فهرس |
* حياة العفة والطهارة من أهم مقومات الحياة الروحية.. فهي التي تساعد الإنسان في جهاده الروحي وبناء حياته الروحية بناءً سليمًا، وعلى أساس صخري لا ينحل ولا ينهدِم أمام عواصف الحياة وصدمات التجارب.
* إن العفة تساعد الإنسان على تكوين علاقة قوية بين الإنسان والله عن طريق الصلاة.. وعلى عكس ذلك مَنْ يتهاون فيها تكون مُعطلًا قويًا في حياته وصلاته.. وذلك كما قال الأنبا موسى الأسود: "الذي يتهاون في عفة جسده يخجل في صلاته".
وهذا ما يحدث بالفعل.. فالذي يسلك أي سلوكًا شاذًا أو منحرفًا لا يستطيع أن يقف للصلاة.. فكيف يقف أمام الله بهيكل مُنهدم ومُدنس وفاسد.. "أما تعلَمونَ أنَّكُمْ هيكلُ اللهِ، وروحُ اللهِ يَسكُنُ فيكُم؟ إنْ كانَ أحَدٌ يُفسِدُ هيكلَ اللهِ فسَيُفسِدُهُ اللهُ، لأنَّ هيكلَ اللهِ مُقَدَّسٌ الذي أنتُمْ هو" (1كو3: 16-17).
هذه العفة تميزت بها السيدة العذراء مريم..
وعاشت طوال حياتها بطهارة.
* لقد عاشت السيدة العذراء مريم بتولًا طاهرة في بيت خطيبها يوسف النجار، وذلك رغم عقد الزواج الذي عقده ودوّنه لهم كهنة الهيكل.. فهي أمام الشريعة وأمام المجتمع متزوجة ليوسف النجار.
* هي صبية في سن الثانية عشر من عمرها، وهو شيخًا يُقارب الستين من عمره.. فهي كانت بمثابة الابنة أو الحفيدة معه في بيته، وهو كان يرعاها ويعولها.. لذلك حينما جاء الملاك ليبشرها بحَبَلها للسيد المسيح
قائلًا لها: "ها أنتِ ستَحبَلينَ وتلِدينَ ابنًا وتُسَمينَهُ يَسوعَ.... فقالَتْ مَريَمُ للمَلاكِ: كيفَ يكونُ هذا وأنا لستُ أعرِفُ رَجُلًا؟" (لو1: 31-34).هذا الموقف كان خطيرًا جدًا بالنسبة لها.. فهي تعرف نفسها جيدًا، وتعرف مدى حفاظها على نفسها وطهارتها.. فهي لم تقترب لرجل، ولم تسمح لأي رجل حتى يوسف نفسه أن يقترب إليها.. (فكيف يكون لها هذا؟)، ولم تطمئن لذلك إلاَّ حينما عرفت من الملاك أن هذا الحَبَل ليس من إنسان بل هو من الله.. "الرّوحُ القُدُسُ يَحِلُّ علَيكِ، وقوَّةُ العلى تُظَلّلُكِ" (لو1: 35).
* وقد عاشت السيدة العذراء بتولًا طوال حياتها حتى بعد ولادتها للسيد المسيح لم تنجب أولادًا بعد أن ولدته الولادة المعجزية، وهذا هو إيماننا الأرثوذكسي السليم في دوام بتولية السيدة العذراء.. (بتول قبل الزواج، وقبل الحَبَل بالسيد المسيح، وبعد ولادتها للسيد المسيح).
* فقد عاشت السيدة العذراء حياة البتولية والعفة طوال حياتها حتى فارقت الحياة إلى الحياة الأبدية.
وأصبحت السيدة العذراء مَثلنا الأعلى..
الذي نحتذي به في التمسك بحياة العفة والطهارة..
رغم كل إغراءات العالم وشروره وانحرافاته.
فالطهارة هي حياة تشبه حياة الملائكة.. لأن الله خلق الحيوان بجسد وغرائز بدون روح، وخلق الإنسان بجسد وروح، وخلق الملائكة أرواحًا نورانية.. فهذا المخلوق المتوسط وهو الإنسان إذا سَلَك حسب غرائزه الجسدية وأهوائه الشهوانية تحوّل إلى حيوان، وإذا سَلَك بالروح ولم ينغمس في شهوات الجسد صار ملاكًا وهو ما زال على الأرض.. وعن ذلك يقول القديس يوحنا الدرجي: "مَنْ غَلَبَ جسده فقد غَلَبَ طبيعته، ومَنْ غَلَبَ طبيعته فقد صار فوقها، ومَنْ صار فوق الطبيعة الإنسانية فقد شارك الطبيعة الملائكية".
