في سنة 2004 م. ظهر لنا وأصبح في متناول أيدينا شبكة التواصل الاجتماعي المُسَمَّاة فيسبوك Facebook، وكان الهدف منها هو التواصل الفعلي لتحقيق أكبر فائدة من خلالها، ومن خلال مواقع البحث أصبح العالم كله كقرية صغيرة، ينتشر فيها الأخبار، ويُعْرَف منها المناسبات السعيدة والمحزنة لقاطني هذا المكان، ومن خلالها تعرَّفنا على ثقافات شعوب وحضارات أمم، وأبحاث علمية ومجموعات بحثية ومدوَّنات كِتابية وأدبية وفلسفية رائعة، وأصبحت المكتبات الضخمة والمواقع البحثية مُتاحة لِمَن يرغب في العلم والدراسة والبحث أكثر بكثير مما كان قبل ظهور هذه الوسائل الإلكترونية التي أحدثت طفرة في العالم كله، وغيَّرت من ثقافة شعوب، وشكَّلت إنسانًا جديدًا في التكوين الداخلي للبشر، جعلت نواحي الحياة كلها (علم، ثقافة، دراسة، بحث، اقتصاد، فن، سياسة...) مُتاحة للجميع.
وكان من المفروض أن يسعى الإنسان نحو الفائدة، وينهل من كل هذا الخير الذي وصل إليه وهو يجلس على مكتبه داخل غرفته. حيث كنا حتى وقت قريب نذهب للمكتبات البحثية لنبحث عن الكتاب أو الموضوع المطلوب، وننتقل من مكان لآخر، منفقين الوقت والمجهود والمال في السعي نحو الدراسة والمعرفة، ولكن الآن أصبح كل شيء متاحًا من خلال الموبايل mobile -الذي أصبح ضرورة من ضروريات الحياة مثل الأكل والشرب- كل ذلك أصبح متاحًا بلمسة الأصابع فوق الشاشة الذكية، ويستطيع الإنسان أن ينتقل من موقع إلى آخر ومن صفحة إلى أخرى ومن جروب group إلى المئات من كل ذلك في دقائق معدودة، ويمكن أن يقضي وقتًا طويلًا في قراءة الكتب والأبحاث المختلفة حسب هويَّة الإنسان، بل من السهل أن يقضي الإنسان وقتًا طويلًا في وسائل الترفيه المختلفة المفيدة بالطبع للإنسان الواعي، بدلًا من النزول والانتقال إلى هذه الأماكن وضياع الوقت والصحة والمال للوصول لذلك..
ولا يستطيع أحدًا عاقِلًا مميزًا أن ينكر النواحي الإيجابية والمفيدة الكثيرة لهذه الوسائل أو الشبكات أو المواقع والصفحات أو من مسمى آخر أوجده الإنترنت Internet بين يدينا بسهولة وسرعة.. ولكن العجيب والغريب ليس في الوسيلة، ولكن في الإنسان نفسه الذي يحوِّل السكين المفيد في عمل الطهي والتجهيزات المختلفة والاستخدامات الكثيرة المفيدة إلى آلة حادة يقتل بها أخوه في البشرية، ويرهب بها العجائز والأطفال والسيدات ليبتزّهم ويفعل معهم أي جريمة أخلاقية.
هكذا رأينا العقل المُفَكِّر.. ليس المفكر حسنًا، ولكن المفكر في الدمار والخراب والإساءة وتحطيم كل ما هو نور لتتحوَّل الدنيا إلى ظلام دامس، يحوِّل الخير إلى شر، يحوِّل المُضيء إلى مُظْلِم، يحول المفيد إلى ضار.. فينتج من شبكة التواصل الاجتماعي social network شبكة مدمرة للأخلاق والأديان والعقائد والقيَم والعلم والمنطق والآداب إلى عكسها تمامًا، فينتج شبكات للرذيلة والخطيئة الدنسة، ينتج شبكات ومواقع للإلحاد وإنكار وجود الله وهَدْم كل ما يُسَمَّى دين أو عقيدة أو إيمان، يُبَثّ من خلالها شكوكًا يصعُب على الإنسان العادي أن ينجو من شِباكها، ويدخل إليها برجليه ولا يستطيع أن يخرج منها أبدًا، وكأن الإنسان أصبح أعمى البصر لا يرى ما يُنْصَب لهُ من فِخاخ: "لأَنَّهُ بَاطِلاً تُنْصَبُ الشَّبَكَةُ فِي عَيْنَيْ كُلِّ ذِي جَنَاحٍ" (أم 1: 17).
