St-Takla.org  >   Full-Free-Coptic-Books  >   FreeCopticBooks-020-Father-Tadros-Yaacoub-Malaty  >   007-Short-Stories
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب قصص قصيرة (مع مجموعة من القصص الطويلة) - القمص تادرس يعقوب ملطي

583ب- قصة: مِن ثمار المحبة

 

بقلم: سمير البهجوري

 

الهدوء يخيم علي القرية، فالساعة الآن الرابعة من صباح الأحد الأول من شهر برمهات، وقد أقبل "صموئيل" الشماس الصغير مبكرًا إلى الكنيسة، ليشترك في صلاة التسبحة المقدسة وتوقف قليلًا قبل أن يدخل، فقد تناهي إلى سمعه صوت المعلم "ميخائيل" يردد لحنًا رائعًا، أكسبه هدوء الليل صفاء وعذوبة، ورعة في الأداء. فامتزجت مشاعر الصبي باللحن الرائع، وتاه في دوامة من الانفعالات المقدسة، التي استجاب لها قلبه البكر سريعًا، وحَلَّق في أجواء عالية سامية، ووجد روحه تنطلق عن إطار المادة لترفرف علي القرية وأهلها الطيبين، في حنو عظيم، وكأني به يخاطب الناس جميعًا قائلا:ً "تعالوا ذوقوا وانظروا... ما أطيب الرب" (مز8:34).

أفاق "صموئيل" علي صوت مألوف لديه. إنه صوت الراهب "أغاثون" يشترك في تسبحة باكر الأحد.

والراهب "أغاثون" هذا يسكن في قلاية صغيرة علي سطح كنيسة السيدة العذراء، حيث كانت مهمته إدارة أوقاف ديره، والأشراف على الكُتَّاب المُلحق بالكنيسة. وكان "صموئيل" يتعلم القراءة والكتابة، ويحفظ المزامير علي يديه.

St-Takla.org Image: Coptic monks during the Midnight praise, like Angels صورة في موقع الأنبا تكلا: صورة الآباء الرهبان في التسبحة مثل ملائكة السماء

St-Takla.org Image: Coptic monks during the Midnight praise, like Angels

صورة في موقع الأنبا تكلا: صورة الآباء الرهبان في التسبحة مثل ملائكة السماء

دخل الصبي الكنيسة، وركع أمام المذبح المقدس في رهبة، ثم قبَّل يد معلمه الراهب. وعلي ضوء القناديل والشموع اشترك الجميع في صلاة التسبحة. وامتلأ المكان المقدس برائحة التسبيحات والصلوات الذكية التي ترتفع وتسمو إلى الملك المسيح.

 كم هي جميلة كنيستنا! وكم في طقوسها من معانٍ كثيرةٍ بالغة حد الكمال!

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

أما أطفال الكُتَّاب، فعلي قدر ما كانوا يعاكسون معلمهم الضرير -رغم اتقائه فن الضرب بالـ"فقلة"- كانوا يحبون الأب "أغاثون" ويهابونه. ولم يحدث أبدًا أن يعاقب الأب الراهب أحدًا من تلاميذه. وعندما كان يجلس بينهم ليعلمهم، كانوا يجلسون في منتهى الأدب والاستعداد للفهم، وقد نمت صداقة قوية بين "صموئيل" الصغير، وبين معلمه المحبوب بوجه خاص.

