* تأملات في كتاب: الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح |
← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17
الأَصْحَاحُ الأَوَّلُ
(1) مقدمة (ع1)
(2) العروس تشتاق لعريسها (ع 2-6)
(3) العريس الراعي (ع 7-11)
(4) العريس الملك (ع 12-17)
1 نَشِيدُ الأَنْشَادِ الَّذِي لِسُلَيْمَانَ:
ع1:
إن كان سليمان قد كتب أناشيد كثيرة، ولكن هذا هو نشيد الأنشاد، أي أهم الأناشيد. وإن كان سليمان هو كاتبه، ولكنه موجه للمسيح المسيا المنتظر، ويتكلم عن تجسده، وفدائه، وقيامته، وهو الخلاص الذي انتظره شعب الله على مدى أجيال العهد القديم، والذي تتمتع به أجيال العهد الجديد.† ليت التسبيح يكون جزء واضح من صلواتك كل يوم، لتسبح الله الذي يعتنى بك، وتتمتع بالوجود بين يديه.
2 لِيُقَبِّلْنِي بِقُبْلاَتِ فَمِهِ، لأَنَّ حُبَّكَ أَطْيَبُ مِنَ الْخَمْرِ.2 لِرَائِحَةِ أَدْهَانِكَ الطَّيِّبَةِ. اسْمُكَ دُهْنٌ مُهْرَاقٌ، لِذلِكَ أَحَبَّتْكَ الْعَذَارَى. 4 اُجْذُبْنِي وَرَاءَكَ فَنَجْرِيَ. أَدْخَلَنِي الْمَلِكُ إِلَى حِجَالِهِ. نَبْتَهِجُ وَنَفْرَحُ بِكَ. نَذْكُرُ حُبَّكَ أَكْثَرَ مِنَ الْخَمْرِ. بِالْحَقِّ يُحِبُّونَكَ.5 أَنَا سَوْدَاءُ وَجَمِيلَةٌ يَا بَنَاتِ أُورُشَلِيمَ، كَخِيَامِ قِيدَارَ، كَشُقَقِ سُلَيْمَانَ.6 لاَ تَنْظُرْنَ إِلَيَّ لِكَوْنِي سَوْدَاءَ، لأَنَّ الشَّمْسَ قَدْ لَوَّحَتْنِي. بَنُو أُمِّي غَضِبُوا عَلَيَّ. جَعَلُونِي نَاطُورَةَ الْكُرُومِ. أَمَّا كَرْمِي فَلَمْ أَنْطُرْهُ.
ع2:
ليقبلنى بقبلات فمه: تحدث العروس عريسها، ولعلها تطلب منه أن يقبلها الأب، فتحدثه بصيغة الغائب "ليقبلنى" وليس "لتقبلنى" وهي تعلم جيدا أن الابن هو الوحيد الذي يعرف كل شيء عن الآب، وعن حبه لها إذ هما جوهر واحد (يو 1: 18). وتظهر هذه الآية أشواق العروس إلى محبة عريسها، وهي أشواق شديدة، لذا تقول قبلات وليس قبلة. وتحدثه بروح الرجاء، ولعلها باتضاع تتمنى أن ينعم عليها بمحبته في شكل القبلات. وقبلات الفم ترمز إلى كلمة الله التي تظهر محبته لعروسه النفس البشرية، أو الكنيسة.وقبلات الآب للعروس ترمز لقبلات الآب للإبن الضال عند رجوعه إليه، مظهرا محبته له حتى وهو خاطئ، وخاصة عندما يرجع إليه بالتوبة.
إن أشواق العروس لقبلات عريسها هي تظهر أشواقها لتجسده، ليحيا معها، ويفديها، ويقيمها من خطاياها، بل ليحيا معها في كنيسة العهد الجديد، معلنا حبه لها بالروح القدس في أسرار الكنيسة ووسائط النعمة. إنها كلها قبلات حب تشبع العروس.
"حبك أطيب من الخمر":
تعلن العروس لعريسها أن حبه أطيب وأحلى من الخمر، وذلك لما يلي:
الخمر لذيذ الطعم، أما حب الله فأكثر لذة. اللذة الأولى مادية، أما اللذة الثانية فروحية لا يعبر عنها.
الخمر تفرح شاربها، إذ تنسيه همومه، وحب الله هو مصدر الفرح الحقيقي الذي يشبع النفس بالله، فترتفع فوق أحزان العالم، بل تحول الحزن نفسه إلى فرح؛ لأنها تغير النظرة للحزن، لترى تدابير الله من خلال الضيقة.
إذا شرب الإنسان خمرًا كثيرًا يسكر ولا يدرى ما يجرى حوله، وحب الله يرفعنى فوق شهوات العالم ومباهجه، ويشبعنى فلا أحتاج لشئ، وأكون تائها عن إنشغالات العالم، لتمتعى وانشغال قلبى بمحبة الله.
كان العنب في الشرق قديما يُعصر بالدوس عليه بالأقدام. ومن العنب ما لونه أحمر، فيخرج عصير العنب ذو اللون الأحمر من تحت الأقدام. رأى هذا اشعياء النبي، ورأى بروح النبوة المسيح يجتاز المعصرة وحده، ويتألم لفداء البشرية، فيدوس المعصرة وحده، وقال: "ما بال لباسك محمر وثيابك كدائس المعصرة، قد دست المعصرة وحدى" (أش63: 2، 3) فدم المسيح المبذول لأجلنا أطيب من الخمر المأخوذ من عصير العنب، لأن المسيح بذل حياته لوحده عنا، وفدانا ، وليس حب أعظم من هذا .
فم المسيح الذي نشتاق أن يقبلنا، هو الفم الذي ذاق الخل والمر لأجلنا على الصليب وتقبلها بفرح لأجل خلاصنا، فقبلاته تشبعنا بحبه الذي لا يوجد مثيل له في العالم، ولا في أيه لذة، سواء لذة الخمر، أو أية ماديات، لأن حبه يفوق العقل، إذ أنه مات لأجلنا. وعندما يقبلنا نصبح مستعدين أن نبذل حياتنا لأجله ونذوق معه الخل والمر، أي نشترك معه في احتمال الآلام التي نقبلها بفرح، لتذوقنا حلاوة حبه، ونكون مستعدين أن نبذل حياتنا لأجله.
ع3: "لرائحة أدهانك الطيبة":
العريس الذي هو المسيح رائحة أدهانه جميلة وطيبة أحبتها العروس، وتمتدحها في حديثها معه.
الأدهان هي خليط من الزيت والعطور، وترمز لعمل الروح القدس، الذي هو روح العريس، فتظهر لكنيسته بركات الخلاص الذي أتمه لأجلها.
الأدهان الطيبة هي صفات العريس الذي فيه كل الفضائل، فتظهر لنا محبته الباذلة، وطاعته للآب في احتمال الآلام، ونقاوته من كل خطية، وقداسته، فهو القدوس البار، ووداعته واتضاعه الذي يفوق العقل، فكيف تجسد واحتمل كل الإهانات وهو إله الآله الذي يفيض بسلامه على كنيسته، فيكون أولاده أيضا في سلام.
هذه الأدهان الطيبة ارتفعت رائحتها إلى السماء، عندما كان المسيح على الصليب، فاشتمه أبوه الصالح وقت المساء على الجلجثة، كما نقول في أواخر تسبحة يوم الأحد.
تم مسح المسيح بالروح القدس بعد عماده في نهر الأردن، وأعلن الله ذلك من خلال الحمامة التي وقفت على رأسه، وبدأ بعد ذلك خدمته التي انتهت بالصليب والفداء والقيامة.
المسيح هو رئيس كهنة العهد الجديد، ورئيس الكهنة في العهد القديم، كان يُمسح بصب الدهن على رأسه، فينزل على لحيته. والمسيح وقفت الحمامة على رأسه إعلانا للروح القدس الذي يملأه، ويفيض عليه لصالح كنيسته، وهذا يظهر في كل من يعتمد في جرن المعمودية، فيحل عليه الروح القدس من خلال دهن الميرون، فيتمتع برائحة الأدهان الطيبة.
"إسمك دهن مهران"
اسم العريس يحمل كل شخصيته وفضائله، فإسمه يعنى أنه دهن طيب الرائحة، ومهراق، أي يفيض بغزارة على كنيسته بفضائل وبركات لا حصر لها.
على الصليب عرفنا إسم المسيح عندما رأينا حبه المبذول، وكيف قبل أن يموت لأجلنا ليفدينا، فهذا هو أعلى صورة للحب.
الدهن المهراق هو دم المسيح المسفوك على الصليب، لأنه يعلن فداء البشرية لكل من يؤمن به، فهو الخلاص المقدم للعالم كله.
الروح القدس الذي حل على الكنيسة في يوم الخمسين هو القادر أن يعرفنا اسم المسيح، ودهنه المهراق على الصليب، لأن المسيح أعلن ذلك بوضوح عندما قال: "لأنه يأخذ مما لى ويخبركم" (يو 16: 14)، وبهذا نعرف المسيح بعمق، ونحبه، بل تتعلق قلوبنا به.
الدهن المهراق يعلن محبة المسيح العظيمة التي يسكبها علينا بسخاء، فهو ليس فقط غنيًا، ولكن فيه كمال الغنى، ويعطى أولاده بسخاء ولا يعير (يع 1: 5).
الدهن المهراق مشبع جدا، حتى أن من يأكله لا يحتاج إلى طعام آخر بعده، فمن يشبع بالمسيح لن يحتاج إلى شيء من أمور العالم.
الإنسان يتعرض لصدمات في الحياة تصيب جلده بجروح وكدمات ومتاعب كثيرة. والدهن يرطب الجلد ويجعله لينا قادرًا على احتمال الإساءات الخارجية من العالم. هكذا أيضا المسيح يسند أولاده فلا ينزعجون من تجارب الحياة.
"لذلك أحبتك العذارى"
من أجل كل الجمال والعطاء والحب السابق في كلمات هذه الآية، أحبت العذارى العريس. فمن يستطيع أن يتقبل حب العريس ويشعر به هو العذراء، أي النفس المكرسة قلبها للمسيح، فتعطيه كل القلب والمشاعر والفكر، وعلى قدر ارتباطها به تتمتع بحبه .
العريس الذي هو المسيح، قلبه متسع، ليقبل كل العذارى، أي كل النفوس التي تتجاوب معه، فيشبعها بحب، ولا تسقط العذارى في الغيرة البشرية المعروفة، لأن كل عذراء، أي كل نفس بشرية تشعر كأن المسيح لها وحدها، فتحبه، وتشبع به، بل إذ تمتلئ بمحبته تسعى لجذب العذارى الأخريات، ليتمتعن معها بحب العريس، وهكذا تصير خادمة للنفوس المحيطة بها، وهذا يؤكد أن هذا السفر تعبيراته كلها روحية مرتبطة بالمسيح، وليس جسدية موجهة لإنسان.
