مقدمة السؤال 26: المكان الوحيد في الكتاب المقدس الذي دُعي فيه "الباراكليت" بالروح القدس هو في إنجيل (يوحنا 14: 26) "وأما الْمُعَزِّي الرُّوحُ الْقُدُسُ الَّذِي سَيُرْسِلُهُ الآبُ بِاسْمِي فَهُوَ يُعَلِّمُكُمْ كُلَّ شَيْءٍ وَيُذَكِّرُكُمْ بِكُلِّ مَا قُلْتُهُ لَكُمْ."
ما الذي علّمه الروح القدس في الألفي سنة الماضيين؟
الإجابة:
الروح القدس لم يطلق عليه فقط لقب "الباراكليت" أي "المعزى" وباليونانية paraklhton (باراكليتون) وتعنى محامى أو شفيع أو معزى، وهي تختلف عن كلمة "بيركليت" التي تعنى حمد.
أول لقب أعطى للروح القدس كان في سفر التكوين هو لقب "روح الله" وبالعبرية רוח אלהים )رواح إلوهيم(. والكلمة العربية "الله" جاءت من "ألوهو" في اللغة السريانية الغربية و"ألاها" في اللغة السريانية الشرقية، وهي "إلوهيم" في العبرية. فعبارة "روح الله" هي بالعبرية "رواح إلوهيم".
وللأسف، فإن أصحاب بدعة شهود يهوه عندما عملوا ترجمة خاصة بهم للكتاب المقدس NEW WORLD BIBLE TRANSLATION كتبوا في (تك1: 2) عبارة "وكانت قوة الله ترف على وجه المياه" بدلًا من "وَرُوحُ اللهِ يَرِفُّ عَلَى وَجْهِ الْمِيَاهِ". وعند الرجوع إلى الأصل العبري لكلمة רוח (رواح) في القواميس العبرية تجد أن هذه الكلمة لا تعنى إلا "روح"، أما كلمة "قوة" فهي كلمة مختلفة تمامًا، وليس هناك أية علاقة بين الكلمتين.
إن روح الله ليس مجرد طاقة، ولكنه أقنوم حقيقي له نفس الجوهر الذي للآب والابن. أصحاب بدعة شهود يهوه يدّعون أن الروح القدس هو مجرد طاقة، لأنهم ينكرون عقيدة الثالوث، وهم ليسوا بمسيحيين طبعًا.
وإننا نجد في سفر التكوين القول التالي "وَكَانَتِ الأَرْضُ خَرِبَةً وَخَالِيَةً وَعَلَى وَجْهِ الْغَمْرِ ظُلْمَةٌ وَرُوحُ اللهِ يَرِفُّ عَلَى وَجْهِ الْمِيَاه ِوَقَالَ اللهُ: لِيَكُنْ نُورٌ فَكَانَ نُورٌ" (تك1 :2، 3). لقد خلق الآب العالم بالكلمة والروح القدس.
ووردت أيضًا ألقاب كثيرة ذات مدلولات للروح القدس في الكتاب المقدس مثل:
في سفر صموئيل الأول، مسح صموئيل النبي شاول ملكًا على إسرائيل، وبعد أن عصى شاول الرب يقول الكتاب "وَذَهَبَ رُوحُ الرَّبِّ مِنْ عِنْدِ شَاوُلَ، وَبَغَتَهُ رُوحٌ رَدِيءٌ مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ" (1صم16: 14).
إذًا فقد ذكر للروح القدس لقب "روح الله" وذكر لقب "روح الرب".
ثم بعد أن رفض الرب شاول، قام صموئيل النبي ومسح داود فيقول الكتاب "وَحَلَّ رُوحُ الرَّبِّ عَلَى دَاوُدَ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ فَصَاعِدًا" (1صم16: 13). وفي الآية التالية يقول "وذهب روح الرب من عند شاول". إذًا الله مسح داود فحل عليه روح الرب.
