محتويات: (إظهار/إخفاء) |
العهدان العبادتان والخدمتان كهنوت الكنيسة تداريب روحية |
ذكرنا في المقالتين السابقتين عن معنى الكهنوت، وكهنوت العهد القديم والفرق بين عمل الكاهن والنبي، وكيف أن الرب يسوع جاء كاهنًا ونبيًّا معًا.
ثم أوضحنا عظمة وسمو كهنوت العهد الجديد! وألمحنا إلى أن المسيح جاء ملكًا وكاهنًا، وأن كهنوته لم يكن بتسلسل جدى وراثى، إنما بقسم من الآب السماوي، وأن كهنوته جاء على رتبة أعظم من كل وسطاء العهد القديم، وخدمته لم تكن شبه السماويات بل كانت السماويات عينها.
وفي هذا المقال نكمل هذه الدراسة بالإشارة إلى مقارنة خدمة العهدين، ثم موجز لكهنوت الكنيسة باعتبارها الجسد الذي يحتل فيه الرب مكانة الرأس.
دخل الله في عهود مع شعبه في القديم مع إبراهيم يوم أن أعطاه عهد الختان، ومع إسحق، ومع يعقوب، بعد أن صارعه في بيت أيل... ولكن العهد الذي سجل كان على جبل سيناء، وقد أعلن موسى للشعب أنهم إذا حفظوا وصايا الرب وسمعوا كلامه فإنهم سيكونون له خاصة، وسيجعل منهم مملكة وكهنوتا وأمة مقدسة (خروج 19: 3-6)
واشترط الله الطاعة... وهتف الشعب: كل ما تكلم به الرب نفعل (خر 24: 3، 7) ولكن كم كانوا يجهلون أنفسهم!!
ففي خلال إسبوعين كانوا يرقصون في طيش حول عجل ذهبي أقاموه صنما يعبدونه، وتذمروا على الرب وحادوا عن وصاياه... ذلك أن الناموس لم يمنع الناس بالقوة والسبيل للتغلب الفعلى على الخطايا الناتجة من فشلهم وهذا ما شرحه بولس الرسول في رسالته إلى رومية بالتفصيل (رو 5: 20).
ولكن الرب إذ يعلم ضعف ونقص البشرية الساقطة أعطاها في القديم وعدا بعهد جديد... "عهدا جديدًا، ليس كالعهد الذي قطعته مع آبائهم، أجعل شريعتى في داخلهم، وأكتبها على قلوبهم، وأكون لهم إلها وهم يكونون لي شعبا... ولا أذكر خطيتهم بعد" (أر 31: 31- 34).
الفارق بين العبادتين في القديم والحديث، هو الفارق بين الناموس والنعمة...
فالعهد القديم كان رمزا وظلا، أما العهد الجديد فكان الحق بعينه. العبادة في العهد القديم كانت مصحوبة بالخوف، وأما تقدمة المسيح فقد ظهرت ضمائرنا من الخوف والقلق، لما قدمته لنا من فداء وتبرير مكننا أن نعيش بالشكر والفرح.
كان العهد القديم يتسم بالذبائح الجسدية والأعمال الميتة التي لا تظهر إلا الجسد، أما الروح فقد حررنا من الأعمال الميتة والشرائع الجسدية لنعبد بالروح والحق (يو 4: 22، رو 1: 9، أع 24: 14، 2 تى 1: 3، في 3: 3).
فعبادة العهد الجديد عبادة روحية، ويشترك فيها الجسد، ولكنه متطهر من ضمير شرير، ومغتسل بماء نقى (عب 10: 22).
كانت خدمة القديم تنفيذا لأوامر أعطيت من فوق، أما عبادة العهد الجديد فقد ربطت الخدمة السمائية بالأرضية وجعلت الملكوت مفتوحا لأبناء كنيسة أبكار. (عب 12: 22-24، 28-29).
على أنه إذا كان رئيس كهنتنا الأعظم يحمل ألقاب الملك والنبوة والكهنوت، إلا أنه دعا كنيسته أن تشاركه عمله:
* بالشهادة
* وبالوكالة
* وبالخدمة
وأوضحت الكنيسة تمارس حياة الشهادة للرب يسوع في خدمة الأسرار اللتيورجيا والأغابى والشركة (الكينونيا) وطاعة الإنجيل والكرازة باسمه في كل العالم بالعمل والقول (الدياكونيا).. وهكذا يتضح أن الكنيسة تشترك في خدمة المسيح، لأنها نعمة منحدرة من الرأس إلى الأعضاء، وقائمة على أساس حضور المسيح في وسطنا وإتحاده بنا. فتضحى حركة الخدمة بأنها في أعماقها الشكر والعبادة، مقابل تقدمة المسيح ذاته عنا. وبهذه التقدمة يقدم الابن الكنيسة للآب بإعتبارها جسده الحي (أفسس 4: 7).