العذراء هي الكنيسة التي تتعلق بعريسها، فتشبع من حبه، وعلى قدر ما تعتمد الكنيسة على المسيح، ولا تعتمد على آخر سواه، أي على كل قوى العالم، وإمكانياته، تصير هذه الكنيسة ناجحة، نامية في حبه، جاذبة للنفوس، تسير بخطى واسعة نحو الملكوت.
إن العريس جميل جدا، ومشبع للنفس التي تتفرغ له، وتتأمل جماله، فلابد أن تحبه، وتتعلق به. فمشكلة المؤمنين بالمسيح هو انشغالهم عنه أحيانا، فتنقلب حياتهم، أما إذا تأملت النفس في المسيح كل يوم تنال طمأنينة وفرح، وتنطلق من شبع إلى شبع؛ لأنها تكتشف كل يوم بنعمة المسيح الجديد من حبه، فتنمو وتفرح .
ع4:
"أجذبنى وراءك فنجرى":أ- "أجذبنى":
تتحدث العروس مع عريسها باشتياق شديد، وتطلب منه أن يجذبها وراءه، فهي مشتاقة إليه، وتريد معونته، فيجذبها نحوه، لتتمتع بالوجود بين يديه.
إن قيود الخطية وحروب إبليس قيدت وعطلت العروس عن التمتع بعريسها، ولذا فهي محتاجة إلى قوته، لتحررها من كل خطية، فتنطلق نحوه، منجذبة بحبه.
إن الصليب الذي يفيض بالحب الباذل، ولا يوجد حب أعظم منه، هو أكبر قوة جاذبة للنفوس المؤمنة، فتندفع نحو المسيح العريس لتتذوق حلاوة لا يعبر عنها.
إن نعمة الله هي القوة المحركة لأولاده حتى يأتوا إليه. ولكن لا يمكن أن تعمل هذه القوة دون إرادة الإنسان، فلابد أن يطلب من الله أن يجذبه إليه، فقد قال المسيح بوضوح: "إسألوا تعطوا، أطلبوا تجدوا، إقرعوا يفتح لكم" (مت7: 7) وعلى قدر ما يطلب الإنسان تفيض عليه نعمة الله بقوة جاذبة لا يمكن إيقافها.
إن كانت حروب إبليس وقوى العالم لها تأثير كبير على الإنسان، لترجعه إلى التراب الذي أخذ منه، بل تلقيه إلى الهلاك، ولكن قوة الله أكبر بكثير من كل قوى الشر، فيستطيع الله أن يجذب الإنسان إليه، وهكذا يستهين المؤمن بحروب إبليس، ولا ييأس لكثرة سقطاته، ويمتلئ رجاءً، ويطلب"أجذبنى" ويظل مع الله حتى ينتقل إلى السماء.
النفس المؤمنة المشتاقة لله، أي العروس لا تكتفى فقط بأن يجذبها الله إليه، لتتمتع بعشرته على الأرض، بل تشتاق بالأكثر أن يجذبها إليه بقوة تخترق الزمن، وترفعها إلى الأبدية، فتتذوق حلاوتها بمقدار على الأرض كعربون للملكوت، حتى تتشجع في طريق جهادها الروحي، إلى أن تستقر في السماء بين أحضان عريسها.
ب- "وراءك"
وراءك أنت وحدك، لأنك أنت الإله الحقيقي ولا سواك، فأنت هو الطريق والحق والحياة، فالعالم وكل ما فيه زائل، فلا أريد أن أسير وراء أي شيء في العالم، سواء بشر، أو ماديات، لأنى أحبك وأريدك أنت، وأنت وحدك الذي تحبنى محبة كاملة.
اجذبنى وراءك لأتخلص من شهوات الجسد، وإغراءات العالم الزائلة.
اجذبنى وراءك لأن حيل إبليس ومكائده كثيرة تحاول أن تعطلنى وتسقطنى في فخاخه، لكن ما دمت أنت تجذبنى، أستطيع أن اتخلص من كل معطلات الشيطان.
اجذبنى وراءك لأتعلم صفاتك وفضائلك وأستطيع أن أحفظ وصاياك وأحيا بها.
اجذبنى وراءك إلى الكنيسة جسدك لأنضم إلى عضويته، وذلك من خلال أسرارك المقدسة التي أولها سر المعمودية.
جـ- فنجري:
العروس مشتاقة جدا لعريسها، لذلك تظهر مشاعرها نحوه فإنها لا تريد فقط أن تسير وراءه، بل أن تجرى، لتدخل إلى أعماقه، وتتمتع به.
تحرك قلب العروس نحو عريسها، فامتلأ بحبه، وحينئذ فاض على من حولها. فأحبت كل المؤمنين، واشتاقت أن يكونوا معها، وهم المعبر عنهم بالعذارى، فهي تريد أن تجرى هي وأخواتها العذارى، لذا تقول فنجرى. وهذا يؤكد أن مشاعر العروس، أي النفس البشرية، مشاعر روحية، وليس حديث بين رجل وامرأة، لأن طبيعة المرأة لا تريد شريكا لها في حب عريسها، أما هذه العروس فتشتاق أن كل العذارى، أي المؤمنين يجرون معها نحو العريس.
رأت العذارى، أي المؤمنون، محبة العروس لعريسها، فتمثلن بها، واشتقن أيضا أن يحببن العريس مثلها، فتجاوبن مع ندائها، وأقبلن نحو العريس، وانبهرن بحجاله وأحببنه، فأقبلن عليه، ليس فقط من أجل دعوة العروس لهن، بل لأنهن أصبحن يردن العريس، كما استجاب أهل السامرة ليس فقط بنداء السامرية لهم، بل لأنهم رأوا المسيح، وآمنوا به، وأحبوه (يو4: 42) .
آمنت العروس بمحبة عريسها لها، ولكل المؤمنين، لذلك طلبت منه بثقة أن يقبلها هي وباقى العذارى ليجرين نحوه، واستجاب لها، كما سنرى في باقي الآية.
العروس تؤمن أن جذب العريس لها يتم بقوة كبيرة تجعلها ليس فقط تمشى وراءه هي وأخواتها العذارى، بل يجرين نحوه كالمغناطيس الكبير الذي يجذب قطع الحديد الصغيرة نحوه، فهي تقف أمام حب الله غير المحدود القادر أن يجذب كل القلوب المؤمنة به فتجرى.
العروس تريد أن تجرى وراء عريسها بكل حواسها وإمكانياتها وقدراتها، لذا تقول بصيغة الجمع فنجرى، أي كل ما في ينجذب نحوك أيها الحبيب.
"أدخلنى الملك إلى حجاله":
فرح العريس بطلبة عروسه منه أن يجذبها إليه، واستجاب لها سريعا، واعطاها فوق ما تطلب، أو تفتكر، إذ أدخلها ليس إلى بابه، أو أى مكان عادي في قلبه، ولكن أدخلها إلى أعماقه، وهو الحجال الذي هو الحجرة الداخلية الخاصة بالتقاء العريس بعروسه، ليعطيها هناك كل حبه.
إن حجال الملك هو أعظم مكان في المدينة، فهو الحجرة الخاصة المزينة داخل القصر الملكى، فهناك تشبع النفس حبا، وتتلذذ أكثر من أي مكان في العالم. لأن كل لذة أرضية، أو راحة نفسية هي لا شيء بجوار لذة الحجال.
إن الحجال الذي تتذوقه النفس على الأرض هو عربون الحجال السماوى حيث تتذوق النفس، أي العروس الاتحاد بعريسها، وتدوم فيه إلى الأبد.
هذا الحجال يرمز إلى سر المعمودية، حيث تتجدد طبيعة العروس، وتعرف، وتفهم أمورا لم تكن تعرفها عن الله، بل وتشعر به، وتتلذذ معه.
إن الحجال أيضا هو سر الافخارستيا، وهو سر الأسرار، حيث يتنازل العريس، ويعطى عروسه أغلى شيء في الوجود، وهو جسده ودمه، ليحيا فيها، وتحيا به.
دخول العروس للحجال هو بواسطة الملك، الذي فدى العروس، وبهذا الفداء أدخلها لمكان لا يمكن أن تدخل إليه، إلا بدم المسيح الفادى، لتعرف، وتتمتع بأمور أعلى وأسمى من كل ما على الأرض.
إن الحجال هو الصليب، حيث ترى العروس أعظم حب في العالم، عندما ترى عريسها يبذل حياته لأجلها، ويموت عنها، لتحيا به، بل تتحول العروس لتصير صورة حقيقية للعريس، مستعدة أن تبذل حياتها لأجله، فتحب أولاده الذين في العالم، وتبحث عنهم، وتجمعهم إليه في تضحيات لا نهاية لها.
"نبتهج ونفرح بك":
تعلن كل العذارى أنهن يبتهجن، ويفرحن بالعريس في وحدانية قلب، كأنهن أعضاء في جسده، ويكتسبن الفرح منه.
الابتهاج والفرح تستعيده النفوس المستعدة للمسيح، وهو الفرح الذي عاشته البشرية في شخص آدم وحواء في الفردوس، وفُقد بالسقوط في الخطية، ولكن يُستعاد بالمسيح الفادى.
إن كل نفس تشعر وهي وسط المؤمنين أن المسيح يحبها هى محبة خاصة، فرغم كثرة المؤمنين، ولكن لكل واحد مكانه الخاص في قلب المسيح، ويشعر بخصوصيته، فيبتهج ويفرح قلبه.
يعلو الفرح في القلب في كل من:
أ- الكنيسة حيث المذبح المقدس، بالتناول من جسده ودمه الأقدسين.
ب- المخدع حيث تنفرد النفس بالمسيح، وتدوم بين يديه.
ج كل مكان، إذ لا تستطيع النفس المحبة للمسيح أن تفارقه، فتظل في فرح كامل من خلال الصلوات الدائمة.
"نذكر حبك أكثر من الخمر":
تقول العذارى، أي النفوس المؤمنة المحبة لله، أننا نذكر حبك الذي جعلك تخلق العالم لنا، ثم تخلقنا بكل دقة واهتمام، وترعانا. وعندما نخطئ تأتى إلينا بتجسدك، وتفدينا بموتك على الصليب، وهذا حب يفوق العقل. ثم فوق كل هذا أعددت لنا بحبك ملكوت السموات، الذي ندوم فيه معك إلى الأبد.
نذكر حبك من خلال الصلوات والقراءة، والتأملات، ومن خلال الاتحاد بجسدك ودمك فنتذوق حلاوتك التي تعلو بنا عن كل لذات العالم المعبر عنها بالخمر، أي نرتفع فوق العالم إذا تذكرنا حبك، فلا نعود ننشغل، أو ننزعج، أو نقلق لأى شيء.
الانغماس في حبك بتذكرك الدائم يرفعنا إلى فوق، فرغم وجود الضيقات لا نتعب فيها، بل إن مجد القيامة يطغى على الصليب. والحب يرفعنا فوق الأتعاب، فنشكر حبك الذي هو أفضل من كل مباهج العالم، فنترك عنا الانغماس فيها، أو الإنشغال بها.