وأيضًا بالنسبة لشمشون يقول الكتاب "وَابْتَدَأَ رُوحُ الرَّبِّ يُحَرِّكُهُ فِي مَحَلَّةِ دَانَ بَيْنَ صُرْعَةَ وَأَشْتَأُولَ" (قض13: 25) ولذلك استطاع أن يمسك أسدًا ويشقه إلى نصفين، وأن يهزم ألف جندي ويقتلهم، وأن يهزم جيشًا كاملًا بفك حمار ميت، وأن يمزق القيود التي ربط بها حتى صارت كالدوبار المحروق بالرغم من أنها كانت حبال متينة قوية وجديدة. في كل ذلك يقول الكتاب "فَحَلَّ عَلَيْهِ رُوحُ الرَّبِّ...." (قض14: 6)، انظر أيضًا (قض14: 19)، (قض15: 14) فعمل كذا وكذا وكذا.
قال داود النبي في مزمور التوبة "لاَ تَطْرَحْنِي مِنْ قُدَّامِ وَجْهِكَ وَرُوحَكَ الْقُدُّوسَ لاَ تَنْزِعْهُ مِنِّي" (مز50: 11).
وفي مزمور 139 يقول "أَيْنَ أَذْهَبُ مِنْ رُوحِكَ وَمِنْ وَجْهِكَ أَيْنَ أَهْرُبُ؟ إِنْ صَعِدْتُ إِلَى السَّمَاوَاتِ فَأَنْتَ هُنَاكَ وَإِنْ فَرَشْتُ فِي الْهَاوِيَةِ فَهَا أَنْتَ. إِنْ أَخَذْتُ جَنَاحَيِ الصُّبْحِ وَسَكَنْتُ فِي أَقَاصِي الْبَحْرِ. فَهُنَاكَ أَيْضًا تَهْدِينِي يَدُكَ وَتُمْسِكُنِي يَمِينُكَ" (مز139: 7-10)، فكما ورد في سفر التكوين أن الروح القدس كان يعمل مع الآب والابن في الخليقة، هكذا يرد هنا أن الروح القدس حاضر في كل مكان وهو مالئ الوجود كله. وحيث أنه ليس هناك كائن حاضر في كل مكان إلا الله، فإن هذا يدل على أن الروح القدس هو الله.
في بداية المزمور 139 يقول "يا رب قد اختبرتني" ثم يكمل "أين أذهب من روحك"، فضمير المخاطب في كلمة "روحك" معطوف على كلمة "يا رب"، أي أن اللقب هنا أيضًا هو "روح الرب".
أحيانًا يتكلم الله نفسه فيقول عن السيد المسيح "مُخْتَارِي الَّذِي سُرَّتْ بِهِ نَفْسِي. وَضَعْتُ رُوحِي عَلَيْهِ" (أش42 :1). هنا الرب هو الذي يتكلم لأنه يقول "هَكَذَا يَقُولُ اللَّهُ الرَّبُّ خَالِقُ السَّمَاوَاتِ وَنَاشِرُهَا" (أش42: 5) ثم يقول "أَنَا الرَّبُّ هَذَا اسْمِي وَمَجْدِي لاَ أُعْطِيهِ لآخَرَ" (أش42: 8). من الواضح هنا أن الله هو المتكلم. وهذا يؤكد أن الروح القدس ليس روحًا عاديًا، أي روح من عند الرب، لكنه روح الله.
إن هناك فرق بين أن يقول الله الرب "روحي" وبين أن يقال "روح الرب". لقد ورد في سفر الرؤيا مثلًا "وَأَمَامَ الْعَرْشِ سَبْعَةُ مَصَابِيحِ نَارٍ مُتَّقِدَةٌ، هِيَ سَبْعَةُ أَرْوَاحِ اللهِ" (رؤ4: 5)، والمقصود "بسبعة أرواح الله" هنا هم سبعة رؤساء الملائكة.
هنا تتضح أهمية تعدد التعبيرات، ففي مرة جاء عن الروح بوضوح إنه كائن في كل مكان، وفي مرة أخرى يقول الله الرب عنه "روحي".
