1- لا يوجد في العهد الجديد كله، نص واحد يتحدث عن "نساء" أو "زوجات" للرجل الواحد، وإنما الكتاب يستعمل المفرد باستمرار في الحديث عن هذا الأمر.
وسوف لا نأتي بجميع الآيات المتعلقة بهذا والمثبتة له، لأنها كثيرة جدًا. وإنما يكفي أن ننتقي منها أمثلة تحيط بها قرائن أخرى تؤكد هذه "الفردية":
(أ) ففي الموضوع السابق الذي يشبه فيه الرسول علاقة الرجل بزوجته، بعلاقة المسيح بكنيسته الواحدة، نراه يستعمل هذا الإفراد أيضا في أكثر من مناسبة، فيقول من يحب امرأته يحب نفسه". وأما أنتم الأفراد، فليحب كل واحد امرأته هكذا كنفسه" (أفسس33،28:5).
وكيف يمكن لإنسان أن يحب امرأته كنفسه وهو في نفس الوقت يتزوج إلى جوارها امرأة أخرى أو أكثر، تكون "ضرة" لها، أو سبب ضرر لها، أو منافسة لها؟!
هذه قرينة، وهناك قرينة أخرى وهي ورود هاتين الآيتين في مناسبة التشبيه بالزواج الروحي القائم بين المسيح والكنيسة الواحدة.
(ب) وفي نفس المجال أيضا يذكر الرسول الآية التي تقول: "من أجل هذا يترك الرجل أباه وأمه، ويلتصق بامرأته، ويكون الاثنان جسدًا واحدًا" [الآية (أف 5: 31)]. وهذه الآية ذاتها استخدمها السيد المسيح نفسه في مجال مشابه عند الحديث عن الطلاق، ذلك الحديث الذي أثبتنا منه وحدانية الزوجة من قوله "مَنْ طلق امرأته وتزوج أخرى يزني عليها" (مر11:10). (انظر ص 53،54).
وهذا المعنى بالذات "في التعبير بالمفرد" فهمه القديس إيرونيموس هكذا كما شرحناه. فعندما فسر الآية السابقة "... ويلتصق بامرأته" قال "وبالتأكيد لم يقل بنسائه".
(ج) وفي مستهل رسالة بولس الرسول الأولى إلى أهل كورنثوس، نسمعه في حثه على البتولية يقول "وأما من جهة الأمور التي كتبتم لي عنها فحسن للرجل ألا يمس امرأة. ولكن لسبب الزنا ليكن لكل واحد امرأته، وليكن لكل واحدة رجلها" (2،1:7).
فبالتأكيد كلمة "امرأته" هنا، تعنى زوجة واحدة ليس له سواها، لأن الرسول بصدد حديث عن البتولية. فإن كان جيدًا للرجل ألا يمس امرأة فكيف تكون له نساء كثيرات؟! كما أن هناك قرينة أخرى، وهى عبارة "ولكن لسبب الزنا" ولم يقل بسبب إنجاب البنين. لأنه إن كان بسبب إنجاب، اتخذ كثيرون زوجات في العهد القديم، فإن الذي يتزوج بسبب تجنب الزنا تكفيه ولا شك امرأة واحدة. وإلا كانت الديانة تدعو إلى الانغماس في الشهوة وهذا ما لم يقل به أحد، وتنفيه بالأكثر مناسبة الحديث عن البتولية.
(د) قال السيد المسيح "وكل من ترك بيوتًا أو أخوة أو أبًا أو أمًا أو امرأة أو أولادًا أو حقولًا من أجل اسمي يأخذ مئة ضعف ويرث الحياة الأبدية" (متى29:19). وهذه الآية واضحة جدًا فالذي يحتمل فيها الكثرة ذكره السيد المسيح بأسلوب الجمع، والذي لا يحتمل إلا الإفراد والوحدانية ذكره بأسلوب المفرد. فالبيوت والحقول والأخوة والأولاد تحتمل الجمع، فذكرها بأسلوب الجمع، على الرغم من أن الشخص قد لا يكون له سوى بيت واحد أو حقل واحد أو أخ واحد ولكن هذه الأمور تحتمل الكثرة بالنسبة إلى الآخرين فذكرت بالجمع. أما الذي لا يمكن أن يحتمل الكثرة ولا يمكن الحديث عنه بأسلوب الجمع، بالنسبة للشخص الواحد، فهو الأب والأم والزوجة.
فكما أنه لا يمكن أن يكون للشخص سوى أب واحد، وأم واحدة، كذلك لا يمكن أن تكون له سوى زوجة واحدة في المسيحية. وهكذا تحدث السيد المسيح عن الثلاثة بالمفرد الأب والأم والزوجة. آية صريحة ولا شك. مثل هذا الإنسان الذي يترك كل ذلك من أجل المسيح ينال -من الناحية الروحية- مئة ضعف ويرث الحياة الأبدية. وطبعًا من المحال أنه يقصد مكافأة جسدية، لأنه لا يمكن أن يكون للإنسان مئة أب بالجسد، ولا مائة أو، وبنفس المعنى ولا مائة زوجة..
