مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب أوريجانوس وحرية الإرادة والحتمية السوتيريولوجية - د. عادل زكري

5- العوالم المتعاقبة وحرية الإرادة

 

St-Takla.org Image: Origen teaching his students (details), Dutch illustration by Jan Luyken, 1700. صورة في موقع الأنبا تكلا: أوريجانوس العلامة يعلِّم تلاميذه (تفاصيل)، صورة توضيحية هولندية للفنان يان لوكين، 1700 م.

2- العوالم المتعاقبة وحرية الإرادة

 

اعتقد الرواقيون بوجود عوالم متعاقبة متطابقة: ”عوالم لا اختلاف يفرِّق بينها، عوالم متشابهة على نحو تام“.[23] وهذا ما يرفضه أوريجانوس تمامًا كما يلي:

”إذا ما تمثل أحدنا عالمًا يشبع عالمًا آخر شديد الشبه به، فإنه سيكون على نحو يأتي فيه آدم وحواء ثانية.. وسيكون طوفان ثان.. ويعمل موسى على أن يخرج ثانية من مصر.. وسيخون يهوذا معلمه ثانية.. وسيرقب بولس ثانية ملابس الذين رجموا اسطفانوس.. إذا كانت النفوس تحوز على قرار حر، وكانت سببًا في مضيها قدمًا أو نكوصها على وفق مقدرة مشيئتها. فليست بمحتوم عليها أن تفعل هذا أو ترغب بذاك عبر خلجة ترتد على ذاتها وفق دوائر متماثلة، بعد دهور عديدة. ولكنها تقود مجرى أفعالها إلى حيث تميل بها استعداداتها ميلاً حرًا“.[24]

في موضع آخر من المبادئ يجد أوريجانوس في فكرة العوالم المتعددة إجابة على سؤال أحد المعترضين عليه، وهو: ماذا كان الله يفعل قبل بدء العالم؟ وقال إنه من الكفر أن تكون طبيعة الله متكاسلة بلا عمل، ويقول بإنه يعتقد بوجود عالمين بخلاف هذا العالم، لكنه يرفض بشدة تزامن هذه العوالم: ”لا ينبغي الاعتقاد بأن عالمين متعددين وجدا معًا، بل يتبع ذلك هذا“.[25]

يرفض أوريجانوس فكرة التطابق والتزامن بين هذه العوالم لما يتضمنه هذا من ضياع حرية الإرادة، كما يظهر أيضًا في كتابه ”ضد كلسوس“ كالتالي:

”إذا كان هذا هو الحال، فإن حرية إرادتنا تبطل نهائيًا. لأنه خلال عدد معين من الدورات، وبدافع الضرورة، فإن نفس الأشياء التي حدثت، تحدث، وستحدث، فمن الواضح أن سقراط سيكرس حياته للفلسفة دائمًا.. وقضاة أريوباغوس سيحكمون عليه بالموت.. إذا قبل المرء هذه الفكرة، فلا أعرف تمامًا كيف تُحفظ حريتنا، وكيف يمكن أن يُبرر المديح أو اللوم..“[26]

هكذا يرفض أوريجانوس تطابق هذه العوالم المختلفة ”لأن النفوس تُدفع بحرية الإرادة وغير مقيدة بمسار دوري محتم“،[27] كما يؤكد أنه إذا أُبطلت حرية الإرادة فإن الأساس الأخلاقي ينهار. لا يمكن أن يُمدح أحد عن حق وهو ليس لديه حرية حقيقة ليختار أن يفعل ما يستحق المدح.[28] النظرية الرواقية عن العوالم المتعاقبة تنادي بالتكرار الحتمي للأحداث ولا تترك مساحة لاختيارات بديلة. وبالتالي المساءلة الأخلاقية ممكنة فقط إذا حُفظت حرية الإرادة، وهذا ما يؤكد عليه أوريجانوس.

يلمح أوريجانوس لشيء آخر في منتهى الأهمية، إذ يقول: ”كذلك نفس الناس سيصبحون مسيحيين، وكلسوس سيكتب كتابه، بالرغم أنه كتبه من قبل عددًا لانهائي من المرات“.[29] هنا إشارة إلى أن نظرية العوالم المتعاقبة تجعل البحث عن الحق أمرًا عبثيًا ولا يصل إلى شيء، فمتى سيصل الإنسان إلى الحقيقة؟! رفض أوريجانوس هذه النظرية حتى يحافظ على حرية الإرادة، ومن ثم المساءلة الأخلاقية وجدية البحث عن الحق.

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

[23] أوريجانوس، المبادئ 2-3-4.

[24] نفس المرجع السابق.

[25] أوريجانوس، المبادئ 3-5-3. جدير بالذكر أن القديس جيروم في رسالة له رقم 124 يدعي أنه قام بترجمة صحيحة لكتاب ”المبادئ“ بخلاف الترجمة ”المزورة“ التي قام بها روفينوس والتي اتهمها جيروم بالتزوير. في هذه الرسالة يقول القديس جيروم إن أوريجانوس كان يؤمن بتعدد العوالم ولكن ليست متزامنة، بل عندما ينتهي عالم يبدأ آخر، ولكن أوريجانوس لم يؤمن بتطابق هذه العوالم، بناء على اعتبارات تتعلق بحرية الإرادة. (راجع خطابات القديس جيروم، ج 5، ترجمة القمص يوحنا عطا، مدرسة الإسكندرية، ص 214- 215).

 

[26] أوريجانوس، ضد كلسوس، الكتاب الرابع 67- 68.

[27]  Mary-Jane Rubenstein, Worlds Without End: The Many Lives of the Multiverse (Columbia University Press, 2014), 63.

[28] يقول القديس يوستين في دفاعه الأول 43 نفس الفكرة: ”فإذا شاء القدر أن يكون هذا الإنسان صالحًا وذاك شريرًا فلن يكون هذا مزكىً ولا ذاك ملومًا“.

[29] نفس المرجع السابق.

الأبوكتاستاسيس وحرية الإرادة

أوريجانوس وحرية الإرادة والحتمية السوتيريولوجية كتب عادل زكري

الغنوصية ونظرية الطبائع

---