أيضًا ورد في سفر إشعياء: "رُوحُ السَّيِّدِ الرَّبِّ عَلَيَّ لأَنَّ الرَّبَّ مَسَحَنِي لأُبَشِّرَ الْمَسَاكِينَ" (أش61: 1)، وهذا هو كلام السيد المسيح الذي قرأه في المجمع في كفر ناحوم. كلمة السيد والرب في الإنجليزية هي كلمة واحدة Lord فكيف يقول السيد الرب؟
إذا رجعنا إلى النص العبري نجد الإجابة على هذا التساؤل وهي أن كلمة "السيد" هي "أدوناي" وكلمة "الرب" هي "يهوه"، أي "روح أدوناي يهوه". اللقب هنا أخذ الانتساب المزدوج أي أن روح أدوناي هو روح يهوه. وعندما يقول "الله الرب" تكون في العبرية "إلوهيم يهوه"، لأن المترجم إلى اللغة العربية لا يحب أن يذكر اسم يهوه كثيرًا لأنها كلمة عبرية، وقد يصعب على القارئ الذي لا يعرف العبرية فهم معناها فيترجمها بكلمة "الرب".
عندما نرجع إلى الأصل العبري نجد تعبيرات متنوعة، فنجد أن كلمة "الرب" العربية تكون أحيانًا ترجمة لكلمة "أدوناي" وأحيانًا ترجمة لكلمة "يهوه". لكن مما لا شك فيه أنه عندما ظهر السيد المسيح في صورة إنسان في العهد القديم لإبراهيم وأكل تحت بلوطات ممرا مع إبراهيم وغسل له إبراهيم رجليه، كان الاسم الذي ذكر به هو "يهوه". وذكر هذا الاسم مرات كثيرة جدًا عن السيد المسيح في ظهوراته العديدة في العهد القديم.
إن الروح القدس هو "روح الرب"، هو "روح يهوه"، هو "روح إلوهيم"، هو "روح أدوناي"، هو "روح أدوناي يهوه" أي "روح السيد الرب".
ورد في سفر يوئيل "وَيَكُونُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنِّي أَسْكُبُ رُوحِي عَلَى كُلِّ بَشَرٍ فَيَتَنَبَّأُ بَنُوكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَيَحْلَمُ شُيُوخُكُمْ أَحْلاَمًا وَيَرَى شَبَابُكُمْ رُؤًى. وَعَلَى الْعَبِيدِ أَيْضًا وَعَلَى الإِمَاءِ أَسْكُبُ رُوحِي فِي تِلْكَ الأَيَّامِ" (يوئيل 2: 28، 29). كما سبق أن ذكرنا ما ورد في سفر إشعياء: "وَضَعْتُ رُوحِي عَلَيْهِ".
كانت هذه أمثلة من العهد القديم ذكر فيها لقب "روح الله" أو "روح الرب" أو "روح السيد الرب" أو أن الله نفسه "إلوهيم يهوه" يقول "روحي" عن الروح القدس.
· في إنجيل متى ذُكر إنه روح الله: "وَإِذَا السَّمَاوَاتُ قَدِ انْفَتَحَتْ لَهُ فَرَأَى رُوحَ اللَّهِ نَازِلًا مِثْلَ حَمَامَةٍ وَآتِيًا عَلَيْه" (مت3: 16) وأيضًا "ثُمَّ أُصْعِدَ يَسُوعُ إِلَى الْبَرِّيَّةِ مِنَ الرُّوحِ لِيُجَرَّبَ مِنْ إِبْلِيسَ" (مت 4: 1)، وعندما يقول "الروح" فقط تكون اختصارًا لما ورد قبلها مباشرةً، فيكون قد ذُكر قبلها تعبير "الروح القدس" أو "روح الله"، فهنا مثلًا بين عبارة "روح الله" وبين كلمة "الروح" آية واحدة هي (مت3: 17).
· ذُكر في إنجيل مرقس عن السيد المسيح أنه "سَيُعَمِّدُكُمْ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ" (مر1: 8)، وبعدها مباشرةً أيضًا ذكر "وَالرُّوحَ مِثْلَ حَمَامَةٍ نَازِلًا عَلَيْهِ" (مر1: 10)، وأيضًا "وَلِلْوَقْتِ أَخْرَجَهُ الرُّوحُ إِلَى الْبَرِّيَّةِ" (مر1: 12). ثم أيضًا "لأَنْ لَسْتُمْ أَنْتُمُ الْمُتَكَلِّمِينَ بَلِ الرُّوحُ الْقُدُسُ" (مر13: 11).
