ما أكثر حيل الشياطين: إنها لا تنتهي. إن لم تصلح حيلة منها، يستبدلها بغيرها، إلى أن يصل إلى غرضه. وليست هناك خطة واحدة أمامه لتوصله. بل يتخذ لكل حالة ما يراه مناسبًا لها، دون أن يتقيد بشيء. على أنه من أشهر حيله الواضحة المتكررة، بضعة أساليب صارت معروفة ومحفوظة، نذكر منها.
1- خطية تلبس ثوب فضيلة:
ما أسهل أن يقدم لك الشيطان بعض الخطايا بأسماء غير أسمائها، بأسلوب يسهل قبوله، بحيث تلبس ثياب فضائل:
فالدهاء أو الخبث يطلق عليه اسم الذكاء.
ويقدّم القسوة في معاملة الأبناء، باسم الحرص على تأديبهم. بحيث إن لم يستخدم الأب القسوة، ضميره يوبخه.
والتبرج، والتزين غير اللائق، يقدمها باسم الأناقة والنظافة. والتهكم على الناس والاستهزاء بهم، يقدّمه على أنه لطف وظرف، ومحبة ودالة، وخفة روح، ومحاولة للترفيه.
إن الشيطان لا يقدم الخطية مكشوفة لئلًا يرفضها الإنسان الحريص ? بل يقدمها باسم مقبول، وهي هي، ولا فرق.
يقول إنني سأدخل مع هذا الشخص في حرب مسميات، وأسقطه كما أريد، ربما دون أن يشعر، أو قد يشعر، وضميره لا يبكته. فلو أنني دعوته إلى الرياء ? بهذا الاسم المنفر? فلن يقبله. إذن ماذا أفعل؟ أسميه عدم إعثار الآخرين، أو القدوة الحسنة.
قال السيد المسيح: "تأتى ساعة، يظن فيها كل من يقتلكم أنه يقدم قربانًا لله". ويقينًا إن الشيطان يقدم القتل إلى أولئك الناس، على أنه غيره مقدسة، أو دفاع عن الدين، أو تطهير للأرض من الخطاة.
والكذب يمكن أن يقدمه الشيطان تحت اسم الحكمة. أو كنوع من حسن التصرف، أو إنقاذ للموقف! والطبيب قد يكذب على المريض في تسمية نوع مرضه. ويعتبر هذا أمام ضميره، أنه حفظ لمعنويات المريض، وحمايته من الانهيار، لكي يُشفى. والبعض يسمى بعض أنواع الكذب الأبيض! وما أشهر ما يسمونها (كذبة) ابريل، كنوع من الدعاية أو الفكاهة!
وبهذا الشكل ما أسهل أن يسمى الشيطان الرقص المعثر باسم الفن. وكذلك الصور العارية والماجنة هي أيضًا فن. وبالمثل التماثيل العارية أيضًا، وبعض التمثيليات التي يقولون عنها " للرجال فقط "! وتحت اسم الفن يخفى الشيطان كثيرًا من الخطايا والمعثرات التي لا تستحق اسم الفن. فالفن الحقيقي له اسم جميل ومحترم.
إلباس الخطية ثوب الفضيلة هو حيلة ماكرة من الشيطان. أتراه يدعو البخل بخلًا؟! ما كان أحد إذن يقبله. ولكنه يسميه "حسن تدبير المال" أو "حفظ المال لحاجة المستقبل". أو يسميه عدم التبذير أو عدم الإسراف!!
وإذا أراد الشيطان أن يمنع غنيًا من أن يدفع للفقراء، يقول له: ليس من الخير أن تعلمهم الشحاذة، أو تعوّدهم على التشرد والتواكل. إن عدم إعطائهم هو حكمة وعين الحكمة. لكي يبحثوا عن عمل، ويأكلوا خبزهم بعرق جبينهم حسب الوصية!
إن إعطاء الخطية اسم فضيلة، يشجع الناس على الاستمرار فيها، ولا يبكتهم ضميرهم على ما يفعلون. احترس إذن من المسميات الخاطئة، ولا تسمح للشيطان أن يخدعك. فإن الخطية هي خطية، مهما اختفت وراء اسم آخر...
