عبارة "ليأت ملكوتك" هي صلاة لأجل الملكوت، وأيضًا لأجل أنفسنا، ولأجل خدام الملكوت.
وينبغي أن نكون جميعًا من خدام الملكوت.. إنها صلاة من أجل كل رتب الكهنوت، ومن أجل كل الوعاظ والكارزين والخدام والمعلمين والمرشدين، ومن أجل كل نفس لها تعب في الكنيسة. وأيضًا من أجل أن تكثر القدوات الصالحة التي يتعلم الناس من حياتها كنماذج عملية قدامهم. وبهذه القدوات ينتشر الملكوت. نحن يا رب قد تعبنا النهار كله ولم نصطد شيئًا، ولكن علي اسمك نلقي الشبكة (لو 5: 5) قائلين: "ليأت ملكوتك".. إنه صراع مع الله لأجل ملكوته..
علي أن عبارة "ليأت ملكوتك" ليست هي مجرد صلاة، إنما هي صلاة وعمل. تشمل أيضًا عملنا لأجل الملكوت.
إن كنا حقًا نطلب ملكوت الله، فلنعمل من أجله، فلنشترك في بنائه، ونجول نفعل خيرًا (أع 10: 38). ونخلص علي كل حال قومًا.. (1كو 9: 22) لأنهم كيف يؤمنون إن لم يسمعوا، وكيف يسمعون بلا كارز؟! (رو 10: 14). هل نطلب أن ينتشر ملكوت الله في الأرض كلها، ونحن نيام كسالَى؟ إذن أين الحب؟ وأين الغيرة؟
انظروا إلي بُنَاة الملكوت، كيف يقول عنهم بولس الرسول:
".. بل في كل شيء نظهر أنفسنا كخدام الله، في صبر كثير، في شدائد في ضرورات في ضيقات، في ضربات في سجون في اضطرابات. في أتعاب في أسهار في أصوام.. في كل كلام الحق، في قوة الله.. بمجد وهوان، بصيت رديء وصيت حسن. كمضلين ونحن صادقون.. كمائتين وها نحن نحيا.. (2كو 6: 4 – 9). " بأسفار مرارًا كثيرة، بأخطار سيول، بأخطار لصوص، بأخطار من الأمم، بأخطار من أخوة كذبة" (2 كو 11).
حقًا إن الله يعمل من أجل بناء ملكوته، ولكن ينبغي أن نشترك معه في العمل، ونطلب نعمته أن تشترك معنا.
كم قال بولس الرسول، عن نفسه وعن سيلا "نحن عاملان مع الله" (1 كو 3: 9). هذه هي شركة الروح القدس.. نحن لا نشترك مع الروح في الطبيعة والجواهر، إنما نشترك في العمل.
وكل واحد منا، له دور في بناء الملكوت:
وفي هذا قال بولس الرسول "أعطي البعض أن يكونوا رسلًا، والبعض أنبياء، والبعض مبشرين، والبعض رعاة ومعلمين، لأجل تكميل القديسين، لعمل الخدمة، لبنيان جسد المسيح" (أف 4: 11، 12).
حينما نقول "ليأت ملكوتك "، إنما نقدم أنفسنا عمليًا لخدمة هذا الملكوت.
نحن مستعدون يا رب أن نبني الملكوت معك، وننشره معك، ونعمل فيه معك. لا نريد أن نأخذ منك موقف المتفرج، ونقول "ليأت ملكوتك" ونحن في سلبية مخجلة!! كلا، بل ليأت هذا الملكوت، وكلنا خدام لمجيئه، نبذل في سبيل ذلك كل ما تهبنا من قوة.. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والكتب الأخرى). كلنا كسفراء لك: ننادي، كأن الله يعظ بنا، ونقول للكل "اصطلحوا مع الله" (2 كو 5: 20). سلموه قلوبكم لكي يملكها.. نقولها ونحن نصلي من أعماقنا من أجل الخدمة والخدام، ومن أجل كل نفس تخدم هذا الملكوت وتبذل في سبيله، ومن أجل كل قلب لم يدخل إلي الملكوت بعد.. نقول "ليأت ملكوتك"، ونحن نطلب إلي الرب الحصاد أن يرسل فعلة لحصاده" (مت 9: 38).
