). يسوع قال في (يو16: 7- 8) "لَكِنِّي أَقُولُ لَكُمُ الْحَقَّ إِنَّهُ خَيْرٌ لَكُمْ أَنْ أَنْطَلِقَ لأَنَّهُ إِنْ لَمْ أَنْطَلِقْ لاَ يَأْتِيكُمُ الْمُعَزِّي وَلَكِنْ إِنْ ذَهَبْتُ أُرْسِلُهُ إِلَيْكُمْ." هذا يدل على أن المقصود ليس الروح القدس فأنه من المعروف إن الروح القدس كان موجودًا حتى قبل ميلاد يسوع (لو1: 41) "وامتلأت أليصابات من الروح القدس" وكذلك الروح القدس كان موجودًا في حياة يسوع، إذًا فكيف يتماشى هذا مع أنه يجب أن يذهب يسوع لكي يأتي الروح القدس؟
معنى سؤاله إنه يقول إذا كان الروح القدس موجودًا ومذكور في الأسفار الإلهية التي لدينا إنه كان موجودًا وفاعلًا من قبل ميلاد السيد المسيح، فكيف يقول لهم إن لم أصعد إلى السماء فلن يأتيكم الروح القدس؟ في حين إنه كان موجودًا بالفعل ويعمل؟!!
الإجابة:
نحن أنفسنا لا ننكر أن روح الرب حل مثلًا على داود النبي، وهو قال "رُوحَكَ الْقُدُّوسَ لاَ تَنْزِعْهُ مِنِّي" (مز50: 11).
ولكن يلزم أن نفهم نقطتين هنا وهما:
1- إن يوئيل النبي قد تنبأ وقد كرر بطرس الرسول نفس الكلمات في سفر الأعمال في يوم الخمسين: "وَيَكُونُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنِّي أَسْكُبُ رُوحِي عَلَى كُلِّ بَشَرٍ فَيَتَنَبَّأُ بَنُوكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَيَحْلَمُ شُيُوخُكُمْ أَحْلاَمًا وَيَرَى شَبَابُكُمْ رُؤًى" (يؤ2: 28)، "وَيَكُونُ فِي الأَيَّامِ الأَخِيرَةِ أَنِّي أَسْكُبُ مِنْ رُوحِي عَلَى كُلِّ بَشَرٍ فَيَتَنَبَّأُ بَنُوكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَيَرَى شَبَابُكُمْ رُؤىً وَيَحْلُمُ شُيُوخُكُمْ أَحْلاَمًا. وَعَلَى عَبِيدِي أَيْضًا وَإِمَائِي أَسْكُبُ مِنْ رُوحِي فِي تِلْكَ الأَيَّامِ فَيَتَنَبَّأُونَ" (أع2 : 17، 18).
فيلزم أن نفهم إن الروح القدس في العهد القديم كان يفعل في الأنبياء والملوك والكهنة (هارون ونسله) -عندما يُمسح أي منهم- فقط. وكان يعمل بالأكثر في الأنبياء، ولذلك نقول في قانون الإيمان عن الروح القدس أنه [الناطق في الأنبياء] "لأَنَّهُ لَمْ تَأْتِ نُبُوَّةٌ قَطُّ بِمَشِيئَةِ إِنْسَانٍ، بَلْ تَكَلَّمَ أُنَاسُ اللَّهِ الْقِدِّيسُونَ مَسُوقِينَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ" (2بط1: 21). ولكن هذه الحالات كانت حالات خاصة وفريدة، فكان من الممكن أن جيل بأكمله لا يرى نبيًا، كما قيل في سفر صموئيل الأول "وَكَانَتْ كَلِمَةُ الرَّبِّ عَزِيزَةً فِي تِلْكَ الأَيَّامِ. لَمْ تَكُنْ رُؤْيَا كَثِيرًا" (1صم3: 1). إلى أن جاء صموئيل وقال له الرب "صَمُوئِيلُ صَمُوئِيلُ. فَقَالَ صَمُوئِيلُ: تَكَلَّمْ لأَنَّ عَبْدَكَ سَامِعٌ" (1صم3: 10) "وَكَبِرَ صَمُوئِيلُ وَكَانَ الرَّبُّ مَعَهُ وَلَمْ يَدَعْ شَيْئًا مِنْ جَمِيعِ كَلاَمِهِ يَسْقُطُ إِلَى الأَرْضِ" (1صم3: 19). "وَعَادَ الرَّبُّ يَتَرَاءَى فِي شِيلُوهَ، لأَنَّ الرَّبَّ اسْتَعْلَنَ لِصَمُوئِيلَ فِي شِيلُوهَ بِكَلِمَةِ الرَّبِّ" (1صم3: 21). لأنه قال قبلها "وَكَانَتْ كَلِمَةُ الرَّبِّ عَزِيزَةً فِي تِلْكَ الأَيَّامِ. لَمْ تَكُنْ رُؤْيَا كَثِيرًا" أي لا إعلانات ولا أحلام ولا رؤى... حالة قحط، ومجاعة.. إلى أن وُلد صموئيل النبي وكبر وبلغ عمره ثلاث سنوات وقدمته أمه إلى الهيكل فعاد الرب يتراءى في شيلوه.
