سؤال 27: في (يوحنا 16: 7-8) "ولكن إن ذهبت أرسله إليكم. ومتى جاء ذاك يبكت العالم على خطية وعلى بر وعلى دينونة":
But if I go, I will send him to you. And when he comes, he will convict the world of sins and righteousness and of Judgment.
ألا يدل استخدام كلمتي (هيم) و(هي) بالانجليزية على أنه شخص، إن اللغة الإنجليزية تختلف عن اللغة العربية في هذه النقطة فإن كلمة (هي أو هيم) تستخدم للأشخاص بعكس كلمة (إت) التي تستخدم للأشياء.
هو يقول أن الآية لا تتكلم عن الروح القدس بل عن شخص وهذا الشخص -بحسب مفهومه- هو إنسان جاء بعد السيد المسيح.
طبعًا هذا غير صحيح على الإطلاق! فأننا لا ننكر أن الروح القدس شخص لأنه أقنوم، لكنه شخص غير منفصل في الجوهر عن الآب والابن. فلما يقول "مَتَى جَاءَ ذَاكَ" (يو 16: 13) فإن كلمة "ذَاكَ" تدل على أنه شخص، نعم هو شخص. وحينما يقول "أُرْسِلُهُ إِلَيْكُمْ" (يو 16: 7) أو "سَيُرْسِلُهُ الآبُ" (يو 14: 26) هذا لأن الآب والابن يرسلان الروح القدس.
إن مشكلة واضع الأسئلة أنه لا يفهم عقيدة الثالوث، ويظن أن الروح القدس طاقة أو قوة ولا يفهم أن الروح القدس له شخصيته الخاصة أو البروسوبون الخاص به، وبروسوبون تعني person أي شخص.
نحن نعلِّم بثلاث أقانيم للثالوث Three persons of the Holy Trinity وفي الحقيقة أننا لا ننكر أن الثلاث أقانيم هم ثلاث أشخاص. آب يحب الابن؛ والابن يكلم الآب ويقول له "أيها الآب مجد اسمك" فيرد عليه قائلًا "مَجَّدْتُ وَأُمَجِّدُ أَيْضًا" (يو 12: 28) كما ذكر في إنجيل يوحنا. والابن يقول للآب "لأَنَّكَ أَحْبَبْتَنِي قَبْلَ إِنْشَاءِ الْعَالَمِ" (يو17: 24).
عندنا ثلاث أقانيم يحبون بعضهم البعض ويكلمون بعضهم البعض ويمكن لاثنين منهما أن يرسلا الثالث دون انفصال. الآب والابن أرسلا الروح القدس، وقبل هذه الإرسالية للروح القدس، أرسل الآب والروح القدس الابن، فيقول الكتاب "مُنْذُ وُجُودِهِ أَنَا هُنَاكَ وَالآنَ السَّيِّدُ الرَّبُّ أَرْسَلَنِي وَرُوحُهُ" (اش 48: 16). و"وَرُوحُهُ" هنا فاعل مرفوع بالضمة، لأن الآب والروح القدس أرسلا الابن، وبعد ذلك أرسل الآب والابن الروح القدس. الآب فقط هو الذي لا يُرسَل، لأن الآب هو الأصل في الثالوث؛ هو الوالد وهو الباثق.
شرح عقيدة الثالوث باختصار:
المسألة تحتاج إلى شرح عقيدة الثالوث بكاملها لكي نرد على هذا السؤال، لكن عمومًا باختصار نحن نؤمن بثلاث أقانيم وجوهر واحد في الثالوث. أي كينونة غير منقسمة لثلاث أقانيم. فتمايز الأقانيم لا يعنى انفصالهم في الكينونة.
قال الابن "أَنَا فِي الآبِ وَالآبَ فِيَّ" (يو 14: 10) فإذا كان الآب غير محدود والابن غير محدود فكيف ينفصلا؟! الآب في كل مكان والابن في كل مكان فكيف نبعدهما عن بعضهما البعض. كما أن الفكر يملأ العقل، وليس هناك عقل لا يفكر، والعقل الوالد والفكر المولود الخاص به، الاثنين هما عقل واحد. لكن في العقل الواحد هناك عقل وهناك فكر. وإذا عبّر عن الفكر ونطق به يطلق عليه الكلمة. فالعقل والكلمة عقل واحد، والآب وكلمته إله واحد. والعقل غير المحدود يلد فكر غير محدود، والعقل الذكي يلد فكر ذكى، العقل القادر على كل شيء يلد فكر قادر على كل شيء، العقل القدوس يلد فكر قدوس، العقل الحكيم يلد فكر حكيم. هل سمعتم أن العقل والفكر من الممكن أن يختلفا فهل يعقل مثلًا أن عقلًا قدوسًا يلد فكرًا نجسًا، حاشا! هذا لأن طبيعة العقل وطبيعة الفكر طبيعة واحدة.
