أنا هو الطريق (يو 14: 6)
في الأصحاح الرابع عشر من انجيل معلمنا يوحنا يتحدث الرب يسوع قائلًا "لا تضطرب قلوبكم. أنتم تؤمنون بالله فآمنوا بي، في بيت أبى منازل كثيرة إلا فإنى كنت قد قلت لكم، أنا أمضى لأعد لكم مكانا، وإن مضيت وأعددت لكم مكانا أتى أيضًا وآخذكم إلى حتى حيث أكون أنا تكونون أنتم أيضًا. وتعلمون حيث أنا أذهب وتعلمون الطريق. قال له توما يا سيد لسنا نعلم أين تذهب فكيف نقدر أن نعرف الطريق. قال له يسوع أنا هو الطريق والحق والحياة ليس أحد يأتي إلى الآب إلا بي" (يو 14: 1-6).
ومعنى هذا أن الرب أوضح أنه ليس من طريق إلى أقداس الآب إلا بشخصه الوحيد لأنه قال في نفس الحديث الذي رآنى فقد رأى الآب، أنا في الآب والاب في.
فالمسيحية تؤمن ان المسيح لم يقدم وصايا أو شريعة فقط ولم يشرح معالم الطريق إلى الحياة الأبدية فحسب وإنما قدم نفسه طريقًا حيًّا، كل مَن يسلك فيه يحيا إلى الأبد ويجد جرأة وقدوما للدخول في حضرة الآب السماوي.
لقد تحقق قول إشعياء النبي "ونكون هناك سكة وطريق، يقال لها الطريق المقدسة، لا يعبر فيها نجس بل هي لهم، من سلك في الطريق حتى الجهال لا يضل" (اش 35: 8).
ولاحظ في النبوة وصفا للطريق أنها مقدسة وهذا قد تحقق في شخص القدوس الذي بلا عيب ولا دنس ولم يوجد فيه غش، وتتضمن النبوة قداسة السالكين، فطبيعة الطريق أنها مقدسة وتطهر أيضًا السالكين فيها، وهذا يتحقق أيضًا في كل مؤمن يحيا في المسيح ويسلك وفقا لوصاياه فالمسيح يقول لتلاميذه أنتم انقياء بسبب الكلام الذي اكلمكم به وتتضمن النبوءة أيضًا إستنارة ووعيا للجهال. فهذا الطريق لا يعرف الجهال. كل جاهل يستنير بالحكمة والفهم الروحي ومن ثم لا خطر على كل السالكين لانهم لا يسيرون في الظلمة بل يتمتعون بالنور الحقيقي الذي يضئ لكل انسان آت إلى العالم...
لقد عاشت البشرية في القديم متلهفة ظهور المسيا، لأنه وحده به الخلاص... وعندما أرسلت السماء يوحنا السابق كانت مهمته اعداد ذهن البشرية لمجيء المخلص المسيا الطريق الذي انتظرته البشرية آلاف السنين. "اعدوا طريق الرب اصنعوا سبله مستقيمة".
لقد أمر موسى شعب الله بالا يحيدوا عن طريق الرب يمنة أو يسرة، (فاحترزوا لتعملوا كما امركم الرب الهكم. لا تزيغوا يمينا ولا يسارا) (تث 5: 32).
ولكن أَنَّى لشعب عنيد غليظ الرقبة ان يستمع ويطيع؟! لم تستطع البشرية طيلة العهد القديم أن تمسك بالطريق وتتحد به وتسلك فيه، فالإنسان لم يكن قد أعطى النعمة بعد "لان الناموس بموسى اعطى، اما النعمة والحق فبيسوع المسيح صارا" ولكن لما سكب الرب الروح القدس بغنى على كنيسته اضحت لها القدرة والامكانية لتسلك في النور "بنورك يا رب نعاين النور" كلنا كغنم ضللنا وملنا كل واحد إلى طريقه (اش 53: 6) "الجميع زاغوا وفسدوا معا ليس من يعمل صلاحا ليس ولا واحد" (رو 3: 11). ولكن شكرا لله الذي رأى عجزنا نزل ليهبنا قوته ولما تطلع إلى ضلالنا حَنَّت أحشائه ووهبنا في شخصه طريق الحق والحياة.
لقد كان المسيحيون في العصر الرسولي يسمون أهل الطريق قبل ان يطلق عليهم مسيحيين في انطاكية فيقول سفر أعمال الرسل".. حتى إذا وجد أناسا من الطريق رجالا أم نساءا يسوقهم إلى أورشليم" (أع 9: 2). وفي موضع آخر "ولما كان قوم يتقسون ولا يقنعون شاتمين الطريق" (أع 19: 9).
وفي رسالة العبرانيين يتحدث الرسول بولس قائلًا "لنا أيها الاخوة ثقة بالدخول إلى الأقداس بدم يسوع كريقا كرسه لنا حديثا حيا بالحجاب أي جسده" (عب 10: 19).
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
1- وهو مكرس لنا أي وهبة للكنيسة حتى أن كل أولاد الله يتمسكون به فيكون لهم حق الدخول إلى أقداس الآب.
2- يعطى ثقة لكل من يسلكه، لأنه لا يقوم على إستحقاقات السالك وإنما على استحقاقات دم يسوع الذي سفك على الصليب ليهب للمجاهدين حياة أبدية.
3- وهو طريق حديث ليس كالقديم أيام موسى والانبياء، لأن هؤلاء أعطوهم الناموس والشريعة ولكن الناموس لم يكن له القدرة أن يهب الخلاص بل كان قائمًا لدينونة الإنسان وأظهار عجزه وقصوره وفساد طبيعته.
4- إن هذا الطريق هو الحجاب أي جسده... لقد كان الحجاب قديما في خيمة الاجتماع وهيكل سليمان علامة غضب الآب ورمزا إلى عجز الإنسان عن الدخول إلى قدس الأقداس.
أما جسد المسيح الذي صلب والجنب الطاهر الذي طعن قد اعطانا من خلاله بابا حديثا وطريقا حيا كي نتراءى امام الآب إذ في هذا الجنب المطعون صار لنا ملجأ من كل طعنات إبليس وحماية من كل هجماته وتقديسا بدمائه لحياتنا وطبيعتنا الضعيفة الساقطة.
يقول بولس الرسول عن المسيح الطريق الوحيد إلى الآب "لأنه هو سلاما... فجاء وبشركم بسلام أنتم البعيدين والقريبين، لأن به لنا كلينا قدومًا في روح واحد إلى الآب، فلستم إذا بعد غرباء ونزلاء بل رعية مع القديسين وأهل بيت الله" (افسس 2: 14، 17-19).
مبارك الرب يسوع الذي اعطانا بشخصه الطريق المقدس للدخول إلى أقداس الآب... تتحقق فيه نبوءة إشعياء "وحش مفترس لا يصعد إليها... بل يسلك المفديون فيها. ومفديو الرب يرجعون ويأتون إلى صهيون بترنم وفرح أبدى على رؤوسهم إبتهاج وفرح يدركانهم، ويهرب الحزن والتنهد" (35: 9-10).
إن الرب يسوع هو الطريق، إن بدأنا به مسيرة حياتنا يمنحنا قوة الروح لغلبة تحديات الحياة، حتى نصل في النهاية إلى المجد الذي يعيش فيه مع أبيه الصالح. إنه الغاية وهو الوسيلة وهو الطريق الذي يحمل على أجنحة المجاهدين به نحو أورشليم مدينة الأبكار القديسين.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/anba-bimen/christ-titles/way.html
تقصير الرابط:
tak.la/pzszj4h