نصلي ونقول: تعال يا رب واستلم ما تملكه.
من الناحية النظرية والرسمية، أنت يا رب تملك كل شيء. ولكن من الناحية العملية يوجد تمرد علي ملكوتك. والعالم لا يسلمك ما تملكه، وكذلك نحن! فنحن نقول "ليأت ملكوتك "، إنما نقول ضمنًا " تعال يا رب واستلم ما تملكه.. ضع يدك عليه فعلًا، سواء ما تملكه فينا أو في غيرنا "تقلد سيفك علي فخذك أيها الجبار. استله وانجح واملك" (مز 45).
لماذا تترك العالم هكذا، يعبث فيه الإلحاد والتجديف والفساد والانحراف؟
وتنتشر في الخطية، ويتسلط عليه الشيطان! أليس كله لك. تعال إذن واملك فعلًا ما هو لك شرعًا وقانونًا. ولا تترك الناس إلي أنفسهم يتمردون علي ملكوتك. فليس هذا صالحًا لهم..
وإن لم يكن ممكنًا أن يأتي الملكوت دفعة واحدة، فليأت بالتدريج.
إن كنت أنا يا رب لا أستطيع أن أجعلك تملك كل وقتي، فأعطني أن تملك البكورات فيه. فأقدم لك الساعة الأولي من النهار. فإن ملكتها، يمكنني بنعمتك أن أفتح لك هذا القلب مرات ومرات.. أعطني أن أكون أمينًا في القليل، فأتركه لك. حينئذ أتدرج إلي أن أكون أمينًا فيما هو أكثر، إلي أن تصبح الحياة كلها لك..
حقًا إن عبارة "ليأت ملكوتك" فيها توبيخ لي.
فليس منطقيًا أن أقول "ليأت ملكوتك" بينما أنا مشغول عنه بأمور العالم!!
هل أطلب الملكوت، وأنا هارب منه؟! فإن أردنا أن يملك الله علي قلوبنا، فيجب أن نخلي القلب من محبة العالميات التي تعطله عن محبة الله. فالكتاب يعلمنا أنه " لا شركة بين النور والظلمة، وأية خلطة للبر والإثم؟!" (2 كو 6: 14) حقًا، كيف يملك الله قلبًا وشهوات العالم مالكة عليه؟! فلنحاول إذن إزالة المعطلات التي تعرقل ملكية الله لنا، سواء كأفراد أو جماعات.
وأن أردنا أن نكون من بني الملكوت، فلنعرف صفاتهم.
هوذا الرب يقول عن الملكوت.. "طوبى للمساكين بالروح لأن لهم ملكوت السموات" (مت 5: 3). ويقول أيضًا "إن لم ترجعوا وتصيروا مثل الأطفال، فلن تدخلوا ملكوت السموات" (مت 18: 3). هل نفهم من هاتين الآيتين إنه ينبغي أن نتصف بالاتضاع وأيضًا ببساطة الأطفال وبراءتهم لنكون من بني الملكوت؟
ما أجمل أن نتأمل باقي الآيات الخاصة بالملكوت، لنعرف أعماق عبارة "ليأت ملكوتك"..
اترك هذا مجالا لتأملاتكم الخاصة. ويكفي أن أقول إنه مادمنا قد اشترينا بثمن، وإننا لسنا لأنفسنا (1 كو 6: 20، 19).. فقد صرنا كلنا لله، هو الذي يملك كل حياتنا ووقتنا، وكل قلوبنا وأفكارنا ومشاعرنا وحواسنا. فلتعترف بهذه الحقيقة، ولنقل له:
"ليأت ملكوتك".
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/t4wxj72