إذا سقط الإنسان في خطايا كثيرة، وانغمس في الخمر وكل لذة في العالم، ونسى الله، الله يحرك مشاعره بالتوبة، وحينئذ يذكره بحبه، وهذا الحب يعيده إلى حياته الأولى، فيستعيد عشرته مع الله، فالحب هو الحياة.
كما أن من يتعود شرب الخمر يميل إليها ويتعلق بها، كذلك بالأكثر من يحب الله، ويتذوق حلاوته، يرتبط به، ولا يستطيع أن يستغنى عنه، بل يتذكره دائما، فتتجدد مشاعر الحب لله يوما فيومًا.
"بالحق يحبونك"
أخيرا أشعر أن كل من أحب الله، أي كل النفوس المؤمنة بالحق يحبون الله، إذ هو مصدر الحياة وقوتها، هو السعادة على الأرض وفى السماء.
إذا أحب الإنسان الله يجد نفسه تلقائيا يتباعد عن الخطية، ولا يتعلق بها، وهكذا يتطهر ويتنقى، ويملأه الله بحبه، ويرتبط بالحب الإلهي ولا يستطيع أن يتركه. وهذا هو طريق المحبة الكاملة.
إذا كانت النفوس المؤمنة تحب الله، فهي بالضرورة ستحب بعضها البعض، لأن الحب الإلهي يفتح القلب بالحب للآخرين، فيسعى كل واحد لمساعدة الأخر، ومساندته.
إن كل محبيك يارب يحبونك بالحق، لأنك تهتم بكل نفس تحبك، فتفيض عليها حبا جديدا من حبك اللانهائى، وتعطيها بركات من روحك القدوس، وثمار، ومواهب، فتشبع من حبك وتدوم فيه.
أمام الصليب والحب المسفوك لأجل فداء البشرية يتلاشى الرياء، والكبرياء، وكل المظاهر الباطلة، ويظهر الحب بكل أعمالك، لذلك بالحق يحبونك يارب كل النفوس المؤمنة بك.
ع5:
1- تتكلم كنيسة الأمم، أي الأمم الذين تنصروا وصاروا مسيحيين، وتكلم بنات أورشليم، وهم اليهود الذين صاروا مسيحيين، وتقول لهم:
"أنا سوداء وجميلة" وتقصد:
أنا سوداء بسبب كثرة خطاياى، وابتعادى عن الله طوال حياتى الماضية، ولكن جميلة لأنى بعدما آمنت بالمسيح كسانى ببره وفضائله، فصرت جميلة.
2- تتكلم النفس البشرية، وتعلن لباقى المؤمنين فتقول :
أ- أنا سوداء من كثرة التجارب التي أمر بها، ولكنى جميلة بعمل الله فىَّ، الذي يسندنى في تجاربى ويظهر لى نفسه، فأتمتع بعشرته داخل التجربة. فأنا سوداء أسير في طريق كرب وضيق، ولكنى جميلة بأن الطريق هو المسيح، فأتمتع برؤيته والإحساس به في الطريق، فيحول الضيق والكرب إلى راحة وفرح.
ب- أنا سوداء قبل أن أنال سر المعمودية، ولكنى جميلة بعد أن لبست الطبيعة الجديدة التي وهبنى الله إياها.
جـ- أنا سوداء من أجل ضعفى، وقصورى، وكل ما أعانيه من صغر نفس، ولكنى جميلة بالإيمان بالمسيح الذي يعمل فى، فيحول ضعفى إلى قوة، فأقول مع بولس الرسول "أستطيع كل شيء في المسيح الذي يقوينى" (فى4: 13).
د - أنا سوداء في لحظة السقوط في الخطية، ولكنى جميلة بالتوبة والرجوع إلى الله، فتتجدد حياتى.
أنا سوداء عندما أكون ساقطة في الخطية، لكن الخطية ليست من طبعى لأنى صورة الله. فأنا أشتاق للرجوع إلى طبيعتى الأولى كإبن الله، فأنا مثل الابن الضال الذي بين الخنازير، ولكنى أريد أن أقوم، وأعود إلى أبى، لأجد حياتى بين يديه.
هـ- الإنسان المتضع يشعر أنه أسود، لأجل ضعفه، ولكن بالمسيح ينال قوة عظيمة حتى أنه يفتخر بضعفه، الذي يهبه قوة الله، كما قال بولس الرسول "فبكل سرور أفتخر بالحرى في ضعفاتى لكي تحل على قوة المسيح" (2 كو12: 9).
و- أنا سوداء وأنا أعانى من آلام الجهاد الروحي طوال حياتى، ولكنى جميلة عندما تنطلق روحي، وتعاين أمجاد السماء، وأثناء جهادى أشتاق للسماء.
3- إن التي تتكلم وتقول أنا سوداء وجميلة هي أمنا العذراء، التي احتملت منذ طفولتها حياة جادة وصعبة عندما تربت في الهيكل بعيدا عن حنان أبويها، واحتملت مسئولية رعاية يوسف الشيخ في بيته، منذ بلغت الثانية عشر من عمرها، وبعد هذا احتملت الاتهام بالزنا بعد تجاوزها الخامسة عشر من عمرها. وظلت تتهم بالزنا من اليهود طوال حياتها، إذ أعلنوا هذا للمسيح في حوارهم معه (يو 8: 41). واحتملت أن يهب ابنها نفسه للجموع، ولا يعيش معها في بيت واحد. ثم فوق الكل احتملت الصليب، وموت أبنها أمام عينيها. واحتملت أيضا أمور تفوق العقل، أن يكون ابنها الطفل والفتى والرجل، وهو في نفس الوقت إله الآلهة ورب الأرباب، فتعاملت معه بإيمان واتضاع وفرح. له تقول أنا سوداء من أجل كل هذه التجارب، ولكنى جميلة بسكنى الله داخلي ورؤيتى لابنى الحبيب يسوع المسيح.
4- يوجد في الكتاب المقدس رموز كثيرة تنطبق على هذه الآية (ع5) ومنها:
أ- كانت الأرض قبل بدء خلقة العالم خربة وخالية (تك1: 2) ولكن هي جميلة بين يدى الله عندما يخلق فيها النور والسماء والأرض.
ب- تزوج موسى بالمرأة الكوشية السوداء التي من الأمم، ولكنها صارت جميلة بزواجها من موسى النبي، فقبلت وتعلمت الإيمان بالله، لذا فلسان حال المرأة الكوشية تحدث مريم وهارون إخوة موسى "أنا سوداء وجميلة" (عد12: 1).
جـ- إن ملكة سبأ أتت إلى سليمان، وأنبهرت بحكمته ، فهي تقول أنا سوداء سبب أصلى الأممى، ولكنى جميلة برؤية سليمان وحكمته الذي هو رمز المسيح (1 مل3: 5). وهكذا آمنت ملكة سبأ، وستدين العالم في يوم الدينونة لأنه لم يؤمن (مت 12: 42).
د- داود: يقول أنا سوداء من جهة خطاياى، وخاصة خطيتى الزنا والقتل، ولكنى جميلة بسبب توبتى أمام ناثان، ودموعى التي أعوم بها سريرى كل ليلة (مز6: 6).
هـ- يصرخ أشعياء النبي ويقول أنا سوداء لأنى نجس الشفتين وساكن بين شعب نجس الشفتين، ولكنى جميلة بسبب عمل الله فىَّ، إذ طهرنى بجمرة من على المذبح، فاستطعت أن أتكلم بنبوات وكلام الله (اش6: 5-7).
و- قام عبد ملك الكوشي بإنقاذ إرميا من الجب ورفعه بحبال، ليحيا من جديد، فكان كلام الله على فم أرميا لعبد ملك أنه سينجيه من أيدي بابل التي ستهجم على أورشليم، وتخربها. وعبد ملك يرمز لكنيسة الأمم التي ستخلص عندما تؤمن بالمسيح.
ز- شخصيات كانت تبدو أنها سوداء، ولكن الله رآها وحولها، فصارت جميلة، مثل راحاب الزانية التي كانت سوداء، ولكنها آمنت بالله فخلصت (يش6: 25) وصارت جدة للمسيح (مت 1: 5) . وراعوث الأممية آمنت وصارت جدة للمسيح (مت1: 5) وشاول الطرسوسى ظهر له المسيح، وتحول من اضطهاد المسيحيين إلى التبشير باسم المسيح (1 تى1: 13).
5- من هذه الآية نخلص بتعاليم محددة هي:
أ- الاتزان الروحي، فإن كنت أنا سوداء من أجل ضعفى، ولكنى جميلة بالمسيح.
ب- لا نحكم حسب الظاهر عندما نرى سواد الآخرين، فقد يكونوا في جمال أمام الله.
جـ- لا نشمت في مصيبة الآخرين عندما نرى سوادهم، فقد يعطيهم أحتمالهم للآلام جمالا أعظم في عينى الله، وقد يتوبوا فينالوا أكاليل عظيمة، أو يؤمنوا فينالوا مجدا كبيرا.
د- يشعر كل خادم يعلن الله للآخرين، أو يعمل أعمالا عظيمة أن جماله من الله، ولكنه من أجل كثرة خطاياه هو أسود، فيشكر الله الذي يعمل في الضعفاء.
6- تشبه كنيسة الأمم، أو النفس البشرية نفسها:
"كخيام قيدار كشفق سليمان"
وقيدار هو ابن إسماعيل، وهو اسم لقبيلة تعيش في شبه الجزيرة العربية، وكانت خيامها سوداء تماما، فكنيسة الأمم سوداء مثل هذه الخيام، ولكنها مثل شقق سليمان، وهي ستائر قصور سليمان البيضاء والملونة بألوان جميلة. فمظهر كنيسة الأمم من الخارج سواد، أما من الداخل فهي مثل شقق سليمان الجميلة، كما كانت خيمة الاجتماع من الخارج جلود تخس ومن الداخل اسمانجونى وألوان عظيمة، وذهب وفضة. وهكذا كان المسيح لا صورة له ولا منظر ومن الداخل هو الله. وكذلك كل إنسان مسيحى، حتى وإن كان متألما، ومحتملا اتعابا كثيرة، لكنه يحمل الله في داخله، ويتمتع بعشرته.
نلاحظ أن كنيسة الأمم تتكلم بصيغة المفرد وتقول أنا سوداء وجميلة، ولكن عند التشبيه تشبه نفسها بصيغة الجمع، فتقول كخيام قيدار وشقق سليمان، لأن كنيسة الأمم هي كنائس كثيرة منتشرة في العالم كله. وإن كانت النفس البشرية، فهي تتكلم عن كل النفوس المؤمنة وتنتقل من المفرد إلى الجمع.