وكان لهذا الأب موهبة شفاء المرضي. معجزات كثيرة جدًا أجراها الله علي يديه. وقد شاهد معظمها "صموئيل" بنفسه، وآخر معجزة يذكرها يوم اندفع أحدهم صاعدًا السلم رغم صياح عم "اسطفانوس" القرابني وتحذيره. وطرق باب القلاية الصغير بعنفٍ بطريقة تدل علي مبلغ ما وصل إليه الرجل من قلق وانزعاج شديدين. وخرج الأب الراهب والابتسامة ترتسم علي وجهه بطريقة طبيعية لا تكلُف فيها، وذهب معه حيث يرقد ابنه الوحيد مريضًا بحمي شديدة. وبصلوات هذا القديس ظهر التحسن في الحال. وفي طريق العودة أراد الوالد أن يعطي الأب الراهب شيئًا في يده، وللحال اضطربت روحه فيه وارتعب جسمه كله، وكأنه كاد يلمس عن طريق الخطأ جسم حية سامة. كيف يأخذ أجرًا والرب قد أعطاه هذه الموهبة مجانًا؟!

الفترات الوحيدة التي كانت تلفت نظر الصبي على الأكثر تلك التي يذهب فيها الأب الراهب إلى قلايته الصغيرة ويغلق بابها لفترات طويلة جدًا دون أن يجرؤ أحد علي إزعاجه اللهم إلا في فترات نادرة كما سبق ورأينا.

ماذا يفعل الأب "أغاثون" في قلايته؟

هل يصلي كل هذا الوقت؟!

وكيف يصلي؟!

وهل تختلف صلاته في القلاية عن صلاته في الكنيسة؟

كل هذه الأفكار كانت تدور في ذهن "صموئيل" ولا يجد لها حلًا. وخطر له أن يسأل عم "إسطفانوس" القرابني، فلم يجبه إجابه ترضي فضوله.

قرر أخيرًا أن يعرف كل شيء بنفسه. وانتهز فرصة انشغال "عم إسطفانوس" وصعد السلم المؤدي على السطوح حيث تحتل القلاية الصغيرة ركنًا هادئًا. ربما استطاع أن يعرف شيئًا! وفي خطوات هادئة بدأ مهمته، ولكن عيني "عم إسطفانوس" كانتا يقظتين.

جري خلف "صموئيل" وأمسكه من جلبابه، وسأله عن سبب صعوده، وبالطبع لم يخبره الطفل وتعلثم أمامه، وهدده بأن يبلغ أمره إلى "المعلم" وبالرغم من ذلك فقد شعر بالارتياح لأنه لم يهدده بتبليغ أمره إلى الراهب، إن هذا أكثر مما يُحتمل.

ولفت نظره أيضًا وقت صلاة القداس أن الأب الراهب كان يخفي وجهه في "الشملة" التي كان يستعملها عوض "الطيلسانة" واستطاع أن يعرف أن يعرف أن هذا بسبب الدموع الغزيرة، وأن الأب لا يريد أن يلاحظ أحد هذه الدموع.

ولكن لماذا يبكي؟! وما معني كل هذه الدموع؟ لم يستطع عقله الصغير أن يجاوب على هذا السؤال أيضًا!

ثم ما السرّ في أنه متى صلى هذا الأب بالذات، يحس برهبةٍ وخشوعٍ عظيمين! حتى الأطفال الموجودين في الكنيسة لا يبكون ولا يملأون الدنيا صياحًا كعادتهم. إنه يراقب المصلين فيراهم في انسحاق الروح يشتركون في الصلاة. ويرى الدموع في عيون معظمهم!

لماذا والراهب لا يمتاز بجمال صوت ولا رخامة حنجرة؟!

إن صوته عادي، حتى صلاة القداس لم يكن يلحنها.

ومع هذا تحس أنه يكلم الله رأسًا دون حاجزٍ أو حجابٍ، لم يكن هناك شيء يعطل روحه عن الانطلاق وعن الوجود في الله بالاتحاد الحقيقي.

كان يرى الحكمة في الصمت، حتى صلاته لم تكن "كلامًا" في معظم الأحيان. كان ينسكب بروحه أمامه الخالق، فيذوب في بحار من التنهدات الناطقة بلغة لا تفهمها نحن كبشر.

