St-Takla.org  >   bible  >   commentary  >   ar  >   ot  >   fr-angelos-st-makarios  >   ruth
 
St-Takla.org  >   bible  >   commentary  >   ar  >   ot  >   fr-angelos-st-makarios  >   ruth

تفسير الكتاب المقدس - العهد القديم - القمص أنجيلوس المقاري

راعوث 3 - تفسير سفر راعوث

 

* تأملات في كتاب راعوث:
تفسير سفر راعوث: مقدمة سفر راعوث | راعوث 1 | راعوث 2 | راعوث 3 | راعوث 4

نص سفر راعوث: راعوث 1 | راعوث 2 | راعوث 3 | راعوث 4 | راعوث كامل

الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح

← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

الإصحاح الثالث

 

[1- وَقَالَتْ لَهَا نُعْمِي حَمَاتُهَا: «يَا ابْنَتِي أَلاَ أَلْتَمِسُ لَكِ رَاحَةً لِيَكُونَ لَكِ خَيْرٌ؟. 2- فَالآنَ أَلَيْسَ بُوعَزُ ذَا قَرَابَةٍ لَنَا, الَّذِي كُنْتِ مَعَ فَتَيَاتِهِ؟ هَا هُوَ يُذَرِّي بَيْدَرَ الشَّعِيرِ اللَّيْلَةَ. 3- فَاغْتَسِلِي وَتَدَهَّنِي وَالْبَسِي ثِيَابَكِ وَانْزِلِي إِلَى الْبَيْدَرِ, وَلَكِنْ لاَ تُعْرَفِي عِنْدَ الرَّجُلِ حَتَّى يَفْرَغَ مِنَ الأَكْلِ وَالشُّرْبِ. 4- وَمَتَى اضْطَجَعَ فَاعْلَمِي الْمَكَانَ الَّذِي يَضْطَجِعُ فِيهِ وَادْخُلِي وَاكْشِفِي نَاحِيَةَ رِجْلَيْهِ وَاضْطَجِعِي, وَهُوَ يُخْبِرُكِ بِمَا تَعْمَلِينَ». 5- فَقَالَتْ لَهَا: «كُلَّ مَا قُلْتِ أَصْنَعُ». (را 1:3-5). ]

 

بدون شك اهتمام نعمي براحة كنتها راعوث أمر ممدوح جدًا. لم تكن نعمي تفكر في الأمر من قبل ولكن الأعمال الحسنة التي صنعها بوعز فتحت الباب لإحياء مثل هذا الرجاء، وليس فقط فتحت باب الرجاء بل جعلت نعمي تحدد بوضوح أيًا من الوليين تريده أن يكون زوجًا لراعوث. بذلت نعمي كل ما في وسعها لتدبير وسيلة بها تزّوج راعوث كنتها. ودبرت بحكمتها ما هو في صالح كنتها والذي حياء كنتها يمنعها من تدبيره لنفسها (ع1). وتصرفت نعمي على هذا النحو:

أ- وفاء وإنصافًا للميت لتقيم نسلًا لمن ماتوا ولكي تحفظ الأسرة من الانقراض.

ب- إكرامًا وعرفانًا لكنتها والتي سلكت تجاهها باحترام وطاعة ناجمين عن حب عميق لشخصها.

St-Takla.org Image: Naomi directs Ruth (Ruth 3:1-5) صورة في موقع الأنبا تكلا: نعمي توجه راعوث (راعوث 3: 1-5)

St-Takla.org Image: Naomi directs Ruth (Ruth 3:1-5)

صورة في موقع الأنبا تكلا: نعمي توجه راعوث (راعوث 3: 1-5)

"يا بنتي" قالت هذا وهي تتطلع إليها بكل حب كابنة لها "ألا التمس لك راحة" أي التمس لك استقرارًا بأن تتزوجي وتستريحي في بيت. الزواج هو أو ينبغي أن يكون حالة استقرار وراحة للشبان والشابات، إذ العواطف الهائمة تستقر آنذاك ويلزم أن يكون القلب في راحة. الزواج هو لكي تجد الفتاة راحة في بيت زوجها وفي قلبه (را 9:1).

وحول العدد الأول جاء في السنن القويم ما يلي:

[الراحة المشار إليها هي راحة المرأة في بيت زوجها، لأن المرأة تحتاج إلى من يحامي عنها ويعتني بها، ويعظم فرحها برجلها وأولادها. وليس المراد عدم العمل لأن المتزوجة تعمل وتتعب أحيانًا أكثر من غير المتزوجة ولكن الراحة المقصودة هي الراحة من الهمّ والعار والظنون والوحدة. وليس لكل المتزوجات راحة وذلك من دخول الخطية إلى البيت سواء خطية الرجل أو المرأة أو كليهما. وما يجب على الزوجين المحبة وطول البال والتواضع. وأساس الراحة البيتية الوحيد خوف لله.