ع6: تواصل كنيسة الأمم حديثها فتقول لبنات أورشليم، كما ذكر في (ع5):
1- "لا تنظرن إلى لكونى سوداء":
أ - أنا منظرى أسود وهذا اللون غير محبوب، ولكنه سواد خارجي لا يعنى سواد الداخل، بل إن قلبى أبيض، وأحب الله، وأحب الناس، "فلا تحكموا حسب الظاهر بل احكموا حكما عادلا" (يو7: 24) .
ب- منظرى الأسود مرتبط بالشمس التي لوحتنى. فإذا غابت الشمس سينتهى سواد لونى. ومغيب الشمس هو نهاية العمر، وبالتالي سيظهر بياضى في الحياة الأخرى. فيكون لى جسد ممجد نقى، أتمتع به في عشرة لا تنتهي مع الله إلى الأبد.
جـ- إن كنيسة الأمم يفهم من كلامها أنها تثق في نفسها أن داخلها نقى يحب الله، وهي غير منزعجة بمنظرها الأسود الخارجي. فهي بنت لله، تحبه، ولا يهمها منظرها، أو رأى الناس، فهو شيء مؤقت وزائل، وهذا يعلن إيمانها القوى بالله الساكن فيها .
د - كنيسة الأمم تعاتب اليهود لنظرتهم السيئة إليها بسبب سوادها، فهي لم تخطئ في شيء إلى اليهود، فلماذا يتهمونها بالسوء لأنها سوداء؟ فالسبب الوحيد للغضب الإلهي هو الخطية، فإن كانت كنيسة الأمم نقية بالمعمودية، وتحيا لله، فلا يصح أن يُنظر إليها نظرة سيئة.
هـ- لسان حال الكاهن والخادم، بل وكل إنسان يسلك باستقامة، الزوج والأخ، وكل من يعمل عمل الله بنقاوة، كل هؤلاء يقولون للناس الذين يظلمونهم، ويتهمونهم اتهامات: لا تنظرون إلى لكونى سوداء. فكلماتكم تلوحنى، أي تحنى رأسى، وتتعبنى مع أنى لم أخطئ في حق أحدكم، ولم أغضب الله، فلماذا تدينونى، وتتهموننى زورا؟ كما قال أيوب لأصدقائه: "معزون متعبون كلكم" (أى16: 2).
2- "لان الشمس قد لوحتنى":
أ - الشمس هي شمس التجارب، وقد أثرت على كنيسة الأمم، فجعلتها في سواد خارجي، لأن كنيسة الأمم حرمت من الآباء: إبراهيم واسحق ويعقوب، وحرمت أيضا من الوصايا والشريعة، والأنبياء، ولكن بقى لها الضمير، الذي حاولت أن تسير بإرشاده، حتى انتشلها المسيح من ضعفها، وأنار عينيها بالخلاص المقدم على الصليب، وأعاد إليها جمالها وبياضها.
ب- ومن ناحية أخرى فكنيسة اليهود معرضة أيضا للسواد إذا دخلت في ضيقات، فينبغى أن تكون رحيمة بأختها، كنيسة الأمم، وتساعدها على الحياة في المسيح.
جـ- إن كانت الشمس قد لوحت كنيسة الأمم، ولكن المسيح بخلاصه أعادها إلى الطريق المستقيم بالإيمان به، لأن السواد والتلويح، والانحراف هو مؤقت، إلى أن أتى الخلاص بالمسيح، وأعادها إلى ما كان ينبغى أن تكون فيه، وهو بنوتها لله.
3- "بنو أمى غضبوا على":
أ - بنو أمى هم كنيسة اليهود، الذين غضبوا على لأنى سوداء، ولم يلتمسوا لى العذر، مع أن لا فضل لهم في البركات التي نالوها، ولا خطأ منى في عدم تمتعى بها، وهم الآباء والأنبياء، والشريعة والوصايا.
ب- كنت أنتظر منك يا أختى كنيسة اليهود، التي عشتى مع الله قبلى أن تساندينى، وترحبى بى، وتشجيعنى، فلماذا غضبتى على؟ هل من أجل الذات والكبرياء.. أنا لم آخذ منك شيئا، فأنت الأصل وأنا أسير وراءك في طريق المسيح، أرجوكى أقبلينى كما قبلنى المسيح، لنحيا معا في أحضانه في محبة واحدة.
جـ- بنو أمى هم الهراطقة الذين قاموا على الكنيسة التي من أصل أممى، أو يهودي، وانحرفوا بالإيمان، وقسموا أولادى إلى أحزاب. والكنيسة تسألهم لماذا غضبتم على مع أنى أمكم وأحببتكم؟ هل كل هذا من أجل الكبرياء؟
د - من الصعب جدًا على النفس أن تتهم باطلا، وتحتمل في صمت، كما فعل ربنا يسوع المسيح واحتمل كل آلام الصليب، خاصة عندما يظن الناس أنهم على حق، وهم منغمسون في إدانتى بلا سبب. كما فعل الشعب الذي انقاد وراء الشيخين وهم يتهمون سوسنة بالزنا زورا، لكنها احتملت وصلت بدموع وانقذها الله .وكما اجتاز المسيح المعصرة وحده، وعلق على صليب العار وهو بلا خطية. وكما احتمل داود مطاردة شاول له، وتعرضه للموت دون خطأ منه. وكما احتمل ابنه أبشالوم الذي قام عليه وطرده من المملكة، وحاول قتله. كل هؤلاء احتملوا الظلم من أقاربهم وأحبائهم، فسوسنة احتملت من شعبها وبنى جنسها، وداود القائد في جيش شاول احتمل ظلم رئيسه شاول الذي كان من المفترض أن يرعاه ويحميه، وكذلك احتمل ابنه الذي أعطاه حبا كثيرا فقام عليه وأراد قتله. فالظلم يصعب احتماله، وتزداد صعوبته عندما يكون من الأحباء والمقربين.
هـ- بنو أمى هم أفكار الكبرياء التي تثور على، لتنجس أعمالى التي أقدمها بحب لله. فلماذا يا ذاتى تغضبى على، وتسقطينى في الكبرياء، فاخسر علاقتى بالله؟ أتركينى أحيا باتضاع، ونقاوة بين يديه، وأتمتع بحبه، وابعدى عنى بأفكار صغر النفس، فأنت تابعة لذاتى التي تضايقنى، اتركونى أحب إلهي في هدوء.
4- "جعلونى ناطورة الكروم أما كرمى فلم أنطره":
ناطورة: حارسة.
مشاغل الحياة وطلبات الأحباء، والمحيطين بى جعلتنى أخدم واهتم بالآخرين، واحتياجاتهم، وكنت أرعاهم، وأحرسهم من الذئاب الخاطفة، ولكن كان هذا على حساب اهمالى لنفسى. فأهملت صلواتى، وقراءاتى وأصوامى، وجهادى الروحي، فخسرت كل شيء، ولم تشفع لى خدمتى في تهاونى وكسلى عن خلاص نفسي.
الكنيسة تقول أنا حرست وانشغلت بدعوة الكثيرين إلى أحضانى لينالوا الخلاص، ولكنى لم أستطع أن أحرس أولادى، فتركونى وأحبوا العالم الحاضر، وانشغلوا بشهوات العالم، فخسرت كثيرا منهم.
هناك معنى عكسى وتأمل تقوله النفس البشرية عن "بنو أمى" الذين غضبوا على، وهم الرسل والكهنة والخدام، الذين حولونى من عبادة الأوثان، ومن الشهوات، وانتشلونى من الشر، لأؤمن وأحيا مع المسيح. بل وجعلونى خادمة، وحارسة للنفوس المحيطة بى. فخرجت من أنانيتى (كرمى لم أنطره) وانشغلت بالعطاء والحب للآخرين (جعلونى ناطورة الكروم) وكان ذلك على حساب راحتى وحراستى لجسدي وإشباع شهواتى الأرضية، فصرت في فرح عظيم، إذ بذلت ذاتى لأجل حب المسيح، الذي بذل ذاته لأجلى، وأقتنيت نفوسا كثيرة، أدخلتها إلى أحضان الله.
†
ثق يا أخى أنك جميل في داخلك بالمسيح الساكن فيك. ولا تنزعج من إدانة الناس لك، حتى لو كانوا أقرب الأقربين. إحتمل الآلام المؤقتة، لأنها ستتحول إلى بركات في السماء، وبركات أيضا في حياتك على الأرض. اصبر قليلا تنال كثيرا من محبة الله، وهو بمعونته يسندك إن طلبته، فيجتاز بك أصعب الضيقات.← وستجد تفاسير أخرى هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت لمؤلفين آخرين.
7 أَخْبِرْنِي يَا مَنْ تُحِبُّهُ نَفْسِي، أَيْنَ تَرْعَى، أَيْنَ تُرْبِضُ عِنْدَ الظَّهِيرَةِ. لِمَاذَا أَنَا أَكُونُ كَمُقَنَّعَةٍ عِنْدَ قُطْعَانِ أَصْحَابِكَ؟ 8 إِنْ لَمْ تَعْرِفِي أَيَّتُهَا الْجَمِيلَةُ بَيْنَ النِّسَاءِ، فَاخْرُجِي عَلَى آثَارِ الْغَنَمِ، وَارْعَيْ جِدَاءَكِ عِنْدَ مَسَاكِنِ الرُّعَاةِ.9 لَقَدْ شَبَّهْتُكِ يَا حَبِيبَتِي بِفَرَسٍ فِي مَرْكَبَاتِ فِرْعَوْنَ.10 مَا أَجْمَلَ خَدَّيْكِ بِسُمُوطٍ، وَعُنُقَكِ بِقَلاَئِدَ!11 نَصْنَعُ لَكِ سَلاَسِلَ مِنْ ذَهَبٍ مَعَ جُمَانٍ مِنْ فِضَّةٍ.
ع7:
"أخبرنى يا من تحبه نفسى": بعد أن أعلنت النفس البشرية في العدد السابق أنها لم تحرس كرمها، وسقطت في فتور روحي، فهي تعالج مشكلتها الآن في هذه الآية بالذهاب إلى حبيبيها وهو المسيح، وذلك بالصلاة (أخبرنى) وتعلن له أنها تحبه ("يا من تحبه نفسى") . فقد عرفت النفس البشرية، وتأكدت أنها محتاجة لعريسها السماوى، القادر أن يشبعها بحبه، فهي تعلن توبتها، واحتياجها لحبيبها.هى تطلب المعرفة، وتعلن حاجتها للتعلم والتلمذة على يد الله، وهي تطلب منه أن يعرفها طريق الحياة معه.
"أين ترعى":
طلبت النفس البشرية من الله أن يعرفها مكان رعايته، فهو يرعى قطيعه، ويهتم به، ويشبعه ويرويه، وهي تعلن رغبتها أن تنضم إلى قطيعه لتشبع وترتوى. وما هو مكان الرعى إلا الكنيسة، حيث الأسرار المقدسة، ووسائط النعمة، التي تشبع النفس، وترويها بعمل الروح القدس فيها.
