قد يخطئ البعض في تحديد أهداف خاطئة من صومهم، فنحن نقضي وقتًا طويلًا في أصوامٍ عِدة على مدار السنة، تهدف منها الكنيسة مساعدة المؤمنين على النمو الروحي العميق، وعدم الانشغال في الملاذ الأرضية، وعدم التركيز فيما هو شهي ومُحَبَّب للمذاق والحواس.. فالفم لا يكتفي، واللسان لا يتعفَّف في وقتًا ما عن كل المذاقات اللذيذة. فطبيعة الجسد لا تكتفي من المشتهيات؛ وكلما أعطيناه ما يطلبه لا يكف عن زيادة الطلب. فَمَنْ هو حكيم ينظر إلى نفسه ويتذكر هل في وقتًا ما وجد الجسد يتعفَّف عن الأكل والشُرب؟! بل ويمتنع عنهما في غير أوقات الصوم والمرض؟! فهذه هي طبيعة الجسد المُشاغِب الذي يقف حيال نموّ الروح؛ فهو يعلم جيدًا أنه بنموّ الروح وانطلاقها سوف يضعف ويهزل وكأنه إنسانًا عدوًّا يقف أمامنا لمحاربتنا.
* وهنا نجد البعض يلتزم بالصوم لمجرد أن الكنيسة أعلنت للجميع أن الصوم سوف يبدأ في الأيام القليلة القادمة، فهو أمام صِراع فِكري وضميري.. هل أصوم أم أترك أيامًا أم أسابيعًا..؟! ويأتي الفِكر ليجاوبه على سؤاله ويقول له: "لا تترك يومًا من أيام الصوم، فأنت معروف للجميع، وشخصية مرموقة في المُجتمع الكَنَسي، والكل يأخذ بركتك ويلتمِس صلواتك.. فعيبٌ عليكَ ألّا تصوم من بداية الصوم! وكيف يكون حالك ونظرة الآخرين لك عندما يعرفون أنكَ مُفْطِر؟! سوف تتغيَّر نظرتهم عنك وتقديرهُم لك، بل يهتَز كيانك أمامهم ويفقدون ثِقَتهم بك.. فيجب عليك أن تصوم لكي تحْتَفِظ بصورتك البهية أمامهم، ولا تَفْقِد مكانَتَك العالية في نَظَرهم".. هذا وغيره من الأفكار التي تأتي على الإنسان ويُفَكِّر فيها، وأخيرًا يجد نفسه لا بُد أن يقتنِع بضرورة الصوم من أول الصيام..
ولكن مَهلًا أيها الحبيب..
فهو يقتنع بضرورة الصوم من أول الصيام وذلك تَمْجيدًا للذات التي عَظُمَت أمام صانِعها؛ ألا وهو نَفْس الإنسان، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. الذي حَوَّل كل الممارَسات الروحية إلى غِذاء شهي للذات لكي تَتَغَذَّى عليه وتنمو وتسمن.
* فيتحوَّل الصوم إلى مجرد التزام خارجي أمام الجميع؛ لكي تشير إليه أصابِع الآخرين أنه إنسان روحاني. مهما عَلت صِحته أو تدهورَت، فهو مُلْتَزِم بجميع الأصوام.. حسنًا أيها الحبيب أن تكون مُلْتَزِمًا بكل الأصوام، ولكن ما هو الهدف الباطِني لهذا الالتزام الذي لا يعرفه إلا الله وأنت..؟
"لأَنْ مَنْ مِنَ النَّاسِ يَعْرِفُ أُمُورَ الإِنْسَانِ إِلاَّ رُوحُ الإِنْسَانِ الَّذِي فِيهِ؟" (رسالة بولس الرسول الأولى إلى أهل كورنثوس 2: 11).
* ومِن هُنا نرى من ضمن الأهداف الزائِفة للصوم.. هو أن يتحوَّل الصوم لمجرد إرضاء الإنسان لنفسه، وتَسْكين للضمير الذي ينخس فيه ويقول له: "كيف تكون الكنيسة كلها صائِمة وأنتَ مُفْطِر..؟!" الضمير يعْمَل عَمَلهُ الإيجابي، والروح القدس يُنَشِّط هذا الضمير لكي يدفَعَك خطوة للأمام، وتترك الكسل والتهاون، وتجري في طريق الروح والفضائل.. ولكن أنتَ يا مَنْ تُمَجِّد ذاتَك، وتَهتَم بها أكثر من نموَّك الروحي، تُحَوِّل هذا الفِكر إلى عبودية ذاتَك.. تحوِّل الروحيات إلى جسديات مهما كانت صورتها الخارجية..
* فاحتَرِس أيها الحبيب أن يكون الصوم تعذيب للجسد بالمأكولات الغير مَرغوبة، والتي نُلْزِم أنفُسنها بها، من أجل مديح الآخرين، أو إرضاءً للضمير، أو تمجيدًا للذات فقط دون أن ندري.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/articles/fr-botros-elbaramosy/a/fasting-wrong.html
تقصير الرابط:
tak.la/34f7trx