بقلم: سمير البهجوري
عجيب أمر صديقي جورج. ما كنت اسمع له صوتًا. وكان من الظرفاء المعدودين. أصبح لديه استعداد أن يسمع كل شيء ولا ينطق بأي شيء. حتى عيناه اكتستا ببريق هادئ متأمل.
من أين لك كل هذا يا "جورج"؟ هل نسيت ماضيك بهذه السرعة؟ هل نسيت الخطط والمشاريع التي ناقشناها سويًا، والتي لم تتم بعد؟ هل نسيت كل هذا يا صديقي؟
كان أمس الموعد المحدد لتنفيذ إحدى خططنا الناجحة دائمًا... وقد انتظرته طويلًا فلم يأتِ! وقادتني قدماي، دون وعي مني، إلى منزله، وكان الرد أنه يعتذر عن مقابلتي... لأنه مشغول!
أإلى هذا الحد وصل نكرانك للعِشرة... وجحدك للصداقة؟ كم أنا ساخط علي نفسي لأني متعلق بهذا الخيط الذي هو خيط صداقتك، إذ كنت أحسبها صداقة صادقة!
أنا معذور لهذا الاعتقاد، لأن صداقتنا قامت علي الفهم المتبادل. كانت أهدافنا مشتركة، وآمالنا موحدة... أفكاري هي أفكارك، ومبادئي هي مبادئك!
لقد كنت توأم روحي يا "جورج" ولكن... هل كانت صداقتي لك هينة... حتى تنساني بهذه السهولة؟
كم أنا متألم!
رحم الله أيام الآحاد الماضية، فقد كانت من أبهج أيام الأسبوع، كنت و"جورج" نستيقظ مع الفجر... ونعود إلى منازلنا بعد منتصف الليل... كم قضينا من أيامٍ حافلة بآيات البهجة والسرور. ولكن اليوم... اليوم فقط منذ سنين، شعرت بالوحدة القاتلة. حتى أصدقائي الآخرين بحثت عنهم فلم أجد لهم أثرًا، وكأنما تآمروا جميعًا عليّ!
كنت أمر في الشوارع، وكأني أم فقدت وحيدها... وعزيت نفسي قليلًا، فقد شاهدت "جورج" في طريقه إلى الكنيسة!
أظن هذه أول مرة تذهب فيها إلى هذا المكان المقدس... أيها التقي! هل نسيت ماذا كنت تقول؟
أنت أيها العنيد أهكذا تتنازل عن مبادئك بهذه السهولة؟ لقد أصبح لك أصدقاء جدد. رأيتك اليوم تتمشى معهم بعد القداس في ذلك الطريق المؤدي إلى القرية"....." ذلك الطريق الحبيب إلى نفسينا.
كنت أراك وأنت تتكلم، والبشر يطفح علي محياك! لا شك أنك كنت مسرورًا، علي الأقل إنك تخلصت من صداقتي...!!
ولكن... ما هو الجرم الذي أجرمته في حقك؟! هذا ما لم أعرفه حتى الآن!
ابتدرني خاطر... لماذا لا أذهب إليه مرة أخرى في منزله؟ قد يكون رقيقًا معي هذه المرة، ولعلي أستطيع أن أعرف لماذا نفض يده من صداقتي بهذه الطريقة المؤلمة؟!
وتهيأت للخروج، وإذ بخطاب أزرق تسلمني إياه شقيقتي الصغرى!
كان هذا الخطاب من "جورج"!
← ترجمة القصة بالإنجليزية هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت: In the Way of Life.
عزيزي رشدي...
"آسف فقد أكون سببت لك بعض الألم بإعراضي عنك. ولعلك في حيرة من أمري، أنا صديقك الوفي، الذي ما كنت أستطيع فراقك لحظة واحدة! ها أنا أروي لك قصتي الجديدة، وأرجو أن تسمع لي. وإذا اتفقت آراؤنا هذه المرة، فسنعود صديقين أكثر من ذي قبل، وأقوي محبة عما كنا عليه.
كان ذلك في مساء الأربعاء الموافق 20 فبراير الماضي. رأيت فيما يري النائم أنني أسير في طريق كنت علي أوله "طريق الهاوية" فإذا بأوصالي ترتعب وترتعب من الخوف. وإذا بي أقاسي الأهوال في هذا الطريق. وكان يخيفني بوجه خاص أن أري تلك الحيات "بنات الحية القديمة" تعانق فروع الأشجار. وفحيحها الذي يُخَيَّل إليك أنها تتحدي به الريح. وفجأة شاهدت أسدًا يجول مزمجرًا، أقبل نحوي في تؤدة... وأمرني بأن أتبعه!