إن النفس تعلن احتياجها للرعاية والحنان، والحب الإلهي، والقيادة في طريق الحياة. وما هو الطريق إلا المسيح نفسه" أنا هو الطريق والحق والحياة" (يو14: 6) وقد أعلن هو بنفسه أنه الراعى في (مز 23)، ثم عاد وأعلنها في العهد الجديد في (يو 10).
وربما تكون العروس قد دخلت في ضيقة، وشعرت أنها وحيدة، ومحتاجة أن ترى عريسها. هي تعرف أنه موجود، ولكنها لا تراه، وتطلب منه "أين ترعى" لتراه وتتمتع برعايته، وتعود فتشبع وترتوى، ويزول عنها إحساسها بالضيق.
ورغم تعرض العروس للفتور، أو الضيق، ولكنها تشعر بإيمان، ورجاء أنها ضمن قطيعه، ولا يمكن أن تكون ضمن قطيع الشيطان، فلذا تطلب بإلحاح وتقول: "أين ترعى" لأستعيد مشاعرى، وأعود لحماسى الأول.
إن العروس تعانى من إحساس الوحدة والعزلة، حتى تطلب من عريسها مع كاتب المزمور "إلى متى يارب تنسانى" (مز13: 1) فهي متمسكة به، وبرعايته، وواثقة أنه سيعطيها رعايته. إن العروس متعلقة بعريسها، فتريد في صلاتها أن يخبرها هو، وليس آخر سواه، فعنده الخبر اليقين، أما العالم فيضلها إلى آبار مشققة لا تضبط ماء (ار2: 13) أما عريسها فهو المضمون في حبه ورعايته، لذا تطلب منه وحده.
العروس المنشغلة بحب عريسها تقول له "أين ترعى" هل في العالم، أم في الرهبنة؟ هل في الزواج أم في البتولية، هل في الخدمة الكثيرة، أم التركيز في الخدمة الواحدة؟!
وتسأله العروس أيضا أين ترعى يا عريسى؟ هل في الصلاة أم في الكتاب المقدس، هل في القداس أم في صلوات الأجبية؟ هل في التسبحة أم في الترانيم؟ هل في الخلوة أم في الخدمة؟ ... كلها أمور جميلة يا إلهى، لكن إرشدنى ماذا يناسبنى، حتى أجدك، وأشبع بك، هل في كل هذه أم في بعضها؟!
علمنى يا إلهى، وأنا أعلم أنك تترفق بى، لأنى مازلت مبتدئًا في الروحيات، وضعيفًا، ولكن ساعدنى، حتى أجد خلاص نفسى. أين ترعى؟ هل عند الجلجثة وسط الآلام، وتريدنى أن أحمل صليبى وراءك، أم في العظات الروحية التي كنت تعطيها للجموع، لأتتلمذ على يديك، أم في معجزاتك المبهرة لتحرك إيمانى نحوك؟ وإن كنت أنا ضعيفًا، فساعدنى أن أنمو وأرتقى روحيا. إن الثلاث فتية حدثتهم بوضوح، وأعلنت لهم أنك ترعى في أتون النار، فدخلوا إليك، ورأوك هناك، وسبحوك، وأخبرت دانيال أنك ترعى في جب الأسود، فرأى ملاكك يسد أفواه الأسود، ورأى مرة أخرى حبقوق النبي يجلس معه، ويتحدثان في أمور روحية عظيمة ويأكلان معا (دا 14: 36).
"أين تربض عند الظهيرة":
إن العريس يربض، أي يجلس، ويستريح، ويستقر، فالعروس قد أحبته، وتريد أن تكون معه في مكان سكناه وراحته. وراحة العريس في النفس المتكلة عليه، الخاضعة له، المتمسكة بوصاياه. العروس تسأل عريسها أين يستقر وقت الظهيرة، أي وقت الضيقة والألم، فهو وحدة القادر أن يعينها ويساندها، ويخلصها من الضيقة، ويعبر بها بسلام.
وفى الظهيرة يكون نور الشمس في أقوى صوره، فالعروس تتمنى أن ترى عريسها في بهائه العظيم، ونوره القوى، لأنه هو نور حياتها الذي يعطيها الاستنارة الروحية، فترى به كل شيء جميل، وترى البشر وكل الخليقة على حقيقتها. وبهذه الاستنارة تستطيع العروس أن تسير في الطريق الروحي، وتنمو في محبة عريسها، لأنها إذ تراه تتشجع، بل تنجذب إلى أعماقه، فتجرى نحوه، وتستقر (تربض) في هذا الحب الإلهي.
العروس محتاجة لعريسها وقت الظهيرة، ليشرق عليها بنوره الساطع، ويخترقها، فيكشف خفايا قلبها، ليصلح كل نقص وضعف فيها ويساعدها؛ لترفض كل شيء مختبئ فيها، بالتوبة والاعتراف.
الظهيرة ترمز للمحبة الملتهبة، والحرارة الروحية الشديدة. والعروس مشتاقة أن تحب عريسها بهذه الحرارة التي عند الظهيرة. فتقول له: أين تربض؟ أي أين تستقر، لتستقر نفسي فيك، وتكون في حرارة روحية، لأتمتع وأشبع بحبك.
"لماذا أنا أكون كمقنعة عند قطعان أصحابك"
مقنعة: تلبس قناع يخفى حقيقتها
أصحابك: من يظهرون المحبة لى وهم أهل العالم، ولكنهم مختلفون عن الله، فهم يتظاهرون أنهم أصحاب العريس.
العروس تسأل عريسها وتقول له إنى محتاجة لحبك، ولا أجدك، أبحث عنك وأطلبك، فأين أنت؟ ومن حيرتى لبست قناع أهل العالم، لأنضم إليهم، وأسير مع قطعان أصحابك . إنهم ليسوا أصدقاءك بالحقيقة، ولكنهم قالوا لى أنهم أصحابك. أنا أطمئن إليك أنت وحدك، فأرجوك إظهر نفسك لى، ولا تتركنى ألبس قناع يخفى حقيقتى وطبعى الأصلى. أنا لا أستريح إلا معك، فأسرع إلىَّ لأنضم إلى قطيعك أنت وحدك؛ لأنى في حيرة في الإنضمام إلى قطيعك، وهم أبناء كنيستك، أو إلى قطعان العالم، أنا أعرف أنى مخطئة بانضمامى إليهم. أريد أن أتخلص من هذا القناع، وأعود إلى كنيستك، فساعدنى على التوبة والرجوع إليك.
أنا لبست قناع طباع أهل العالم ليقبلوننى، وظهر هذا في كلامى ومظهرى، ولكنى غير مستريحة في داخلي، لأن مظهرى الخارجي يختلف عن مشاعر قلبى، لذا أطلب إليك يا عريسى أظهر ذاتك لى، واسندنى لأعود إلى قطيعك.
تواصل العروس حديثها، وتقول لعريسها، أنا أعلم أنه لأجل فتورى الروحي تحركت مشاعرى نحو الخطية، وتعلقت بها، حتى أنى قبلت أن ألبس قناع العالم، ولكن هناك صوت في داخلي ينادينى للعودة إليك يا عريسى.
أنا أعلم أنى ضالة، ومعرضة للهلاك، ولكن أتناسى مصيرى السئ، وأنشغل بشهوات العالم، ولكن لن يصمت عمل روحك في داخلي ينادينى بالعودة إليك، فأتساءل لماذا أكون مقنعة عند قطعان أصحابك وأترك قطيعى؟
ع8: "إن لم تعرفى أيتها الجميلة بين النساء"
يخاطب العريس عروسه -التي وقعت في حيرة عبرت عنها في نهاية الآية السابقة، أنها صارت كمقنعة عند قطعان أصحاب العريس- ويقول لها في لطف شديد، ومحبة وتشجيع إن لم تعرفى الطريق إلىَّ أيتها الجميلة بين النساء فسأرشدك إليه في الجزء التالي من هذه الآية وهو في نفس الوقت بتعبير "إن لم تعرفى"، يعاتبها بلطف لأنها بالتأكيد تعرف من خلال معرفتها السابقة بالله. ولكن قبل أن أرشدك أشجعك بمدحك، فيقول لها أيتها الجميلة بين النساء، فهو لا يلومها، بل يمتدحها مع أنها أخطأت كثيرا بابتعادها عنه والسير في طريق العالم.
إن العريس ما زال يرى عروسه جميلة، لأنها منه، وخلقها على صورته ومثاله، فهو يرى جمالها الذي خلقها عليه، حتى لو كانت قد غطته بخطايا كثيرة هي الأقنعة التي لبستها في الآية السابقة.
فبنظرة الحب يراها جميلة، ليعلمنا كيف ننظر إلى كل من حولنا، ونشجعهم. إن ظهور العريس وإجابته على العروس تظهر محبة الله لنا، فهو يسمع صلواتنا ويستجيب، ويكشف لنا كيف نحيا معه، ولا يتركنا في ارتباك، أو حيرة، مثلما ظهر لشاول الطرسوسى (أع9: 3-5).
"فأخرجى على آثار الغنم".
هذا هو إرشاد العريس لعروسه أن تخرج وتسير على آثار الغنم. والمقصود بخروجها، أن تخرج من أفكارها الخاطئة وأنانيتها وانحرافها، لتسير في الطريق المستقيم.
والخروج معناه أن تخرج من كسلها، وتقوم لتجاهد في الحياة الروحية، لتسير على آثار الغنم التي هي حياة القديسين الذين سبقوها، ولا تكتفى بمعرفة حياتهم، وأخبارهم، بل تدخل في التطبيق العملى، وتعيش كما عاشوا. هذا هو الخروج الحقيقي، واختبار الحياة الجديدة مع الله.
وآثار الغنم هي كل ما نتعلمه في الكنيسة، وعاش به الآباء السابقون، فلا يصح أن يحيا إنسان بفكره الخاص، مهما كان عظيما. فبولس الرسول بعد أربعة عشر عاما عاد إلى أورشليم ليعرض على الرسل كل ما يبشر به، ويحيا فيه، فهو لايسير بفكره، ولكن بفكر الكنيسة، مع أن المسيح ظهر لبولس، وقضى معه ثلاث سنوات في البرية، ولكن يلزمه أن يخضع للكنيسة ويتعلم كل تعاليمها.
إن آثار الغنم هي قدوة الآباء والإخوة الروحيين المعاصرين، الذين نراهم حولنا، ونتعلم منهم كيف نحيا مع الله .
وقد قال آثار الغنم، وليس أثر الغنم، لأن فضائل القديسين كثيرة، وكل واحد منهم يتميز بفضيلة، والإنسان الروحي يتعلم من الكل، فإبراهيم يتميز بالإيمان، وموسى بالحلم، وداود بالصلاة والتوبة. ...