في (مت10: 20) يقول: "لأَنَّكُمْ تُعْطَوْنَ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ مَا تَتَكَلَّمُونَ بِهِ لأَنْ لَسْتُمْ أَنْتُمُ الْمُتَكَلِّمِينَ بَلْ رُوحُ أَبِيكُمُ الَّذِي يَتَكَلَّمُ فِيكُمْ" (مت10: 19، 20). إذًا من ضمن ألقاب الروح القدس أيضًا لقب "روح الآب". بدأ اللقب هنا يأخذ بُعدًا جديدًا هو أنه إن كان روح الله، وروح الرب، وروح السيد الرب، وروح الله الرب، فهو "روح أبيكم"، إذًا الروح القدس أخذ لقب روح الآب.
يقول القديس بولس الرسول "أَرْسَلَ اللهُ رُوحَ ابْنِهِ إِلَى قُلُوبِكُمْ صَارِخًا: «يَا أَبَا الآبُ»" (غل4 : 6). إذًا الروح القدس أخذ لقب "روح الآب"، و"روح الابن".
نلاحظ أن تعبير الروح القدس ورد ذكره كثيرًا في الأناجيل:
- يقول الملاك عن يوحنا المعمدان في بشارته لزكريا "وَمِنْ بَطْنِ أُمِّهِ يَمْتَلِئُ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ" (لو1: 15).
- وبعد ذلك قال للعذراء مريم "اَلرُّوحُ الْقُدُسُ يَحِلُّ عَلَيْكِ وَقُوَّةُ الْعَلِيِّ تُظَلِّلُكِ فَلِذَلِكَ أَيْضًا الْقُدُّوسُ الْمَوْلُودُ مِنْكِ يُدْعَى ابْنَ اللهِ" (لو 1: 35).
- وعندما زارت السيدة العذراء أليصابات يقول الكتاب "فَلَمَّا سَمِعَتْ أَلِيصَابَاتُ سَلاَمَ مَرْيَمَ ارْتَكَضَ الْجَنِينُ فِي بَطْنِهَا وَامْتلأتْ أَلِيصَابَاتُ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ" (لو1: 41).
- وعندما ولد يوحنا المعمدان "امْتَلأَ زَكَرِيَّا أَبُوهُ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ وَتَنَبَّأَ قَائِلًا: مُبَارَكٌ الرَّبُّ إِلَهُ إِسْرَائِيلَ لأَنَّهُ افْتَقَدَ وَصَنَعَ فِدَاءً لِشَعْبِهِ" (لو 1: 67).
وقال الملاك ليوسف "يَا يُوسُفُ ابْنَ دَاوُدَ لاَ تَخَفْ أَنْ تَأْخُذَ مَرْيَمَ امْرَأَتَكَ لأَنَّ الَّذِي حُبِلَ بِهِ فِيهَا هُوَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ" (مت1: 2).
إذًا عبارة الروح القدس تكررت كثيرًا في إنجيل لوقا الأصحاح الأول وأيضًا في إنجيل متى الأصحاح الأول.
إنجيل يوحنا ورد فيه الروح القدس بالأسماء التالية:-
- ورد عنه إنه المعزى في (يو26:15) "وَمَتَى جَاءَ الْمُعَزِّي الَّذِي سَأُرْسِلُهُ أَنَا إِلَيْكُمْ مِنَ الآبِ رُوحُ الْحَقِّ الَّذِي مِنْ عِنْدِ الآبِ يَنْبَثِقُ فَهُوَ يَشْهَدُ لِي".
- ورد عنه إنه روح الحق في نفس الآية (يو26:15)، وفي (يو14: 17) "رُوحُ الْحَقِّ الَّذِي لاَ يَسْتَطِيعُ الْعَالَمُ أَنْ يَقْبَلَهُ لأَنَّهُ لاَ يَرَاهُ وَلاَ يَعْرِفُهُ".
- وورد عنه إنه المعزى والروح القدس معًا في آية واحدة: "وَأَمَّا الْمُعَزِّي الرُّوحُ الْقُدُسُ الَّذِي سَيُرْسِلُهُ الآبُ بِاسْمِي فَهُوَ يُعَلِّمُكُمْ كُلَّ شَيْءٍ وَيُذَكِّرُكُمْ بِكُلِّ مَا قُلْتُهُ لَكُمْ" (يو14: 26).