← ترجمة القصة بالإنجليزية هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت: The Fruits of Love.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

مرَّت السنوات وأصبح "صموئيل" شابًا. وتوطدت الصلة بينه وبين الراهب القديس أكثر. وكانا يقضيان وقتًا طويلًا منفردين، يتحدثان في أمور أعمق من أن تحدها إطار الكلمات أو تحويلها ألفاظ لغة... كانا يتفاهمان بلغة الروح في عمق... ويغوصان في أعماق الكتاب المقدس ويخرجان بتعاليم وتأملات جديدة في غِنى ووفرة نادرة... كانا يتمتعان بشبع دائم وبفيض من النعم والبركات الإلهية الغزيرة.

ولغير ما سبب بدأ "صموئيل" يحس بالقلق، فقد تملكه إحساس غريب بأنه سيفقد شيئًا هامًا. وأزعجه هذا التفكير جدًا، خصوصًا وأنه لا يعرف مصدره. كعادته أفضى إلى أبيه ومعلمه بما يقلق باله، فطمأنه قائلًا: "إننا لا نملك في هذا العالم شيئًا. وبالتالي يجب أن يزول إحساسنا بالملكية، وعلى هذا يجب أن لا نندم علي شيء تفقده مطلقًا. الشيء الوحيد الذي أن نحرص عليه هو بقاء دوام قوة الصلة بيننا وبين السماء".

تعزى قلب الشاب بهذه الكلمات الطيبة، واستطاع أن يتقبل ما حدث بعد ذلك بشجاعة. ففي ذات يوم من أيام الصوم الكبير، وقفت سيارة سوداء عند باب الكنيسة، نزل منها رجل يلبس جلبابًا ومعطفًا، وعلي رأسه طربوش، وراهب عجوز ذو ذقن بيضاء كثيفة، ودخلا الكنيسة حيث كان الأب "أغاثون" يصلي القداس، وانتظرا حتى انتهت الصلاة حوالي الساعة الثالثة بعد الظهر. واستقبلهما الأب الراهب بحفاوة بالغة أدهشت "صموئيل" الذي لم يحس نحوهما بأية ألفة، رغم أنه لا يستطيع أن يكره مخلوقًا ولو كان من ألد أعدائه!

وفي "غرفة الضيافة" المُلحقة بالكنيسة، تناولا طعام الإفطار. وبعدها مباشرة غادرت السيارة البلدة، عائدة من حيث أتت. وفي طريق العودة كانوا ثلاثة... الثالث كان... الأب "أغاثون".

وحقيقة ما حدث أن غبطة البطريرك أمر باستدعاء الأب الراهب، فذهب هكذا معهما وهناك تمت رسامته أسقفًا علي إحدى الإيبارشيات التي سمع أهلها عنه فاختاروه، وكانت مفاجأة. وتقبل "صموئيل" فكرة الذهاب مع معلمه، ولكن كانت هناك عقبات منها إصرار والديه وعدم السماح له بالذهاب، وهكذا لم يستطع إلا أن يودع معلمه الحبيب وداعًا حارًا بدموع صادقة. وبادله الأب شعوره، واعدًا إياه أن يذكره في صلواته.

ذهب الأب القديس إلى مقر كرسيه، وبقي "صموئيل" يحمل كثيرًا من صفات معلمه.

وفي الوقت المناسب شعرت القرية باحتياجها إلى راعٍ صالح، يرعى شئون أهلها المحتاجين إلى قيادة ممتازة، ولم يكن هناك أفضل من "صموئيل" ولا لأقدر منه علي تحمل أعباء الخدمة.

لقد ذهب الراهب القديس... وترك "من ثمار المحبة هدية طبية، ما زالت تجول في القرية تصنع خيرًا.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/Full-Free-Coptic-Books/FreeCopticBooks-020-Father-Tadros-Yaacoub-Malaty/007-Short-Stories/Short-Stories-0583-fruits.html

تقصير الرابط:
tak.la/9xhtbgq