ما أروع الحكمة. إنها من أعظم الفضائل. بل هي أهم مفتاح للفضائل كلها. يحتاج إليها البشر جميعًا وبخاصة القادة وكل من هو منصب بل تحتاج إليها الدول أيضًا. وهي الميزة التي يجب أن يتصف بها رجال السياسة، ومن يطلق عليه لقب دبلوماسي.
إنها باب التوفيق والنجاح والتفوق. وما أجمل قول سليمان الحكيم: 'الحكيم عيناه في رأسه. أما الجاهل فيسلك في الظلام'. لذلك فهي نور داخلي ينير العقل والقلب كما أنها نور خارجي ينير للآخرين طريقهم.
الحكمة لها معني أوسع بكثير من الذكاء. وقد يكون الذكاء مجرد جزء منها. فكل إنسان حكيم يكون ذكيا. ولكن ليس كل ذكي حكيما..!
فقد يتمتع إنسان بذكاء خارق وعقل ممتاز ومع ذلك لا يكون حكيما في تصرفه فربما توجد عوائق تعطل عقله وذكاءه أثناء التصرف العملي!
فما الحكمة إذن؟ وفي أي شيء تتميز عن الذكاء؟
الذكاء مصدره العقل. وقد يكون مجرد نشاط فكري سليم أما الحكمة فهي لا تقتصر علي التفكير السليم بل تتبعه بالتصرف الحسن في السلوك العملي. وهي لا تعتمد علي العقل فقط، إنما تستفيد أيضًا من الخبرة والإرشاد ومن معونة الله بالصلاة.
فالحكمة ليست هي مجرد المعرفة السليمة أو الفكر الصائب إنما هي تدخل في صميم الحياة العملية لتعبر عن وجودها بالسلوك الحسن.. فان كان العقل يميزه الفهم والتفكير فان الحكمة يميزها حسن التصرف والتدبير.. حقًا إن الذكاء أو التفكير السليم يجوز اختبارًا دقيقًا عند التطبيق العملي فان نجح فيه يتحول إلى حكمة.
وهكذا تشمل الحكمة جودة التفكير ودقة التعبير وسلامة التدبير.
قد يكون الإنسان ذكيا يفكر أفكارًا سليمة ولكن تنقصه الدقة في التعبير لنقص معلوماته عن المدلول الدقيق لكل لفظة. فيخطئ حينما يعبر عن قصده. أما الإنسان الحكيم، فانه يقول بدقة ما يقصده. وأيضًا يقصد كل ما يقوله.
من معطلات الحكمة أيضًا السرعة في التصرف، ولذلك يتصف الحكماء بالتروي.. فالحكيم
لا يندفع في تصرفاته. وإنما يُهدئ اقتناعه الخاص حتى يتبصر بأسلوب أعمق وأوسع.
إن السرعة لا تعطي مجالًا واسعًا للتفكير والبحث والدراسة ومعرفة الرأي الآخر.
كما أنها لا تفسح مجالا للمشورة ولعرض الأمر علي الله في الصلاة.. وربما تحوي
السرعة في طياتها لونا من السطحية.. ولذلك كثيرا ما تكون التصرفات السريعة
هوجاء طائشة!
والإنسان الذي يتصرف بتسرع قد يرسل الله له من ينصحه قائلا: 'خلي بالك من
نفسك'. أعط نفسك فرصة أوسع للتفكير. راجع نفسك في هذا الموضوع.
أذكر في
هذا المجال بعض أبنائنا من المهجر، الذين يحضرون إلى
مصر ويريد الواحد
منهم أن يتزوج في بحر أسبوع أو أسبوعين!
إن الحكماء تصرفاتهم متزنة رزينة قد نالت حظها من التفكير والدراسة والعمق
والفحص مهما اتهموهم بالبطء.
ولا ننكر أن بعض الأمور تحتاج إلى سرعة في البت.
ولكن هناك فرقا بين السرعة والتسرع!!
والتسرع هو السرعة الخالية من الدراسة والفحص ويأخذ التسرع صفة الخطورة
إذا كان
في أمور مصيرية أو رئيسية. كما يكون بلا عذر إذا كانت هناك فرصة للتفكير ولم
يكن الوقت ضاغِطًا لذلك فإنني أقول باستمرار:
إن الحل السليم ليس هو الحل السريع بل الحل المتقن.
وقد تكون السرعة من صفات الشباب إذ يتصفون بحرارة تريد
أن تتم
الأمور بسرعة
ولكنهم حينما يختبرون الأمر مع من هو اكبر منهم يمكن أن يقتنعوا بان السرعة لها
مخاطرها! وقد تكون السرعة طبيعية في بعض الناس وهؤلاء يحتاجون إلى التدريب علي
التروي والتفكير وكثيرًا ما يندم الإنسان علي تصرف سريع قد صدر منه فاخطأ فيه أو ظلم فيه غيره.
وهكذا في التعامل عموما ينبغي للإنسان الحكيم
أن يدرس نفسية وعقلية وظروف كل من
يتعامل معه.. سواء كان زميلًا في العمل أو رئيسًا أو مرؤوسًا، أو صديقًا أو جارًا.
ويعامله بما يناسبه.
فان درست نفسية وعقلية من تتعامل معه تعرف حينئذ المفاتيح التي تدخل بها
إلى قلبه. وتنجح في تصرفك معه.
وحتى لو تعطل المفتاح حينًا تعرف كيف تزيته وتشحمه.. ثم تعيد بعد ذلك فتح الباب
فينفتح.
حقا انه في بعض الأحيان يكون فشلنا في التعامل مع أشخاص معينين ليس راجعًا
إلى عيب فيهم، بقدر ما هو راجع إلى عدم معرفتنا بطريقة التعامل معهم.
المصدر الثالث هو
قراءة سير الحكماء والناجحين في حياتهم لكي يتأثر
القارئ
بسيرة هؤلاء وسلوكهم وكيف كانت تصرفاتهم في شتي الظروف والملابسات وكيف كانوا
يجيبون علي الأسئلة المعقدة وكيف كانوا
يحلون
المشاكل العويصة.
وكل ذلك يقدم للقارئ أمثولة طيبة في فهم الحياة وفي حسن التصرف فيعمل علي
محاكاتها والسير علي نفس النهج من الحكمة.
كذلك يدرس كيف يحترس من
الأخطاء التي وقع فيها الغير. ومعرفة أسباب ذلك السقوط، وكيفية النجاة منه. وهكذا
كما قال أحد الحكماء 'تعلمت
الصمت من
الببغاء..'!
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/dq2p9b5