St-Takla.org  >   Full-Free-Coptic-Books  >   His-Holiness-Pope-Shenouda-III-Books-Online  >   65-Hayat-Al-Tawado3-Wal-Wada3a
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب حياة التواضع والوداعة - البابا شنودة الثالث

61- لماذا يهرب المتواضع من حُب الرئاسة والرعاية؟

 

إنه يهرب من الرئاسة حرصًا على خلاص نفسه، وهروبًا من العظمة والكبرياء، حسبما وعظ القديس يوحنا الأسيوطي:

سُئل هذا القديس: "هل يليق بالإنسان أن يطلب رتبة وسلطانًا، بقصد تقويم المعوجين وإبطال الشرور؟". فأجاب:

كلا، لأنه إن كان الإنسان -وهو بعيد عن الدرجة- يريد أن يكون عظيمًا، فماذا يفعل عندما يصل إلى الرئاسة والعظمة ذاتها؟!

فالذي وهو في ضآلة شأنه لم يعرف الاتضاع، ماذا يفعل وهو في العظمة؟! وإن سعَى إلى الانتفاخ -وهو بعيد عن المناصب- فأي انتفاخ يكون له عندما ينال تلك المناصب؟! إذ حينما لم يكن لديه سبب للعظمة، كان يطيش بها في ضميره، فكم يكون بالحري عندما ينال سببًا للافتخار؟!

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

إن كنت لا تشتهي الاتضاع، فلا تطلب درجة الرعاية. ولا تشته درجة الكهنوت لكي تعتني بالناس. وأعلم أن الله يعتني يشعبه أكثر منك. أشته أن تكون حملًا في القطيع يرعاك غيرك، لا أن تكون راعيًا مسئولًا عن رعية يطلب الله دمها من يدك.

احترس من شهوة التسلط. واذكر أنك مهما صرت اليوم مُكرمًا بالعظمة، فغدًا ستكون مثل سائر الناس محبوسًا في القبر.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

يهرب المتواضع من الرئاسة والرعاية شاعرًا بأنه أضعف من القيام بها.

قال القديس يوحنا الأسيوطي أيضًا "إن كنت الآن لا تقدر أن تربح نفسك، فكيف تقدر أن تربح نفوسًا كثيرة؟! إن كنت في الوقت الذي ليس عليك فيه أثقال، لم تستطع أن تحيي ذاتك، فكيف تقدر أن تخلص شعبًا كبيرًا من شر هذا العالم؟! إن كنت الآن بلا مسئوليات كثيرة، ولم تقدر أن تخلص هذه النفس الواحدة التي هي نفسك، فكيف تقدر على نفوس الناس؟!

وبنفس منطق القديس يوحنا الاسيوطي، أقول لكل من يشتهي الرعاية ليخلص نفوس الآخرين: اهتم يا أخي بخلاص نفسك أولًا. فإن لم تستطع، فلن تقدر على تخليص غيرك مهما أخذت من مناصب...

نفسك التي تعرف عنها كل شيء: تعرف جميع أسرارها، وتاريخها كله، وضعفاتها، وأسباب ما فيها من ضعفات وعيوب وأمراض روحية... إذ لم تستطع أن تخلص هذه النفس المعروفة جدًا لديك، فكيف تقدر على خلاص نفوس الناس الذين تجلس معهم فترات قليلة، ولا تعرف عنهم إلا القليل جدًا؟!

ونفسك التي إذا وبختها، تقبل منك التوبيخ واللوم والزجر، ومع ذلك لم تقو على ردعها! فكيف فكيف تقدر على نفوس إن وبختها تغضب منك؟!

نفسك التي تثق بك، والتي هي مستعدة أن تسمع لك، لست قادرًا عليها، فكيف تعمل مع الناس الذين قد لا يسمعون منك. وإن سمعوا ربما لا يثقون بما تقول!!

فاهتم أولًا بخلاص نفسك، لأن تخليص الغير ليس أمرًا سهلًا...

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

الذي يهرب من الرئاسات والمناصب، يحب المتكأ الأخير.

لأنه يشعر أن هذا هو وضعه الطبيعي، وهذا هو استحقاقه. إذ قال القديسون "اعتبر نفسك أقل من الكل وآخر الكل، لكي تستريح. قال القديس برصنوفيوس: "لا تحسب نفسك في شيء من الأمور، ولا يحسبك أحد شيئًا، وأنت تتنيح (أي تستريح)"...