ويقول القديس كبريانوس الشهيد مُخاطبًا بعض العذارى: "لقد ابتدأتن الآن وأنتن في هذه الحياة أن تتمتعن بما سيكون لكّن في السماء بعد القيام لأنكن بحفظكن بكارتكن قد تشبهتن بالملائكة".
ويقول الآب يوحنا كاسيان: "إنه لا توجد فضيلة تعادل تشبيه البشر بالملائكة مثل فضيلة العفة، لأن البشر يعيشون بواسطة العفة وهم في الجسد كمَنْ لا جسد لهم وكأنهم أرواح مجردة".
والأكثر من ذلك.. أن هؤلاء البشر الذين يعيشون حياة العفة والطهارة، يكونون بدرجة أعلى من الملائكة، الذين ليس لهم أجساد تشتهي ضد أرواحهم.
وهنا أوضح نقطة.. أنه يوجد فرق كبير بين البتولية والعزوبية.. فالبتولية تختلف اختلافًا كبيرًا عن العزوبية في أنها مكرسة ومخصصة من أجل الله فقط، فهي ثمرة حبه الكامل، لأنها تحمل معنى روحي أسمى من العزوبية ولها قيمة مقدسة.
فالإنسان الذي كرّس بتوليته لله يختلف عن الإنسان الأعزب، الذي لم يتزوج لأنه لم يستحسن امرأة ما في الزواج، أو أنه قد يرى أن العزوبية أكثر راحة من تحمّل المسئولية وتحمّل مسئولية زوجة وأولاد، أو أنه يريد أن يعيش مُتحررًا من الأعباء.. أو قد يكون إنسان ذو شخصية أنانية مُحبة لذاتها، فهو لا يريد أن يفيد أحدًا بل يريد أن يأخذ باستمرار، فيرفض رباط الزوجية والقيود.. (وذلك حسب تخيله الشخصي).
والبعض قد يختارون العزوبية نتيجة صدمة معينة، فيمتنعون عن الزواج نهائيًا ليس حبًا في البتولية، ولكن رد فعل مُعاكس لهذه الصدمة، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام أخرى.. (في شخصية معينة.. كثرة فك الخطوبات.. عدم الصدق والصراحة من الطرف الآخر).
وهنا أتذكر قول للقديس "جيروم" مُوجّه للأمهات التي ترفض أن تبقي ابنتها عذراء مثال السيدة العذراء: "لماذا تغتاظين وتئنين إذا بقيت ابنتك عذراء؟ هل تحزنين لأن ابنتك اختارت أن تكون زوجة للملك وليس للعبد؟ لقد جاءت عليك بامتيازات عظيمة.. لقد أصبحتي الآن حماة الرب".
لذلك نجد أن الآباء القديسين والشهداء أحبوا هذه الحياة وفضلوها على كل شيء.. فنجد شهداء نالوا إكليل الشهادة من أجل حفاظهم على عفتهم، وتساووا في الإكليل مع مَنْ ناله من أجل حفاظهم على الإيمان والعقيدة.
عندما حدث أن "مروان بن محمد الأموي" عندما استغاث بالبشموريين لمقاومة الخراسانيين في القرن الثامن بعد الميلاد، أطلق لهم حرية النهب والسلب، فكان من ضمن ضحاياهم أحد أديرة العذارى في نواحي أخميم.
وبينما كانوا ينهبونه رأوا راهبة صغيرة جميلة جدًا اسمها "فبرونيا"، جاءت من الشام، وترهبت في ذلك الدير، وكان لها ثلاثة سنوات.. فأخرجوها من الدير رغمًا عنها، وسبوها دون غيرها لجمالها.
وبدأوا يتشاورون بخصوصها.. البعض يقول نقدمها هدية للخليفة، والبعض الآخر يريد أن يقترعوا فيما بينهم عليها.. وبينما هم يتباحثون رفعت هي قلبها إلى الملك الحقيقي الحافظ عهده ورحمته للذين يحبونه بكل قلبهم، وألقت بذاتها بين يدي الله تبارك اسمه.. تبكي وتطلب خلاصها من هؤلاء القوم الأشرار، وحفظها من الدنس ولو أدى ذلك إلى قتلها.