ومع كثرة العلم ازداد الغم والانحراف والدمار الذي يهدد البشر جميعًا.
نسمع كل يوم عن صفحات جديدة ومواقع أكثر تنتشِر وتُنشأ بهدف جذب الشباب إلى اللامستقبل واللانجاح، وإلى ضياع العمر وتشتيت الفكر، ويليه المُسَلَّمات الإيمانية والتشكيكات العملية والكتابية وكل أنواع الأفكار البنَّاءة، نرى مَنْ يجذبون أولادنا بالآلاف ولست أبالغ لو قلت بالملايين، يخرجوهم من داخل حياتهم وكنيستهم وإيمانهم ودراستهم إلى طريق العدم والتمرد والفشل، بالاعتراض على كل شيء راسخ وثابت وجميل.
نرى الدارونيين يعملون بكل قواهم على تقديم الأدلة العملية لتطور الإنسان، وإثبات أنه من أصل جنس القرود، ومع التطور أصبح هذا الكائن الجديد المُسَمَّى الإنسان. هادفين إلى نقد الكتاب المقدس وإثبات عدم صحته، ضاربين إياه في مقتل وتزييف الحقائق وتحريف الترجمات، بل قل كذب موسى كاتب سفر التكوين من الأصل، مشككين فيها قيل على لسان الله: "نَعْمَلُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِنَا كَشَبَهِنَا" (تك 1: 26)، "خَلَقَ اللهُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِهِ. عَلَى صُورَةِ اللهِ خَلَقَهُ" (تك 1: 27)، "هُوَذَا الإِنْسَانُ قَدْ صَارَ كَوَاحِدٍ مِنَّا عَارِفًا الْخَيْرَ وَالشَّرَّ" (تك 3: 22). كل ذلك يصبح أضاليل وتحريفات، وقل ما تريد أيها القارئ العزيز.. والعجيب أن هذه المدرسة أو هذه الجماعة تزداد في العدد وتنتشر بين فئة شبابنا المتعلم! ونجد الكثير من دارسي كليات الطب والصيدلة والهندسة (كمثال وليس تحديد) ينادون بهذه الأفكار عن اقتناع كامل وإيمان داخلي راسخ، ويتكلمون بحجج وإثباتات هادفين إلى تعجيز مَنْ يتحاورون معه عن الرد أو الإثبات.. وهنا تكون الطامة الكُبرى، حينما نرى ونسمع عن أبناء الكنيسة العريقة أنهم مبهورون بهذه الدراسات والتشكيكات..
نرى صفحات المتأزمين نفسيًّا بسبب أحداث وتساؤلات داخلهم قد تؤدي بهم إلى الإلحاد المعاصر، واتهام الله بأنه صانع الشرور ومدبرها -وقد تكلَّمنا عن ذلك في مقال سابق هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت- ولديهم الحجج والمواقف الحياتية الشخصية لهم، رابطين بين الأحداث المضرة لهم بعدم عناية الله بهم وبتركهم وأنه لا يُبالي بخلقته، ويقول أين الله؟! نازحين إلى المقاطعة الفعلية للتعامل مع إله الكون، فمنهم مَنْ يقتنع بالمناقشة ويرجع عن طريقه، ومنهم مَنْ يصر على فِكره الخاص ورفضه لفكرة الله المُحِب للبشر، ويُعادي الله ولا يقبل أي عمل معه أو مناقشته. ولنلاحظ أن هذه الفئة قد أصبحت في تزايُد، ونحن لا ندري خطورتها والمشكلات التي سوف تنتج من خلالهم ومن خلال فِكرهم..
هذا التواصل السريع عن طريق شبكة التواصل الاجتماعي، أصبح الفِكر والموقف والقرار يصل إلى آلاف القارئين في نفس لحظة نشره ومُشاركتهُ مع كثيرين.. ناهيك أيها الحبيب عن كثرة المواقع الإباحية والصفحات التي تدعو إلى التحرر والمثلية ونشر كل أنواع وطرق الرذيلة.. فأصبحت الخطية بكل صورها مُتاحة لمن يجلس داخل منزله وغرفته الخاصة، لا يبذل مجهودًا ولا ينفق أموالًا، ولا يخاطر بنفسه وسمعته في أي مكان مشبوه. أصبح الكثير من الراغبين في ذلك ينتشرون بين الكل وفي كل الصفحات العامة والشخصية، وأصبحت المُتاجرة بالأجساد سهلة ومتاحة ومنتشرة، وبأبخس الأثمان، أو ما هي إلا تكلفة استخدام الإنترنت فقط..