إن بعض الفاضلات لم يتزوجن ومع ذلك وجدن راحة حقيقية في خدمتهن المقبولة التي بها نلن المحبة والكرامة، وفي نظرهن إلى الرب وهو عريس الكنيسة وفي اشتياقهن إلى الوطن السماوي. وليس للمرأة أن تطلب رجلًا بل أن تقبل بالشكر تدبير الله لها. وفي أيامنا هذه كثرت أسباب الراحة لغير المتزوجات وذلك بوجود أنواع كثيرة من الخدمات العالمية والروحية لم تكن في القديم، وبامتداد الدين المسيحي الذي ينشئ في العالم الشفقة على الضعفاء.. ]

إن الطريق الذي سلكته نعمي لكي تريح ابنتها كان طريقًا جد غير عادي، بل ويبدو مريبًا بحسب أعرافنا الحاضرة. وإن كان فيه شيء لا يليق فالخطأ يلزم أن يقع على نعمي التي وضعت كنتها فيه، لأن نعمي تعرف أو ينبغي أن تعرف الشرائع والعوائد المتبعة في إسرائيل أفضل من راعوث:

أ- حقًا بوعز، لكونه قريب للميت وأقرب الموجودين أحياء الآن، كان ملزم بمقتضى الشريعة الإلهية أن يتزوج أرملة محلون الذي كان الابن الأكبر لأليمالك وقد مات بدون نسل، فلماذا لا نذكّره بواجبه؟

ب- إنه كان وقتًا مناسبًا لتذكيره به، وقد صارت له الآن معرفة جيدة جدًا براعوث بملازمتها المستمرة لحصاديه وفتياته طوال فترة الحصاد والتي قد انتهت الآن. كانت فرصة طيبة أن يُطالب به بينما كان يعمل تذرية الشعير في بيدره (ع2).

ج- اعتبرت نعمي أن راعوث هي أنسب من تقوم بهذا العمل بنفسها، وربما كانت العادة في تلك البلاد أن المرأة -في مثل هذا الظرف- هي التي عليها أن تتقدم بالطلب والناموس يوصي بهذا (تث7:25-9).

من حيث أن المهمة التي أمام راعوث لم تكن كما في ذهابها للحقل والعمل طوال الفترة الماضية، بل هي مهمة تختص بترتيب زواج، لذلك طلبت نعمي من راعوث أن تغتسل جيدًا وتهتم بمظهرها وشعرها وتلبس أفضل ما لديها مما يليق بمناسبة كهذه وتدهن نفسها بزيت عطري، وربما كان يعني الأمر أن تخلع ثياب ترملها. ولقد ورد فعل النزول هنا لأن بيت لحم نفسها كانت على أخدود مرتفع حتى أنه يتعين على الشخص أن ينزل إذا أراد أن يذهب إلى الحقول التي حولها.

كان على راعوث أن تنزل إلى البيدر في العتمة ودون أن يراها أحد، لأنه ليس في صالحها أن يراها أحد بهذا اللبس أو هذه العطور إذ سيسيء الظن بها بينما هي بريئة، بل وليس لبوعز أن يلمحها آنذاك، إذ قد يكون حوله البعض من عماله أو معارفه فتفسد الخطة، ولذا نجاح خطتها يتوقف على جعل نفسها أو بالأحرى جعل مأموريتها غير معروفة لحين تفرق الجمع واعتزال بوعز للنوم. لكن:

د- مجيئها للرقاد تحت قدميه، عندما كان نائمًا في فراشه له مظهر شرير حتى إننا لا نعرف كيف نبرره. يوافق الجميع على أن هذه سابقة ليس لنا أن ننجذب إليها أو نقتدي بها، فلا قوانيننا أو عاداتنا هي التي كانت آنذاك، ولكن هناك من يرى أنه لو كان بوعز كما حسبا، القريب التالي فهي كانت زوجته أمام الله (كما نقول) ولا يوجد سوى احتياج لاحتفال بسيط لإكمال العرس، ولكن يبدو لي أن الأمر هكذا، لأن بوعز فهم مغزى الزيارة ولم يسئ الظن البتة براعوث أو يعتبر مغامرتها هذه عمل أهوج، بل سعى الرجل بكل قوته على حفظ سمعة هذه البارة والفاضلة راعوث إلى آخر المدى. ولكن من جهة نعمي فيمكن القول أنها كانت تعرف أنه رجل فاضل ووقور وتقي ويخاف الله، وكانت تعلم أيضًا أن راعوث امرأة عاقلة وعفيفة وملازمة للبيت، وغير هذا يستحيل أن تفعل نعمي ما فيه شر وتسيء إلى كنتها التي وثقت بها وأحبتها إلى أخر المدى من كل قلبها، بل ولو كان فيه خدش لسمعة راعوث فكيف نبرر قولها أنها تلتمس لها راحة (ع1). وأخيرًا كانت راعوث -نعم ثق في حماتها وتحبها- لكنها كانت فتاة عاقلة تعرف الخير من الشر ومن غير المعقول أن تقدم على فعل شرير يغضب القدير الذي جاءت لتحتمي تحت جناحيه ولو كان الذي يقول لها أن تفعله حماتها.

ولكن هناك سؤالان يخطران بالبال، أولهما لماذا لم تذهب نعمي في وضح النهار وتأخذ معها راعوث وتطلب هذه الطلبة؟ وثانيًا لماذا انتظر بوعز حتى تقدم راعوث على هذه المغامرة الصعبة حتى يهتم بالأمر ويتم هذا الزواج؟

لو نرجع إلى الوراء سنجد أن نعمي لم تكلم كنتيها البتة عن موضوع الولي لأنها كما سنرى بعد قليل كيف أن الولي الأول قد رفض القيام بالدور الذي يقرّ به الناموس ويعطيه شرعية مدموغة بختم إلهي، وقد رأينا كذلك كيف أن أونان قد رفض القيام بواجب الولي لزوجة أخيه عير (تك9:38)، فكم بالأولى يكون الحال في من هو ليس قريب من الدرجة الأولى.. ولذلك واضح أن نعمي أحجمت عن طرق هذا الباب تحسبًا للرفض الوارد، ولكن تصرفات بوعز الطيبة وتقواه وما فعله من جهة راعوث قد فتح الباب أمام إمكانية قيامه بدور الولي، ولكن لم تستطع نعمي المضي إليه في وضح النهار تحسبًا لأن الرفض قد يكون متوقعًا ومن أدراها أن بوعز لم يفعله ما فعله مع راعوث إلا من باب الشفقة والإحسان، مثلما يفعله مع غيرها ممن في ظروفها الصعبة..

أما بوعز فهو أيضًا لكونه ليس الولي الأول لم يستطع البت في الأمر، ومن جهة أخرى فهو يرى أن فارق السن كبير بينه وبين راعوث فهي من جهة السن في عمر ابنته ومن أدراه أن هذه الشابة الغريبة تقبل الزواج من شخص في عمر أبيها لإتمام واجب يمليه الدين والشرع، وربما هو رأى أن جمالها يمكن أن يشفع لفقرها فيتقدم أحد من الشباب ليتزوج بها، فلماذا يزج نفسه في موضوع محرج كهذا، لذلك كان مطلوب من راعوث بصفة شخصية أن تثبت موافقتها بطريقة واضحة لا لبس فيها وبدون وجود أي ضغط عليها من جهة حماتها حتى يتقدم هو إلى الأمام ويقوم بالإجراءات الرسمية للأمر على مرأى ومحضر من شعب المدينة. ولعل هذا هو السبب الذي لأجله تعطرت وتزينت راعوث عندما ذهبت إليه ليلًا، والذي لا يفهم هذا أو يضعه في حسبانه قد يسئ فهم راعوث في هذا الموقف ويعيب عليها كيف لها أن تتزين وتتعطر إن كانت هي لا تود سوى جذب انتباهه ليسير في إجراءات ارتباطها به. لقد رأت نعمي أن بوعز كان يرى راعوث كل يوم بملابس الحداد وبملابس العمل المتسخة، وكانت تريده أن يراها وهي مغتسلة ومعطرة وفي ثياب تليق بعروس لتغريه -إن جاز القول- على التقدم للارتباط بها! ولم تجد في الأمر غضاضة إذ قلبها كان يحدثها بأن بوعز هو زوج المستقبل لراعوث!

← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

St-Takla.org Image: Ruth goes down to the threshing floor under Boaz's feet (Ruth 3:6-15) صورة في موقع الأنبا تكلا: راعوث تجلس تحت قدمي بوعز (راعوث 3: 6-15)

St-Takla.org Image: Ruth goes down to the threshing floor under Boaz's feet (Ruth 3:6-15)

صورة في موقع الأنبا تكلا: راعوث تجلس تحت قدمي بوعز (راعوث 3: 6-15)

[6- فَنَزَلَتْ إِلَى الْبَيْدَرِ وَعَمِلَتْ حَسَبَ كُلِّ مَا أَمَرَتْهَا بِهِ حَمَاتُهَا. 7- فَأَكَلَ بُوعَزُ وَشَرِبَ وَطَابَ قَلْبُهُ وَدَخَلَ لِيَضْطَجِعَ فِي طَرَفِ الْعَرَمَةِ. فَدَخَلَتْ سِرًّا وَكَشَفَتْ نَاحِيَةَ رِجْلَيْهِ وَاضْطَجَعَتْ. 8- وَكَانَ عِنْدَ انْتِصَافِ اللَّيْلِ أَنَّ الرَّجُلَ اضْطَرَبَ, وَالْتَفَتَ وَإِذَا بِامْرَأَةٍ مُضْطَجِعَةٍ عِنْدَ رِجْلَيْهِ. 9- فَقَالَ: «مَنْ أَنْتِ؟» فَقَالَتْ: «أَنَا رَاعُوثُ أَمَتُكَ. فَابْسُطْ ذَيْلَ ثَوْبِكَ عَلَى أَمَتِكَ لأَنَّكَ وَلِيٌّ». 10- فَقَالَ: «إِنَّكِ مُبَارَكَةٌ مِنَ الرَّبِّ يَا ابْنَتِي لأَنَّكِ قَدْ أَحْسَنْتِ مَعْرُوفَكِ فِي الأَخِيرِ أَكْثَرَ مِنَ الأَوَّلِ, إِذْ لَمْ تَسْعِي وَرَاءَ الشُّبَّانِ, فُقَرَاءَ كَانُوا أَوْ أَغْنِيَاءَ. 11- وَالآنَ يَا ابْنَتِي لاَ تَخَافِي. كُلُّ مَا تَقُولِينَ أَفْعَلُ لَكِ, لأَنَّ جَمِيعَ أَبْوَابِ شَعْبِي تَعْلَمُ أَنَّكِ امْرَأَةٌ فَاضِلَةٌ. 12- وَالآنَ صَحِيحٌ أَنِّي وَلِيٌّ, وَلَكِنْ يُوجَدُ وَلِيٌّ أَقْرَبُ مِنِّي. 13- بِيتِي اللَّيْلَةَ, وَيَكُونُ فِي الصَّبَاحِ أَنَّهُ إِنْ قَضَى لَكِ حَقَّ الْوَلِيِّ فَحَسَنًا. لِيَقْضِ. وَإِنْ لَمْ يَشَأْ أَنْ يَقْضِيَ لَكِ حَقَّ الْوَلِيِّ, فَأَنَا أَقْضِي لَكِ. حَيٌّ هُوَ الرَّبُّ. اضْطَجِعِي إِلَى الصَّبَاحِ». (را 6:3-13). ]

 

قامت راعوث بتنفيذ كل تعليمات حماتها بالحرف الواحد "نزلت إلى البيدر وعملت حسب كلما أمرتها به" (ع6)، وكان بوعز قد انتهى من أكله وشربه، وحول عبارة "طاب قلبه" يقول السنن القويم ما يلي:

[لا نفهم من ذلك أنه سكر وسياق الكلام (ع10-13) ينفي هذا الظن، بل أنه شبع من الأكل والشرب واستراح من أتعاب النهار وهمومه وكان مستعدًا لنوم هادئ. ]

بعد هذا مضى بوعز لينام في طرف العرمة، والعرمة هي كومة من الحصيد بعد درسها في البيدر، إذ هذا الكوم من الغلال هو الذي ينبغي حراسته والذي من يأتي ليسرق يكون عينه عليه. وواضح أن راعوث دخلت سرًا دون أن يلمحها أحد وقبل أن يغلق باب بيدره عليه واختبأت بالقرب من أحد أكوام السنابل أو الشمائل إلى أن مضي لينام، وبعد أن اطمأنت أنه نام مضت هي أيضًا لتنام تحت طرف رجليه (ع7).

يبدو أنه كان هناك نور خافت في البيدر نام بوعز على ضوئه، لأنه عندما استيقظ في الليل مضطربًا من عساه أن ينام تحت رجليه يقول النص "والتفت وإذا بامرأة مضطجعة عند رجليه" (ع8) ولو كان الظلام دامس ما كانت هناك ضرورة لأن يلتفت بل ولا كان استطاع أن يتحقق أن الراقد تحت رجليه امرأة.