هل هناك عقل بدون فكر؟ وهل إن كان العقل بدون فكر يمكن أن نسميه عقل؟ هل أستطيع أن أفصل الفكر من العقل وأضع العقل في جانب والفكر في جانب آخر؟! إن العقل غير المحدود يلد فكرًا غير محدود، وبالتالي لابد أن يكون العقل في الفكر والفكر في العقل لأن كلاهما غير محدود فأين يذهبا من بعضهما البعض؟ ويكونا واحدًا لكن واحدًا في الطبيعة، واحدًا في الجوهر، وواحدًا في الكينونة. لكنهما ليسا واحدًا في نقطة بسيطة جدًا، لا تفصلهما عن بعضهما البعض ولا تجعل طبيعتهما تختلف عن بعضهما البعض، وهي أن الواحد والد والثاني مولود.
لذلك قال القديس أثناسيوس قال: [لأن اللاهوت واحد في الآب والابن، فإنه نشأ عن ذلك بالضرورة أن كل الصفات التي تقال عن الآب قيلت هي بعينها عن الابن، إلا صفة واحدة وهي أن الآب أب].(6) وهذا هو نفس ما نردده في كل قداس: واحد هو الآب القدوس واحد هو الابن القدوس واحد هو الروح القدس.
ما معنى ذلك؟ معناه أن الثالوث ليس فيه إلا آب واحد، وابن واحد، وروح قدس واحد، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. ولهذا السبب ترفض كنيستنا عقيدة الكاثوليك التي تقول أن الروح القدس منبثق من الآب والابن، لأنه في حالة انبثاق الروح القدس من الآب والابن يصير الابن آب. إن الأصل الواحد في الثالوث هو الآب. المونارشية (أي الأصل الواحد) هي للآب. فهناك ما يسمى "باتريكي أرشى" بمعنى "الأصل الأبوي الواحد" هذا داخل الثالوث، وهناك ما يسمى "ترياديكى آرشي" بمعنى "الأصل الثالوثي". ومعنى الأصل الثالوثي هو أن الثالوث هو أصل الوجود والعالم المخلوق.
فمنطق السائل القائل بأنه بما أن الروح القدس ليس شخصًا إذن السيد المسيح لم يكن يتكلم عن الروح القدس حينما قال "خَيْرٌ لَكُمْ أَنْ أَنْطَلِقَ لأَنَّهُ إِنْ لَمْ أَنْطَلِقْ لاَ يَأْتِيكُمُ الْمُعَزِّي وَلَكِنْ إِنْ ذَهَبْتُ أُرْسِلُهُ إِلَيْكُمْ" (يو 16: 7) طبعًا هذه الدعوى سقطت. كيف؟ سقطت لأننا نقول أن الروح القدس شخص. ولأن الروح القدس شخص فقد ذكر في سفر أعمال الرسل أن الروح القدس قال "أَفْرِزُوا لِي بَرْنَابَا وَشَاوُلَ" (اع 13: 2) و" لِي" تدل على شخص. بل يقول سفر الأعمال أيضًا "قَالَ الرُّوحُ الْقُدُسُ" (أع 13: 2).
واضع الأسئلة يقول في هذا السؤال إن الروح القدس شخص، ويظن أن هذا الكلام ضد عقيدتنا إذ يظن أننا لا نؤمن أن الروح القدس له شخصية؛ ولكننا نؤمن أن الروح القدس هو أقنوم له شخصيته المتمايزة، يقول عن نفسه (أنا) وعن الآخر (هو) ويقول بضمير الملكية (لي) "أفرزوا لي"، ويقول عنه السيد المسيح "متى جاء ذاك". فالروح القدس له شخصيته المتمايزة، لكن هذا لا يعنى أنه شخص منفصل في الكينونة عن الآب وعن الابن.
أن الآب له الأبوة والابن له البنوة، وتوجد علاقة حب بينهما ولكن بدون انفصال.. الآب والد والابن مولود؛ مثلما نقول أن العقل يلد الفكر، فالعقل والد والفكر مولود، لكن العقل والفكر الخاص به هما عقل واحد. فمن حيث وحدانية الجوهر، الابن هو كلمة الله ومن ذا الذي يستطيع أن يقول لله "أنت ليس لك كلمة"؟! إذا كان هو كلمة الله فهو لا ينفصل عن الله. وبما أن الله أزلي فالكلمة أزلي. ومن يقدر أن ينكر أن المسيح هو كلمة الله؟ وأيضًا واضع السؤال لا ينكر أن المسيح هو كلمة الله.