كل ذلك ساعد على الفساد الأخلاقي والمجتمعي والكنسي، وكاد يقضي على الأخضر واليابس ونحن نائمين بكامل الهدوء، ويقول الأب والأم نحن لا نخاف على أولادنا.. نحن نثق في تربيتنا لهم!
أيها الحبيب، أنت تثق ولكنك لا تستطيع أن تثق في تربية وتنشئة الصديق والصديقة والجار والزميل.. فحاول أن تكون حريصًا بالقدر الكافي ولا تثق الثقة العمياء التي نصحو من نومنا العميق على كارثة ليس لها علاج، بعد فوات الأوان واكتشاف المحذور. وتذكر قول القديس مكاريوس الكبير: "احكم يا أخي على نفسك قبل أن يحكموا عليك". وهكذا قال لنا القديس الأنبا أغاثون حينما زار البابا ثاؤفيلس البطريرك 23 من تعداد بطاركة الكرازة المرقسية وطلب منه كلمة منفعة، فال له: "جيد للإنسان أن يأتي بالملامة على نفسه في كل شيء"..
كل ذلك كفة، وفي الكفة المقابلة والأخطر هو ما انتشر في خلال السنوات القليلة الماضية من ظهور صفحات ومواقع كنسيَّة كثيرة، قد يكون بعضها يمثل كنائس وهيئات، وبعضها يمثل مجموعات مُتقاربة فكريًّا، وبعضها يمثل أشخاص يصرون على آرائهم الشخصية لا أكثر ولا أقل.. والطامة الكبرى أننا وجدنا أن كل الأمور الدينية والإيمانية والعقيدية واللاهوتية تُناقش على متن هذه الصفحات، وتكون المشاركة لها متاحة للجميع، والانضمام لها بسهولة أيًّا كانت الجروبات بأنواعها عامة public groups أم خاصة (مغلقة) closed groups، هو مجرد تسجيل بيانات الشخص، مع معرفتنا جميعًا بلا استثناء ما يحدث أثناء إنشاء الصفحة الشخصية، فكما تضع البيانات تأخذ الموافقة: فمَنْ يُنشئ صفحة باسم بنت وهو ولد، ومَنْ يسجل اسمًا ينتمي إلى إيمان معين وهو غير ذلك، ومَنْ ينتحل صفحة أشخاص وهمية أو يزوِّر في صفحة شخصية اعتبارية.. وأترك لكم المزيد من تلك الجرائم التي تكتشفونها يوميًّا..
يضع بعض الأحباء على صفحاتهم الشخصية أو العامة التي يديرونها بعض القضايا الإيمانية والنِّقاط الحرجة التي لا يدرك خطورتها إلَّا الدارسين والمتخصصين، ويتركوها للرأي العام. فتحدث إثارة عند البعض وتحفيز للبعض على الرد دون دراسة أو مرجعية، والأضرار أنها تُحْدِث بلبلة فكرية عند الكثير من شعبنا وشبابنا، ويكون فكر مَنْ وضع هذه الأمور أن يقوم بالتوعية أو التصحيح أو الترسيخ لمفاهيم معينة أو قل ما تشاء من مسميات.. كل ذلك من الجانب المُضيء، ولكن ما يُعاب على تلك الأمور أنها في أغلب الأحيان تبدأ بالنقاش البنَّاء ثم ما تلبث أن تتحوَّل بسرعة إلى خِلاف في الرأي وتراشق الألفاظ وتبادل الاتهامات، واتهام البعض بالكفر والبعض بعدم الفهم والبعض الآخر بضآلة المعرفة. قد دخل من خلال الكتابة والنقاش ألفاظًا جارحة نتراشق بها دون الحذر من أي فِكر أو لفظ أو مفهوم، وكلًا من الطرفين الباحِث والمشارك في الرد والمعترض يبدي اتهامه للآخر.
وقد سمعنا عن بعض الصفحات التي يُنشئها مسئولون عن الخدمة في بعض الكنائس يتباحثون من خلالها مشاكل الخدمة وخصوصياتها والأخطاء الموجودة، ويُذْكَر فيها الأسماء، ويبدأ مسلسل الاتهام والتجريح والدفاع والمؤيد والمعارض.. ولا ندري أنه من الممكن أن يكون أحد المشاركين لديه إمكانية عرض هذه المشاركات والمناقشات إلى كل أصحابه، وكلٍ من هؤلاء لديه أصحابًا كثيرين من كل الأفكار والانتمائات الفكرية والدينية. ويكون هذا هو حال الخدمة والكنيسة أن الأمور الخاصة أصبحت على الملأ، وأمام أعين الكل..