ولذا بمنتهى الهدوء استفهم من تكون، إذ أدرك أنه ليست لص جاء ليسرقه ولا هي امرأة غرضها سيء لأن الوضع والموضع الذي رآها فيها يبعد عنها التهمتين: "من أنت؟ وماذا تريدين؟ فردت عليه العفيفة المحبوبة في الرب راعوث "أنا راعوث أمتك. فابسط ذيل ثوبك على أمتك لأنك وليّ" (ع9). من باب الاتضاع والشعور بواقعها وفقرها قالت إنها عبدته راعوث. وتعبير ابسط ذيل ثوبك" يُقصد به أن يتزوجها ويفك رهان أرض عائلة زوجها (إن كانت مرهونة) ويقيم نسلًا لمحلون زوجها.

لقد سبق أن أشرنا إلى أن بوعز لم يبادر في السعي للقيام بدور الولي إذ لم يكن يعلم رأي راعوث في الأمر، وها هي قدمت أكثر من دليل بالقول والفعل على موافقتها أن يقوم هو بالذات- نظرًا لما أبداه من مشاعر طيبة تجاهها ومعاملة حسنة قدمها لها - بدور الولي. إنه علم أن مطلبها كان مطلبًا عادلًا وكريمًا ولذلك عاملها باحترام، وعلم أن مجيئها إليه لم يكن عن شهوة خاطئة ولذلك حافظ بشجاعة على كرامته وكرامتها:

St-Takla.org Image: Ruth sleeps at the feet of Boaz, by W. Montague Cary (Ruth 3:8) صورة في موقع الأنبا تكلا: راعوث تنام وتضطجع عند قدمي بوعز، رسم الفنان و. مونتاج كاري (راعوث 3: 8)

St-Takla.org Image: Ruth sleeps at the feet of Boaz, by W. Montague Cary (Ruth 3:8)

صورة في موقع الأنبا تكلا: راعوث تنام وتضطجع عند قدمي بوعز، رسم الفنان و. مونتاج كاري (راعوث 3: 8)

أ- إنه امتدحها وتحدث إليها بلطف ودعاها ابنته وتحدث عنها باحترام كامرأة لها فضيلة بارزة. كان تنازلًا شديدًا منها أن تترك وطنها وتأتي مع حماتها إلى أرض إسرائيل لتقيم معها وتعولها. لأجل هذا هو قال لها من قبل "ليكافئ الرب عملك وليكن أجرك كاملًا من عند الرب.. " (را 12:2)، أما الآن فيهتف قائلًا لها "إنك مباركة من الرب يا بنتي، لأنك قد أحسنتِ معروفك في الأخير أكثر من الأول" (ع10) في كونها لم تنظر إلى ما هو لهواها بل لعائلة زوجها بأن تتزوج ثانية ولي.. وحول (ع10) يقول السنن القويم ما يلي:

[أنت مباركة من الرب: ظهر من قوله أنه لم يلمها وإن لم يلمها بوعز لا يلومها غيره لأنه هو المتُعدى عليه وهو لم يحكم أن عملها غير لائق، مع أنه رجل فهيم معتبر، مستعدًا أكثر من غيره للحكم بلياقة عمل راعوث.

في الأخير أكثر من الأول: كلمة "الأول" تشير إلى تركها بلاد موآب والتصاقها بنعمي واختيارها إله إسرائيل. وكلمة "الأخير" تشير إلى اختيارها بوعز ليكون وليها. فإنه لو كان ميلها إلى الشبان (فقراء كانوا أو أغنياء)، كان يمكنها أن تتزوج أحدهم إما في موآب أو في إسرائيل. ولكن كان اهتمامها أن تفك الأرض التي كانت لحميها ولرجلها وإقامة نسل له حسب شريعة موسى. وليس عملها مصدره الطمع أو الميول الجسدية بل النية المخلصة لتعمل ما كان يجب عليها بموجب شريعة إله إسرائيل. ففي عملها الأخير أحسنت أكثر من عملها الأول مع أن ذلك (العمل الأول) كان حسنًا. ]

ب- بوعز يعدها بالزواج: لا تخافي بأني استخف بك أو أفضحك أو ألومك على ما فعلته الليلة، لا بل كل ما تقولين أفعل لك لأن هذا هو ما تطلبه الشريعة من الولي ولا يوجد أي سبب يجعلني أتراجع عنه لأن جميع أبواب شعبي تعلم أنك امرأة فاضلة (ع11).