فالشخص الذي لا يحب المديح والكرامة، يهرب من الرئاسة ويهرب من المتكآت الأولى، ويشتهي أن يكون خادمًا لغيره، لا أن يخدمه غيره، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام أخرى. يشتهي أن يتتلمذ على المرشدين وينتفع بأقوالهم، لا أن يكون مرشدًا لآخرين.

فال الشيخ الروحاني "في أي مكان وُجدت فيه، كن صغير أخوتك وخديمهم".

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

في مرة طلب مني أحد الآباء الكهنة الجدد -بعد رسامته- أن أقول له كلمة أو نصيحة، فقلت له كن ابنًا وسط أخوتك، وأخًا وسط أولادك". فالذي ينزل درجة يرتفع درجات... وهذا هو الذي يستريح في أي منصب يُوضع فيه. أما إن كان يريد أن يتمتع بكل كرامة هذا المنصب، ويملأ كرسيه أو ينتفخ، فهذا إنسان مسكين أسقطته المناصب...

أما أنت فكن آخر الكل "صغير أخوتك وخديمهم" في كل مكان تحل فيه. وإن كان السيد المسيح قد غسل أرجل تلاميذه (يو13)، ولم يستح أن يدعوهم أخوة له (عب2: 11)، بينما هو المعلم والسيد، فهل تكون أنت رئيسًا على أحد؟!

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

الإنسان المتواضع -إن صار رئيسًا- يعتبر رئيسًا فقط على العمل وليس على الناس. ويعتبر مرؤوسيه زملاء له...

إنه يهرب من الرئاسة والترأُّس، ومن السلطة والتسلط. أما إن أمسكه الله بإرادته التي لا تقاوم، وجعله رئيسًا أو راعيًا، فإنه عندئذ يطلب منه قوة يعمل بها، لأنه بنفسه لا يستطيع أن يعمل شيئًا (يو15: 5). والذي يثق بقدرته الخاصة على تخليص الآخرين، لابد أن يكون مغرورًا.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

St-Takla.org Image: Modern Coptic icon of St. Pachom, Pachomius, Pachome, Pakhom of Egypt (Saint Bakhomious Ab El Shareka), founder of Christian cenobitic monasticism, painting by Dr. Bedour Latif and Dr. Youssef Nassief صورة في موقع الأنبا تكلا: أيقونة قبطية حديثة تصور القديس الأنبا باخوميوس أب الشركة - أنبا باخوم، رسم د. بدور لطيف، د. يوسف نصيف

St-Takla.org Image: Modern Coptic icon of St. Pachom, Pachomius, Pachome, Pakhom of Egypt (Saint Bakhomious Ab El Shareka), founder of Christian cenobitic monasticism, painting by Dr. Bedour Latif and Dr. Youssef Nassief.

صورة في موقع الأنبا تكلا: أيقونة قبطية حديثة تصور القديس الأنبا باخوميوس أب الشركة - أنبا باخوم، رسم د. بدور لطيف، د. يوسف نصيف.

إنه لا يرفض الرئاسة إن أتت إليه، دون سعي منه إليها. فليس الضرر في الرئاسة، إنما الضرر في محبة الرئاسة وفي الارتفاع بسببها.

ليس الضرر أن تبقى رئيسًا. ولكن الضرر هو أن تتسلط على غيرك. فقد يوجد رئيس وصاحب المتكأ الأول، وفي نفس الوقت يكون إنسانًا متضعًا. يعامل مرؤوسيه برفق كأنه واحد منهم. فالرئيس والمرؤوس سواء عند الله. بل قد تكون للمرؤوس منزلة أكبر حسب برَه.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

والرئيس المتواضع هو الذي يتفاهم مع مرؤوسيه بروح المحبة والبساطة شاعرًا أن السلطة إنما تمنح للرؤساء من أجل إدارة العمل، وليس من أجل الكرامة الشخصية. وهكذا أيضًا درجات الكهنوت مهما علت، هي للتدبير والرعاية والخدمة، وليست للرفعة والتشامخ. وعلى ذلك فإن كل سلطة لا يجوز أن تنحرف عن معناها الأصلي كمجرد وسيلة لتدبير العمل، لتصبح وسيلة إلى تكبير الذات وإظهارها...!