الآب وكلمته واحدٌ منذ الأزل، ولم يكن وقت كان فيه الآب بدون الكلمة. هل يقدر أحد أن يقول للآب أنت بدون كلمة؟!.. لذلك نحن لا نفصل الآب عن الابن.
ولكن "اللهَ مَحَبَّةٌ" (1يو4 : 8)؟ فكيف يمكن أن يمارس الله الحب قبل أن يخلق البشر والملائكة؟ من كان يحب؟ الإجابة هي أنه كان يحب الابن، كما قال السيد المسيح "الآبَ يُحِبُّ الابن وَيُرِيهِ جَمِيعَ مَا هُوَ يَعْمَلُهُ" (يو5: 20). وقال الابن للآب "لأَنَّكَ أَحْبَبْتَنِي قَبْلَ إِنْشَاءِ الْعَالَمِ" (يو17: 24). فهناك علاقة حب متبادلة بين الآب والابن، وعلاقة الحب هذه تستدعى أن يكون للآب شخصيته المتمايزة والابن شخصيته المتمايزة لكي تقوم علاقة حب متبادلة بينهما.
من كان الله يحب قبل أن يخلق العالم؟! أيحب نفسه؟ هذا لا يكون حبًا بل أنانية. وإن لم يحب يكون في هذه الحالة خاليًا من المحبة، فلا نستطيع أن نقول إن "الله محبة". نحن لا نستطيع أن نتصور الله بدون الحب. قال أحد الشعراء الفرنسيين: {أن نوجد معناها أن نحب وأن نحب معناها أن نوجد}، أي أنه ليس هناك معنى للوجود بدون المحبة، أي يفقد الوجود قيمته إذا لم يكن فيه الحب.
وبذلك نكون قد أوضحنا أن الروح القدس شخص وهذا في صميم عقيدتنا، وأنه يوجد حب متبادل بين الآب والابن والروح القدس، وأن الروح القدس له شخصيته المتمايزة، ولذلك قال "يعطيكم مُعَزِّيًا آخَر" (يو14 : 16) ولم يقل إلهًا آخر. ممكن أن يقول أرسل أقنوم آخر ولكن لا يقول أرسل إله آخر.
الرد على هذا السؤال باختصار:
أننا نؤمن أن الروح القدس أقنوم له شخصيته المتمايزة، وهو واحد في الجوهر والطبيعة الإلهية والكينونة من الآب والابن، لكن له شخصيته المتمايزة، وهو يتكلم، وله ضمير الملكية، فيقول "أَفْرِزُوا لِي". وحينما تكلم عنه السيد المسيح قال "ذَاكَ يُمَجِّدُنِي لأَنَّهُ يَأْخُذُ مِمَّا لِي وَيُخْبِرُكُمْ" (يو 16: 14).
ومما يثبت أن الروح القدس شخص أيضًا أن السيد المسيح قال "ِيَمْكُثَ مَعَكُمْ إِلَى الأَبَدِ" (يو 14: 16). فهل هناك شخص آخر مكث معنا إلى الأبد غير الروح القدس؟ وقال السيد المسيح أيضًا "لاَ يَسْتَطِيعُ الْعَالَمُ أَنْ يَقْبَلَهُ لأَنَّهُ لاَ يَرَاهُ وَلاَ يَعْرِفُهُ" (يو 14: 17). فأين هو الشخص الذي لا يستطيع العالم أن يراه "وَأَمَّا أَنْتُمْ فَتَعْرِفُونَهُ لأَنَّهُ مَاكِثٌ مَعَكُمْ وَيَكُونُ فِيكُمْ" (يو 14: 17)؟ أين هو الشخص الذي دخل داخلنا؟! هل دخل شخص داخلنا؟!
هو يأخذ جزء من الكلام ويترك الباقي وهذا لا يليق.
_____
(6) P. Schaff & H. Wace, N. & P.N. Fathers, series 2, Vol. IV, Eerdmans Pub. Company, Sept. 1978, St. Athanasius, Four Discourses Against the Arians- Discourse III, points 4 &5.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/anba-bishoy/anti-christian-questions/he-him.html
تقصير الرابط:
tak.la/9jt49yx