علي الرغم من كل ما في العالم من كنوز, ومن خيرات لا تحصي, ومن نتائج كثيرة لنمو العلم و المخترعات, ومن نتائج عجيبة للمدنية والحضارة والعلم.. ومع ذلك فإنه محتاج ولعلنا نسأل إلي أي شيء هو محتاج؟! العالم محتاج إلي السلام وإلي الهدوء, فإلي أي مكان نذهب إليه نجد احتياج العالم إلي السلام, في هذا الجو المضطرب, والذي يموج بالاختلافات في كل بلد وفي كل مكان.. حتى إنك لا تتصفح الجرائد في أي يوم, إلا وتجد أخبار الصحف الرئيسية عن مشاكل العالم جملة, وعن المشاكل المحلية في كل بلد. تجد هذا في العناوين الرئيسية.. فإن دخلت إلي التفاصيل تجد ما هو أبشع.. نعم هذا هو العالم الذي خلقه الله في سلام.. وفيه كان يعيش أبونا آدم في سلام حتى مع الوحوش.. كانت في سلام معه, ويعيش هو في سلام معها, وتأتي إليه ويسميها بأسماء.. وبنفس الوضع كان يعيش أبونا نوح مع الوحوش في الفلك ويهتم بها ويغذيها, ويتعهدها بالرعاية.
وإن كان السلام هكذا, فإن الله قد أوصانا قائلًا: وأي بيت دخلتموه, فقولوا سلام لأهل هذا البيت، ونص الآية هو: "وَأَيُّ بَيْتٍ دَخَلْتُمُوهُ فَقُولُوا أَوَّلًا: سَلاَمٌ لِهذَا الْبَيْتِ." (إنجيل لوقا 10: 5). وهكذا عندما كنت أزور أي بيت من بيوت أولادنا في المهجر, كانت أول عبارة أقولها عندما تخطو قدماي باب بيتهم, كنت أقول: قال الرب: وأي بيت دخلتموه فقولوا سلام لأهل هذا البيت.
والسلام معروف في كل تحياتنا مع بعضنا البعض.. فإن حضر أحد من سفر نقول له: حمدا لله علي السلامة. وإن سافر, نقول له: مع السلامة, وإن وقع علي الأرض, نقول له: سلامتك. وأي اجتماع رسمي, نبدأه بالسلام الجمهوري.
† والسلام علي أنواع ثلاثة: سلام مع الله, وسلام مع الناس, وسلام داخل النفس, في الفكر وفي القلب, ما بين الإنسان وبين نفسه, ولذلك فالإنسان البار هو في سلام مع الله.
أما إذا بدأ بالخطية يبتعد عن الله, حينئذ يفقد سلامه الداخلي, ويحتاج أن يصطلح مع الله بالرجوع إليه. غير المؤمن يصطلح مع الله بالإيمان وحياة البر.
أما المؤمن الخاطئ, فيصطلح مع الله بالإيمان وحياة البر. وإلهنا المحب الغفور يكون مستعدًا لقبول ذلك الصلح, إذ يقول: ارجعوا إلي أرجع إليكم.
ويأتي هذا السلام أيضا بحفظ الله للإنسان: كما يقول: "وَهَا أَنَا مَعَكَ، وَأَحْفَظُكَ حَيْثُمَا تَذْهَبُ" (سفر التكوين 28: 15).. أحفظك من حروب الشياطين, ومن الناس الأشرار.. وأحفظك من حروبك الداخلية, وأحفظ دخولك وخروجك.. وينضم إلي هذا المزمور وعود الله الكثيرة, كقوله: "هَا أَنَا مَعَكُمْ كُلَّ الأَيَّامِ إِلَى انْقِضَاءِ الدَّهْرِ». آمِينَ." (إنجيل متى 28: 20) وقوله عن الكنيسة: إن "أَبْوَابُ الْجَحِيمِ لَنْ تَقْوَى عَلَيْهَا." (إنجيل متى 16: 18).
