21 المتواضع يحاول باستمرار أنْ يتخذ "المتكأ الأخير".
وذلك حسب وصية الرب (لو14: 7-10). وما أجمل قول الشيخ الروحاني في ذلك "في كل موضع حللت فيه، كن صغير أخوتك وخديمهم". ليس فقط أنْ لا تتعالَى عليهم، بل أنْ تكون أصغرهم وخادمهم. وهو في ذلك يُقدِّم كل إنسان على نفسه، حسب قول الرسول "مُقدمين بعضكم بعضًا في الكرامة" (رو10:12).
وكما انحنى السيد الرب وغسل أرجل تلاميذه (يو13)، يكون هو أيضًا مستعدًا أنْ ينحني ويخدم الكل، مهما كانوا أصغر منه.
وهكذا نرى الكهنة والمعلمين في كنيستنا يدعون أنفسهم خدامًا.
وهنا نذكر الصلاة التي صلى بها القديس أوغسطينوس من أجل شعبه قائلًا "أطلب إليك يا رب من أجل سادتي، عبيدك". فقال عنهم "سادتي" مع أنهم أولاده ورعيته...
على أنَّنا نريد أنْ يكون تعبير " خادم " ليس مجرد لفظ أو لقب، إنَّما يستعمله صاحبه بكامل دلالته ومعناه.
22 الإنسان المتواضع يضع أمامه فضائل القديسين وعلوها، فتَصغُر أمامه كل أعماله الفاضلة:
فإنْ حورب بفضيلة أتقنها، يَتذكَّر المستوى العالي الذي وصل إليه القديسون في هذه الفضيلة بالذات، ويُقارن نفسه بهم، فيرى أنَّه لا شيء، وتَصغُر نفسه في عينيه في كل ما فعله من بر. أما الخطورة فهي أنْ يقارن الشخص نفسه بالمبتدئين أو بالساقطين والخطاة، فيرى أنَّه أفضل منهم. كما فعل ذلك الفريسي الذي وقف في الهيكل يُصلي وقال "أشكرك يا رب أنِّي لست مثل سائر الناس الخاطفين الظالمين الزناة ولا مثل هذا العشار" (لو11:18).
23 بل المتواضع يضع أمامه الكمال المطلوب منه، فيرى أنَّه لم يصل بعد إلى شيء.
يَتذكّر قول السيد الرب "كونوا أنتم أيضًا كاملين، كما أنَّ أباكم الذي في السموات هو كامل" (مت48:5). ويرى أنَّ المسافة طويلة بينه وبين هذا الكمال المطلوب، فيتضع قلبه ويشعر أنَّه لا يزال في الموازين إلى فوق (مز9:62). ويُردد نفس العبارات التي وُصِف بها بيلشاصر الملك "وُزِنت بالموازين، فوُجدت ناقصًا" (دا27:5). وهكذا يتضع قلبه إنْ تذكَّر المطلوب منه.
فإنْ كانت المحبة هي أول ثمرة من ثمار الروح الكثيرة (غل23،22:5). وللمحبة برنامج طويل ذَكَرَه بولس الرسول في (1كو13) وللآن لم يُدرك بعد أعماق هذه المحبة، ولم يَستكمل مستلزماتها، فماذا يقول إذن عن باقي ثمار الروح التي ليس لها منها شيء؟!
بل يذكُر أيضًا قول الرب "متى فعلتم كل ما أُمرتم به، فقولوا إنَّنا عبيد بطالون، لأنَّنا إنَّما عملنا ما كان يجب علينا" (لو10:17). ويقول: حقًا، إنَّني لم أصل بعد إلى درجة هؤلاء العبيد البطالين!
24 الإنسان المتواضع، يتواضع أيضًا من جهة المعرفة والفهم:
يضع أمامه قول الكتاب "لا تكن حكيمًا في عيني نفسك" "وعلى فهمك لا تعتمد" (أم 3: 7، 5). ويبعُد عن المعرفة التي تنفخ (1كو1:8)، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام أخرى. وليذكُر قول مار اسحق إنَّ "الذي يفتخر بالمعرفة، يسقط في البدعة والهرطقة". وقد سقط فيها أريوس ونسطور وأوطاخي. وكانوا من المُعتَّدين بمعرفتهم ومراكزهم، وواثقين في أنفسهم بعمق علمهم!
25 المتواضع لا يكون عنيدًا، متشبثًا برأيه.
لأنَّه توجد عجرفة فكرية عند البعض. عظمة في الاعتداد بالرأي والتشبث به، مهما كان شاذًا أو خاطئًا. وعدم قبول معارضة له، أو حتى مناقشته! بحيث يثور هذا الشخص إذا نُسِبَ إلى فكره أي خطأ، ويَحتَدَّ ويتكلم بخشونة وربما بإهانة. كما لو كانت لفكره عصمة ترفعه فوق المناقشة أو التحليل.
أما المتواضع، فإنه سهل في التفاهم، يقبل الرأي الآخر مهما كان مُعارضًا له، ويقبل الحوار والنقاش بطيبة قلب.
26 الإنسان المتواضع يُحب التلمذة، ويقبل التعليم والتوبيخ.
إنَّه لا يرى مطلقًا أنَّه قد وصل إلى درجة من المعرفة لا تقبل الزيادة. بل باستمرار يريد أنْ يعرف ويتعلَّم ويستزيد. ويعيش طيلة عمره يتتلمذ على الكتب، وعلى الناس، على الآباء والمُرشدين، وعلى الطبيعة، وعلى الأحداث... ولا يظن أنَّه وصل في المعرفة إلى المستوى الذي يعطي فيه باستمرار دون أنْ يأخذ...
وفي اتضاعه يتقبَّل كل رأى باتضاع، إنْ كان سليمًا. ويشكر عليه، ويعترف أنَّه قد استفاد. وإن كان الرأي خاطئًا، لا يجرح صاحبه، بل يُناقشه في هدوء واتضاع.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/9kabw25