والطامة الكبرى أيها الأحباء فيما سبق أننا نتباحَث الأمور الإيمانية الدقيقة على الملأ وفي حضور كل الأطراف والأصدقاء.. فما هو الضامن لك أيها الحبيب أن كلامك هذا يقرأه ويراه المتفق معك في الإيمان فقط؟! ألست بذلك تهين إيمانك ومعتقدك وتفتح أبواب التشكيك في كل شيء، وتعطي عدوَّك السلاح الذي يقتلك به، وأنت تدري أم لا تدري، لا يهمك الأمر! ولكن يهمنا ذلك كثيرًا بسبب خطورته وحساسيته، فقد يعثر البعض البسيط في كل ما تكتبون، ويتشكَّك أو قد يقتنع بأي فِكر غريب يُطْرَح في المناقشة، وتكون سببًا في ترك إنسان للإيمان أو للكنيسة التي ينتمي لها أيًّا كانت الكنيسة محلية أو جامعة..
قد يقرأ البعض تجريحك في الكهنوت والإكليروس بكل درجاتهم، ويشاركون ذلك وتكون أنت سببًا في عثرة الآخرين، ويكمل عليك القول: "وَمَنْ أَعْثَرَ أَحَدَ هؤُلاَءِ الصِّغَارِ الْمُؤْمِنِينَ بِي فَخَيْرٌ لَهُ أَنْ يُعَلَّقَ فِي عُنُقِهِ حَجَرُ الرَّحَى وَيُغْرَقَ فِي لُجَّةِ الْبَحْرِ" (مت 18: 6؛ مر 9: 42). فإذا كان السيد المسيح لكي يحفظ حياتنا على الأرض إلى أن نصل إلى السماء ونحصل على الميراث المُعَد لنا قال محذرًا لنا: "وَإِنْ أَعْثَرَتْكَ يَدُكَ فَاقْطَعْهَا. خَيْرٌ لَكَ أَنْ تَدْخُلَ الْحَيَاةَ أَقْطَعَ مِنْ أَنْ تَكُونَ لَكَ يَدَانِ وَتَمْضِيَ إِلَى جَهَنَّمَ، إِلَى النَّارِ الَّتِي لاَ تُطْفَأُ.. وَإِنْ أَعْثَرَتْكَ رِجْلُكَ فَاقْطَعْهَا. خَيْرٌ لَكَ أَنْ تَدْخُلَ الْحَيَاةَ أَعْرَجَ مِنْ أَنْ تَكُونَ لَكَ رِجْلاَنِ وَتُطْرَحَ فِي جَهَنَّمَ فِي النَّارِ الَّتِي لاَ تُطْفَأُ.. وَإِنْ أَعْثَرَتْكَ عَيْنُكَ فَاقْلَعْهَا. خَيْرٌ لَكَ أَنْ تَدْخُلَ مَلَكُوتَ اللهِ أَعْوَرَ مِنْ أَنْ تَكُونَ لَكَ عَيْنَانِ وَتُطْرَحَ فِي جَهَنَّمَ النَّارِ" (مر 9: 34، 45، 47)، فهل حينما تكون أنت عثرة لي في كلامك وردودك وتهكمك وازدراءك لكل شيء، المطلوب مني أن أقطعك وألقيك بعيدًا عني؟ أم كيف تفهم وتفسر الآيات السابقة؟! وفيما أنت تدافع عن الإيمان تموت رافضًا الإيمان وناكِرًا له..
العجب كل العجب وأنا أكتب هذه الكلمات وبكل الأسى أقول: ليس الدفاع عن الإيمان والمسلمات والعقيدة والفكر الأرثوذكسي أن يضع كل واحد ما يرى نفسه أنه أفضل من فهمه على الأرض، لكي يسمع ردود الآخرين ويقنعهم ويفحمهم بردوده وإثباتاته.. فاعلم أيها الحبيب أن الآخر لديه هذا الفِكر تمامًا، ويرى أيضًا في نفسه أنك أنت الضال والغير قادر على الفهم، والعاجز عن إدراك الأمور الخطيرة التي يدركها هو، وهو فقط. ونكون بذلك قد وقعنا في المحذور وهو عثرة الآخرين..
