تحدثنا في مقالنا السابق عن عشرة أمثلة للذين يبنون راحتهم على تعب الآخرين. واسمحوا لي أن أكمل هذا الموضوع بأمثلة أخرى:
مثال ذلك: الزوجة التي تطلب من زوجها طلبات فوق طاقته المالية، وبهذا ترهقه ماليًا، أو تضطره إلى الاقتراض أو إلى الديون. أو أن يقول لها "ليس معي". وأحيانًا تحرجه بالتحدث عن حظها العاثر في أن تتزوج رجلًا ليس معه ما ينفقه عليها! وهكذا تجرح شعوره...
ونفس الكلام ينطبق على الابن الذي يكّلف والديه بما هو فوق طاقتهما...
وخارج محيط الأسرة، يمكن أن نذكر المواطن الذي يطلب هو أيضًا من الدولة ما هو فوق طاقتها...
من يريد أن يبنى مجده على هدم غيره. ويظن بهذا أنه يُظهر تفوقه!
مِثل كاتب يريد أن يحطم جميع البديهيات والمسلّمات التي يعرفها الكل, محاولًا أن يثبت خطأها لكي يقدم رأيًا جديدًا, كأنه يفهم أكثر من سابقيه, أو أنه هو الوحيد الذي يفهم! وأن كل ما ورثناه من الأجيال السابقة هو خطأ في خطأ! ومن هنا نشأ المبتدعون الذين يبتدعون شيئًا جديدًا لعله يبنى لهم مجدًا... وهنا أحب أن أفرّق بين المبتدعين والمبدعين..
ومن الأمثلة: أيضًا من يريد أن يظهر علمه بناء على جهل غيره. أو أن يسأل غيره أسئلة محرجة المقصود بها أن، يظهر جهل ذاك. ثم يجيب هو على نفس الأسئلة ليظهر تفوقه...
فلا يسمح لغيره بالظهور, لكي يبقى وحده في الصورة... كالأستاذ الجامعي الذي لا يعطى المعيد فرصة ولا درجة علمية إلا بشق الأنفس.
ونفس الإشكال يقع فيه غالبية الناشئين: فلا فرصة سهلة لكاتب ناشئ, أو لمخترع ناشئ, أو لفنانٍ ناشئ. لأن الكبار والمشهورين يريدون أن يحتكروا العبقرية ذاتها! ويجدون راحتهم في أن يخلو الجو لهم بلا منافس مهما تعب كل الناشئين. فيحتكرون الجو, ويحتكرون الغير..!
ويدخل في هذا المجال أيضًا: من يحضر اجتماعًا أو حوارًا, ولا يعطى فرصة لغيره أن يتكلم, فيكون وحده هو المتكلم الظاهر...
إنه الزوج الذي -من أجل غيرته على زوجته- يكاد يحبسها في البيت, لا يراها أحد, ولا تتكلم مع أحد. ولا تضحك على فكاهة قالها الغير مهما كانت فكاهة تُضحك الحجر! وإلا يقيم الدنيا ويقعدها... كأنما أشترى عصفورة جميلة وحبسها في قفص. حتى إن غنّت داخل القفص, يمنعها من الغناء... وهكذا تضيقّ عليها تضييقًا يجعلها تكره الحياة بسببه... وإن جادلته أو عاتبته, يقول لها "هذا هو الذي يريحني"! ولكنها راحة على تعب غيرك, لا تقيم فيها أي اعتبار لشعور زوجتك.
ومثل الزوج الغيّار, الزوجة الغيّارة أو النِكَدية, أو الكثيرة التحقيق مع زوجها في كل تحركاته ومقابلاته. والتي ترهقه بأسئلة تحرجه. وذلك لكي تطمئن هي وتستريح, مهما تعب هو...
فكل واحد في الزحام يريد أن يسبق غيره, أو يأخذ مكان غيره, أو يصل هو ولا يهمه أن يصل غيره أو لا يصل! ويظهر هذا الأمر بشكل أوضح في مشاكل المرور: من جهة السيارة التي تريد أن تمّر ولو عطلت غيرها أو عطلت المرور كله...
* ويشبه هذا من يحرص على الأماكن الأولى في بعض الاجتماعات, أو يحاول أن يحجزها قبل مجيئه بطريقة ما, وكذلك من يقف في اجتماع, ولو أخفى الرؤية عن غيره. والعجيب أن هذا الزحام قد يحدث في الأماكن المقدسة أيضًا.