- وورد عنه عبارة "معزيًا آخر" في (يو14: 16) "وَأَنَا أَطْلُبُ مِنَ الآبِ فَيُعْطِيكُمْ مُعَزِّيًا آخَرَ لِيَمْكُثَ مَعَكُمْ إِلَى الأَبَدِ".
في سفر الأعمال قال القديس بطرس الرسول لحنانيا "يَا حَنَانِيَّا لِمَاذَا مَلأَ الشَّيْطَانُ قَلْبَكَ لِتَكْذِبَ عَلَى الرُّوحِ الْقُدُسِ وَتَخْتَلِسَ مِنْ ثَمَنِ الْحَقْلِ؟ أَلَيْسَ وَهُوَ بَاقٍ كَانَ يَبْقَى لَكَ؟ وَلَمَّا بِيعَ أَلَمْ يَكُنْ فِي سُلْطَانِكَ؟ فَمَا بَالُكَ وَضَعْتَ فِي قَلْبِكَ هَذَا الأَمْرَ؟ أَنْتَ لَمْ تَكْذِبْ عَلَى النَّاسِ بَلْ عَلَى اللهِ" (أع5: 3، 4). فأوضح أنه بكذبه لم يكذب على بطرس أو باقي الرسل بل على الروح القدس، وبكذبه على الروح القدس يكون قد كذب على الله، فأشار بذلك إلى أن الروح القدس هو الله، وهذه النقطة مهمة جدًا. ولماذا بكذبه أمام بطرس الرسول يكون قد كذب على الروح القدس؟ هذا لأن الروح القدس كان قد حل على الرسل في يوم الخمسين، والروح القدس هو الذي كان يقود الكنيسة، الروح القدس هو الذي كان يدين الخطاة ويحكم عليهم، الروح القدس هو الذي يعطى الحِل والربط ومغفرة الخطايا، الروح القدس كان يقول "أفرزوا لي برنابا وشاول"، وفي مجمع أورشليم يقول الرسل "قد رأى الروح القدس ونحن"... فكان الروح القدس هو الذي يقود الكنيسة، ولأن حنانيا قد كذب في محفل كنسي رسمي، لذلك قال له معلمنا بطرس أنت كذبت على الروح القدس، وبما أنك كذبت على الروح القدس تكون قد كذبت على الله.
وأيضًا: ورد في رسالة بولس الرسول الأولى إلى أهل كورنثوس: "مَا أَعَدَّهُ اللهُ للَّذِينَ يُحِبُّونَهُ. فَأَعْلَنَهُ اللهُ لَنَا نَحْنُ بِرُوحِهِ. لأَنَّ الرُّوحَ يَفْحَصُ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى أَعْمَاقَ اللهِ. لأَنْ مَنْ مِنَ النَّاسِ يَعْرِفُ أُمُورَ الإِنْسَانِ إِلاَّ رُوحُ الإِنْسَانِ الَّذِي فِيهِ؟ هَكَذَا أَيْضًا أُمُورُ اللهِ لاَ يَعْرِفُهَا أَحَدٌ إِلاَّ رُوحُ اللهِ" (1كو2: 9-11). هنا أطلق معلمنا بولس الرسول عليه أنه "روح الله"، ولكن المهم هو أنه أوضح مكانة الروح القدس بالنسبة للآب أو عمومًا في الثالوث في قوله "أَعْلَنَهُ اللهُ لَنَا نَحْنُ بِرُوحِهِ. لأَنَّ الرُّوحَ يَفْحَصُ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى أَعْمَاقَ اللهِ". من يقدر أن يفحص أعماق الله؟!؟! ثم أراد أن يقربها إلى الذهن أو يبسطها فقال "لأَنْ مَنْ مِنَ النَّاسِ يَعْرِفُ أُمُورَ الإِنْسَانِ إِلاَّ رُوحُ الإِنْسَانِ الَّذِي فِيهِ؟ هَكَذَا أَيْضًا أُمُورُ اللهِ لاَ يَعْرِفُهَا أَحَدٌ إِلاَّ رُوحُ اللهِ". إن روح الإنسان ليس طبيعة مستقلة عن الإنسان وليس أقل منه، ولا هو من كيان خارجًا عنه، لكنه جزء أساسي في طبيعته، بل إن الروح هي الجوهر الأعلى في الطبيعة البشرية. فليس روح الإنسان أقل من الإنسان، ولذلك قال "مِنَ النَّاسِ يَعْرِفُ أُمُورَ الإِنْسَانِ إِلاَّ رُوحُ الإِنْسَانِ الَّذِي فِيهِ؟ هَكَذَا أَيْضًا أُمُورُ اللهِ لاَ يَعْرِفُهَا أَحَدٌ إِلاَّ رُوحُ اللهِ". وهكذا يبين أن الروح المقصود هنا ليس هو أحد الخدام ولا أي من رؤساء الملائكة، لأنه كيف لملاك أن يعرف أعماق الله؟! فهنا واضح أن تعبير "روح الله" مقصود به من هو في جوهرٍ واحدٍ مع الآب والابن، روح الله الذي هو الله، الأقنوم الثالث، حيث أن الآب والابن والروح القدس إله واحد وجوهر واحد، إذ نقول الله الآب، الله الابن، الله الروح القدس.
