هو عمل داخل النفس، مع النفس، تحاسبها، تؤدبها، وتصلح ما فيها، وعمل آخر داخل النفس مع الله، عمل حب، مناجاة، مشاعر في ناموسه تلهج النهار والليل. كل هذا عمل جواني. ولذلك فإن الراهب المنشغل بهذا العمل الجواني يسمونه (الراهب العمال).
هناك عمل آخر يمكننا القيام به، وهو عمل المصالحة:
وهو عمل روحي، هدفه مصالحة الناس مع الله.. وفي ذلك قال القديس بولس الرسول "وأعطانا خدمة المصالحة.. نسعى كسفراء عن المسيح، كأن الله يعظ بنا، نطلب عن المسيح: تصالحوا مع الله" (2 كو 5: 18، 20).
عمل في الخدمة نعمله، ونشترك فيه مع الله.
الله يعمل معنا، ويعمل بنا. وفي ذلك يقول القديس بولس الرسول عن نفسه وعن زميله أبولوس "نحن عاملان مع الله" (1 كو 3: 9). يشترك روح الله القدوس معنا في العمل، ونصير نحن شركاء الروح القدس. ونقول لله في الأوشية: "اشترك في العمل مع عبيدك، في كل عمل صالح".
لقد قال الرب لتلميذيه: "هلما ورائي فأجعلكما صيادي الناس" (مت 4: 9).
معنى هذا أننا نسير وراءه فيجعلنا صيادين وكيف؟ نحن نرمى الشبكة، وهو يدعو السمك للدخول فيها. وهكذا يعمل معنا. ولا نقوم بالصيد وحدنا. فإن بطرس لما عمل في الصيد وحده، بدون المسيح، قال له أخيرا "تعبنا الليل كله ولم نأخذ شيئًا" (لو 5: 5). نعمل مع الله – والله سيرى عملنا. وسوف يكافئنا عن كل عملنا. أليس هو القائل لكل راع من رعاة الكنائس: "أنا عارف أعمالك" (رؤ 2، 3). والذي كان له تعب في الخدمة، قال له الرب "أنا عارف أعمالك وتعبك وصبرك.. وقد احتملت ولك صبر، وتعبت من أجل اسمي ولم تكل" (رؤ 2: 2، 3).
من أجل هذا يقول الرسول "كونوا راسخين غير متزعزعين، مكثرين في عمل الرب كل حين، عالمين أن تعبكم ليس باطلا في الرب" (1كو 15: 58).
"إن الله ليس بظالم حتى ينسى عملكم وتعب المحبة التي أظهرتموها نحو اسمه، إذ قد خدمتم القديسين وتخدمونهم" (عب 6: 10) حتى كأس ماء بارد تسقون به أحد هؤلاء الصغار، لا يضيع أجره" (مت 10: 42) حتى الذي يأتي إلى الرب في الساعة الحادية عشرة من النهار ليخدم في كرمه، سيأخذ أجرته كالآخرين.. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والكتب الأخرى). هناك كلمة خطيرة أذكرها في وجوب العمل وأهميته، وهي قول الرسول: "من يعرف أن يعمل حسنا ولا يعمل، فتلك خطية له" (يع 4:17).
إذن الخطية ليست فقط في السلبيات، أي في عمل الشر. وإنما أيضا إهمال الإيجابيات، أو عدم عمل الخير هو أيضًا خطية. دفن الوزنة في التراب خطية (مت 25: 24).
قد يعتذر إنسان ويقول: أنا لا أعرف أن أخدم!!
مثل هذا الإنسان يذكرني بإرميا النبي الذي قال في طفولته للرب "لا أعرف أن أتكلم، لأني ولد" فانتهره الرب وقال له "لا تقل إني ولد. لأنك إلى كل من أرسلك إليه تذهب.. ويذكرني أيضًا بموسى النبي الذي قال "لست أنا صاحب كلام.. بل أنا ثقيل الفم واللسان" (خر 4: 10). ها أنا أغلف الشفتين" (خر 6: 30).
ولم يقبل الله منه كل هذا الاعتذار عن الخدمة..
إن الله يعرف تماما مقدار ما أعطاك من قدرات..
يعرف العقل الذي أعطاه لك، ويعرف الوقت الذي منحك إياه، ومقدار المعرفة التي لك، ونوع المواهب، ويعرف الظروف المتاحة لك للخدمة. فكيف يمكنك أن تهرب أو تعتذر؟! كيف تهرب من قول (الكتاب) من يعرف أن يعمل حسنا ولا يعمل، فتلك خطية له".. والمعروف أن "أجرة الخطية هي موت" (رو 6: 23). إن الله سيحاسبك على كل معرفة وهبك إياها ولم تستخدمها. أنه هو القائل:
"كل من أعطى كثيرا، يطلب منه كثير" (لو 12: 48).