تبعته وأنا في ذهول. وكأني شاة تتبع الجزار. أخذني أسيرًا ولكنه أكرمني، كان يحضر لي ما تشتهيه نفسي في سرعة نادرة، مما جعلني أنظر لهذا السيد العجيب بعين الهيبة والاحترام.
وذات يوم كنت أتظاهر بالنوم حينما سمعته يهمس: بعد أيام قليلة... سوف يسمن "ابن آدم" هذا وسيكون حينئذ غذاء طيبًا... لملك هذا العالم!
وقمت منزعجًا إثر هذا الحلم العجيب... "طريق الهاوية"؟!... ما معني هذا؟ إنه طريق الخطية الذي أسير فيه بإرادتي وأن الأهوال التي قاسيتها هي النتيجة الحتمية لهذا السير، وأنني – بعد أيام قليلة - سوف أكون غذاء طيبًا للشيطان... ملك هذا العالم!
في حيرتي رفعت قلبي إلى الله، ضارعًا إليه أن ينقذني من حيرتي، وخيل إلىّ أنني سمعت صوتًا آتيًا من بعيد، من بعيد جدًا، يقول: تعالَ معي، أنا ذاهب إلى الكنيسة... لا تتأخر!
تعالَ معي!... لا تتأخر! ماذا يحدث لو ذهبت؟!
وبعد دقائق كنت أمام الكنيسة، ولدهشتي وجدت الشبان يدخلون، وإذن فهذه محاضرة خاصة بالشبان!
تكلم المحاضر عن "أهمية الطهارة في حياة الشباب" وكانت المحاضرة كأنها رسالة شخصية لي، فتأكدت أن كل كلمة كان يتفوه بها، كان يقصدني بها أنا شخصيًا!
وسالت دموعي بالرغم مني. نعم يا أخي، فقد رأيت الفرق واضحًا بين حياتي الدنسة النجسة، وبين حياة الطهارة والقداسة المفروضة في كل شاب مسيحي!
وهنا أدركت لماذا أنا شقي، ولماذا أفقد حياة الطمأنينة والسلام، هنا أدركت يا أخي، أنني الخروف الضال، وأن يدي الراعي الصالح انتشلتاني من وهدة الخطية، وبحيرة الإثم!
وهنا يا أخي، رأيت النور يشرق في أعماقي، وأحسست بنار مقدسة تضطرم في أحشائي، وبعدها شعرت بارتياح عميق. إنه الشعور بالحرية، إنه الوعي الروحي قد كشف لي الطريق، ويا له من طريق جذاب.
تكرر ذهابي إلى الكنيسة، وتعرفت بشبان تفوح رائحة الطهارة من أبدانهم، فكانوا خير أصدقاء عرفتهم في حياتي، وطاب لي أن أشاركهم الخدمة – خدمة مدارس التربية الكنسية - وها أنا أصلي من أجلك يا صديقي. إن أمنيتي أن نعيش معًا صديقين كما كنا، ولكن في حياةٍ جديدةٍ. لننسي الماضي، فخير لنا أن نحيا في حياة جديدة!
سأكون في انتظارك باكر إن شاء الرب وعشنا، في كنيسة الشهيد مار جرجس، نبدأ صداقة جديدة في المسيح يسوع، صداقة تباركها السماء، وتظللها كرمة "مدارس التربية الكنسية" تلك الكرمة الجميلة، التي زرعها ربنا يسوع، وهو الذي ينميها. فهل اشتاق إلى صداقة من نوع جديد؟!
لا تنسي إني أصلي من أجلك.
المخلص
جورج
ما أعذب حبك يا رب، وما أجمل عنايتك بالبشر، أنت الراعي الصالح، الساهر علي خرافك. شاءت محبتك أن لا تحرمني من ميراثك الأبدي، افتقدتني إلى حظيرتك، وها أنا أشعر بالدفء في حضنك. ذراعاك تظللاني، ويمينك تحميني، تحت ظلال حبك اشتهي الجلوس، وأهوي المبيت "ها أنت جميل يا حبيبي وحلو" (نشيد16:1).
الآن عدت لصديقي، وشاء ربنا يسوع أن يكون صديقنا الأكبر.
نعم، فنحن في احتياج لصداقتك أيها المخلص، حتى تهدينا إلى طريق الحياة.
نحن في احتياج لملازمتك لنا، في دخولنا وخروجنا، في قيامنا وجلوسنا، فقد اتحدت ضدنا قوى العالم والشر!
شكرًا لك يا رب، فقد شرفتنا بالخدمة في حقك، نحن من كنا نعبث في الأرض فسادًا... ولكن "دم يسوع ابنه يطهرنا من خطية" (1يو7:2).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/9nzv2fq