"وارعى جداءك عند مساكن الرعاة":
يواصل العريس حديثه مع العروس، فيطلب منها بعد أن سارت في ط ريق القديسين وأولاد الله، إلى طريق الكنيسة أن ترعى جداءها. وجداؤها هى ضعفاتها ونقائصها التي أسقطتها في خطايا كثيرة، ورعاية الجداء معناه إصلاح هذه الضعفات بالتوبة والجهاد الروحي، وذلك يتم عند مساكن الرعاة، وهي الكنائس التي يوجد فيها الأساقفة والكهنة الرعاة، فتنال غفران خطاياها في الأسرار المقدسة، وتشبع بالمسيح كلمة الله التي تتعلمها من الرعاة.
وقد يكون الكلام موجهًا للعروس التي هي الكنيسة، فترعى جداءها، أي النفوس البعيدة عن المسيح، والمنشغلة بشهوات كثيرة، لكيما تحول الجداء التي تكون عن اليسار إلى خراف تصبح عن يمين الراعى، وتدخل الكنيسة مسكن الراعى، ليعدها للحياة الأبدية.
وذكر الرعاة يوضح بطريقة غير مباشرة مسئولية الكهنة الرعاة عن شعبهم، وإن اشتكى لهم أبناء الشعب من ضعفات، ينبغى أن يحتملوهم، ويساندوهم، ويعالجوا مشاكلهم الروحية، وغير الروحية. وإن تكرر ظهور هذه الضعفات والخطايا، يلزم أن يتحمل الكهنة شعبهم، ويساندوهم مهما كان ضعفهم.
إن السير على أثار الغنم هو سير في الطريق الموصل إلى الحظيرة، ولا يمكن أن يكون هذا الطريق هو مكان إقامة العروس، ولا يمكن أيضا استبدال هذا الطريق بطرق أخرى تبدو أسهل، أو أقصر، بل عليها أن تحتمل الطريق مهما كان كربا، أو صعبا، حتى تصل إلى مكان الاستقرار، والمرعى الدائم، وهو ملكوت السموات.
ع9: بدأ العريس حديثه في هذه الآية بكلمة "لقد" وهي تعنى تأكيد ما يلي من حديث، فهو ليس حديث عارض، أو مجرد مجاملة، ولكنه أمر هام مؤكد يريد أن يظهره العريس.
"شبهتك يا حبيبتي":
العريس مشغول بعروسه، ويصفها بأنها حبيبته، وهو أغلى وأعلى تعبير عن محبته لها. وتشبيه العروس يعنى انشغال العريس بالتفكير في عروسه، ويريد أن يصفها بصفات عظيمة، ويرى كل ما هو جميل فيها. ويشبهه بأمور معروفة في العالم، ليظهر إعجابه بها.
"بفرس في مركبات فرعون"
بالطبع لا يعنى هذا التشبيه كلاما من رجل لأمرأة يحبها، فهي لن تقبل هذا التشبيه، ولكنه تشبيه روحي، وحديث بين الله والنفس البشرية.
والفرس في مركبات فرعون يقصد به ما يلى:
إنه أجود أنواع الخيول، إذ أن الخيول المصرية معروفة بجودتها منذ القديم . وسليمان نفسه أستورد خيولًا من مصر لتميزها (1 مل 10: 28، 29، 2 أى9: 25، 28).
الفرس هو أكبر قوة حربية قديما، إذ أنه قوى في جسمه، وسريع في جريه، وجرئ، فيستطيع أن يعبر فوق الحواجز، وهذا يرمز لقوة النفس في الحرب الروحية، التي لا تخضع لحروب إبليس، بل على العكس تتخطى كل العقبات التي يضعها أمامها لمنعها من اقتناء الفضيلة. والنفس أيضا شجاعة في مواجهة الشيطان والانتصار عليه بقوة الله.
شبهها بفرس في مركبات فرعون، لأن فرعون بالطبع سينتقى أجود الخيل، التي هي أفضل من باقي الخيول، لأن النفس التي أحبت الله تتميز عن باقي النفوس، إذ أنها تجاوبت مع حبه.
الفرس يتميز بالوفاء والخضوع لصاحبه، فيستطيع أن يقوده في الحرب، وكذلك النفس المحبة لله تخلى مشيئتها، وتخضع لله، وتسلم حياتها له.
الفرس يتميز بالقيادة لغيره، فهو قائد، وليس تابع، كما أن النفس المحبة لله هي نور للعالم، وملح للأرض، وتقود غيرها في طريق الخلاص.
الفرس يستطيع أن يتحمل ضربات السياط، كما أن النفس المحبة لله تستطيع بقوته أن تحتمل التجارب والآلام من أجل اسمه القدوس، سواء في حياتها الروحية، أو في خدمتها لله.
الفرس مثابر في الجرى، وله قدرة كبيرة على مواصلة الجرى، فهو يرمز للنفس المجاهدة في طريق الحياة الروحية، والتي تثابر في التعب من أجل الله لتحقيق مشيئته.
الفرس متناغم ومتعاون مع باقي الخيل، ويجرى كل إثنين، أو أكثر ليجرا المركبة، وبهذا يرمز إلى النفس المتعاونة مع باقي النفوس في الجهاد الروحي، إذ تشعر أنها عضو في الجسد الواحد، الذي هو الكنيسة، فتشجع من حولها، وتتشجع معهم في الممارسات الروحية الجماعية، مثل الصوم والصلاة.
الفرس الذي يستخدم في الحرب يلزم تدريبه على مواجهة مخاطر الحرب، وكذلك النفس المجاهدة يلزم أن تتدرب التداريب الروحية لتنتصر في حروبها على الشيطان.
إذا انتصر الفرس في الحرب لا ينتفخ، أو يتفاخر، وينسب المجد لنفسه، إذ هو الأداة والوسيلة التي يستخدمها الفارس الذي يركب عليه، ويحقق النصر بواسطته، بل يكون متضعًا، كما تنسب النفس كل نصرة في حروبها الروحية لله، الذي ساندها وقواها، وهو أيضا الذي يوجهها، حتى تحقق النصر.
الفرس له منظر جميل، ومن يركبه يشعر بكرامة ومجد. وكذلك النفس الروحية لها مجدها أمام الله، وإن كانت متضعة، وتحتمل الآلام، ولكنها تفتخر ببنوتها لله، وهذا يعطيها ثقة في جهادها الروحي، لتغلب إبليس.
ع10: سموط: جمع سمط وهو خيط يوضع فيه الجواهر واللآلئ، وهذه الخيوط مرتبطة بغطاء ذهبى يوضع على الرأس، كأنه إكليل، وتتدلى هذه الخيوط منه على الخدين. وجمال الجواهر واللآلئ تضفى وتضيف جمالا للخدين.
"ما أجمل خديك بسموط":
يمتدح العريس جمال خدى عروسه. والخدود علامة جمال المرأة، فهو إذ يمتدح خديها يمتدح جمالها.ويظهر هذا الجمال فيما يلى:
هذه الجواهر الجميلة التي تلبسها العروس ترمز لما نالته النفس البشرية في سر المعمودية من طبيعة جديدة، ممتلئة بفضائل متنوعة، هي ثمار الروح القدس.
التاج الذهبى المدلى منه السموط على خدى العروس، هو تاج لها يظهر جمالها، وليس سلطانها على المملكة، لأن السلطان للملك عريسها، الذي يلبس التاج، وله وحده القدرة والسلطان على المملكة، فهي تخضع لعريسها الملك، ولكنها جميلة بجواره، بل أخذت جمالها من جماله، وعمله فيها. هذه هي النفس البشرية الجميلة بعمل الروح القدس فيها، وهي خاضعة لعريسها في كل وصاياه ومشيئته.
هذه السموط التي تحمل الجواهر على خدى العروس ثمينة جدا، فهي تظهر محبة العريس الذي أعطى عروسه هذه السموط، كما سيظهر في (ع 11)، وهذا معناه محبة العريس الكاملة لعروسه، كما أن المسيح أعطى لعروسه أغلى شئ، وهو الفداء على الصليب، إذ مات عنها، ليفديها، ويزينها بثمار روحه القدوس فيها.
هذه السموط التي تزين خدى العروس لامعة، ويظهر لمعانها بالأكثر عندما يميل الجو إلى الظلام. وهذا يرمز إلى تعزيات الله، وعظمة العروس التي تظهر وسط الضيقات، فهي تتألق بجمالها عندما تحتمل الأتعاب لأجل عريسها.
المسيح احتمل لطمات على خديه، فظهر جماله باحتماله لأجلنا، وهو بلا خطية، وكذلك العروس يتألق جمالها عندما تحتمل اللطمات والضيقات لأجل عريسها الذي مات لأجلها. هذه اللطمات هي السموط التي زينيت خدود الشهداء والقديسين، فنالوا الأكاليل، إذ أن سمات الرب يسوع ظهرت على أجسادهم (غل6: 17) وحملوا أكاليل البر على رؤوسهم، مثل بولس الرسول (2 تى4: 8).
"وعنقك بقلائد":
قلائد
: جمع قلادة وهي سلاسل من الذهب، أو الفضة ويطلق عليها العقد، وتوضع حول رقبة المرأة لتزينها.يواصل العريس مدحه لجمال عروسه، بأن القلائد التي تلبسها حول عنقها تبين جمالها العظيم، وهذه القلائد هي:
الوصايا:
النير
الحكمة
الرحمة والحق
قبول التأديب
ونلاحظ أمرين هامين في تزيين الأعناق:
السلاسل تظهر وكأنها قيود، ولكنها تتحول هنا إلى زينة وجمال، فالله قادر أن يحول ما يبدو صعبا في حياتك إلى زينة تجمل نفسك. فاقبل الضيقات والتعب لأجل إسمه القدوس، ولا تخف من شيء، فلن يسمح لك بشئ فوق طاقتك. فافرح وتمتع بعمله فيك.
القلائد تخفى صلابة الرقبة، وهي التي ترمز للعصيان ورفض كلام الله. وتجعل شكلها جميل، لأن القلادة كما ذكرنا تحمل معنى التعب والاحتمال لأجل الله.
ع11
: جمان: جمع جمانة، وهي كرة صغيرة معدنية، داخلها شيء يتحرك ويحدث صوتا، فهي بمثابة جرس صغير، مثلما يوضع في سلاسل الشورية، وتسمى أيضا جلاجل."نصنع لك":
يتكلم العريس بصيغة الجمع مع العروس، وهو يتكلم عن الثالوث القدوس، الذي يحب النفس البشرية، ويهتم بها، ولا يمكن بالطبع أن تنطبق هذه الآية على الحب البشرى، لأن طبيعة الحب البشرى، أن رجلا واحدا يحب امرأة، ويرتبط كل منهما بالآخر، ولا يصلح أن ترتبط مجموعة من الرجال بإمرأة واحدة، فالمقصود معنى روحي وهو علاقة الله بالإنسان. ويقول الله، نصنع وليس صنعنا، إذ أن اهتمامه بالنفس البشرية مستمر، فالفعل في صيغة المضارع المستمر، ولن يوقف اهتمامه وعطاياه للنفس البشرية.
