أول ما نتذكره في هذا المجال، هو أن الله يسعى لخلاص الإنسان، حتى لو كان الإنسان لا يسعى لخلاص نفسه.
نلاحظ هذا منذ البدء: عندما أخطأ آدم وسقط، لم يسع لخلاص نفسه، بل نراه -على العكس من ذلك- قد هرب من الله، وخاف من الله، واختفى، بل إنه: "لما سمع صوت الرب الإله ماشيًا في الجنة... "اختبأ هو وامرأته من وجه الرب" (تك3: 8). وهكذا أوجد حجابًا وحاجزًا بينه وبين الله. وبدأت الخصومة.
من الذي سعي لخلاص آدم؟ إنه الله نفسه، دون أن يطلب آدم منه ذلك.
آدم شغله الخوف عن الخلاص أو حتى عن مجرد التفكير فيه... وهكذا بحث الله عن آدم، وتحدث معه... وأعطاه وعدًا بأن نسل المرأة سوف يسحق رأس الحية (تك3: 15).
لقد أعتبر الله أن المعركة الدائرة هي بينه وبين الشيطان، وليست بين الشيطان والإنسان. أعتبر أن قضيتنا هي قضيته هو. وإذا بنسل المرأة الذي يسحق رأس الحية هو الله نفسه الذي أتي في ملء الزمان من نسل المرأة. هو الله إذن الذي دبر قصة الخلاص كلها، لأنه: يريد أن الجميع يخلصون، وإلى معرفة الحق يقبلون" (1تى2: 4). هو يريد خلاصنا جميعًا ويسعى إليه، حتى إن كنا نحن في تكاسلنا أو في شهواتنا غافلين عن خلاص أنفسنا!...
في قصة الخروف الضال، نرى أن هذا الخروف الضال لم يسع لخلاص نفسه، وإنما ظل تائهًا وبعيدًا. والراعي الصالح هو الذي جرى وراءه.
هو الذي فتش عليه وسعي إليه، وهو الذي تعب من أجله إلى أن وجده، وحمله على منكبيه فرحًا، ورجع به سالمًا إلى الحظيرة...
وفي قصة الدرهم المفقود، نجد نفس الوضع أيضًا...
فإن تعطل خلاص الإنسان، يكون السبب بلا شك راجعًا إلى الإنسان ذاته وليس إلى الله.
وهذا الأمر واضح في تبكيت الرب لأورشليم، إذ قال لها: "يا أورشليم يا أورشليم، يا قاتلة الأنبياء وراجمة المرسلين إليها. كم مرة أردت أن أجمع أولادك كما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها، ولم تريدوا" (مت23: 37)... أنا أردت، وأنتم لم تريدوا...
مثال أخر هو عروس النشيد. (انظر المزيد عن مثل هذه الموضوعات هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والكتب الأخرى). الله هو الذي سعي لخلاصها "طافرًا على الجبال، وقافزًا على التلال" وقال لها: "افتحي لي يا أختي يا حبيبتي يا حمامتي يا كاملتي، لأن رأسي قد امتلأ من الطل وقصصي من ندي الليل" (نش5: 2). وتكاسلت النفس في الاستجابة، وتعللت بالأعذار. فماذا كانت النتيجة... كانت أنها عطلت عمل النعمة فيها بعض الوقت وصاحت في ندم: "حبيبي تحول وعبر"...
تأكد أنك إن كنت تريد الخلاص من الخطية، فإن الله يريد ذلك أضعافًا مضاعفة...
المهم إنك تبدي رغبتك المقدسة هذه. هناك عبارة لطيفة قالها أحد القديسين. قال: [إن الفضيلة تريدنا أن نريدها لا غير]. يكفي أن نريد، إرادة جادة، والله يتولى الباقي. بل حتى هذه الإرادة هو يمنحها لنا، لأجل خلاصنا.
ومن القصص العجيبة عن سعي الله لخلاصنا، ما يقوله الله -في سفر حزقيال النبي- للنفس الخاطئة الملوثة: "مررت بك ورأيتك مدوسة بدمك... وقد كنت عريانة وعارية. فمررت بك ورأيتك وإذا زمنك زمن الحب. فبسطت ذيلي عليك... ودخلت معك في عهد -يقول السيد الرب- فحممتك بالماء، وغسلت عنك دماءك، ومسحتك بالزيت... وجملت جدًا جدًا، فصلحت لمملكة" (حز16).
تلك النفس المسكينة -لو تركت لذاتها- لبقيت على حالها مطروحة وملوثة، عريانة وعارية. ولكن الله فعل من أجلها الكثير، وأنقذها مما هي فيه...
ولكن ليس معني سعي الله لخلاصنا، أننا نتكل على ذلك ونكسل! كلا وإلا فإنه يتحول ويعبر كما حدث مع عروس النشيد. إنما يجب أن تتحد إرادتنا بإرادته. وعملنا بعمله. هو ينزل إلى عالمنا، ونحن نقدم له ولو مزودًا ليستريح فيه...
إن الله يسعى لخلاصنا، ويسعى ليصالحنا معه. عجيب في هذه المصالحة، أننا نرى الصلح يبدأ من جانب الله، أكثر مما يبدأ من جانب البشر... إنه درس لنا حينما تكبر قلوبنا على أخوتنا الصغار، فلا نسعى لمصالحتهم بحجة أننا الكبار..!
بينما قد وضع لنا الله مثالًا حسنًا..
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/cgd4gv5