وقد سمعنا مرة على سقوط ووفاة بعض التلاميذ الصغار, نتيجة لزحامهم خوفًا أو هربًا.
ونقصد بالذات المنافسات التي يلجأ فيها البعض إلى طرق خاطئة, لكي يتعبوا غيرهم أو يتخلصوا منه... منها المنافسة في محيط الوظائف والمناصب والترقي... حيث يزيح المنافس شخصًا من مكانه ومركزه ليحل محله, أو يأخذ درجة أو علاوة بدلًا منه, ولو بتقديم شكاوى ضده أو إشاعة المذمة فيه, أو يتسبب في فشله لكي يضيعه... ويدخل في مثل هذه المنافسات, المضاربات في الأسواق.
أما في مجال السياسة, فيحدث أحيانًا أن يحارب حزب حزبًا آخر ينافسه, أو يحاول إسقاطه في الانتخابات بطرق غير مشروعة, أو ينشر عنه أخبارًا كاذبة!
فالنشال يريد أن يأخذ ما في جيب غيره, ليضعه في جيبه هو. وينطبق هذا على كل سرقة أو ربح غير مشروع... سواء كان ضحيته أفرادًا أو الدولة.
ويدخل في هذا المجال: الغش في التجارة, واحتكار الأسواق, والمضاربات فيها, والربا الفاحش, والسوق السوداء, والهروب من الضرائب أو الجمارك, والإقرارات المزيفة للذمة المالية.. في كل هذه, يبنى كل إنسان راحته على تعب غيره...
ومثلها صاحب العمل الذي يبخس أجور العمال والموظفين, لكي يغتني هو, وكأنه يسرق تعبهم وعرقهم.. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والكتب الأخرى). وكذلك الذي يطلب رشوة لكي يتتمم عملًا مشروعًا! إنها أيضًا سرقة, وقد تكون بالإكراه أو الإلزام. وهى راحة خاطئة على تعب الآخرين... وأيضًا من يسرق فكر غيره وينسبه إلى نفسه. ومن يترجم كتابًا من تأليف غيره وينسبه إلى نفسه..
تحدث مثلًا سرقة كبيرة في إحدى الشركات يقوم بها أحد الكبار. ولكي ينجو هذا الكبير من المسئولية, يُقدم -بدلًا منه- موظف بسيط, أو مدير الحسابات, أو عضو مجلس إدارة منتدب. وتلصق التهمة بأحد هؤلاء, بينما ينجو المخطئ الحقيقي, وينال راحته بتعب غيره. الذي يُعتبر كبش الفداء...
كذلك محاولة النجاة من مسئولية أي خطأ بإلصاقه بشخص آخر.
وبالمثل من يتهم غيره ظلمًا, لكي يفلت هو من العقوبة..
حيث تجد إحدى الدول القوية راحتها في تحطيم دولة أخرى, أو في استغلالها لمصلحتها, أو حصارها اقتصاديًا, أو استعمارها..
وقد يفعل الأفراد مثل هذا في حدودهم الضيقة...
كثيرًا ما يجد هؤلاء راحتهم في ما يتعب غيرهم.. سواء الذين يريدون معرفة أسرارهم, أو الذين يلحون عليهم بالسؤال لكي يستخرجوا منهم معلومات عن طريق الأسئلة المتواترة والإلحاح المتعب, حتى يعصروهم عصرًا لكي يحصلوا على كل ما عندهم من معلومات بالضغط والإحراج...
فقد يجد شاب راحته الجنسية في أن يضيّع فتاة ويغتصبها, ويقضى بهذا على مستقبلها... وحتى مجرد العلاقة التي تشغل عقل الفتاة وعاطفتها, وتؤثر سلبيًا على سمعتها, وعلى دراستها إن كانت تلميذة أو طالبة في الجامعة... كل ذلك لمجرد أن يجد الشاب متعته في مصادقة فتاة, مهما أساء إليها بهذه الصداقة! إنها راحة مبنية على تعب الآخرين...
إنسان أعصابه متعبة ومتضايق. يريد أن ينفّس عن ضيقه بأن يصب غضبه على الآخرين كلامًا أو كتابةً, لكي يستريح هو مهما تعبوا هم! وما ذنبهم في تعرضهم لأعصابه المرهقة ؟! وإن عاتبته في ذلك, يقول لك: "لم أستطع أن أستريح إلا بعد أن قلت هذه الكلمة"! ولكنها راحة خاطئة سببت تعبًا لغيرك.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/px7kx4x