والآن سنلقى نظرة على آيات الإنجيل بحسب القديس يوحنا الأصحاح الرابع عشر والخامس عشر، إذ يقول واضع الأسئلة إن المكان الوحيد الذي دُعي فيه "الباراكليت" بالروح القدس هو في (يو14: 26) "أَمَّا الْمُعَزِّي الرُّوحُ الْقُدُسُ الَّذِي سَيُرْسِلُهُ الآبُ بِاسْمِي فَهُوَ يُعَلِّمُكُمْ كُلَّ شَيْءٍ وَيُذَكِّرُكُمْ بِكُلِّ مَا قُلْتُهُ لَكُمْ". في هذه الآية واضح أن المعزى الباراكليت هو الروح القدس، ولكن في (يو15: 26) "وَمَتَى جَاءَ الْمُعَزِّي الَّذِي سَأُرْسِلُهُ أَنَا إِلَيْكُمْ مِنَ الآبِ رُوحُ الْحَقِّ الَّذِي مِنْ عِنْدِ الآبِ يَنْبَثِقُ فَهُوَ يَشْهَدُ لِي" ذُكر أن المعزى ليس هو الروح القدس فقط كلقب، ولكن هو أيضًا "روح الحق".
وفي (يو14: 16) [نفس الأصحاح الذي اقتبس منه سؤاله] "وَأَنَا أَطْلُبُ مِنَ الآبِ فَيُعْطِيكُمْ مُعَزِّيًا آخَرَ" إذًا كلمة "المعزى" وردت إلى الآن ثلاث مرات في (يو14: 26) و(يو14: 16) و(يو15: 26). وسنرى من هو هذا المعزى الآخر؟ يقول: "مُعَزِّيًا آخَرَ لِيَمْكُثَ مَعَكُمْ إِلَى الأَبَدِ. رُوحُ الْحَقِّ الَّذِي لاَ يَسْتَطِيعُ الْعَالَمُ أَنْ يَقْبَلَهُ لأَنَّهُ لاَ يَرَاهُ وَلاَ يَعْرِفُهُ وَأَمَّا أَنْتُمْ فَتَعْرِفُونَهُ لأَنَّهُ مَاكِثٌ مَعَكُمْ وَيَكُونُ فِيكُمْ" (يو14 : 16، 17). إذًا فقد ارتبط لقب المعزى بلقب روح الحق في موضعين، في (يو15: 26) و(يو15: 16،17)، وذكر إنه "ِيَمْكُثَ مَعَكُمْ إِلَى الأَبَد"ِ. ولماذا قال آخر؟! لأنه من المفهوم أن الابن هو أقنوم والروح القدس أقنوم آخر، والابن ليس هو الروح القدس، ولكن الابن هو الله والروح القدس هو الله والآب هو الله؛ من حيث الجوهر الله واحد، ولكن من حيث الأقانيم فالله مثلث الأقانيم. الآب ليس هو الابن، والابن ليس هو الآب، والآب ليس هو الروح القدس والروح القدس ليس هو الآب، والابن ليس هو الروح القدس والروح القدس ليس هو الابن.