لابد أن نفهم إن الروح القدس في العهد القديم لم يكن لجميع الشعب المؤمنين بالله، والذين لهم المواعيد والاشتراع.. ولكن كان الله يختار واحدًا من بين هذه الملايين أو مئات الألوف ليمسحه نبيًا؛ فيقول مثلًا كانت كلمة الرب على أرميا، أو كانت كلمة الرب على أشعياء، فينطق لهم بكلام الرب. وحتى عندما أراد موسى النبي أن يعمل شركة بينه وبين الشعب وأخذهم عند الجبل، تزلزل الجبل ودخّن.. "وَقَالُوا لِمُوسَى: تَكَلَّمْ أَنْتَ مَعَنَا فَنَسْمَعَ. وَلاَ يَتَكَلَّمْ مَعَنَا اللهُ لِئَلاَّ نَمُوتَ" (خر20: 19).
ولكن إرسال الروح القدس في العهد الجديد هو إرسال إلى جميع المؤمنين، "أَسْكُبُ مِنْ رُوحِي عَلَى كُلِّ بَشَرٍ".. كل بشر هنا أي المؤمنين بالمسيح، وهذا ما حدث في يوم الخمسين فلم يحل الروح القدس على اليهود بل حلّ على التلاميذ الذين في العلية فقط، فلما سمعوهم يتكلمون بألسنة ويصلون بعظائم الله "كَانَ آخَرُونَ يَسْتَهْزِئُونَ قَائِلِينَ: إِنَّهُمْ قَدِ امْتَلأُوا سُلاَفَةً، فَوَقَفَ بُطْرُسُ مَعَ الأَحَدَ عَشَرَ وَرَفَعَ صَوْتَهُ وَقَالَ لَهُمْ: أَيُّهَا الرِّجَالُ الْيَهُودُ وَالسَّاكِنُونَ فِي أُورُشَلِيمَ أَجْمَعُونَ لِيَكُنْ هَذَا مَعْلُومًا عِنْدَكُمْ وَأَصْغُوا إِلَى كَلاَمِي، لأَنَّ هَؤُلاَءِ لَيْسُوا سُكَارَى كَمَا أَنْتُمْ تَظُنُّونَ لأَنَّهَا السَّاعَةُ الثَّالِثَةُ مِنَ النَّهَارِ. بَلْ هَذَا مَا قِيلَ بِيُوئِيلَ النبي. يَقُولُ اللهُ: وَيَكُونُ فِي الأَيَّامِ الأَخِيرَةِ أَنِّي أَسْكُبُ مِنْ رُوحِي عَلَى كُلِّ بَشَرٍ فَيَتَنَبَّأُ بَنُوكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَيَرَى شَبَابُكُمْ رُؤىً وَيَحْلُمُ شُيُوخُكُمْ أَحْلاَمًا" (أع2: 13- 17) وابتدأ بطرس الرسول يبشرهم، وفي هذا اليوم آمن واعتمد ثلاثة آلاف، وقالوا "مَاذَا نَصْنَعُ أَيُّهَا الرِّجَالُ الإِخْوَةُ؟ فَقَالَ لَهُمْ بُطْرُسُ: تُوبُوا وَلْيَعْتَمِدْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ عَلَى اسْمِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ لِغُفْرَانِ الْخَطَايَا فَتَقْبَلُوا عَطِيَّةَ الرُّوحِ الْقُدُسِ" (أع2: 37، 38). أي اعتمِدوا أولًا على اسم يسوع المسيح ثم يحل الروح القدس عليكم. وعندما كان الآباء الرسل يعمدون الناس كانت أحيانًا تظهر عليهم مواهب الروح القدس التي تناسب العصر الرسولي مثل موهبة الألسنة وغيرها.