† نقطة ثانية وهي سلام مع الناس, فيها يسلم الناس علي بعضهم البعض ليس فقط بالأيدي وإنما بالقلب والشعور أيضًا.. وإن كانت بينهم خصومة من قبل فإنهم يتصالحون. ولأنه قد يبدو من الصعب أن تصطلح النفس مع كثير من الأعداء والمقاومين, فإن الكتاب يقول: إن كان ممكنا, فعلي قدر طاقتكم سالموا جميع الناس, وقيل علي قدر طاقتكم فإن هناك أشخاصا تحاول أن تسالمهم وهم لا يريدون إما بسبب طباعهم, أو بسبب سلوكك الطيب يكشف سلوكهم الرديء, أو لأنهم يحسدونك بسبب نجاحك, أو بسبب تدبير أو بسبب تدابير معينة يدبرونها, أو لأي سبب آخر.. فهؤلاء أيضًا سالمهم حسب طاقتك.. وإن وجد خلاف فلا يكن بسببك أنت.. قد يعاكسك الغير.. ولكن لا تبدأ أنت بالخصومة، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. ولا تكن حساسًا جدًا من جهة احتمال أخطاء الغير, كن واسع الصدر حليمًا وتذكر أنه قيل عن موسي النبي: "وَأَمَّا الرَّجُلُ مُوسَى فَكَانَ حَلِيمًا جِدًّا أَكْثَرَ مِنْ جَمِيعِ النَّاسِ الَّذِينَ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ." (سفر العدد 12: 3)
إن بدأ الغير بالخصومة فاحتمل, فقد قيل في الكتاب: "لاَ تَنْتَقِمُوا لأَنْفُسِكُمْ أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ" (رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية 12: 19).. "لاَ تُجَازُوا أَحَدًا عَنْ شَرّ بِشَرّ" (رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية 12: 17). لذلك ابعد عن الغضب. ولا تعط فرصة لأحد أن يستثيرك فتخطئ واسمع هذه النصيحة الغالية: "لاَ يَغْلِبَنَّكَ الشَّرُّ بَلِ اغْلِبِ الشَّرَّ بِالْخَيْرِ." (رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية 12: 21).. واعرف أن الذي يحتمل هو الأقوى.. أما الذي لا يستطيع أن يحتمل فهو الضعيف. لأنه لم يقدر علي ضبط نفسه.
† لا تطالب الناس بمثاليات لكي تستطيع التعامل معهم. نعم, بل تعامل معهم كما هم, وليس كما ينبغي أن يكونوا, وإلا فربما يأتي عليك وقت تختلف مع الجميع, إننا نقبل الطبيعة كما هي: الفصل المُمْطِر, والفصل العاصِف, والفصل الحار.. دون أن نطلب من الطبيعة أن تتغير لترضينا.. فلتكن هذه معاملتنا لمن نقابلهم من الناس, إنهم ليسوا كلهم أبرارًا أو طيبين. كثير منهم لهم ضعفات, ولهم طباع تسيطر عليهم, إنهم عينات مختلفة, وبعضها مثيرة, فلتأخذ منهم بقدر الإمكان موقف المتفرج وليس موقف المنفعل, وعاملهم حسب طبيعتهم بحكمة, ولكن احترس من معاشرة الأشرار الذين قد يجذبونك إلي الخطيئة معهم, "إِنَّ الْمُعَاشَرَاتِ الرَّدِيَّةَ تُفْسِدُ الأَخْلاَقَ الْجَيِّدَةَ" (رسالة بولس الرسول الأولى إلى أهل كورنثوس 15: 33).
† النقطة الأخيرة هي السلام داخل النفس, أي السلام داخل القلب والفكر, والذي عنده مثل هذا السلام, يظهر أيضا هذا السلام في ملامح وجهه. فنجد أن ملامحه مملوءة سلامًا, ويستطيع أن يشيع السلام في نفوس الآخرين, وفي وجوده, يكون الجو مملوءًا سلامًا, ويكون مملوءا أيضا اطمئنانًا وذلك بسبب عمل الله معه, وعمل الله فيه.
أما الذي يفقد سلامه الداخلي, فإنه يقع في الاضطراب والخوف والقلق والشك.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/r9m5fhd