فالإنسان الذي له زوجة واحدة. ويطلب إليه أن يتركها هي أيضًا من أجل المسيح، أي لا يدعها تشغله عن الله، أو كما يقول بولس الرسول "لكي يكون الذين لهم نساء كأن ليس لهم" (1كو29:7)، نعم، هل الذي يطلب إليه أن يترك حتى الواحدة التي له، يصرح له بأن تكون له نساء عديدات؟!
ومن القرائن الأخرى التي لا يمكن تجاهلها أن هذا النص السابق الذي لم يذكر فيه السيد المسيح غير الأب والأم والزوجة بأسلوب المفرد، هذا النص قاله في نفس الأصحاح الذي ذكرت فيه مناقشته مع الكتبة والفريسيين عن الطلاق التي أثبتنا منها وحدانية الزوجة، ونفس الأصحاح الذي تحدث فيه عن البتولية في كلامه عن الخصيان (متى12:19).
ونفس التعبير ذكره السيد المسيح في مناسبة أخرى غير هذه، قال فيها "إن كان أحد يأتي إلى ولا يبغض أبه وأمه وامرأته وأولاده وأخوته وأخواته، حتى نفسه أيضًا، فلا يقدر أن يكون لي تلميذًا" (لوقا26:14). يقصد إلا يفضل الإنسان وتعارضتا، يترك أقاربه ويتحمل المتاعب من أجل المسيح [الآية 27: (لو 14: 27)].
وهنا أيضا لم يذكر بالمفرد غير الأب والأم والزوجة والنفس، بعكس الإخوة والأخوات والأولاد.
2- رفعت المسيحية جدًا من قدر المرأة، في مبدأ "الجسد الواحد". فبعد أن كانت المرأة في العصور الأولى، تشترى في الزواج بالمهر، كأنها شيء من ممتلكات الرجل، جاءت المسيحية لتقول.
"ليس للمرأة سلطان على جسدها بل للرجل. وليس للرجل سلطان على جسده بل للمرأة" (1كو4:7)
النصف الأول من هذا النص كان معروفا في القديم، عندما تعدد الزوجات ممارسًا. أما النصف الثاني فهو شيء جديد "على فهم الناس" لا يتفق إلا مع فكرة "الزوجة الواحدة". لأن الرجل ليس له تسلط على جسده، لكي يهبه لزوجة ثانية أو ثالثة، تشارك الزوجة الأولى حقها الشرعي، وإنما امرأته هي صاحبة السلطان على جسده.
أتستطيع المرأة أن تعطى جسدها لزوج ثان في حياة الزوج الأول؟! كلا طبعا، لأنه ليس لها تسلط على جسدها بل للرجل. هكذا الرجل أيضا لا يستطيع في حياة زوجته أن يعطى جسده لزوجة ثانية، لأنه ليس له تسلط على جسده بل للمرأة. هذا هو مبدأ " السلطان المتبادل".
حتى في النسك والتعفف، لا يستطيع الرجل أن يترك فراش الزوجية بدون موافقة زوجته التي لها التسلط على جسده (اقرأ مقالًا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في قسم الأسئلة والمقالات). فبعد النص السابق يقول الرسول مباشرة "لا يسلب أحدكم الآخر، إلا أن على موافقة إلى حين، لكي تتفرغوا للصوم والصلاة ثم تجتمعوا أيضا معًا".
ولذلك فإن قوانين الكنيسة لا تسمح لرجل متزوج بأن يسلك في سيرة الرهبنة، إلا بناء على موافقة زوجته. فإن لم توافق، لا يستطيع ذلك. والقانون الخامس من قوانين الرسل، يقطع من الكهنوت كل من يخرج امرأته لعلة الزهد. وليس هذا بالنسبة للرجل فقط، وإنما بالنسبة إلى المرأة أيضا. فإن القانون 13 من قوانين مجمع غنغرا المقدس gangra يقول "أيما امرأة تترك زوجها، وتقصد الانفراد بمعزل عنه، مشمئزة من الزيجة، فلتكن ملعونة".
فإن كان للمرأة تسلط على جسد الرجل -حتى في العبادة- فإنه من البديهي أن الرجل لا يستطيع أن يعطى جسده لغيرها لأنه لا يملك ذلك.
وإن دينا يجعل جسد الرجل حقا لامرأته لا يستطيع سلبها إياه ولو للتعبد، إلا بموافقتها، هو دين لا يمكن أن تنفذ إليه حرية الرجل في التزوج بأكثر من امرأة في وقت واحد.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/sn68c6t