ج- ومع أنه كان يتمنى من قلبه أن يأوي راعوث رسميًا تحت سقف بيته ويقوم لها بدور الولي، لأنها كنز يفوق ثمن اللآلئ، إلا أنه جعل وعده مشروطًا بالوفاء به في حالة رفض الولي الآخر الأقرب منه. وهو بنفسه سيعرض الموضوع على الولي الآخر ليعرف رأيه، فلو رفض الولي الآخر أن يقوم بواجبه، سيقوم هو به ويتزوج راعوث ويفك الأرض وهكذا يُصلح حال هذه الأسرة المنكوبة.

د- وفي الختام قال لها بوعز "بيتي الليلة كما يليق بابنة مع أبيها ويكون في الصباح أنه إن قضى لك حق الولي فحسنًا. ليقض.. "

رغم أن بوعز نام في بيدره ليس لحراسته فحسب بل ليكون وسط عماله من بدء الصباح، إلا أن ما استجد هنا من ظروف جعله يغير رأيه ويهتم بموضوع راعوث التي هي بمثابة ابنة لها، ومن هذا المنطلق لم يكن يمانع -وإن تمنى أن تكون هذه الجوهرة من نصيبه- أن يقوم ذلك الولي بالقيام بدور الولي معها، وأكد لها أن موضوعها سيتم حسمه في الصباح الباكر، ووعد بقسم أنه سيقوم لها بدور الولي في حالة رفض الولي الآخر، الأمر الذي من المؤكد أن راعوث ذاتها كانت تتمنى أن يكون هذا الولي بوعز وليس الولي الآخر.. وفي الختام قال لها أن تضطجع إلى الصباح عنده إذ لن تستطيع أن تسير في الشوارع في هذا الوقت المتأخر من الليل المظلم، وعليها أن تهدأ وتنام ولا تشغل بالها بالموضوع إذ سيتكفل هو به باكرًا وهكذا رأينا بوعز باركها كأب وشجعها كصديق ووعدها كقريب وكافأها كولي وصرفها محملة بالأماني والعطايا ليس بأقل عفة وسعادة بل أكثر عما حين مضت إليه.

← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

St-Takla.org Image: Ruth tells Naomi what happened (Ruth 3:16-18) صورة في موقع الأنبا تكلا: راعوث تحكى لنعمي (راعوث 3: 16-18)

St-Takla.org Image: Ruth tells Naomi what happened (Ruth 3:16-18)

صورة في موقع الأنبا تكلا: راعوث تحكى لنعمي (راعوث 3: 16-18)

[14- فَاضْطَجَعَتْ عِنْدَ رِجْلَيْهِ إِلَى الصَّبَاحِ. ثُمَّ قَامَتْ قَبْلَ أَنْ يَقْدِرَ الْوَاحِدُ عَلَى مَعْرِفَةِ صَاحِبِهِ. وَقَالَ: «لاَ يُعْلَمْ أَنَّ الْمَرْأَةَ جَاءَتْ إِلَى الْبَيْدَرِ». 15- ثُمَّ قَالَ: «هَاتِي الرِّدَاءَ الَّذِي عَلَيْكِ وَأَمْسِكِيهِ». فَأَمْسَكَتْهُ, فَاكْتَالَ سِتَّةً مِنَ الشَّعِيرِ وَوَضَعَهَا عَلَيْهَا. ثُمَّ دَخَلَ الْمَدِينَةَ. 16- فَجَاءَتْ إِلَى حَمَاتِهَا فَقَالَتْ: «مَنْ أَنْتِ يَا ابْنَتِي؟» فَأَخْبَرَتْهَا بِكُلِّ مَا فَعَلَ لَهَا الرَّجُلُ. 17- وَقَالَتْ: «هَذِهِ السِّتَّةَ مِنَ الشَّعِيرِ أَعْطَانِي, لأَنَّهُ قَالَ: لاَ تَجِيئِي فَارِغَةً إِلَى حَمَاتِكِ». 18- فَقَالَتِ: «اجْلِسِي يَا ابْنَتِي حَتَّى تَعْلَمِي كَيْفَ يَقَعُ الأَمْرُ, لأَنَّ الرَّجُلَ لاَ يَهْدَأُ حَتَّى يُتَمِّمَ الأَمْرَ الْيَوْمَ» (را 14:3-18).]