مثل مثلث له ثلاث رؤوس.. هو مثلث واحد، وإذا كان مثلًا هذا المثلث من الذهب فهو ذهب واحد، ولكن رأس المثلث الأول ليس هو الثاني ليس هو الثالث، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. فإذا كان الرأس الأول هو الرأس الثاني فلا يوجد حينئذٍ ذهب، إذ ينطبق المثلث على بعضه ولا يوجد ذهب. الذهب محمول في ثلاث رؤوس ولكن بلا انفصال فهو ذهب واحد، هو كله في الرأس الأول وهو كله في الرأس الثاني وهو كله في الرأس الثالث. كل الذهب يحمله الرأس الأول وكل الذهب يحمله الرأس الثاني وكل الذهب يحمله الرأس الثالث. هو ذهب واحد.. جوهر واحد.. مثلث واحد، ولكن مع ذلك هناك ثلاث رؤوس. وهكذا يوجد ثلاثة أقانيم ولكن لهم جوهر واحد وهم غير منفصلين، ولهم لاهوت واحد، وطبيعة إلهية واحدة.
بقوله "مُعَزِّيًا آخَرَ" أي أنه كان هو الذي يعزى تلاميذه بوجوده في وسطهم، وقبل تركهم قال "لاَ أَتْرُكُكُمْ يَتَامَى" (يو14: 18)، وحيث أن اليتيم يحتاج إلى تعزية، قال لهم سوف لا أترككم يتامى لأني سأرسل لكم معزيًا آخر ليمكث معكم إلى الأبد. ومعنى قوله "يمكث معكم إلى الأبد" أن هذا المعزى ليس إنسان. وبما أنه كان يوجه هذا الكلام إلى تلاميذه إذًا لابد أن يأتي هذا المعزى الآخر في وقت وجود هؤلاء التلاميذ والرسل القديسين وليس في أي زمن آخر. وأيضًا "يمكث معكم إلى الأبد" تعنى أنه لا يموت.
وفي في نفس الأصحاح يقول عن المعزى أنه "مَاكِثٌ مَعَكُمْ وَيَكُونُ فِيكُمْ" (يو14: 17). من المستحيل أن ينطبق هذا الكلام على إنسان ما.. كيف لإنسان أن يدخل فينا كلنا؟!؟ ولذلك أيضًا في الإنجيل بحسب القديس متى قال "لأَنْ لَسْتُمْ أَنْتُمُ الْمُتَكَلِّمِينَ بَلْ رُوحُ أَبِيكُمُ الَّذِي يَتَكَلَّمُ فِيكُمْ" (مت10: 20)، فتعبير "فِيكُمْ" تكرر في إنجيل متى وفي إنجيل يوحنا.
ثم يقول أيضًا "الَّذِي لاَ يَسْتَطِيعُ الْعَالَمُ أَنْ يَقْبَلَهُ لأَنَّهُ لاَ يَرَاهُ" (يو14: 17). هل يمكن أن يقال هذا عن إنسان؟ إذا كان إنسانًا كان العالم سيراه، إذًا لابد أن يكون روح وليس جسد. ولذلك كرر كثيرًا تعبير "روح الحق" و"الروح القدس".
والسيد المسيح يكمل قوله في الآية السابقة ويقول "لاَ يَسْتَطِيعُ الْعَالَمُ أَنْ يَقْبَلَهُ لأَنَّهُ لاَ يَرَاهُ وَلاَ يَعْرِفُهُ وَأَمَّا أَنْتُمْ فَتَعْرِفُونَهُ لأَنَّهُ مَاكِثٌ مَعَكُمْ وَيَكُونُ فِيكُمْ" (يو14: 17). أنتم تعرفونه ليس لأنكم تنظرونه وتشاهدونه بل "لأَنَّهُ مَاكِثٌ مَعَكُمْ وَيَكُونُ فِيكُمْ". ستعرفونه لأنه فيكم وليس لأنه أمامكم. لقد قال لهم "لا يستطيع العالم أن يراه" ولم يقل وأما أنتم فسترونه، ولكن قال "وأما أنتم فتعرفونه".
قال السيد المسيح نفسه: "وَأَمَّا أَنْتُمْ فَسَتَتَعَمَّدُونَ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ لَيْسَ بَعْدَ هَذِهِ الأَيَّامِ بِكَثِيرٍ" (أع1: 5)، وقال "سَتَنَالُونَ قُوَّةً مَتَى حَلَّ الرُّوحُ الْقُدُسُ عَلَيْكُمْ" (أع1: 8).