لا ترى في نفسك أيها الحبيب أثناسيوس آخر قد أوجدك الله في هذا العصر لكي تقف ضد العالم، فكل مَنْ يحوي الإيمان السليم في قلبه وعقله ويريد أن الجميع يكونون مثله، ولكن الطريقة التي يُعْرَض بها الإيمان واللاهوت والعقيدة على شبكة التواصل الوهمي التي لا ندري هوية عليها لا يصِح أن تكون هكذا..
لدينا اللقاءات والمؤتمرات والاجتماعات داخل الكنائس لكي نتناقَش بها داخل أسوار الأم التي تحتضِن جميع أولادها.. في هذه اللقاءات يُناقَش الإيمان والعقيدة، ولكن ليس على الصفحات التي أخذت طابِعًا غريبًا، وكلٍ منها يهدم الآخر، وكلٍ منها يجابه الآخر ويرشقه بعدة اتهامات.. وخرجت التعليقات بعيدة عن كل الاحترام أو اللياقة أو الآداب الاجتماعية. فالكنيسة علَّمتنا بعض الألقاب التي تضمن كينونتها الكنيسة المهذبة، وهي: قداسة البابا - نيافة الأنبا - قدس أبونا - حضرة الأستاذ - السيدة الفاضلة.. هذه هي الأخلاقيات الكنسية، وانتهاجنا للغة الصحافة بمخاطبة الإنسان باسمه دون لقبه هذا سلوك عالمي لا يجب أن يكون بيننا.. فاحترام وتقدير الإنسان لغيره هو احترام وتقدير لنفسه، والعكس صحيح تمامًا. وكل إنسان يعبر عن داخله وعِلمه وتربيته وثقافته من خلال ما يكتِب أو من أسلوب حِواره. كما قيل: "تكلَّم لكي أراك"، ولعل المقصود بها لكي أرى ما بداخلك الذي لا تستطيع العين المجردة أن تراه، هي ترى الظاهر ولكن تستطيع أن ترى الباطن من خلال الحديث والمناقشة.
إن مشغوليتنا بالبناء لا تترك لنا وقتًا أو ذهنًا نستخدمه في الهدم، ومَنْ يريد أن يصيح ويعلم ويكرز وينصح، عليه أن يبذل كل وقته في الامتلاء أولًا. فالإناء الفارغ هو الذي يحدث طنينًا، ومَنْ ليس لديه ما يشغله في المفيد والبناء، يُضَيِّع كل وقته على صفحات هادِمة ليست بنَّاءة له ولا لغيره.
فجيد أن يكون الإنسان منشغلًا بخلاص نفسه وبدراسة مُستحبة لفِكره وكيانه، وإتقان هواية تناسب مكانتهُ الشخصية، ومتابعة الأبحاث والاختراعات المفيدة، ولكن ليكن لنا كل الحذر من ضياع الوقت هباءًا تحت سِتار المتابعة وإبداء الرأي والمشاركة، فالإيمان موجود في الكتب والعقيدة السليمة في كِتابات الآباء الأولين، وإيماننا الحقيقي ينبع نوره من الكتاب المقدس والتساؤلات المهمة نجد ردودها داخل كنيستنا من خلال الدارسين والباحِثين والمتخصصين، ومَنْ يوجد بداخل قلبهم روح الله، وليس من خلال صفحات التواصل الاجتماعي التي لا تعرف خلفية وعقلية وتوجهات المسئولون عنها، وماذا يريدون من الخوض في نِقاشات قد تأتي بثمرة رديئة ألا وهي الإدانة والتجريح والتشويه والتشكيك والتضليل.. فكل من هؤلاء يكتبون أقوال للآباء القديسين التي لا يضعون مصدرها أو نصَّها الأصلي، ونحن نأخذ ذلك ونشاركه بكل طرق التواصل سواء المواقع الإليكترونية أو برامج التليفون المتعددة دون التحقق والتدقيق، ونجد الكثير منها مُترجم ترجمات غير دقيقة، أو لا يوجد مصدره له موثوق فيه..
فاحذر أيها الحبيب من تحويل الإيمان واللاهوت والعقيدة ندوة لإبداء الرأي الشخصي على صفحات التواصل الاجتماعي، وبذلك تكون حوَّلت الخير إلى شر، والمفيد إلى ضار، والوسيلة البنَّاءة إلى هادِمة..
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/articles/fr-botros-elbaramosy/a/facebook-and-social-networks.html
تقصير الرابط:
tak.la/5xrrh7h