1- إن فكرة " الجسد الواحد" قديمة متجددة. ذكرت في البدء منذ أول الخليقة إذ قيل "لذلك يترك الرجل أباه وأمه، ويلتصق بامرأته. ويكونان جسدًا واحدًا" (تكوين24:2). وذكرها السيد المسيح في كلامه مع الكتبة والفريسيين ودعمها بقوله "إذًا ليسا بعد اثنين بل جسد واحد. فالذي جمعه الله لا يفرقه إنسان" (متى5:19؛ مرقس7:10). وبولس الرسول استعمل هذا التعبير أيضًا في رسالته إلى أفسس (أف 3:5) مشبها إتحاد المسيح بالكنيسة باتحاد الزوجين وقائلا بعد ذلك "إن هذا السر عظيم".
2- من قول السيد المسيح "ليسا بعد اثنين ، بل جسد واحد" يفهم آن الاثنين قد أصبحا بالزواج وحدة واحدة وليس أكثر. ولذلك فإن القديس يوحنا فم الذهب يخاطب في ذلك العروسين قائلًا "لقد أصبحتما الآن واحدًا، مخلوقًا حيًا واحدًا". هذه الوحدة فيها الرجل هو الرأس والمرأة هي الجسد، كما شرح بولس الرسول (أفسس28،23،5) الذي قال أيضا مؤكدا ذلك في نفس الأصحاح من الرسالة "من يحب امرأته يحب نفسه. فإنه لم يبغض أحد جسده قط" [الآيتان (أف 5: 28، 29)]. ويشرح القديس يوحنا ذهبي الفم هاتين الآيتين فيقول: "أتسأل كيف هي جسده؟ اسمع هذه الآن عظم من عظامي ولحم من لحمى هكذا قال آدم" (تكوين23:2)، لأنها مصنوعة من مادة منا. وليس هذا فقط، وإنما يقول الله يصيران جسدًا واحدًا" (تكوين24:2)... ليس لاشتراكنا في طبيعة واحدة. كلا، فطبيعة الواجب نحو الزوجة هي أبعد من طبيعة واحدة. كلا، فطبيعة الواجب نحو الزوجة هي أبعد من هذا بكثير وإنما هذا لأنه ليس هناك جسدان وإنما جسد واحد: هو الرأس وهو الجسد.
ويستطرد هذا القديس فيقول: "الاثنان لا يظهران بعد اثنين. لم يقال "روحًا واحدًا" ولا "نفسًا واحده" لأن هذا ممكن لجميع الناس" (إعمال 4: 32)، وإنما "يكونان جسدًا أحدًا". ويتذكر القديس قصة لخليقة فيقول "في الواقع إن الله منذ البدء قد عمل إعداد خاصًا لهذا الاتحاد فيقول:
"في الواقع آن الله منذ البدء قد عمل إعداد خاصًا لهذا الاتحاد لتحويل الاثنين إلي واحد... فهو لم يخلقها من خارج لئلا يشعر "آدم أنها غريبة عنه" والقديس أمبروسيوس يؤيد هذه الحقيقة فيقول "أن الله أخذ ضلعًا من أدم وعمله امرأة، لكي يرجع ويربطهما مرة أخري، ويصبحان جسدًا واحدًا".
3- فكرة "الجسد الواحد" هذه، تتعارض منطقيًا مع أمرين منعتهما المسيحية أيضًا لأنهما لا يتفقان وتعليم المسيحية في الزواج. أما هذان الأمران فهما: الطلاق وتعدد الزوجات. واضح هو تعارض الطلاق مع فكرة "الجسد الواحد". فمن المستطاع التفريق بين اثنين، ولكن الزوجين في المسيحية هما كما قال السيد المسيح "ليسا بعد اثنين بل جسد واحد". ولم يسمح السيد المسيح بالطلاق في حالة الزنا إلا لأن الزوجة قد خطت في ذلك عمليًا يوم زناها. لأنها -بهذا الزنا- تكون قد حطمت مبدأ "الجسد الواحد" تحطيمًا. وذلك لأن جسد ثالثا قد دخل بالزنا في الإتحاد الذي ربطه الله ففصم عري روابطه.