هذه هي النقطة الأولى: إن هناك فرق بين عمل الروح القدس في العهد القديم وبين عمله في العهد الجديد، ففي العهد القديم كان مع الأنبياء فقط والكهنة والملوك، أما في العهد الجديد فكما يقولون بالتعبير المشهور "تأميم" أي أصبح للجميع حياة الشركة المسيحية.
وهناك من يُمسح في رتبة الكهنوت؛ في رتبة الأسقفية أو في رتبة القسيسية أو في رتبة الشماسية بالروح القدس، وهؤلاء قد أخذوا قبلًا مسحة سابقة في سر المسحة في الميرون بعد المعمودية؛ لكن هناك مسحة أخرى خاصة بسر الكهنوت، وإذا ارتقى الإنسان من الشماسية إلى القسيسية يأخذ مسحة القسيسية، وإذا ارتقى من القسيسية إلى الأسقفية يأخذ مسحة الأسقفية، أما إذا ارتقى من أسقف عام إلى بطريرك لا يأخذ مسحة الأسقفية مرة أخرى ولكنه يأخذ نِعَم ومواهب وعطايا تخص رئاسة الكنيسة ولا يأخذ رتبة الأسقفية مرتين، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. إذ أن رتبة الأسقفية تشمل الأسقف والمطران والبطريرك كما أن رتبة القسيسية تشمل القس والقمص.
2- النقطة الثانية: هي أن الروح القدس في العهد القديم لم يكن يمنح الولادة الجديدة، ولا الحياة الأبدية، ولا ثمار الروح القدس التسعة، التي ذكرها بولس الرسول في رسالته إلى أهل غلاطية "وَأَمَّا ثَمَرُ الرُّوحِ فَهُوَ: مَحَبَّةٌ فَرَحٌ سَلاَمٌ، طُولُ أَنَاةٍ لُطْفٌ صَلاَحٌ، إِيمَانٌ وَدَاعَةٌ تَعَفُّفٌ" (غل5: 22، 23). هذه الثمار لا علاقة لها بحلول الروح القدس في العهد القديم، ولكن الروح القدس في العهد القديم كان يعطى للأنبياء أن يتنبأوا، أو أن ينقلوا رسالة من الله، أو أن يكتبوا سفرًا في الكتاب المقدس معصومًا من الخطأ. ولكن لم يكن الروح القدس يعطى لنبيًا من أولئك الأنبياء طبيعة جديدة، تلك التي قال عنها السيد المسيح "إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يُولَدُ مِنْ فَوْقُ لاَ يَقْدِرُ أَنْ يَرَى مَلَكُوتَ اللَّهِ، إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يُولَدُ مِنَ الْمَاءِ وَالرُّوحِ لاَ يَقْدِرُ أَنْ يَدْخُلَ مَلَكُوتَ اللَّهِ" (يو3: 3، 5).
عمل الروح القدس في الكنيسة في الأسرار
الروح القدس في العهد الجديد يعمل في الكنيسة في الأسرار.. يعمل في كل أسرار الكنيسة؛ فمثلًا في سر الزيجة، لماذا كان يوجد طلاق في العهد القديم ولا يوجد طلاق في العهد الجديد؟ لأنه لم يكن الروح القدس يحل ويربط الاثنين برباط إلى نهاية العمر. فعندما نقول سر الزواج فذلك لأن الروح القدس يحل في سر الزيجة، وعندما نقول سر الإفخارستيا أو سر القربان المقدس فهذا لأن الروح القدس يحل أثناء القداس الإلهي على القرابين وعلى الحاضرين لكي يُهيئهم للتناول من جسد الرب ودمه، هذه الأمور لم تكن موجودة في العهد القديم.
إن الروح القدس يعطينا الولادة الجديدة لكي نؤهل لدخول ملكوت السموات، هذا لم يكن ممكنًا إلا بعد إتمام الفداء على الصليب، وصعود المسيح إلى السماء لكي تكون الصعيدة قد أُصعدت.. [هذا الذي أصعد ذاته ذبيحة مقبولة على الصليب عن خلاص جنسنا، فاشتمه أبوه الصالح وقت المساء على الجلجثة] (ثيئوطوكية الأحد).. فهو صعيدة، كما كانوا يقطعون الذبائح ويضعونها فوق حطب المذبح ويشعلون الحطب فكانت تتحول الذبيحة إلى دخان ويشتمها الله رائحة رضا وسرور، وكثيرًا ما تكررت هذه العبارة "اشتم الله رائحة رضا وسرور" فماذا تعنى؟ تعنى أن الذبيحة أصبحت صعيدة.