ثم بعد ذلك يتكلم عن حلول الروح القدس يوم الخمسين، وصوت هبوب ريح عاصف وألسنة من نار كعلامة تعرفهم أن الروح القدس قد حلَّ، مجرد علامة (انظر أع 2)، ولكن فيما بعد لم يكن أحد يرى شيئًا، إلا نتيجة الامتلاء من الروح القدس. فكان التكلم بألسنة مثلًا لتبشير العالم بالإنجيل. وقيل كثيرًا في سفر الأعمال: فامتلأ بطرس من الروح القدس وقال...، فامتلأ بولس من الروح القدس وقال...، و"قَالَ الرُّوحُ الْقُدُسُ: أَفْرِزُوا لِي بَرْنَابَا وَشَاوُلَ لِلْعَمَلِ الَّذِي دَعَوْتُهُمَا إِلَيْهِ" (أع13: 2). وهذا يثبت أن الروح القدس أقنوم وليس هو قدرة أو طاقة، إذ يقول "قَالَ الرُّوحُ الْقُدُسُ: أَفْرِزُوا لِي". والسيد المسيح قال عن الروح القدس "أَمَّا مَتَى جَاءَ ذَاكَ رُوحُ الْحَقِّ فَهُوَ يُرْشِدُكُمْ إِلَى جَمِيعِ الْحَقِّ لأَنَّهُ لاَ يَتَكَلَّمُ مِنْ نَفْسِهِ بَلْ كُلُّ مَا يَسْمَعُ يَتَكَلَّمُ بِهِ وَيُخْبِرُكُمْ بِأُمُورٍ آتِيَةٍ" (يو16: 13) إذًا هو يسمع ويتكلم، وقال "يَأْخُذُ مِمَّا لِي وَيُخْبِرُكُمْ" (يو16: 14).
باختصار: يكفى أن الروح القدس هو الذي أوحى بأسفار العهد الجديد كلها. يكفى أنه هو الذي قاد الكنيسة خلال هذه الألفين سنة. وفي يوم الخمسين نخس الناس في قلوبهم فاعتمد ثلاثة آلاف يهودي. يكفى أنه جعل الرسل يتكلمون بجميع اللغات وبشروا العالم كله بالمسيحية أو أغلب بلاد العالم. فهو الذي قاد الكنيسة والرسل إذ قالوا "لأَنَّهُ قَدْ رَأَى الرُّوحُ الْقُدُسُ" (اع15 : 28)، وأيضًا "قَالَ الرُّوحُ الْقُدُسُ: أَفْرِزُوا لِي بَرْنَابَا وَشَاوُلَ لِلْعَمَلِ الَّذِي دَعَوْتُهُمَا إِلَيْهِ" (اع13 : 2). فهو الذي يأمر وهو الذي يقود وهو الذي يعلِّم. هو الذي ذكّر القديس متى بالموعظة على الجبل كلها فدونها معلمنا متى في 3 إصحاحات في إنجيله، وهو الذي ذكّر يوحنا الإنجيلي لكي يكتب إنجيله هذا المليء بحوارات المسيح مع اليهود بما فيها من أدلة على ألوهيته... وكل أسفار الكتاب المقدس.. وحتى سفر الرؤيا يقول يوحنا "كُنْتُ فِي الرُّوحِ فِي يَوْمِ الرَّبِّ" (رؤ1 : 10) فسفر الرؤيا كله لم يكن ليوحنا أن يفهمه أو يستقبله إلا بإلهام الروح القدس. والروح القدس هو الذي جعله يرى تلك المناظر ويرى السيد المسيح في السماويات. الروح القدس هو الذي يبكت الناس على خطاياهم، وهو الذي يقود الناس إلى الإيمان، وهو الذي يقود الناس إلى التوبة، وهو الذي يعطى سلطان الحل والربط في الكنيسة، هو الذي يخدم الأسرار.. كل أسرار الكنيسة.. وكل الذين اعتمدوا وولدوا من فوق.. كل هذا من عمل الروح القدس، وهو الذي يعمل في الأكاليل، وهو الذي قاد المجامع المسكونية لتصدر قراراتها التي تحافظ على الإيمان.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/anba-bishoy/anti-christian-questions/paraclete.html
تقصير الرابط:
tak.la/x35dykt