فإن قلت "ليست لي مواهب". يقول لك: أعمل على قدر ما لك من مواهب. على قدر ما أعطيت من وزنات: واحدة أو اثنتين أو خمس (مت 25) لكن لا تقف مطلقا في ملكوت الله خاملا بلا عمل!! إذن لماذا خلقك الله وأوجدك؟! ولماذا جعلك عضوًا في جسده؟! هل يوجد عضو بلا عمل؟! إذن لابد أن تعمل، مهما كانت مواهبك محدودة فإن كنت أمينا في هذه المواهب المحدودة، يقول لك:
"كنت أمينا في القليل، سأقيمك على الكثير" (مت 25: 21).
وسيقول لك أيضًا "أدخل إلى فرح سيدك. الله لا يهمه القليل أو الكثير، إنما يهمه أن تكون أمينا فيما عندك. تعمل في خدمته على قدر طاقتك.. لكن لا بُد أن تعمل. وهو يكمل.. تقول له: "ليس عندي سوى دقائق معدودة في اليوم يقول لك: اعمل عملي فيها بأمانة. وسأباركها وأجعلها تثمر.. تقول له: ليس معي سوى خمس حصوات في حربي مع جليات!! يقول لك تكفيني منها حصاه واحدة ضعها في مقلاعك، وأنا سأجعلها تصل إلى رأس الجبار.. والباقي أحتفظ به لأي جليات آخر يقابلك في المستقبل..
هنا ونتكلم عن صفات العمل الذي يعمله الخادم الروحي:
أولا: يجب أن يتصف بالأمانة لأن الرب يقول "ترى من هو الوكيل الأمين الحكيم، الذي يقيمه سيده على عبيده ليعطيهم طعامهم في حينه" (لو 12: 42). وإن سألت عن حدود هذه الأمانة، يقول "كن أمينا إلى الموت، فأعطيك إكليل الحياة" (رؤ 2: 10)..
إلى الموت، إلى حد بذل الذات، إلى حد الاستشهاد. تكون أمينا في نوعية العمل، وفي كميته، أمينا من جهة الموضوع، ومن جهة الأشخاص مهما كلفتك تلك الأمانة من جهد، ومن ثمن أيضا.
2. ولذلك تعمل عمل الرب بلا رخاوة، بلا كسل لأن الكتاب يقول:
"ملعون من يعمل عمل الرب برخاوة" (أر 48: 10)
أعمل بكل حماس، وأستخدم الإمكانيات التي عندك مهما كانت قليلة.. وتذكر أن الله اشتغل بإمكانيات بشرية كانت قليلة أيضا "اختار جُهَّال العالم، وضعفاء العالم، والمزدرى وغير الموجود" (1كو 1: 27، 28) واستطاع بها أن يخزي الحكماء والأقوياء. اعمل إذن، والله سيعمل فيك ومعك.. أن حصاة داود التي هزمت سيف ورمح جليات، تذكرنا بأولئك الصيادين الذين وقفوا ضد فلاسفة العالم، وقادة الرومان، وشيوخ اليهود، وكل الكتبة دارسي الناموس. المهم أن تعمل، وتستخدم كل إمكانياتك مهما بدت أمامك ضعيفة. وثق أن الله يعمل بها.
3. أخدم بروحك وقلبك. ليس كمجرد رسميات.
ليس كمجرد واجب عهدت به إليك الكنيسة. بل ضع كل قلبك في الخدمة. متذكرا قول الرب" يا ابني أعطني قلبك" (أم 23: 26). وهكذا بكل مشاعرك تحب الخدمة. وتحب المخدومين، تحب الملكوت. وقبل الكل تحب الله الذي تخدمه.
4- ولتكن خدمتك بأسلوب روحي.
لأن كثيرين أخذوا مسئوليات ضخمة في الكنيسة. وفشلوا لأنهم لم يسلكوا في خدمتهم بأسلوب روحي. وإنما سلكوا بأسلوب إداري. أو اجتماعي أو عقلاني. وتحولت الخدمة عندهم إلى مجرد أنشطة.
وتحولت الدروس إلى مجرد معلومات..
أما أنت. فلتكن خدمتك بعيدة عن الذات. تقول فيها مع المرتل في المزمور:
"ليس لنا يا رب ليس لنا. لكن لاسمك القدوس أعط مجدًا" (مز 115: 1).
6 – ولتكن خدمتك مملوءة بالرجاء مهما تأخر الثمر، ومهما قامت عقبات.. لا تفشل إطلاقا. ولا تيأس. بل الق خبزك على وجه المياه. فإنك تجده بعد أيام كثيرة" (جا 11: 1).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/qypw8tf