ولأن الله يعرف أضرار النسيان، ويريد إنقاذنا، لذلك وضع أشياء عديدة، بها نصحو ونفيق. فما هي هذه الأمور، التي يعالج الله بها نسياننا...؟
كان الله قد وضع في داخلنا الضمير لكي يذكرنا بطريق البر.
إنه يُسَمَّى الشريعة الطبيعية، التي بها كتب الله شريعته على قلوبنا.
فيوسف الصديق مثلًا، حينما قال: "كيف أفعل هذا الشر العظيم، وأخطئ إلى الله!" (تك 39: 9) لم تكن أمام يوسف وصية مكتوبة، وإنما كانت في داخله الشريعة غير المكتوبة، الشريعة الطبيعية التي تذكره بأن هذه خطية...
ولما بدأ البشر ينسون الشريعة الطبيعية، أعطاهم الله على يد موسى النبي أول شريعة مكتوبة.
وأمرنا الله أن نضع هذه الشريعة أمامنا في كل حين، حتى لا ننسي..
فقال: "لتكن هذه الكلمات التي أنا أوصيك بها اليوم على قبلك. وقصها على أولادك، وتكلم بها حين تجلس في بيتك وحين تمشي في الطريق، وحين تنام وحين تقوم. واربطها علامة على يدك. ولتكن عصائب بين عينيك. وأكتبها على قوائم أبواب بيتك وعلى أبوابك" (تث 6: 6 – 9).
كل ذلك لكي لا ننسى الوصية وأمرنا أن نلهج بها نهارًا وليلًا.
وهكذا قال داود النبي: "لو لم تكن شريعتك هي تلاوتي، لهلكت حينئذ في مذلتي" (مز 119).
وقل عن الرجل البار في المزمور الأول: "في ناموس الرب مسرته، وفي ناموسه يلهج نهارًا وليلًا فيكون كشجرة مغروسة على مجاري المياه" (مز1: 2، 3).
وقال الرب ليشوع بن نون:
"لا يبرح سفر هذه الشريعة من فمك. بل تلهج فيه نهارًا وليلًا، لكي تتحفظ للعمل حسب كل ما هو مكتوب فيه" ( يش1: 8).
ولما رأَى الله أن أسفار الشريعة الخمسة قد كثرت على الناس، ساعدهم على تذكرها بأن لخصها لهم في سفر واحد هو سفر التثنية، أو تثنية الاشتراع.
وسفر التثنية هذا، كان يأخذه كل ملك، تدون له نسخة لكي يقرأها باستمرار حتى لا ينسي ويخطئ.
وهذه الوصايا كانت توزع للقراءة على الناس في الهيكل والمجامع على مدار السنة حتى لا ينسوها.
وما زالت الوصايا موزعة علينا نسمعها في الكنائس في كل قداس وكل صلاة طقسية، حتى لا ننسى.
ففي كل قداس نستمع إلى قراءات من الإنجيل ومن الرسائل ومن المزامير وفي الصوم الكبير وفي أسبوع البصخة تتلي علينا فصول من العهد القديم. (انظر المزيد عن مثل هذه الموضوعات هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والكتب الأخرى). وفي ليلة سبت النور (أبو غالمسيس) يقرأ سفر الرؤيا وكل تسابيح وصلوات الأنبياء. كل ذلك لكي لا ننسي.
ولكي لا ينسى البشر أرسل الله لهم الأنبياء والرسل. بل أرسل لهم الروح القدس قائلًا: "يذكركم بكل ما قلته لكم" (يو14: 26).
ولنفس الغرض أرسل الله الرعاة والوعاظ والمعلمين وكل رتب الكهنوت، لكي يذكروا الناس بكلمة الله حتى لا ينسوها. وسماهم "خدام الكلمة" وقال القديس بولس الرسول عن ذلك: "كأن الله يعظ بنا" (2كو5: 20).
وما أجمل قول مار أوغريس:
"كل فِكر يحاربك، ضع أمامه وصية، حينئذ يضعف وتنتصر عليه".
إنك بهذا تأخذ قوة من الوصية، وتأخذ معرفة واستنارة، فتميز فكر المحاربة وتطرده. وهذه القديس بولس الرسول يعزينا قائلًا:
"كلمة الله حية وفعالة، وأمضي من كل سيف ذي حدين" (عب4: 12).
ولكي لا ننسَى أعطانا الرب وسيلة أخرى هي المواسم والأعياد.
فمثلًا لكي لا ننسي صلبه من أجلنا، مع ما يقدمه هذا الصلب من مشاعر مقدسة... وضعت لنا الكنيسة أسبوع الآلام كتذكار سنوي. ووضعت لنا صوم الأربعاء والجمعة كتذكار أسبوعي لنا صلاة الساعة السادسة من النهار كتذكار يومي.
كل ذلك حتى لا ننسَى الدم الطاهر الذي سفك لأجلنا، فنستحي من الخطية.
ولذلك فإن الذي لا يصوم، يمكن أن ينسي. أو الذي يصوم بغير فهم ولا عمق، يمكن أن ينسى. والذي لا يصلي صلوات الساعات، يمكن أن ينسي.
وهكذا ما أسهل أن يسقط من لا يمارس هذه الوسائط الروحية.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/7ktxt9v