"سلاسل من ذهب":
ويظهر فيها ما يلى:
1- اهتمام العريس بعروسه، فيقدم لها سلاسل من نوع فاخر مصنوع من الذهب الذي يرمز للغنى والشبع، ويرمز أيضا إلى الحياة السماوية. فعطايا الله مشبعة، وترفع النفس إلى السماء.
2- هذه السلاسل لا تقيد حركة العروس، ولكنها تحرسها من أمرين:
أ- انحرافها وخروجها عن محبة عريسها.
ب- تمنع الشيطان وكل الأشرار من الدخول للعروس والإساءة إليها. فهذه السلاسل حماية إلهية، وحراسة للنفس.
رغم أن النفس البشرية تخطئ كثيرا في حق الله، لكنه يفرح بتوبتها، ويسامحها، ويقدم لها حبه، ويعطيها أغلى شيء، وهو الذهب.
"مع جمان من فضة"
الجمان تعمل أعمالًا هامة جدا في حياة العروس، ولذا يقدمها لها العريس، وهي:
تنبيه للعروس حتى لا ترفض كلام عريسها، أو تخرج من محبته.
حتى تنتبه إلى العدو الذي يحاول مهاجمتها، فتستعد له بأسلحتها الروحية.
والجمان التي تنبه النفس البشرية يكون عن طريق:
عمل الروح القدس داخل النفس.
كلمة الله في الكتاب المقدس، وفى تعاليم الكنيسة.
الإرشاد الروحي عن طريق الآباء والإخوة الروحيين.
إيمان الكنيسة وعقائدها.
طقوس الكنيسة ونظامها وألحانها وتسابيحها.
سير قديسيها وأقوالهم.
†
إن كان إلهك يرعاك يا نفسى، ويهتم باحتياجاتك، ومات لأجلك، فتجاوبى مع حبه بالصلاة وقراءة كلامه، والخضوع لروحه الساكن فيك، فتصنعين مشيئته، وتتمتعين بعنايته.
12 مَا دَامَ الْمَلِكُ فِي مَجْلِسِهِ أَفَاحَ نَارِدِينِي رَائِحَتَهُ.13 صُرَّةُ الْمُرِّ حَبِيبِي لِي. بَيْنَ ثَدْيَيَّ يَبِيتُ.14 طَاقَةُ فَاغِيَةٍ حَبِيبِي لِي فِي كُرُومِ عَيْنِ جَدْيٍ.15 هَا أَنْتِ جَمِيلَةٌ يَا حَبِيبَتِي، هَا أَنْتِ جَمِيلَةٌ. عَيْنَاكِ حَمَامَتَانِ.16 هَا أَنْتَ جَمِيلٌ يَا حَبِيبِي وَحُلْوٌ، وَسَرِيرُنَا أَخْضَرُ.17 جَوَائِزُ بَيْتِنَا أَرْزٌ، وَرَوَافِدُنَا سَرْوٌ.
ع12
: ناردين: عطر ينتج من نبات ينمو شمال شرق الهند، ورائحته ذكية جدا وغالى الثمن.أ - الملك هو المسيح، ومجلسه هو الصليب، وعندما أنظر إلى المسيح على الصليب يفوح منى ناردينى وهو:
1- التأمل في حبه الفائق الذي يعلو فوق العقول.
2- والناردين أيضا هو صلوات الشكر والحمد لله مخلصى.
3- وكذلك الناردين هو الصوم واحتمال الآلام من أجل المسيح وشركة في صليبه.
4- بالإضافة إلى أن الناردين هو أعمال الرحمة والخير التي نقدمها لله،5- الذي بذل حياته لأجلى. فأقدم حبا لإخوته وهم المحتاجين.
ب- ومجلس الملك هو أيضا مذبح العهد الجديد، حيث جسد الرب ودمه، وعندما أرفع عينى إليهما تخرج منى رائحة ناردين وهي:
1- التوبة ورفض خطاياى، لاستحق نوال نعمة التناول من جسد الرب ودمه.
2- شكر الله لأن هذا هو سر الأفخارستيا، أي الشكر فأشكر الله الذي تنازل، ليعطينى جسده ودمه على المذبح.
3- الاتضاع والإنسحاق أمام مجد الله،7- فأشعر بضعفى أمامه،8- بل أتضع أمام كل الناس.
جـ- ومجلس الملك الثالث هو قلبى. وعندما يرضى الله أن يسكن في قلبى تخرج منى روائح الناردين الطيبة، وهي:
1- تسبيح اسمه القدوس، فهو خالق الكل، وخالقنى ومستحق التمجيد والتسبيح في كل حين من ملائكته وقديسيه، ومنى أنا الضعيف.
2- قراءتى في الكتاب المقدس، وتأملاتى، إذ يعمل الروح القدس في . فرائحة الناردين هي رائحة المسيح العامل فىّ بروحه القدوس.
3- عندما تنتشر رائحة ناردينى يشتمها الناس، فيحبونها، ويتأثرون بها، ويعملون مثلها، وبهذا أكون خادمًا أجتذب النفوس للمسيح؛ لتفوح رائحة الناردين من كل المؤمنين بالمسيح.
د - مجلس الملك هو كل مكان يجتمع فيه المؤمنون، فيحل الملك المسيح في وسطهم، سواء في عظة، أو صلاة، أو أي عمل روحي. ووجود المسيح في مجلسه هو اتضاع عظيم، ومحبة فائقة، إذ أن الملك يريد أن يظهر نفسه لأولاده، ليمتعهم بحضرته.
والناردين هو طيب غالى الثمن، فهو يرمز إلى كل عطاء من القلب، ويبذل معه الإنسان كل جهد للتعبير عن محبته لله.
ومفهوم ضمنيًا أنه إذا لم أسمح للمك أن يدخل في قلبى، فلن يدخل. ورفضى للملك يكون بعمل الشر، والكسل، والتهاون، وحينئذ أحرم نفسى من خروج ناردين منى، أو بمعنى أدق أحرم نفسي من عمل نعمة الله فى، ليخرج ناردينى.
ع13: صرة: قطعة من القماش تجمع أطرافها الأربعة حول المادة التي يراد الاحتفاظ بها، وقد تكون الصرة كبيرة، أو صغيرة.
المر: سائل لزج يسيل على جدار أشجار شوكية تنبت في بلاد العرب والهند، ويسمى المر القاطر، وطعمه شديد المرارة، أما رائحته فذكية، وهو غالى الثمن.
"صرة المر حبيبى لى":
المسيح على الصليب احتمل الآمًا كثيرة، فهو يمثل المرارة الشديدة، التي يحتملها الإنسان. وهو احتملها لأجلنا، ولذا فإن العروس تنادى بأن حبيبها العريس هو صرة المر لها، أي احتمل لأجلها مرارة الآلام، وهذا ينتج عنه:
شكر العروس لعريسها على هذا الحب الفائق، وقد احتمل الكثير من الجلد والاستهزاء، والبصق، والصلب، وإكليل الشوك، والحربة في جنبه .. فهو حمل العار عنها، لتستريح هي من آثار الخطية، كما كان خروف الفصح يشوى على أعشاب مرة.
المر له رائحة ذكية، فهذه الصرة تعطى رائحة ذكية. وقد كانت عادة بنات أورشليم قديما أن يعلقن صرة مر على صدورهن. والمسيح بعدما احتمل الآلام حتى الصلب ومات، فاحت رائحته الذكية التي أرضت السماء، كما نقول في تسبحة يوم الأحد "هذا الذي أصعد ذاته على الصليب عن خلاص جنسنا، فاشتمه أبوه الصالح، وقت المساء، على الجلجثة". ونحن أيضا عندما نحتمل آلام الجهاد الروحي، وآلام التجارب برضا وشكر تفوح منا رائحة ذكية ترضى الله، فيباركنا في الأرض والسماء، وتنجذب النفوس إلى المسيح، فتحتمل هي أيضا الآلام لأجله.
المر له قيمة غالية، ودم المسيح المسفوك على الصليب هو أغلى شيء في الوجود . ونحن قد نلنا الخلاص بالفداء، فثمننا هو دم المسيح الغالى القيمة، وكل ما نحتمله من أجل المسيح غالى جدا في نظره. ولأن نفسى غالية يلزم أن أحفظها في نقاوة، وأبعد عن الشر، لتظل لائقة كمسكن لله.
إن صرة المر تربط جيدا حتى تحتفظ بالمر في داخلها، وتفوح رائحته ببطء، وكذلك "الإنسان الحكيم يخفى المعرفة في قلبه" (أم12: 23) وهو أيضا جنة مغلقة (نش 4: 12). لأجل هذا يميل الإنسان الروحي إلى الخفاء، والتمتع بعلاقة سرية شخصية بينه وبين الله، ولكنها تنشر رائحتها دون أن يدرى المؤمن، وتؤثر في الكثيرين.
غير دنسة
نقاوة
التجسد
"بين ثديى يبيت":
إن كان حبيبى هو صرة المر لى، فهو أيضا بين ثديى يبيت، وبيات حبيبى بين ثديى له معانى كثيرة أهمها:
العهدين
الثبات
الحنان
حلاوة الحب
ع14:
"طاقة فاغية حبيبى لى في كروم عين جدى"طاقة
: حزمة .فاغية: نبات يسمى نور الحناء، وله رائحة ذكية، وتصبغ العروس به يديها قبل زواجها، إذ تمسك بهذه الحزمة، وتصبغ يديها بلون أحمر ذى رائحة طيبة، ليعجب بها عريسها، وتسمى في الشرق الليلة السابقة للزواج "بليلة الحنة"، ومازالت هذه العادة مستمرة في بلاد كثيرة من الشرق.
عين جدى: هي بلدة تقع على الشاطئ الغربي للبحر الميت، وفيها عين ماء يحمل نفس الإسم، وتبعد عن أورشليم مسافة 35 ميلا، وينحدر ماء العين من ارتفاع كبير وينزل على أرض صخرية، وعند أسفلها توجد أرض خصبة تزرع فيها النخيل والكروم والحناء.
نرى في هذه الآية معانى روحية كثيرة أهمها:
دم الصليب
رائحة ذكية
خشونة الحناء
الخلاص
أحلى من الكروم
فإن كان العريس واحدًا بين كروم كثيرة، فهذا يرمز لكلام المسيح أن الفعلة قليلون، وهم الخدام الأمناء المتميزين بمحبتهم لله، وميلهم للعطاء والبذل، وإن كانوا قليلين، ولكن تأثيرهم كبير. مثل بولس الذي كان أمينا، فبشر بلادًا كثيرة، وجمع نفوسًا من كل مكان.
ع15
: "ها أنت جميلة يا حبيتى ها أنت جميلة":يظهر العريس ربنا يسوع المسيح حبه لعروسه النفس البشرية، فيعلن أنها جميلة في عينيه، وأيضا هي حبيبته، ومن أجل حبه الفائق لها يؤكد مدحه لها بأنها جميلة مرتين.