وفي الحال فكرت في طريقة عجيبة للخلاص مما أحاط بها.. إذ طلبت مقابلة رئيسهم. ولما حضر أخبرته أنها ستقول له سرًا عظيمًا بشرط أن يتركوها فوعدها بذلك.
فقالت له: إن أسلافنا كانوا حكماء واكتشفوا سرًا سلّموه لآبائنا، ولم يعرفه سواهم.. وهذا السر هو أنه يوجد زيت حينما تُتلى عليه الصلوات ونُدهن به لا نخاف الموت ولا السيف ونضمن الحياة.. ولقد عرفت أنا هذا، وأن التجربة والامتحان هما أعظم شاهد، وأنني مستعدة أن أدهن رقبتي وأنت تضربني بسيفك بكل قوتك لترى نتيجة ذلك، أو إن أردت تدهن أنت رقبتك وأضربك أنا!!
فخاف هو على نفسه وقال لها: ادهني أنتِ رقبتك وأضربك أنا بسيفي، ففرحت هي جدًا لأنها كانت لا تخاف الموت بل تشتهيه أفضل من الحياة في الجسد مع الدنس.. إذ بذلك ستنال الحياة الأبدية، وطلبت منه أن تذهب إلى الكنيسة أولًا لتحضر الزيت وتُصلي، فسمح لها مع مراقبتها.
فذهبت أمام صورة أمنا العذراء الطاهرة مريم، وصلّت بحرارة لكي يُعينها الله بشفاعتها على حفظ بتوليتها، ثم أحضرت من زيت القنديل ودهنت عنقها، وأعطته كمية من الزيت أيضًا، وقالت له: خذ من هذا الزيت، وها أنا قد دهنت رقبتي فاضربني بكل قوتك، وسترى النتيجة بنفسك.
ففرح هو واستل سيفه وضرب عنقها بكل قوته، ففي الحال انفصلت رأسها عن جسدها وتدحرجت على الأرض.
فذهب القائد والجند واندهشوا من شجاعة تلك العذراء ومحبتها للعفة، وندموا على ما فعلوا.. ثم تركوا كل ما كانوا قد سلبوه من الدير، ومضوا متأثرين لما حدث.
وأمامنا القديسة "بوتامينا"، وكيف فضلت أن تُحرق بالنار، ولا تنزع ثيابها منها عند الحرق والعذاب.
كيف طرحت الوالي على الأرض.. الذي كان يريد أن يفعل بها شيئًا دنسًا، والنتيجة أنه أمر بقلع عينها وقطع رأسها.
والشاب العفيف الذي عندما ربطوه وقيدوه لكي تفعل معه إحدى الساقطات الخطية.. اتقدت فيه نار الوصية وحملته غيرته أن يهلك عضوًا واحدًا من جسده ولا يترك جسمه ونفسه للهلاك الأبدي، فقرض لسانه وبصقه في وجه تلك المرأة الشريرة بدماء كثيرة، وللحال وقع الرعب في قلبها وارتعدت من رجل الله القديس، متفكرة أنه مجنون، وسرعان ما هربت بخوف عظيم تجر أذيال الفضيحة.. وهرب هذا الشاب من فِعل خطية الزنا رغمًا عن إرادته.
قد تمثلوا بالسيدة العذراء أمنا كلنا في حفظ بتوليتهم..
فالآن هيا بنا أيها الشباب..
نتمثل بأمنا العذراء وآباءنا الشهداء والقديسين،
في حفاظنا على عفة جسدنا وفكرنا،
ونحيا في طهارة كاملة..
رافضين كل مغريات العالم وشهواته الدنسة.
ناظرين إلي السماء وما فيها..
فالسماء ليس فيها شيئًا نجسًا..
بل كل مَنْ يحيا فيها يحيا بطهارة وعفاف.
طالبين معونة ربنا يسوع المسيح إلهنا الحنون..
الذي له كل المجد والإكرام من الآن وإلى الأبد آمين.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/articles/fr-botros-elbaramosy/a/purity.html
تقصير الرابط:
tak.la/cay693x