فالخادم في الكنيسة لا يعمل على أنه الوسيط بين الله والناس، ولكن على أن المسيح يعمل خلاله، لأن المسيح يبقى في كنيسته هو اسقف نفوسها وراعيها (1 بط 2: 25).
والكنيسة متجددة دائما بوصفها جسد الرب في خدمتها للكلمة، وفي تناولها جسد الرب ودمه، فتعبيرنا عن خدمة الكنيسة ورسالتها يتركز في الكلمة والأسرار، وكهنوت الكنيسة مع أنه مفترق عن الكهنوت الكفارى الفريد الذي للمسيح، إلا أنه محدد في شكل الخادم العامل على الأرض، ومستعد كل فاعلية مما عمله رئيس كهنتنا الأعظم... ويستعين بولس الرسول بتعبيرات العهد القديم ليوضح أهمية أسرار العهد الجديد، فأعلن أن الجميع كانوا تحت السحابة، وجميعهم إجتازوا البحر، وجميعهم أكلوا طعاما روحيا واحدا، وشربوا من الصخرة الروحية الواحدة... ولكن الله لم يسر بأكثرهم، ثم لأن الطاعة لأوامره كانت الشرط لمسرته (1كو 10: 2-5).. فالتناول من الأسرار الإلهية مشروط ببناء الجسد وإلتزام محبة المسيح وطاعة لوصاياه ومحبة الاعضاء بعضها لبعض كبناء الله وهيكله الذي يسكنه الروح القدس (1كو 3: 9).
فالكنيسة الأرثوذكسية تفهم أن الأسقف بإعتباره رأس الكنيسة المحلية هو الخادم الذي يجرى من خلاله الروح القدس وسائط النعمة لسريان فاعلية كهنوت المسيح وخدمته البنوية والكهنوتية والملوكية في العالم. وتنظيم الخدمة في كنيسة الله لا يمكن فصله عن سيادة الكلمة والحق، ولا عن بُنيان الجسد الذي يعمل فيه ومن خلاله.
ويمكننا أن نوجز أهم مبادئ كهنوت الكنيسة كما استلمته من الآباء فيما يلي:
* كما أن الرأس كاهن ونبى وملك، هكذا أعطى للجسد -أي الكنيسة ان تنعم بخدمته الكهنوتية البنوية الملوكية.
إن الأسقف ومعه الكهنة والشمامسة هم خدام لكهنوت المسيح يستمدون كهنوتهم من عمل الكفارى على الصليب والشفاعى أمام عرش الآب وهو حي لكل حين ليؤدوا رسالته على الأرض إلى يوم أنقضاء الزمن.
- إن الكنيسة مطالبة أن تحيا وفقا للنمط الذي عاشته الرأس عندما كانت على الأرض، فالمؤمنون بإعتبارهم أعضاء في الجسد ملزمون بحياة المحبة والقداسة وطاعة الكلمة وتناول الجسد والدم الأقدسين وتقبل أسرار النعمة لتسرى فيهم النعمة وينحدر من الرأس إلى كل الأعضاء. وبدون هذه الحياة يقطع العضو نفسه من الكرمة الحقيقية.
* إن الكنيسة مطالبة أن تؤدى وظائفها السابق ذكرها من خلال الشهادة للأنجيل بالسيرة والكرازة، ومن خلال خدمة الأسرار (الليتورجيات). ومن خلال حياة الشركة المقدسة مع الله ومع الأعضاء سويا، لكي تكون مجالا لحضور الرب, وحلول الروح القدس واستكمال الأعضاء المختارة، حتى يكمل الأعضاء وينهى الرب الزمان ويأتى في مجده لإدخال الكنيسة إلى عرسه الأبدي.
أن المواهب في الكنيسة ليس لها هدف سوى الخدمة وبنيان الجسد الواحد.
إن كنت كاهنا ليكن لي سؤال باطنى: هل تعمل النعمة في "كما تعمل بي"؟
إن كنت خادما فهل خدمتى وفقا لمنهج الرب وسيرته؟!
إن كنت مؤمنا فهل أشعر بتكريس للرب وتقديم حياتي ذبيحة حية مرضية أمام الله، وتقدم ذبائح التسبيح والشكر للرب؟ وهل أعمل لمصالحة الناس مع الله كسفير ليسوع المسيح؟!
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/anba-bimen/christ-titles/priesthood-of-the-church.html
تقصير الرابط:
tak.la/rgzc22h