وما هو سر جمالها؟
أنها ملتصقة ومرافقة له، لأن كلمة حبيبتي في الأصل العبري تعنى محبوبته ورفيقته ومصاحبة له. فما دامت النفس ملتصقة بمسيحها، تتبعه في كل خطواته، وتتأمل كلامه، فبالطبع ستصير جميلة، فهي ليست جميلة في ذاتها، ولكنها جميلة بمرافقتها له. وعلى قدر انشغالها به طوال اليوم يتألق جمالها.
جمال العروس يأتي من حملها للصليب وراء المسيح، كما أوضح ذلك في الآية السابقة التي تتكلم عن الحناء التي ترمز لدم المسيح. وعلى قدر احتمال العروس لآلام الجهاد الروحي، ورفض الخطية، وخدمة عريسها تصير جميلة.
مدحها
"عيناك حمامتان":
يصف العروس عينى عروسه بأنهما حمامتان. فماذا يقصد بهذا التشبيه؟
البساطة
الوداعة
اللون الأبيض
السلام
الروح القدس
التحليق
البصيرة
صورة العريس
التسبيح
الوحدانية
العفة
الهدوء
الذبيحة
ع16: "ها انت جميل يا حبيبى وحلو":
العروس تكلم عريسها، وترد مدحه لها في الآية السابقة وتقول:
وصف العريس
وفى نفس الوقت هو حلو، فقد تذوقت حلاوة كلامه، ومحبته، وليس فقط أنها نظرته، بل تذوقته، وشبعت به.
يدعونا المزمور إلى النظر وتذوق حلاوة الرب، إذ يقول "ذوقوا وانظروا ما أطيب الرب " (مز34: 8) فالتذوق والنظر يكملان التمتع بالله .
التجلى
سر جمالها
الجمال المخفى
"وسريرنا أخضر":
تعلن العروس أن سريرنا أخضر، وتقصد السرير الذي يجمعها مع عريسها، وهو بالطبع سرير له معنى روحي وليس مادى. فماذا يعنى السرير الأخضر؟
الاتحاد
الحيوية
التجسد
الجسد
الراحة
الأبدية
الجمال
التلمذة
ع17:
جوائز بيتنا أرز وروافدنا سروجوائز
: هي الأعمدة الخشبية التي تغرس في الأرض، وتحمل سقف البيت .الأرز: شجر مستديم الخضرة، ينمو في جبال لبنان، وهو شجر طويل يبلغ طوله ما بين 30 و40 مترا. فهو ينمو على الجبال المرتفعة، مثل الهمالايا، وهو شجر قوى مستقيم، ويعمر طويلا، وخشبه جيد ولا يسوس، ويستطيع الدفاع عن نفسه بانتاج براعم جديدة لتعويض أي تلف يحدث فيه. ويستطيع أن يقاوم الرياح العنيفة التي تصطدم به، لأنه مرتفع جدا، وقد استخدم هذا الخشب في هيكل سليمان والمذبح، ويستخدم أيضا في بناء السفن وسواريها،وصنع الرماح.
روافدنا: الروافد هي ألواح السقف الخشبية المستعرضة، وهي تربط في الأعمدة الخشبية التي تحمل سقف البيت (الجوائز).
سرو: شجر كبير خشبه جيد، استخدم في بيت الرب، وتصنع منه الآلات الموسيقية. ويبلغ ارتفاعه حوالي 25 مترا، وله رائحة ذكية. وينمو في لبنان وسوريا وفلسطين.
تتكلم العروس عن بيتها مع العريس، وتصفه. وهذا البيت هو مكان وجود العروس مع العريس، سواء حياتها الخاصة، أو بيت الرب في العهد القديم، والذي يرمز إلى الكنيسة، ثم إلى أورشليم السماوية التي هي ملكوت السموات، فماذا قالت العروس عن هذا البيت؟
إعداد جيد
الصليب
طرق الخلاص
الكنيستان
جوائز بيتنا أرز
أ- قوى: فجوائز الأرز قوية، لأن الأرز أشجار ترتفع إلى ارتفاعات عالية، ولا تضطرب من الرياح، بل تقاومها، فالرياح ترمز للتجارب، ويظل بيت الرب راسخا قويا أمام التجارب الخارجية.
أما التجارب الداخلية فلا تستطيع أن تفسد البيت المصنوع من الأرز، لأن خشب الجوائز لا يسوس، فلا تستطيع الحروب الداخلية من أفكار، أو مشاعر يدسها الشيطان أن تحدث اضطرابات داخل أولاد الله المؤمنين، لأنهم ثابتون في المسيح.
فالجوائز قوية، لتبين أن البيت قوى، وإن كان البيت يرمز للكنيسة، فالكنيسة قوية، وأبواب الجحيم لن تقوى عليها.
ب- مستقيم: الجوائز المصنوعة من الأرز خشبها مستقيم، أي لا يلتوى، أو يعوج، وترمز هذه الاستقامة إلى الإيمان المستقيم، الذي تحيا به الكنيسة، والسلوك المستقيم الذي يعيش به أولاد الله المؤمنون.
جـ- جميل: إذ يزين به الهيكل من الداخل وتنقش عليه أشكال ثمار مثل القثاء وبراعم الزهور (1 مل6: 18)، وهي ترمز لثمار الروح القدس، فهذه الجوائز تبين الجمال الداخلي الذي يظهر في النفس المؤمنة بالله، والتي يعمل فيها الروح القدس.
د- مصلى: خشب الأرز يغطى مذبح الله الذي ترفع عليه الذبائح، وتقدم أمامه الصلوات (1 مل 6: 20)، فالجوائز المرتفعة من الأرض إلى السماء ترمز إلى الصلوات المرفوعة إلى الله، والجوائز مرتبطة بالروافد فتكون بشكل صليب، وهكذا ترتبط الصلوات بالصليب، كما كان موسى يصلى ويداه مرفوعتان بشكل صليب، فانتصر يشوع على عماليق بصلواته (خر17: 11) والكنيسة التي يرمز إليها البيت هي مكان الصلوات المرتفعة إلى السماء.
هـ- متمتع: الجوائز ترمز لعطايا الله، إذ هى تحمل السقف الذي يرمز للسماء، ومرتبطة بالأرض ومغروسة فيها، فهي ترمز للعطايا النازلة من السماء، وهي كثيرة لتحمل سقف البيت، وهي دائمة لأن الأرز مستديم الخضرة طوال السنة، كما أن مراحم الله هي جديدة في كل صباح (مرا 3: 22 ، 23).
وروافدنا سرو
أ - هي تحمى البيت من الأمطار والرياح، وتربط قوائم البيت المصنوعة من خشب الأرز، فيكون ثابتًا قويًا. والروافد هنا ترمز إلى الله الذي يحمى أولاده من الأخطار والتجارب، والذي نلتجئ إليه بالصلاة فنجد عونا في حينه (عب4: 16).
وخشب السرو تصنع منه الرماح (نا 2: 3) التي يستخدمها الجند في الحرب، وهذه تعنى أن الله يحارب عنا ويحمينا. فالسرو يرمز لحماية الله الذي نتكل عليه فنحيا مطمئنين . ويرمز أيضا لآباء الكنيسة الذين يقفون ضد الهرطقات، ويحمون المؤمنين، ويدافعون عن الإيمان المستقيم.
ب- عبور: السرو تصنع منه السفن التي تعبر البحر (حز 27: 5)، فالسرو هنا يرمز للعبور من الخطية إلى البر، ومن الشر إلى الخير، بل العبور من العالم إلى الأبدية.
جـ- إرشاد: السرو يصنع منه أيضا صوارى السفن (حز 27: 5)، التي يعلق بها الرايات، أو المصابيح، وبها يعرف الناس مكان السفينة، فلا يصطدموا بها أثناء عبورها في البحر، أو يصلوا إليها لإنقاذها إن كانت تحتاج لشئ وهي مرشدة لغيرها، فهي تمثل الكنيسة التي ترشد المؤمنين إلى طريق الله، وهذا الإرشاد أيضا يتم داخل الكنيسة من خلال آبائها الروحيين المرشدين للقريبين والبعيدين.
د- ارتفاع: إن السرو تصنع منه الروافد، وهي سقف البيت، فالروافد مرتفعة نحو السماء، لذا فهي ترمز إلى أن البيت سماوى والذين يستقرون فيه هم سماويون، أي المؤمنون، الذين يسلكون بفكر السماء، ويستعدون لها كل يوم.
والسرو أشجار مرتفعة عاليا، فترمز إلى الارتفاع بالفكر إلى السماء، لنحيا سماويين.
هـ- ملجأ: إن اللقلق يبنى في شجر السرو عشه (مز 104: 17)، فالسرو يرمز إلى اتساع القلب، الذي يقبل البعيدين، والمتعبين والمحتاجين، فيجد الكل راحته فيه.
و - رائحة ذكية: السرو له رائحة ذكية ترمز لرائحة المسيح الذكية، ورائحة المؤمنين، الذين يسكن فيهم المسيح، هذه الرائحة تظهر في كلام المؤمنين وأعمالهم، فتجد النفوس الحياة مع الله. والكنيسة رائحتها ذكية، لأنها نقية ترفض الخطية ذات الرائحة الكريهة، وهي مملوءة بفضائل المؤمنين ذات الرائحة الذكية، ويسكن في وسطها عمانوئيل إلهنا، وحوله قديسيه، وهو مصدر كل رائحة ذكية.
ز - اتضاع: كان هيكل سليمان يفرش أرضه بخشب السرو (1 مل 6: 15) وهذا يعنى الاتضاع، إذ تدوس عليه الأقدام. ويرمز هنا إلى احتمال المؤمنين للإهانات والتعب لأجل الله، فكما كان المسيح متضعا، واحتمل كل الآلام لأجل خلاصنا، هكذا أيضا يحتمل المؤمنون باتضاع كل الآلام، لأجل خلاص نفوسهم. والكنسية المجاهدة على الأرض متضعة مثل سيدها، فهي صورة السماء، ولكنها تحيا على الأرض، وتحتمل الأتعاب لأجل المسيح.
†
أعط يا أخى مكانا للمسيح في قلبك ليملك عليه، فتسعد في وجوده داخلك، وذلك من خلال الصلاة والقراءة، وتأمل كلامه، فتشبع بحبه كل يوم، وتحيا مطمئنا، مهما أحاطت بك المتاعب والضيقات.
← تفاسير أصحاحات نشيد: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
تفسير نشيد الأنشاد 2 |
قسم
تفاسير العهد القديم الموسوعة الكنسية لتفسير العهد الجديد: كنيسة مارمرقس بمصر الجديدة |
مقدمة سفر نشيد الأنشاد |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/bible/commentary/ar/ot/church-encyclopedia/songs/chapter-01.html
تقصير الرابط:
tak.la/7tdjm6y