2- من حيل الشيطان أيضًا: الأمور الصغيرة:
إن الخطايا الكبيرة الواضحة الدنس، يحترس منها الإنسان الحريص على نقاوته، ويفرّ منها: لذلك فالشيطان يؤجل محاربته بها، ما دام هو منتبهًا لها. أما الأمور الصغيرة، فيحاربه بها، لأنه لا يحترس منها، ولا يهتم بها... ويظن أن مثل هذه الأمور الصغيرة، إنما تحارب المبتدئين والصغار. ويقول: "أما نحن قد كبرنا عن أمثال هذه الأمور". لهذا يحاربه الشيطان بها...
فم هي هذه الأمور الصغيرة ؟ وما أمثلتها؟
ربما تكون مثل تمسك الإنسان برأيه، وقد يكون خاطئًا! ومع ذلك لا يستشير أحدًا. وقد يقول له الشيطان: "وماذا في ذلك؟ أي خطأ فيه ؟! وهل لابد أن تستشير؟ وهل عقلك لا يكفى؟ وما أعظم عقلك!". وهكذا يسلك حسب هواه ويسقط...
وقد تكون الأمور الصغيرة مثل التساهل قليلًا مع الحواس والقراءات والسماعات، ظانًا أنها لا تأثير لها عليه! بينما قد يضره ذلك. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والكتب الأخرى). وما تجلبه الحواس ينغرس في عقله الواعي وفي عقله الباطن، وتكون له ثماره الخطيرة، ولو بعد حين..
إن الأمور الصغيرة قد لا تكون صغيرة فعلًا، بل الشيطان يسميها هكذا. وربما توصل إلى أخطر النتائج...
إن الإنسان ينظر إلى الزنى والسرقة والكذب وما أشبه، على أنها من الكبائر. ولكنه لا ينظر بنفس الاعتبار إلى خطايا الفكر أو خطايا اللسان، ويعتبرها من الأمور الصغيرة، وهى ليست كذلك ? وربما يهلك نتيجة لعدم حرصه في الكلام. وتؤخذ لفظه عليه مما يقوله، وتكبر وتصير جريمة قذف. كما أن فكره ? الذي يستهين به ? قد يتحول إلى شهوة تؤدى به إلى السقوط...
حقًا أن شيطان الأمور الصغيرة يمكن أن يهلك الإنسان. فيمكن أن تغرق سفينة كبيرة، بسبب ثقب صغير في قاعها. والإنسان لا يكون موته فقط بواسطة وحش كبير يفترسه، إنما يكفى لموته ميكروب صغير لا يُرى بالعين المجردة...!
وأبشع العلاقات بين فتى وفتاة، قد تبدأ بعلاقة بريئة جدًا. ولكنها ? مع التساهل والدالة ? تتطور إلى ما هو أسوأ وأخطر، حتى تنتهي بخطية كبيرة.
وعوامل النصب والاحتيال، قد تبدأ بأمور بسيطة مثل الثقة مع الطرف الآخر، وفي ظل هذه الثقة، التوقيع على أوراق بدون حرص أو شكٍ في النوايا. وينتهي الأمر أخيرًا بكارثة اقتصادية، سببها تلك الأمور التي تبدو صغيرة.
وقد تبدأ الكارثة الاقتصادية بأمور أخرى صغيرة، أو تبدو أيضًا صغيرة، مثل ضمانك لإنسان صديق لك، وتوقيعك على ذلك. ثم يسافر ذلك الصديق إلى الخارج ولا يعود. وتُطالب أنت بكل ما عليه من ديون أو مستحقات مالية...
إن الخلاص من شيطان الأمور الصغيرة، يحتاج بالضرورة إلى حياة التدقيق والحرص، لئلًا تتحول تلك الأمور إلى كبائر تهدد حياتك الروحية، وحياتك العملية أيضًا.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/5ydxgfx