إن ذبيحة الصليب قد أُصعدت حينما صعد المسيح. المسيح هو عطية الآب لنا في التجسد، ولكن من جانب آخر هو القربان الذي قدمته البشرية إلى الآب السماوي. صحيح أنه هو الذي قدّم نفسه كرئيس كهنة، ولكن كنائب عنا، فهو تقدمة للآب. كما جاء في رسالة العبرانيين "فَكَمْ بِالْحَرِيِّ يَكُونُ دَمُ الْمَسِيحِ، الَّذِي بِرُوحٍ أَزَلِيٍّ قَدَّمَ نَفْسَهُ لِلَّهِ بِلاَ عَيْبٍ" (عب9: 14). المسيح قدم نفسه للآب، وكنائب عن البشرية قدم قربان البشرية إلى الآب السماوي. قربان قُرّب إلى الآب فكيف يبقى إذًا على الأرض؟! لابد للقربان أن يصعد إلى ما داخل المقادس السماوية ويتراءى أمام الآب، لأن "لَنَا شَفِيعٌ عِنْدَ الآبِ، يَسُوعُ الْمَسِيحُ الْبَارُّ. وَهُوَ كَفَّارَةٌ لِخَطَايَانَا" (1يو2: 1، 2).
بلا شك أن ذبيحة المسيح قد قُبلت على الصليب، ولكن هناك فرق بين قبولها عند الآب وبين أننا يكون لدينا نحن علامة منظورة على هذا القبول. السيد المسيح قال "خَرَجْتُ مِنْ عِنْدِ الآبِ وَقَدْ أَتَيْتُ إِلَى الْعَالَمِ وَأَيْضًا أَتْرُكُ الْعَالَمَ وَأَذْهَبُ إِلَى الآبِ" (يو16: 28).
لماذا كان السيد المسيح مذبوحًا ولكن واقفًا وهو مذبوح؟ كان ذلك بمثابة إعلان مبكر عن القيامة. ولماذا كان مصلوبًا بين السماء والأرض وباسطًا ذراعيه كالنسر الطائر؟! كان ذلك بمثابة إعلان مبكر عن الصعود. إن الأربعة الأحياء غير المتجسدين واحد شبه إنسان، ونحن نرى المسيح في صورة إنسان، وواحد شبه عجل، والعجل يرمز إلى الذبيحة ونحن نرى المسيح ذبيحة، وواحد شبه أسد، ونحن نرى القيامة فالمسيح فيما هو معلق على الصليب كان واقفًا على مسامير رجليه، والرابع شبه نسر ونرى السيد المسيح شبه النسر في أنه باسطًا ذراعيه كجناحي النسر "وَلَكُمْ أَيُّهَا الْمُتَّقُونَ اسْمِي تُشْرِقُ شَمْسُ الْبِرِّ وَالشِّفَاءُ فِي أَجْنِحَتِهَا" (ملا4: 2). فعندما أنظر إلى العرش أرى الأربعة أحياء غير المتجسدين وأرى رموزهم موجودة في الصليب، بما فيها النسر الذي يشير إلى صعود السيد المسيح إلى السماء، وهذه هي الأربعة أفعال الخلاصية؛ التجسد، الصلب، القيامة، الصعود.
ففكرة الصعود موجودة في منظر الصليب، وفكرة قبول الآب للذبيحة سرًا هي عند الله في أسرار الله، ولكن أين العلامة المنظورة على المصالحة؟
إن صلب المسيح هو جريمة ارتُكبَت، فأين علامة المصالحة؟ العلامة هي أن يقوم المسيح من بين الأموات ولذلك يقول الكتاب "الَّذِي أُسْلِمَ مِنْ أَجْلِ خَطَايَانَا وَأُقِيمَ لأَجْلِ تَبْرِيرِنَا" (رو4: 25) لأنه لو لم يقم فأين المصالحة؟! إذًا بالرغم من أن المصالحة قد تمت في الصليب لكن أين العلامة المنظورة للمصالحة؟
إن أقصى ما يتمناه شخص قد قتل شخصًا عزيزًا عليه جدًا بطرق الخطأ، هو أن يقوم هذا القتيل من الموت لكي يتبرأ القاتل من تبكيت الضمير طوال عمره. لذلك قال "أُسْلِمَ مِنْ أَجْلِ خَطَايَانَا وَأُقِيمَ لأَجْلِ تَبْرِيرِنَا"، فالعلامة المنظورة للمصالحة بيننا وبين الله التي تمت في الصليب هي القيامة، والعلامة المنظورة لقبول ذبيحة الصليب هي في الصعود، لكن الذبيحة قُبلت والمصالحة تمت في الصليب.