 

لقد كان السفر حريصًا على تأكيد طهارة كل من بوعز وراعوث ومخافتهما لله ولذلك نجد أنه لما قال بوعز لراعوث "اضطجعي إلى الصباح" (ع13)، فلئلا تلعب الظنون الرديئة بفكر أحد عاد فقال "فاضطجعت عند رجليه إلى الصباح" (ع14)، ومن حرص راعوث -الحلوة الفضائل والشمائل - على سمعتها وسمعة الرجل البار بوعز قامت استعدادًا للرحيل والعودة إلى بيتها قبل أن يقدر الواحد على معرفة صاحبه، أي قامت والظلام لا يزال باقيًا، وهو بدوره كان حريصًا على سمعة كليهما فحدث نفسه متمنيًا كتمان الأمر، أو ربما أوصاها بكتمان الأمر قائلًا "لا يُعلم أن المرأة جاءت إلى البيدر" (ع14). ولو نضع عبارة ".. ثم دخل المدينة" (ع15)، بجانب أول عدد من الإصحاح التالي "فصعد بوعز إلى الباب وجلس هناك"، يمكننا أن نستنتج أنه كأب حرص على توصيل ابنته إلى المدينة لكون الظلام لا يزال باقي وعقب دخولهما المدينة واطمأن على وصولها إلى منطقة الأمان، عاود الرجوع إلى بيدره لحين طلوع الشمس ووصول غلمانه وتوزيع العمل عليهم أو إعطائهم التعليمات المطلوبة لإنجاز عمل ذلك اليوم، وانطلق بعد ذلك إلى المدينة لإنجاز ما وعد به راعوث.

قام بوعز بصرف راعوث بهدية حسنة، هدية ستكون مقبولة جدًا من حماتها المسكينة في البيت، ودليل على أن بوعز لم يصرف راعوث بدافع من عدم ميله أو نفوره منها، الأمر الذي ربما كانت ستخمنه نعمي لو صرفها فارغة، فأعطاها في ردائها ستة مكاييل من الشعير، وليس لنا أن نستخرج مفاهيم لا داعي لها من هذا الرقم ولكن يمكن القول أنه دليل الكرم وعربون القبول، ولكونه أقصى ما يمكن أن يستطيع رداء راعوث أن يسعه، وكدليل على عظم قدر هذه الهدية ساعدها بوعز بأن وضعه على كتفها لأنه كامرأة لا تستطيع بمفردها رفعه على كتفها. وصحبها بعد ذلك وأوصلها إلى المدينة كما سبق القول (ع15).

لو دخلنا إلى أعماق راعوث في تلك اللحظات التي كان يسير فيها بوعز بجانبها، تُرى ماذا كانت مشاعرها؟ لست استبعد أن قلبها كان يلهج بالشكر لله ومن يدري ربما كانت تصلي لله بأن يتم صنيعه معها فيكون هذا الرجل بالذات هو الولي الذي تود أن تحيا في كنفه، هذا الرجل الذي لم تسمع أو ترى في بلادها أو غيرها من البلاد أن ترقد فتاة بالقرب منه ولا يتلاعب الشيطان به إذ معروف أن طريق رجل بفتاة عاقبته شريرة (انظر أم19:30). فهذا الرجل قد أسر قلبها بفضائله وعفته وكرمه وعطفه.. لقد شعرت أيضًا كم عظيم هذا الإله -إله إسرائيل- الذي يوجد هذه الأجواء المتسمة بالحب والعفة فأحبته أكثر وأكثر..!

فجاءت راعوث إلى حماتها مبكرًا وربما الظلام لا يزال باقيًا، لأن عبارة "لا يُعلم أن المرأة جاءت إلى البيدر" (ع14)، لن تحقق هدفها ما لم يتم دخول راعوث بيتها قبل بزوغ أول خيوط النهار في الفجر، إذ لو رآها أحد بملابسها هذه وهي معطرة ومعها هذا المقدار من الحبوب ألا تلعب الهواجس الرديئة بفكره؟

St-Takla.org Image: When Boaz had finished eating and drinking he lay down at the far end of a grain pile. Ruth crept up to him, uncovered his feet and lay down. (Ruth 3: 4) - Ruth, Bible illustrations by James Padgett (1931-2009), published by Sweet Media صورة في موقع الأنبا تكلا: "ومتى اضطجع فاعلمي المكان الذي يضطجع فيه، وادخلي واكشفي ناحية رجليه واضطجعي، وهو يخبرك بما تعملين" (راعوث 3: 4) - صور سفر راعوث، رسم جيمز بادجيت (1931-2009)، إصدار شركة سويت ميديا