فالزوجة مع زوجها جسد واحد حسب الشريعة، وهي -كزانية- صارت كذلك جسدًا واحدًا مع الذي زني بها. وهكذا علم بولس الرسول في رسالته الأولي إلي كورنثوس إذ قال "أم لستم تعلمون أن من التصق بزانية هو جسد واحد، لأنه يقول يكون الاثنان جسدًا واحدًا؟" (1 كو 6: 16). فبالزنا مع الزواج، أصبح هناك اتحادان أو جسدان، وتحطمت الفكرة السامية، وأصبح فصل الزوجين شيئًا واقعيًا قد تم من قبل عملا، وبقي أن يتم شرعا. وذلك لأنه الزواج المسيحي ليس جسدين ولا اتحادان ولا أكثر، وإنما جسد واحد واتحاد واحد حسب قول الرب.
والذي يحدث في الزنا المسبب للطلاق، هو من الناحية العلمية نفس الذي يحدث في تعدد الزوجات (اقرأ مقالًا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في قسم الأسئلة والمقالات). الوضع واحد وإن تغيرت الأسماء.
كل ما في الأمر أنه في الحالة الثانية حدث أن كسر فكرة "الجسد الواحد" قد تغطي برداء شرعي.. أما الوضع الواحد المشترك بين الحالتين، فهو دخول جسد ثالث غريب، يحاول أن يوجد له اتحادًا مع أحد طرفي الوحدة المقدسة، بأن يعزل الطرف الآخر عنه، ويكون بهذا قد حطم الفكرة الإلهية. إن فكرة "الجسد الواحد" تجعل تعدد الزوجات أمرًا متعذرًا فليس بالإمكان عقليًا أن يكون رجل في جسد واحد مع أكثر من امرأة، إذ يستحيل اجتماع ثلاثة في جسد واحد ولا أربعه. قالت الوصية الإلهية أن الزوج يترك أباه وأمه ويلتصق بامرأته. ولكن الذي تتعدد زوجاته لا يستطيع بحق أن يكون ملتصقًا بأخرى. وعلي ذلك فإن كل محاولة للاتصال بامرأة أخرى، عن طريق علاقة شرعية أو زنائية، هي تصديع لهذه الوحدة.
فإن سأل أحد: هل يمكن للرجل -بعد الزواج- أن يتحد بجسد أخر؟ فمثل هذا السؤال ليس له موضع في الواقع. لأنه بعد الزواج لم يعد هناك اثنان حتى يجوز أن يعطي واحد منهما جسده لثالث. فهما ليسا بعد اثنين وغنمًا جسد واحد، لا يستطيع إنسان آن يفرقه، كما قال الرب. ويقول القديس ايرونيموس: إنه مع التعدد تكون فكرة الزواج "الجسد الواحد" قد تحطمت ويستطرد القديس متعجبًا "في البدء تحول ضلع واحد إلي زوجة واحدة، وصار الاثنان جسدًا واحدًا وليس ثلاثة أو أربعة وإلا كيف يكونان اثنين أن صار جمله"؟!
1- إنه جسم واحد، فيه الزوج هو الرأس والزوجة هي الجسد. وكما أنه لا يمكن أن يكون للجسد رأسان أو أكثر، كذلك لا يمكن أن يكون للمرأة زوجان أو أكثر. وأيضًا كما أنه لا يمكن للرأس جسدان أو أكثر، كذلك لا يمكن أن يكون للرجل زوجتان أو أكثر. وإلا فإن هذا التشبيه الذي ذكره بولس الرسول مقتبسًا إياه من تعليم الله ذاته، يكون تشبيهًا خاطئًا لا تطبيق له.
أنسأل بعد عن نص في المسيحية لتحريم تعدد الزوجات؟! ليست المسيحية في الواقع ديانة نصوص بقدر ما هي "روح وحياة" كما قال الرب (يوحنا 6: 63). وهذا هو روح الزواج المسيحي وقد علمنا المسيح أن نسلك بالروح.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/yancpz8