يُحكَى عن القديس باخوميوس أب الشركة: إنه كان يسير مرة مع مجموعة من الرهبان وكل واحد يحمل حاجياته. فتقدم أحد الرهبان لكي يحمل حاجيات القديس باخوميوس، فرفض ذلك وقال له: "إذا كان المسيح له المجد دعا نفسه أخًا لتلاميذه فهل أستخدمكم أنا في حمل حاجياتي؟! لا يصير هذا الأمر أبدًا. من أجل هذا فإن بعض الأديرة كائنة في انحلال لأن صغارهم مستعبدون لكبارهم"!

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

والقديس بولس يقول عن نفسه "إن حاجاتي وحاجات الذين معي، خدمتها هاتان اليدان" (أع20: 34).

إن الرئيس المتواضع هو الذي يحترم الكل، ويعامل الكل بلياقة. حقًا ما أعظم محبة وتواضع الذين يعاملون من هم أقل منهم باحترام وتوقير...

إنك بسهولة تحترم الشخص الأكبر منك. فهذا واجب وضرورة، وأنت مرغم على ذلك ومضطر أن تحترمه. لكن من يحترم من هو أقل منه، يكون متضعًا.

الذي يحترم من هم أصعر منه في المنصب، أو العلم، أو السن، أو المقام، ويحفظ حقوقهم ويشعرهم بشخصياتهم، فهو إنسان متواضع يستحق يستحق محبة وتقدير الكل. وأعلم أن كرامتك ليست في أن يخضع الناس لك بحكم القانون. إنما الاحترام الحقيقي، هو تقدير وتوقير ينبع من القلب، لمن هو مستحق لذلك. ولا يكون من الظاهر فقط.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

* الرئيس المتواضع يكون رئيسًا على ذاته أولًا.

فهو يضبط نفسه أولًا، ويحسن تدبيرها، قبل أن يتولى تدبير الغير. قال الشيخ الروحاني، وهو ينصح الرهبان الصغار ألا يشتهوا رئاسة مجمع الرهبان: "إن حوربت بهذا الفكر، فقل لنفسك: إن مجمعي هو مجمع أفكاري التي أقامني الله عليها رئيسًا لكي أدبر أهل بيتي حسنًا".

فكن إذن رئيسًا على أفكارك ومشاعرك، وأضبطها حسنًا. فلا تطيش شرقًا أو غربًا كن رئيسًا على حواسك، على نظرك وسمعك ، كن رئيسًا على شهوات قلبك واضبطها... وإن تمكنت من أن تكون رئيسًا على نفسك وتضبطها، فأنت الشخص الذي قد تصلح أن تكون رئيسًا.

وإذا كنت لم تعرف أن تحكم نفسك، ولا لسانك ولا فكرك، ولا قلبك من الداخل، فكيف تصلح أن تكون رئيسًا على غيرك؟! إن لم تكن أمينًا على القليل، لا يمكنك أن تكون أمينًا على الكثير (مت25: 21).

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

* يمكنك أيضًا أن تهرب من محبة الرئاسة والكرامة، إن كنت تزهد في الأمجاد الخارجية.

لأن كل ما يتعلق بالوظائف والمناصب هو عرض خارجي لا يتعلق بذلك في الداخل. فالكرامة التي يقدمونها الناس لك، هي في الواقع كرامة يقدمونها للمنصب الذي أنت فيه، والوظيفة التي تشغلها، وليس لك شخصيًا. بحيث أنك إن ابتعدت عنك الوظيفة، ابتعدت عنك كرامتها. ولكن المزمور يقول "كل مجد ابنة الملك من داخل" (مز 45) على الرغم من أنها "مشتملة بأطراف موشاة بالذهب، ومزينة بأنواع كثيرة".

مجدك إذن في شخصيتك، لا في وظيفتك أو رئاستك.

مجدك في جوهرك: في روحياتك، في طبيعتك، في عقلك، في حكمتك، في كل ما يوجد داخل قلبك من الفضائل والصفات الطيبة.

إن عرفت هذا تزهد في المناصب والوظائف. وتقول مع السيد الرب: "مجدًا من الناس، لست أقبل" (يو5: 41)، مريدًا المجد الذي يكللك به الله، وليس المجد الذي يمنحك الناس إياه. نعم، مجدك هو في حكم الله عليك، وليس في حكم الناس.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/Full-Free-Coptic-Books/His-Holiness-Pope-Shenouda-III-Books-Online/65-Hayat-Al-Tawado3-Wal-Wada3a/Life-of-Humility-and-Meekness-061-Why.html

تقصير الرابط:
tak.la/d3aas93