St-Takla.org Image: When Boaz had finished eating and drinking he lay down at the far end of a grain pile. Ruth crept up to him, uncovered his feet and lay down. (Ruth 3: 4) - Ruth, Bible illustrations by James Padgett (1931-2009), published by Sweet Media

صورة في موقع الأنبا تكلا: "ومتى اضطجع فاعلمي المكان الذي يضطجع فيه، وادخلي واكشفي ناحية رجليه واضطجعي، وهو يخبرك بما تعملين" (راعوث 3: 4) - صور سفر راعوث، رسم جيمز بادجيت (1931-2009)، إصدار شركة سويت ميديا

ومن ناحية أخرى قد رتبت نعمي رسم خطة الأمس ولكنها لعدم وجودها في موقع الأحداث لا تدري كيف سيسير السيناريو، لا تدري متى أو كيف سترجع راعوث، لذلك لكون راعوث جاءت والظلام باقي وأيقظتها من نومها، كان من الطبيعي أن ترد هذه العبارة "من أنت يا بنتي؟" على لسان نعمي. ولكن هذا لا يمنع من القول إنها ربما سألتها "من أنت يا بنتي" ليس كمن لا تعرفها إذ هي تعرف جيدًا صوت راعوث التي عاشرتها فترة طويلة، بل هي قالت هذا وكأنها تقول لها: أعروسة أنت أم لا؟ هل أفلحت في أن أفرّح قلبك؟ هل نجحت الخطة التي وضعتها لك، أم ظهرت عقبات أفسدتها؟ هل سيحقق بوعز ما نتمناه أم خيّب أملنا فيه؟

والرأي الثاني ليس بمستبعدًا لأنه ردًا على سؤال بوعز: من أنت؟ (ع9)، أجابت راعوث: أنا راعوث أمتك (تابع ع9)، بينما هنا ردًا على نفس السؤال لم تجب راعوث: أنا راعوث، بل يقول النص "فأخبرتها بكل ما فعل لها الرجل" (ع16)، وعمومًا جيد بأن نأخذ بالرأيين معًا.

"وقالت هذه الستة من الشعير أعطاني لأنه قال لا تجيئي فارغة إلى حماتك" (ع17). بعد أن أخبرتها بكل ما قال الرجل، قالت راعوث هذه العبارة الواردة هنا على لسان بوعز. ويمكن القول إن ما جمعته راعوث في موسم الحصاد هذا -بفضل اجتهادها وسخاء بوعز- كان كافيًا كمئونة للشتاء، ولكن بوعز رأى بحكمته أن نعمي تحتاج إلى دليل عملي ملموس على صدق مشاعره وتبنيه لهذه القضية فقدم هذه الهدية الكبيرة كعربون على أخذه الأمر بجدّية. ولذلك إذ فهمت نعمي مغزى كلام وأفعال بوعز ولمعرفتها الجيدة بشخصه الكريم إذ "لم يترك المعروف مع الأحياء والموتى" (را 30:2)، قالت لراعوث "اجلسي يا بنتي حتى تعلمي كيف يقع الأمر، وكيف يسير سيناريو الأحداث، لأن الرجل من حيث أنه وعد قائلًا ".. ويكون في الصباح أنه إن قضى لك حق الولي فحسنًا ليقض. وإن لم يشأ أن يقضي لك حق الولي فأنا أقضي لك" (ع13)، ومن حيث أنه قرن ذلك بأن ألزم نفسه بقسم قائلًا "حي هو الرب" (تابع ع13)، لذلك ختمت نعمي الكلام قائلة "لأن الرجل لا يهدأ حتى يتمم الأمر اليوم" (ع18).

كان يمكن لبوعز أن يرجئ البت في الأمر لحين الانتهاء من موسم الحصاد بكل متعلقاته وتبعاته، ولو فعل هذا ما كان أحد سيلومه، ولكن الرجل بالرغم من كل مشاغله قرر البت في الأمر في الحال، الأمر الذي يعزز فكرتنا الجيدة عنه ويجعله عن جدارة يأتي اسمه في سلسلة أنساب الرب يسوع..

وليتنا نتعلم من موقفه هذا أن لا نرجئ ما يختص بالمواقف المصيرية للآخرين، بل نبّت فيها الحال طالما هذا في مقدورنا وداخل نطاق عملنا وتخصصنا، لأن من يتصرف بهذه الطريقة ينال رضى الله ودعاء المساكين الذين ينصفهم..

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

← تفاسير أصحاحات راعوث: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4

الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/bible/commentary/ar/ot/fr-angelos-st-makarios/ruth/chapter-03.html

تقصير الرابط:
tak.la/th279cv