وكما قلنا إذا كان هذا قربان قد قدمناه للآب السماوي، والسيد المسيح هو رئيس الكهنة الذي قدّم نفسه، فهل كان يصح أن هذا القربان يُقدّم إلى الآب ولا يذهب إلى الآب؟! فالقربان هو يحمل معنى الهدية لذلك كان لابد للسيد المسيح أن يصعد.
إذًا لم يكن ممكنًا أن يأتي الروح القدس إلا بعدما يتمم السيد المسيح الفداء، فهو "أُسْلِمَ مِنْ أَجْلِ خَطَايَانَا وَأُقِيمَ لأَجْلِ تَبْرِيرِنَا" (رو4: 25). وليس فقط يقوم من الأموات بل كان لابد أيضًا أن يصعد إلى ما داخل الحجاب كسابق لنا ويكون خادم للأقداس والمسكن الحقيقي الذي نصبه الله لا إنسان، قائم أمام الآب في كل حين ليشفع فينا (انظر عب6: 19، 20 و8: 2)، "خَروف قَائِمٌ كَأَنَّهُ مَذْبُوحٌ" (رؤ5: 6) دمه باستمرار يشفع في خطايا البشرية.
وقد أعطانا الرب ذبيحة الإفخارستيا لكي نذكره ونذكر ذبيحته إلى أن يجيء "تُخْبِرُونَ بِمَوْتِ الرَّبِّ إِلَى أَنْ يَجِيءَ" (1كو11: 26). فهو ذبيحة حاضرة باستمرار عبر الأجيال تقرّب في كل قداس، وهي ليست تكرارًا لذبيحة الصليب بل امتدادًا لها تحت أعراض الخبز والخمر. ولذلك فإن كهنوت السيد المسيح هو على رتبة ملكي صادق لأن ملكي صادق قدّم ذبيحته من خبز وخمر. وكيف أن السيد المسيح رئيس كهنة على رتبة ملكي صادق؟! ذلك لأن الآباء الكهنة ونحن ككهنة نقدم قربان الخبز والخمر، ولذلك فكهنوته على رتبة ملكي صادق، وهو رئيس كهنة على رتبة ملكي صادق.
من الذي يعمل في سر الإفخارستيا إلا الروح القدس؟! فقول واضع الأسئلة إن الروح القدس كان موجودًا، نعم كان موجودًا ولكن لم يكن يعمل ما يفعله الآن.
إذًا ملخص النقطتين السابقتين هو:
1- إن حلول الروح القدس في العهد القديم كان للأنبياء فقط وللملوك والكهنة وهم كانوا عددًا قليلًا جدًا من المؤمنين، أما حلوله في العهد الجديد فلجميع المؤمنين.
2- في العهد القديم لم يكن يعمل أعمالًا خلاصية، أما الآن فيعمل أعمالًا خلاصية.
الروح القدس موجود في الوجود كله وحاضر في كل مكان حتى قبل يوم الخمسين، ولكن لم يكن فاعلًا في الكنيسة كفعله في يوم الخمسين. وحلول الروح القدس ليس معناه انتقاله من مكان إلى مكان لأنه مالئ الوجود كله. كما أن الروح القدس موجود في كل البشر ولكنه يرتاح في قلب إنسان دونًا عن آخر، هكذا يكون فاعل في شيء وغير فاعل في شيء آخر. هناك فرق بين الحائط العادي وحائط الكنيسة المدشن، الحائط طبعًا لا يُعبَد ولكن إن كان مدشنًا تكون فيه بركة وفاعلية. فإذا كان الروح القدس يعمل في الكنيسة المدشنة وفي الأواني المدشنة بالميرون، فكم بالحري يكون عمله فينا نحن، كما يقول معلمنا بولس الرسول "أَنَّكُمْ هَيْكَلُ اللهِ وَرُوحُ اللهِ يَسْكُنُ فِيكُمْ" (1كو3: 16).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/anba-bishoy/anti-christian-questions/holy-spirit.html
تقصير الرابط:
tak.la/srqf375